معيارا السرعة والرخص يؤثران سلباً في القوى العاملة

تتطلب الأعمال التجارية العالمية الحديثة طريقة "أسرع وأرخص" للتفكير والعمل على تحقيق أعلى النتائج؛ وللأسف أصبح الأمر أشبه بالمقامرة، ولكن هل يقتل هذا النهج موظفيك ببطء، بينما يؤدي بهدوء إلى رفع التكاليف المتعلقة بالتغيب عن العمل ودوران العمالة والإصابات والرعاية الصحية؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدير التنفيذي "جو بارتون" (Joe Burton)، ويُحدِّثُنا فيه عن تجربته حول تأثير نهج السرعة والرخص في القوى العاملة.

بصفتي كبير مدير عمليات سابق في الشركات العامة؛ أعلم أنَّ تحقيق أعلى النتائج في الخط العلوي والخط السفلي ليس بالأمر السهل؛ إذ يتعيَّن على شركات الأعمال الحديثة أن تبذل قصارى جهدها من أجل أن تكون منافِسة، ومن الصعب تحقيق ذلك في العالم الواقعي.

يجب أن يتضمن دليل الشركة الأساسي تغيير هياكل الضرائب والاستثمار في الدول النامية والتعهيد و"التعاون الذي ينطوي على تنافس" وتنفيذ الخدمات المشتركة للبقاء في ميدان المنافسة؛ إذ إنَّ المعيارين الجديدين هما السرعة والرخص.

لقد عملتُ في ظروف عمل لم يكن فيها نمو في الأرقام، وكان ذلك أمراً محبطاً. يعمل التوريد بجدٍّ على تحقيق مدخرات تبلغ 15% خلال السنوات، ويمكن أن يكون لذلك تأثيرٌ غير مقصودٍ في علاقات الموظفين عندما يتوجه البائعون الموثوقون إلى المزودين الأرخص. وبالمثل، رأيتُ أنَّ استراتيجيات الاستثمار في الدول النامية تحقق نسبة 50% من المدخرات، ولكن من الصعب وضع معادلة تصف الوضع بشكل جيد عندما تتحسن تكاليف الخط السفلي بنسبة 10% فقط.

عادة ما تكون العلاقات العامة الداخلية رائعة - ولقد آمنت بذلك حقاً - ولكن إذا أضفتَ إلى موظفيك وإلى كل المدخرات المفترضة أعباء إضافيَّة، فالموضوع يصبح غير منطقي.

بعيداً عن الاستثمار في الدول النامية، يقدر المنتدى الاقتصادي العالمي أنَّ خمس ملايين وظيفة ستُستبدَل وستحل الروبوتات محلها خلال السنوات الخمس المقبلة. ويبدو كل من التخطيط للسيارات ذاتية القيادة وطائرات التوصيل دون طيار والأتمتة الآلية كما لو أنَّها اختراعات سنشهدها في المستقبل البعيد، أمَّا الآن فأصبح الأمر شائعاً وعنصر منافسة بين الشركات، ومرة أخرى عندما يُضغَط على الشركات لجذب المواهب والاحتفاظ بها، فإنَّ العديد من ممارسات العمل الأساسية لدينا تحمل رسالة واضحة، التي تقول: "نحن نحبك، ولكن ...".

يقدم الأشخاص البارعون في مجال معيَّن - مثل نقل المقر أو الابتكار في التعهيد - أقصى قيمة لبضع سنوات في دليل الشركة، وينشئون معياراً جديداً للأداء أو تقييم المخزون، ومن ثم يستقرون في الوقت الذي تتطلع فيه المنظمة إلى الموجة التالية. كما غنَّت المطربة "جانيت جاكسون" (Janet Jackson): "ما الذي قدمته لي في الآونة الأخيرة؟" ولكن - ومن واقع خبرتي - يوجد عدد قليل من الشركات التي تتعامل مع تأثير معيارَي السرعة والرخص في إجهاد الموظفين وصحتهم العقلية.

الخسائر الناجمة عن إجهاد الموظفين:

بينما تتمتع الشركات بمدخرات من التخفيضات الكبرى للتكاليف والاستثمار في الدول النامية، يعاني الكثير منها من تسرب هائل ومتزايد عندما يتعلق الأمر بالاضطراب الداخلي والتكلفة المتزايدة لضغوطات الموظفين. إذاً من أين يأتي هذا التسرب؟

  • الإجهاد وقلة الإنتاجية.
  • مشكلات الصحة العقلية.
  • الأرق.
  • شرود الذهن وغياب اليقظة الذهنية لدى الموظفين.
  • الأخطاء البشرية التي تتسبب بحوادث العمل.

إنَّ كل ذلك مرتبط ببعضه، ووتيرة الحياة الحديثة تستنزف الموظفين في سنٍّ أصغر بشكل متزايد، وبعد 15 عاماً تقريباً، ما الذي سيختبره موظفوك؟ وما هي المطالب التي ستضعها وتيرة الأعمال والاتصال العالمي على جداولها وعلى الصحة العقلية؟ إذا كنت تطلب من موظفيك تقبل الأمور رغماً عنهم، فقد يتعيَّن عليك إعادة تقييم أسلوبك ذاك.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتقليل إجهادك في يوم العمل

نصائح لأرباب العمل:

إذا اتفقنا على أنَّ زمن معيارَي السرعة والرخص قد ولَّى، فيصبح السؤال: "كيف يمكننا مساعدة الموظفين على أن يكونوا أصحاء وسعداء في عالم أعمال يملؤه التقلب والشك والتعقيد بشكلٍ متزايد؟".

يتعيَّن على الشركات تطوير استراتيجيات لمعالجة الزيادات في معدلات التوتر والقلق والأرق والتكاليف الطبية والإصابات، ولقد وصلنا إلى نقطة ذروةٍ؛ إذ تُختبَر مرونة الموظفين وتكيفهم العقلي عن كثب، ولكن مع عدم تدريبهم بالشكل الأمثل على ذلك.

في مرحلة ما في المستقبل القريب - دعنا نسميها الآن تجاوزاً - يتعيَّن على أرباب العمل الاستثمار في تدريب الموظفين ليكونوا مرنين مرونة أكبر من أجل صحتهم وسعادتهم، ويحتاج الموظفون إلى المهارات والتقنيات الحياتية لمساعدتهم على التعامل مع الحد الأعلى من الإجهاد في الأعمال التجارية الحديثة، وينطبق الشيء نفسه على حياتهم الشخصية؛ إذ يتزايد أيضاً الضغط الناتج عن الموارد المالية والأطفال والتعليم وما إلى ذلك.

إقرأ أيضاً: كيف تحافظ على صحة موظفيك وسعادتهم؟

فوائد التدريب على الإجهاد:

تمرينات تأمل اليقظة الذهنية: وهو حلٌّ قائم على العلم إلى حد كبير يهدف إلى مساعدة الموظفين على التقليل من التوتر، وهو تدريبٌ على التأمل والوعي لتعزيز المرونة وتركيز الانتباه والأداء بشكل أفضل في الوقت الحالي.

لقد لجأتُ إلى ممارسة تأمل اليقظة الذهنية بعد معاناة من سنواتٍ من الاستنزاف المؤسسي وآلام الظهر المزمنة، وتتجه المزيد من المنظمات إلى تدريب تأمل اليقظة الذهنية للمساعدة على الحفاظ على التوازن في ظل الضغوطات الحديثة، والمُفاجئ أنَّ ذلك يأتي بنتيجة؛ فكان هناك انخفاض بنسبة 76% في تغيُّب الموظفين الذين مارسوا تأمل اليقظة الذهنية.

  1. تمكَّن الموظفون الذين يعانون من الأرق من النوم أسرع بـ 22 دقيقة مع زيادةٍ في زمن نومهم بمقدار 30 دقيقة.
  2. زادت مستويات الأنزيم الذي يُصلِح القسيمات الطرفية التالفة بنسبة 30% عند ممارسي التأمل، التي تحمي الحمض النووي من التدهور مع تقدمنا في العمر.
  3. تمكَّن المهنيون الذين تدربوا على اليقظة الذهنية من التركيز حتى بشكل أفضل، والبقاء في مهماتهم لفترةٍ أطول، وتعاملوا مع تعدد المهمات بشكلٍ أكثر فاعلية واستطاعوا تجميع مزيد من المعلومات.

بسبب الزيادة المفاجئة للبحوثات عن تأمل اليقظة الذهنية في السنوات الأخيرة، أفادت الدراسة التي أجرتها شركة "فيديليتي" (Fidelity) بأنَّ 22% من الشركات الكبرى توفر الآن برامج للتدريب على تأمل اليقظة الذهنية لمساعدة الموظفين على الاستمرار والازدهار في ظل الضغوطات العالية مع الحفاظ على الأداء العالي.

فجأة يبدو الأمر وكأنَّه لا يحتاج إلى تفكير حتى، ولا عجب أنَّ أعظم الشركات في العالم - بما في ذلك "جي إي" (GE) و"أيتنا" (Aetna) و"فورد" (Ford) و"غوغل" (Google) و"آبل" (Apple) - تستثمر في موظفيها من خلال التدريب على تأمل اليقظة الذهنية؛ إذ إنَّ الموظفين هم أهم الأصول بالنسبة إلى أيَّة منظمة، إذا عوملوا بهذه الطريقة بالفعل، فسيتمكنوا من صنع المعجزات.

إقرأ أيضاً: أسباب الإرهاق أثناء العمل وطرق التخلص منه

تظهر النتائج خلال ثمانية أسابيع فقط:

إنَّ برامج صحة الموظفين هي التطوير الجديد الذي من الضروري أن يصبح في دليل كل شركة، والموظفون في قسم الموارد البشرية هم المحترفون الجدد الذين سيوصلون القيمة من خلال برامج الصحة القائمة على البيانات.

إنَّ تدريب اليقظة الرقمية ومهارات المرونة والصحة العقلية هي الاستثمارات الرئيسة التالية لتحسين نتائج الأعمال، مع المساعدة في الوقت نفسه على تحسين حياة الموظفين.

أما بالنسبة إلى أفضل جزء؛ فهو أنَّ الأمر لا يستغرق الكثير من الوقت لرؤية تأثيره فعلياً؛ إذ تظهر الدراسات أنَّ معظم الموظفين يمكنهم جني الفوائد من تدريب تأمل اليقظة الذهنية في أقل من ثمانية أسابيع، وهذا يتفق مع تجربتي الخاصة؛ وذلك يعني أن تكون أكثر هدوءاً وتتحلى بمزيد من رباطة الجأش، وتُحسن من نومك وتُهدئ من روعك، وبالنسبة إليَّ سأرغب دوماً في تجربة ذلك.

لا يجب أن يكون العمل عبارة عن استنزاف الموظفين ودفعهم نحو القاع؛ لذلك يجب التوقف عن إرسال رسائل إلى الموظفين تقول: "نحن نحبك، ولكن ..."، فلقد حان الوقت لتجربة إرسال: "نحن نحبك ونريدك أن تكون سعيداً وبصحة جيدة"، حتى في الأوقات العصيبة.

المصدر




مقالات مرتبطة