مفهوم الأمراض النفسية وتصنيفاتها

إنَّنا نعيش في مجتمع كبير يحوي العديد من العادات والتقاليد والأفكار، والتي قد يراها بعضنا صحيحة، بينما ينظر إليها الآخرون على أنَّها تقاليد بالية لا يمكنهم اتِّباعها، ورغم كل ما وصل إليه العلم من تطوُّر واكتشافات عظيمة إلَّا أنَّ النفس الإنسانية تبقى هي الأكثر تعقيداً والأكثر تشعُّباً.



وذلك لأنَّها تتَّصف بشدَّة غموضها، وكلَّما ظنَّ الباحثون والمفكرون والفلاسفة بأنَّهم وصلوا إلى حقيقتها وأحاطوا علماً بأسرارها، تبيَّن أنَّهم لم يكتسبوا إلَّا أجزاء بسيطة من خباياها، ولأنَّ النفس هي جزء لا يتجزأ من الإنسان وجب علينا التحدُّث عن المعوقات والأمراض التي تصيبها وتجعل صاحبها غير متوازن وفاقد لعقله.

إنَّ علم النفس الحديث يعتمد على الأصول اليونانية والأوروبية القديمة التي جعلته جسراً للوصول إلى مرحلة العلم الناضج، والنظريات الحديثة في عصرنا الحديث التي تحلل مظاهر السلوك الإنسانية وبواطن النفس البشرية، وفي مقالنا هذا سنتعرَّف إلى مفهوم الأمراض النفسية وما هي أسبابها وتصنيفاتها وطرائق علاجها؛ لذا تابعوا معنا.

1. ما هي الأمراض النفسية؟

الأمراض أو الاضطرابات النفسية هي أمراض أو حالات تؤثر في طريقة التفكير أو الشعور أو التصرفات أو العلاقة بالآخرين أو بالمحيط الذي نعيش فيه، وقد أصبحت شائعة جداً بين أفراد المجتمع الآن، ويملك معظم الناس أحد هؤلاء المرضى حولهم؛ في الحي، أو ضمن عائلاتهم، أو قد يعرفون شخصاً لديه أعراض ذات صلة بأحد هذه الأمراض، وبحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية، يعاني ما يقرب من مليار شخص حول العالم من الاضطرابات النفسية.

تختلف أعراض المرض النفسي من خفيفة إلى شديدة، وتتنوع آثارها من شخص إلى آخر، ويصعِّب المرض النفسي على المريض التعامل مع أمور حياته اليومية التي اعتاد على التعامل العادي والتلقائي معها.

2. أسباب المرض النفسي:

إنَّ النفس الإنسانية عميقة جداً وحساسة أيضاً، فقد تجدها تتأثر في أصغر الأمور التي تنعكس سلباً على نفسية الإنسان منذ الصغر؛ فتتراكم مع الزمن مُشكِّلةً العديد من الأمراض النفسية، والأحداث اليومية التي يمر بها الإنسان منذ صغره قد تشكل صدمات تصبح مع الزمن أمراضاً نفسية ينبغي علاجها.

قد يتعرَّض الكثيرون من الأشخاص إلى عدَّة مشكلات تَتعلق بالصحة العقلية من فترة إلى أخرى، لكن يصبح القلق المتعلق بالصحة العقلية مرضاً نفسياً عندما تسبب هذه العلامات والأعراض المستمرة والمتكررة إجهاداً، وتؤثر في قدرة الفرد على العمل.

قد تؤدي الاعتداءات أو الإساءات العاطفية أو الجسدية أو الجنسية الشديدة، أو وفاة أحد الوالدين في وقت مبكر من الحياة، أو الطلاق، أو المشكلات العائلية، أو فقدان الوظيفة، أو الضغوطات الدراسية، أو إدمان المخدرات إلى إثارة بعض الاضطرابات النفسية أو تفاقُمها لدى بعض الأشخاص، لكن من الجدير بالذكر أنَّه ليس كل مَن يمر بهذه المطبات في حياته يُصاب بمرض نفسي، فمن الطبيعي أن تشعر ببعض الحزن والغضب وعدة مشاعر أخرى عندما تكون لديك مشكلة كبيرة في الحياة، ولكنَّ المرض النفسي أمر مختلف تماماً عن تلك المشاعر الطبيعية.

إلَّا أنَّه يجب الانتباه عند الوقوع في إحدى هذه التجارب إلى عامل العمر والقدرة على التعامل مع هذه المشاعر، فكبار السن أكثر قدرة على التعامل مع هذه التجارب بسبب عدة عوامل؛ منها النضج ووجود دعم من العائلة أو الأصدقاء ومشاركتهم مشاعرهم؛ مما يجعلهم أكثر قدرة على التكيُّف مع التجربة التي قد مروا بها.

يعاني كذلك الأطفال والمراهقون وبحسب منظمة الصحة العالمية فقد يعاني واحدٌ من بين كل 5 أطفال ومراهقين من أحد الاضطرابات النفسية، والأمراض العضوية لدى المراهقين ترتبط في الغالب بمشكلات نفسية وخلاف ذلك صحيح.

يُعَدُّ الاكتئاب أحد الأسباب الرئيسة للمرض العضوي؛ إذ تلي الاكتئاب أمراض في الجهاز الهضمي أو التهاب في المفاصل أو أمراض جلدية كلها ناتجة عن القلق والتوتر.

التعرُّض للعنف الدائم في مرحلة الصغر يُحدث خللاً دائماً في الألياف العصبية بالمخ، والتي تتشكل في العقدين الأول والثاني من حياة الطفل، وهذا الخلل قد يدفعه إلى الانتحار في المستقبل.

يُعَدُّ المرض العقلي أكثر شيوعاً لدى الأشخاص الذين لديهم أقارب مصابون بمرض عقلي، وقد تزيد بعض الجينات من خطر الإصابة به، وقد يؤدي نمط الحياة اليومي الروتيني الكئيب إلى التسبُّب بذلك أيضاً.

كما أنَّ العوامل البيئية قبل الولادة؛ كالتعرُّض للضغوطات البيئية أو شدة الالتهابات أو التعرُّض للسموم أو شرب الكحول والمخدرات في أثناء فترة الحمل، يمكن أن ترتبط أحياناً بالإصابة بمرضٍ نفسي.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

3. أعراض المرض النفسي:

تختلف الأعراض والعلامات التي تتعلق بالمرض النفسي وتتباين بحسب نوع الاضطراب والأسباب وعدة عوامل أخرى، فتؤثِّر أعراض المرض النفسي في المشاعر والأفكار والسلوكات اليومية، ومن هذه الأعراض نذكر:

  1. الشعور بالحزن الدائم أو الاكتئاب.
  2. ضعف القدرة على التركيز والتفكير المشوَّش.
  3. الإفراط في الشعور بالذنب أو المخاوف الشديدة أو القلق.
  4. تغييرات حادة في الحالة المزاجية ارتفاعاً وانخفاضاً.
  5. الابتعاد عن الأصدقاء وعدم ممارسة الأنشطة المعتادة.
  6. مشكلات في النوم والتعب الشديد وانخفاض الطاقة.
  7. الانعزال عن الواقع "الأوهام" أو الهلوسات.
  8. عدم القدرة على مواجهة المشكلات اليومية أو الضغوطات.
  9. صعوبة في الاستيعاب ومشكلات في فهم المواقف والأشخاص والتعامل معهم.
  10. اضطرابات بسبب الكحوليات أو المخدرات.
  11. تغيرات كبيرة في عادات الأكل.
  12. تغيرات في الدوافع الجنسية.
  13. الغضب الشديد أو العدائية والعنف.
  14. عدم قدرة الجسم على مقاومة الالتهابات بسبب ضعف الجهاز المناعي.
  15. مشكلات في بيئة العمل أو المدرسة.
  16. مشكلات عائلية.
  17. أفكار انتحارية.

قد تظهر أحياناً أعراض اضطرابات الصحة النفسية على صورة مشكلات جسدية؛ كألمٍ في المعدة أو الظهر أو صداع أو أيَّة آلام أخرى لا تجد لها سبباً.

إقرأ أيضاً: ما هو أشد أنواع المرض النفسي خطورة؟

4. تصنيف الأمراض النفسية:

الأمراض النفسية

توجد تقسيمات متعددة ومتشعبة للاعتلالات النفسية موزعة بين أمراض واضطرابات، ويُصنَّف الاكتئاب النفسي المزمن ضمن لائحة الأمراض، فالقلق الذي يصل إلى درجة أن يؤثر سلباً في سلوكات الشخص وتفكيره، يُصنَّف بوصفه اضطراباً نفسياً قابلاً للزوال، كما تظهر الاضطرابات النفسية على شكل خوف ورهاب شديدين من أشياء معينة بحد ذاتها تسمى "حالات الفوبيا"، أو القلق العام، أو القلق الاجتماعي، أو الهلع غير المبرر، أو الوسواس القهري، أو اضطرابات ما بعد الصدمة.

قد تضطرب الجوارح النفسية الوجدانية مثل "العواطف والحالة المزاجية" وتأتي على شكل حزن شديد ومستمر غير معتاد أو سوداوية أو يأس وتُعرف باسم "الاكتئاب الشديد" أو "الاكتئاب الإكلينيكي".

يوجد أيضاً اضطراب المزاج ثنائي القطب، ويُعرف أيضاً بـ "الاكتئاب الهوسي"، وتظهر على المصاب به نوبات مزاجية أو عصبية حادة تكون مترافقة غالباً بتداخل في الأفكار وسرعة في الكلام غير طبيعية، وتُصنَّف هذه النوبات ضمن حالات الهوس.

أحياناً ما تُصاب النفس باضطرابات ذهانيه في نماذج المعتقدات والإدراك، وتصنَّف الاضطرابات من هذا النوع بالفصام أو "الشيزوفرينيا" والاضطراب الهذياني، ويدخل في هذا الإطار أيضاً "الاضطراب الوجداني الفصامي".

في علم التصنيفات النفسية يوجد أيضاً اضطراب الشخصية الاضطهادية "البارانوية"، واضطراب الشخصية الانعزالية، واضطراب الشخصية فصامية النزعة، واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، واضطراب الشخصية الهستيرية، واضطراب الشخصية النرجسية، والاضطرابات ذات الصلة بالخوف مثل: الشخصية التجنبية والشخصية الاعتمادية.

كما أنَّ الاضطرابات النفسية قد تمتد إلى الأكل، ويظهر ذلك من خلال اهتمام الشخص اهتماماً غير طبيعي يصل إلى درجة الهوس بأمور تتعلق بالطعام والوزن، ويندرج ضمن هذه الاضطرابات: فقدان الشهية العصبي، والشره العصبي، والقهم العصبي.

إنَّ القائمة التصنيفية طويلة وتشمل أيضاً اضطرابات النوم والاضطرابات الجنسية، واضطرابات الهوية الذاتية والذاكرة والوعي العام لأنَّ المصابين بها غير منسجمين مع أنفسهم ومع البيئة المحيطة بهم، وتصنَّف حالتهم في خانة "اضطراب الهوية الانفصالي"، أما اضطرابات الذاكرة أو الاضطرابات المعرفية، فتشمل فقدان الذاكرة وبعض أنواع خرف الشيخوخة.

توجد بعض الاضطرابات والأمراض التي تتسبب بظهور أعراض أمراض عضوية ولكنَّها في الحقيقة تكون ذات منشأ ومنبع نفسي، وتُصنَّف ضمن فئة "الاضطرابات النفسجسدية"، والتي تشتمل في الغالب على اضطراب التجسيد واضطراب التحويل.

من بين التشخيصات التي ما زالت موضع جدل وخلاف بين اختصاصيي العلاج النفسي هي: اضطراب الشخصية الانهزامية، واضطراب الشخصية السادية، واضطراب الشخصية السلبية العدوانية، واضطراب اكتئاب ما قبل الطمث.

5. علاج الأمراض النفسية:

الأمراض النفسية لا تُعالج من تلقاء نفسها، وقد تزداد حالة المرض سوءاً مع مرور الوقت إذا لم يُعالَج، وقد يؤدي إلى مشكلات خطيرة.

إنَّ معظم الأشخاص المصابين باضطرابات نفسية، لا يفضِّلون اللجوء إلى متخصصين للعلاج؛ خوفاً من تلقيبهم بمرضى نفسيين أو مجانين؛ مما يزيد من سوء حالتهم النفسية.

يمكن أن تكون آثار المرض النفسي مؤقتة أو طويلة الأمد، ويمكن أن يُصاب الشخص بأكثر من اضطراب من الاضطرابات النفسية في الوقت ذاته، فقد يُصاب الشخص باكتئاب واضطراب من اضطرابات إساءة استخدام العقاقير مثلاً.

إذا ظهرت إحدى علامات المرض النفسي على أحد معارفنا، فيجب التحدث إليه بكل صدق بخصوص هذه الشكوك، ومحاولة إقناعه بزيارة الطبيب، ورغم أنَّنا لا نستطيع إجبار أحدهم على مراجعة الطبيب، إلَّا أنَّنا نستطيع تقديم التشجيع والدعم النفسي له وإخباره بخطورة تفاقم المرض لديه، وما ينجم عنه من مخاطر على نفسه والمجتمع، كما أنَّنا نستطيع أيضاً مرافقته في أثناء زيارته الأولى للطبيب.

قال الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية في 10 أكتوبر: "إنَّ الصحة النفسية قد أُهمِلت لفترة طويلة للغاية، ولكنَّها تهمنا جميعاً ومن الهام اتِّخاذ المزيد من الإجراءات بخصوصها".

لقد دعا إلى زيادة الاستثمارات في الخدمات مضيفاً: "لا يجب أن نسمح بأن تمنع الوصمة الأشخاص من طلب المساعدة التي يحتاجون إليها"، وأكَّد غوتيريش أنَّه يعير اهتماماً شديداً لهذا الأمر؛ "فلا صحة دون صحة نفسية".

إقرأ أيضاً: أشهر الأمراض النفسية: أعراضها وطرق علاجها

في الختام:

لقد تعرَّفنا في هذا المقال إلى الأمراض النفسية بشكل عام، وتحدَّثنا عن أسبابها وأعراضها المتنوعة والمختلفة، بالإضافة إلى تصنيفاتها المتعددة وطرائق علاجها؛ على أمل تحقيقه للفائدة المرجوَّة منه.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة