مفهوم التدمير الذاتي وكيفية التخلص منه

هل خفتَ يوماً من الحصول على الوظيفة التي تحلم بها، على الرَّغم من تمتُّعك بالمواصفات المطلوبة كلها؟



هل شعرتَ بأنَّك تحارب نفسك يوماً ما ودون قرار منك؟

هل ابتعدتَ عن ممارسة الرياضة على الرَّغم من أنَّك تدرك مدى أهميتها لصحتك وللحفاظ على رشاقتك؟ هل أهملتَ عملك ونفسك وأصدقاءك وحاولت خسارتهم دون امتلاكك لأسباب تفسر ذلك؟

تقول الطبيبة النفسية "جين براندل": "أتذكر إحدى الحالات التي عالجتها وهي عندما يشعر شخص بالاكتئاب والوحدة لدرجة الانفصال عن العالم، فيخرج ويتشاجر مع شخص أقوى منه ليقوم بضربه، فيشعر بأنَّه أقل انفصالاً عن العالم".

يقول "بيغيل وبيرمان" وهو عالِم نفسي وأستاذ في جامعة بيل الأمريكية: "في معظم الأوقات عندما ينخرط الناس في سلوك مدمِّر للذات، يوجد نوع من الشعور يصعب التعامل معه، قد يكون القلق أو الحزن أو الغضب أو الخزي أو الخمول، لكن بصرف النظر عن ذلك الشعور فهذا أمر غير مريح".

ربما ستشعر بغرابة عند قراءة ما قاله الاختصاصيون السابقون، وربما صادفت شخصاً يقوم بذلك، وربما تقوم به أنت فما هي هذه السلوكات؟ وكيف تستطيع تفسيرها؟ وهل يستطيع من يعاني منها التخلص منها؟

سيجيب مقالنا الحالي عن الأسئلة السابقة التي تراود الكثيرين.

مفهوم التدمير الذاتي:

يعرِّف علماء النفس التدمير الذاتي أو النفسي على أنَّه آلية يقوم بها اللاوعي عند الإنسان بهدف حمايته عند التعرض لخطر ما؛ أي عند الخروج من منطقة الراحة الخاصة بالإنسان؛ أي يستطيع وصف التدمير الذاتي بأنَّه وسيلة دفاع عقل الإنسان ليتجنب الشعور بالألم النفسي، ويُترجم هذا الدفاع على شكل القيام بسلوكات مُضرَّة أو مدمِّرة في بعض الأحيان منها ما يتم بوجود الوعي لها، ومنها ما يتم بغياب الوعي لخطر القيام بهذه السلوكات.

قد يبدأ التدمير الذاتي بالقيام ببعض السلوكات التي تترك آثاراً سلبية بسيطة في سير حياة الفرد كالتأخير على المواعيد الهامة، وعدم الاهتمام بالنوم الكافي؛ ومن ثَمَّ يتفاقم الأمر ليصبح مؤذياً وخطيراً جداً مثل إدمان المخدرات، والإفراط في تناول الكحوليات وتناول الأطعمة الضارة ومحاولة الحرق ومحاولة الانتحار.

إقرأ أيضاً: كيف تتفادى التحول إلى شخصية سامة؟

أعراض التدمير الذاتي:

يظهر على الشخص الذي يدمِّر ذاته سمات عديدة تدل على حالته تلك، إليك أبرزها:

1. التفاعل بحزن عند تحقيق إنجاز ما:

مع سعي الإنسان إلى تحقيق هدف ما أو حتى القتال من أجله وبذل جهود كبيرة، فإنَّه يتفاعل بحزن أو حتى بغضب عندما يصل إلى هدفه، ويقلِّل من قيمة إنجازاته ويحاول أن يمنع أي شخص من الفرح لإنجازاته نتيجة فشله في الوصول إلى الشعور بالرضى عن نفسه.

2. إثارة الجدل:

يحاول الفرد الذي يدمِّر ذاته معارضة الآخرين دائماً في أي نقاش دون وجود أسباب منطقية لذلك؛ إنَّما يشعر بالرفض لمجرد إثارة الجدل والأسوأ من المعارضة هو شعوره بالذنب لاحقاً لما أثاره من جدل ونزاعات وللمشاعر السلبية التي تسبب بها للآخرين.

3. لا يعترف بالمشاعر الجيدة:

حتى في ظروفه الجيدة وسير أموره على ما يرام فسوف يبحث عن جوانب سلبية تعكر صفو المزاج وتمنعه من الشعور بالرضى أو السعادة، وحتى إن قدَّم له شخص ما شيئاً يفرحه أو يحتاج إليه، فلن يعترف بأنَّه سعيد لذلك، أو عند ذهابه في رحلة مع أصدقائه، فسيمنع نفسه من الاستمتاع وسيبحث عن الأشياء التي تقلقه ويفكر بها.

4. عدم الالتزام:

الفرد الذي يدمِّر نفسه لن يلتزم في المواعيد الهامة كموعد تقديم الأعمال المطلوبة منه، فقد يلهو ويعبث حتى لا ينجز مهامه في وقتها المحدد، وقد يتأخر عن الموعد المتفق عليه مع أحدهم دون وجود أسباب لذلك؛ من ثَمَّ عند فقدانه للفرص الهامة سيعاقب نفسه بالحزن الكبير وسيلوم نفسه باستمرار على الرَّغم من أنَّه ربما قد فضَّل النوم على موعد هام، فبتلك السلوكات يجد سبباً جديداً ليعاقب نفسه باستمرار.

شاهد بالفيديو: 8 طرق بسيطة لاكتساب تقدير الذات

5. يضحي من أجل الآخرين:

مع أنَّ اعتقادنا بأنَّ هذا التصرف يدل على نبل الإنسان ولطفه في أحيان كثيرة، فإنَّ الفرد الذي يدمِّر نفسه يضحي من أجل الآخرين بهدف حرمان نفسه من الراحة أو السعادة أو الرفاهية فقط، كأن تتبرع بمبلغ من المال لا تمتلك غيره لشخص محتاج إليه، فتعاني ضيقاً مادياً شديداً.

6. لا يحمي نفسه:

الشخص الذي يدمِّر ذاته لا يدافع عن نفسه، ويسمح لأي شخص بإيذائه لظنِّه أنَّ الجميع لديه الحق في إساءة معاملته، فهو لا يستحق المعاملة الجيدة، ويظن أنَّ السوء المُقدَّم له حياة طبيعية ولا داعي لتجنب ذلك.

7. قطع العلاقات الجيدة:

أيضاً لظنِّه بأنَّه لا يستحق الراحة والسعادة، فإنَّه يقطع علاقته مع أي شخص يعامله بود وحب واحترام، فنجده يتجنب العلاقات العاطفية ويقطعها دون سبب وجيه لذلك، كما أنَّه سيبقى دون صداقات غالباً لأنَّه يشعر بالغرابة من أي علاقة تستمر دون صعوبات فيختلق المشكلات الكفيلة بإنهاء العلاقة.

أسباب التدمير الذاتي:

يؤكد علماء النفس والاختصاصيون بأنَّ التدمير الذاتي ليس مرضاً نفسياً؛ بل هو عرضي أو من أعراض الاضطرابات، وقد يكون عرضاً لمرض نفسي، والسبب الكامن وراء التدمير الذاتي هو التعرض لحدث صادم وقاسٍ أو عيش تجربة مؤلمة.

كيفية التخلص من التدمير الذاتي:

بعد معرفة أبرز أعراض التدمير الذاتي لا بد أنَّك استنتجت مدى خطره على مختلف جوانب حياة الإنسان الذي يعانيه وخاصة أنَّ الأمر قد يصل إلى الانتحار وإنهاء الحياة؛ لذلك يجب التخلص منه بدلاً من الرثاء للذات والإشفاق عليها من خلال القيام بما يأتي:

شاهد بالفيديو: أقوال وحكم رائعة عن التفاؤل في الحياة

1. تحديد السلوكات المدمِّرة للذات:

يجب تحديد السلوكات التي تسبب الضرر للذات قبل محاولة التعافي والتخلص منها من خلال التفكير ملياً بكل ما تقوم بالتفكير به أو ما تفعله، ويتسبب بالضرر لك من نشاطات تتسبب في خسارتك لعملك، أو تتسبب في إحباط الآخرين وابتعادهم عنك، أو تتسبب في وضع صحي سيئ لك، فاسأل نفسك عن التفاصيل جميعها التي تتسبب بإزعاجك، ولا تستطيع الإقلاع عنها كي تكون الصورة واضحة أمامك قدر المستطاع.

2. تحديد المشاعر التي وجَّهتك للقيام بالسلوكات المدمِّرة للذات:

يجب التفكير بأسباب قيامك بكل سلوك كأن تحدِّد أنَّ سبب تعاطيك للمخدرات أو الكحوليات هو محاولة نسيان حزنك على موت شخص عزيز، أو محاولة نسيان مشاعر الخذلان المرتبطة بعلاقة سابقة، أو بعدم تحقيقك لحلم والديك، وتأخرك اليومي عن العمل وإنجاز المهام هو نتيجة غضبك من مديرك؛ لأنَّه لم يمتدحك عند القيام بعمل مميز ولامك عند ارتكاب خطأ بسيط.

3. إعادة التفكير بأسباب تلك المشاعر:

ربما الأسباب التي وضعتها لتلك المشاعر السلبية من حزن أو غضب ليست منطقية أبداً؛ فشريكك العاطفي لم يخونك؛ لأنَّك شخص مهمل أو لا تستحقه؛ بل لأنَّه شخص لم يحسن تقديرك، ومديرك لامك في لحظة غضب منه، وهذا لا يعني فشلك في العمل، أما أهلك فقد وضعوا حلماً لا يناسبك وأرادوا منك تحقيقه والشيء المنطقي هو قيام كل فرد بتحقيق أحلامه بنفسه، وموت أحد الأشخاص العزيزين لم يحدث لأنَّك تستحق الحزن؛ بل تلك هي سنَّة الحياة وجميعنا معرضون للموت في أي لحظة، ومن الأفضل أن تكتب تلك الأفكار وحديثك مع نفسك مهما كان سخيفاً كي تتذكر دائماً أنَّك يجب أن تستند إلى أسباب واقعية عند الشعور بأي أمر.

4. مواجهة المشاعر:

بعد إيجاد الأسباب المنطقية لكل ما حدث معك سابقاً يجب تحدي تلك المشاعر السلبية كي تستطيع تغيير النظرة السلبية عن ذاتك، وتحويل الأفكار السلبية إلى أفكار إيجابية كأن تغير نظرتك بأنَّك لا تستحق الحب؛ لذلك لم يكن شريكك العاطفي وفياً إلى فكرة أنَّك اكتشفت خيانته وأبعده الله عن طريقك؛ لأنَّك تستحق الأفضل بكثير.

بدلاً من لوم نفسك لأنَّك لم تعمل برأي والديك وتدرس الاختصاص الذي تمنياه، فتستطيع أن تقول لنفسك بأنَّك لم تكن لتستطيع التخرج والنجاح في العمل بهذا المجال، وأنَّك يجب أن تثبت للجميع بأنَّك مُحقٌّ في اختيارك؛ عندها تتحول الأفكار السلبية إلى عبارات تشجيعية فتعود لتركز على عملك وحياتك لتثبت نجاحك.

إقرأ أيضاً: كيف تتوقف عن تدمير الذات؟

5. إعادة احترام الذات:

التي تتم من خلال تجنب الممارسات والسلوكات جميعها التي تضر بالذات، واعتماد كل السلوكات التي تجعل الإنسان بأفضل حال كأن يأخذ القرار بالاهتمام بنفسه، من خلال اتباع حمية صحية والتسجيل بنادي رياضي والالتزام بمواعيد النوم وشغل النفس قدر المستطاع بممارسة أشياء نافعة مثل التطوع في جمعيات خيرية ليشعر بمدى أهميته للآخرين، وفي حال لم يستطع القيام بذلك بنفسه تستطيع اللجوء إلى طبيب نفسي أو مدرب حياة يساعده على استعادة الراحة النفسية ويساعد على وضع الخطط المناسبة لتحقيق الأهداف.

في الختام:

التدمير الذاتي هو قيام الفرد بتصرفات وسلوكات تعود بالأثر السلبي على حياته، وتتمثل بحزنه وغضبه عند تحقيق إنجاز ما، وعدم شعوره بالرضى، ومع عدم وجود أسباب منطقية لحزنه وعدم قدرته على الاعتراف بالأشياء والجوانب الإيجابية.

إضافة إلى تسببه بالمشكلات وقطعه للعلاقات الجيدة مع الآخرين لظنه بأنَّه لا يستحق الحب أو الاحترام أو غيرها من المشاعر الجميلة، والسبب وراء ذلك هو التعرض لحادث صادم، فإنَّ ذلك لا يعني الاستسلام لتدمير الذات؛ بل يجب التخلص منه من خلال تحديد السلوكات المدمِّرة والاعتراف بالمشاعر التي تسببت بهذه السلوكات والتفكير بالأسباب المنطقية لذلك؛ ومن ثَمَّ مواجهة المشاعر السلبية وتحديدها، وتحويل الأفكار السلبية إلى أفكار تشجيعية ليستطيع الفرد استعادة احترامه لذاته، وإن لم يستطع القيام بذلك وحده يمكنه الاستعانة بطبيب نفسي.




مقالات مرتبطة