معضلة المكتب المفتوح: تعاون أفضل دون فقدان التركيز

تعتمد الكثير من الشركات على تصميم المكتب المفتوح؛ وذلك بهدف تحسين التواصل وزيادة التعاون وتقليل النفقات العامة عن طريق تجميع المزيد من العمال في مساحةٍ أقل، ونحو 70% من مكاتب الولايات المتحدة مفتوحة أو مقسمة بفواصل منخفضة تفصل أقسام العمل، وفقاً لـ "اتحاد إدارة المرافق الدولية" (International Facility Management Association).



ربما يبدو هذا الأمر جيداً ومعقولاً؛ فالتواصل والتعاون وتوفير التكاليف هي مساعٍ جديرة بالاهتمام، واكتساب ميزة تنافسية في اقتصاد اليوم أصعب من أي وقت مضى؛ لذلك فالعمل الجماعي ضروري.

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن "إدوارد. جي. براون" (Edward G. Brown) المؤسس المشارك في "مجموعة براون للإدارة" (Brown Management Group)، يخبرنا فيه عن تجربته في نظام المكتب المفتوح.

الانقطاع عن العمل يهدر الوقت والمال:

كل تغيير في مكان العمل له آثاره الجانبية؛ إذ يتعرض العمال في نظام المكاتب المفتوحة تعرُّضاً أكبر للانقطاعات، مثل عصابات الزمن أو الوقت؛ أي أولئك الأشخاص الذين يسرقون الوقت عن غير قصد عن طريق المقاطعة، فهم يكافحون من أجل التركيز على عملهم في مكان تنكشف فيه جميع النشاطات على مرأى ومسمعٍ من الجميع.

نظراً لأنَّ القصد من نظام المكتب المفتوح هو تعزيز التعاون، فسيكون من المفارقات أنَّ ثمن هذا التعاون ربما يكون انخفاضاً في الإنتاجية مع العمال الأقل قدرة على التركيز.

من الخطأ أن نعتقد أنَّه لا ضرر في الانقطاع عن العمل وتشتت الانتباه؛ إذ يُظهِر بحثنا الداخلي أنَّ العاملين في المكاتب على جميع المستويات يُبلغون عن خسارة ثلاث إلى خمس ساعات من الوقت الإنتاجي كل يوم بسبب الانقطاعات غير المرغوب فيها وغير الضرورية وغير المنتجة.

وفقاً لبحث نظام قواعد البيانات "باسيكس" (Basex Research)، تخسر الشركات الأمريكية 588 مليار دولار سنوياً بسبب الانقطاعات، وتكشف أيضاً استطلاعات الرأي التي أجريناها أنَّ 93% من العمال أجابوا بـ "نعم" عندما سُئلوا عما إذا كانوا يعانون من انقطاعاتٍ في العمل في كثيرٍ من الأحيان؛ إذ قالوا إنَّ 68% من هذه الانقطاعات تأتي من داخل الشركة.

وفقاً لـ "مجلة أورغانايزيشنال ستاديز" (Journal of Organizational Studies)، فإنَّ الانقطاعات التي تحدث وجهاً لوجه، تمثل ثلث الانقطاعات مقارنةً مع تلك التي تسببها عمليات تفقُّد البريد الإلكتروني أو المكالمات الهاتفية.

تأثير المكتب المفتوح:

أجاب الموظفون حين سألناهم كيف أثر فيهم عدم قدرتهم على حماية وقتهم بما يأتي:

  1. يقلل من إنتاجيتي: 66%.
  2. يقلل من كفاءتي: 77%.
  3. أرتكب المزيد من الأخطاء: 41%.
  4. يؤدي إلى مزيد من التوتر: 80%.
  5. يقلل من الرضى الوظيفي: 60%.

لذا فإنَّ السؤال المطروح على الشركات التي تنتقل إلى تصاميم المكتب المفتوح سيكون، "كيف تكتسب التعاون، دون فقدان التركيز؟".

لن يكون الحل لهذه المعضلة مادياً؛ وإنَّما من خلال تغيير السلوك، فربما يخشى الموظفون إخبار الأشخاص الذين يستغلون ويسرقون وقتهم أنَّ مقاطعتهم تسبب لهم المتاعب، وقد يعتقدون أنَّ الانقطاعات لا تضر بعملهم، ويشعرون أنَّه ينبغي عليهم التحلي بالمرونة الكافية للتسامح مع الآخرين وتغيير أولوياتهم من أجلهم.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لتخفيف مخاطر الأعمال المكتبية الطويلة

فيما يأتي أربع نقاط يجب أخذها في الحسبان عند التفكير في اتباع سياسة المكتب المفتوح:

1. معرفة التكلفة:

قبل أن يواجهوا التحدي ويستعدوا للتغيير، عليهم أن يدركوا مقدار الانقطاعات المدمرة التي ستسببها لهم على الصعيد الشخصي، وعليهم أن يحسبوا، في نهاية اليوم العادي، عدد الانقطاعات التي تعرضوا لها، وكم من الوقت "سرقت" هذه الانقطاعات من يومهم؛ فعندما يفعلون ذلك، غالباً ما يصابون بالدهشة والرعب من مقدار الوقت الذي تسرقه المقاطعات منهم؛ لذلك، يُعَدُّ هذا الأمر نقطة انطلاق هامة: احسب التكلفة.

2. التواصل:

الخطوة التالية هي مواجهة الخوف من ردع عصابات الوقت التي تحدثنا عنها آنفاً؛ وهذا يعني تعلُّم فنون التواصل والمهارات اللازمة لشرح كيف أنَّ قدرة العامل على العمل دون انقطاع تفيد أيضاً أولئك الناس؛ وذلك بالعثور على الكلمات والنبرة الصحيحة، وكيفية إيصالها، وتوقُّع كيف سيعترضون، وإعداد الردود على أي اعتراضات.

3. تحديد الوقت:

هذه هي الطريقة التي يقنع بها العمال سارقي الوقت الخاص بهم بفكرة تحديد الوقت، والتي تعني اقتطاع فترة زمنية محددة؛ إذ يمكن للعامل العمل دون انقطاع في مهمة ذات أولوية عالية ومحددة وذات وقت محدد وتتطلب انتباهه الكامل، مقاطعتها فقط في حالة الطوارئ الحقيقية.

إقرأ أيضاً: 4 نصائح مهمّة لتوفير الجهد والوقت في العمل

4. التركيز:

يشعر معظم الناس بالتركيز على أي حال، وحتى دون وجود انقطاعات، ويؤدي نظام المكتب المفتوح إلى تفاقم عادات "المقاطعة الذاتية"، لكن لحسن الحظ، توجد خطوات بسيطة يمكن للعاملين اتخاذها لتغيير تلك السلوكات؛ إذ يخضع العديد من العاملين لتدريب يتمكنوا من خلاله من التركيز - يسمى القفل البؤري؛ أي التركيز على الجزء الأكثر أهمية بالنسبة إليهم - بصرف النظر عن البيئة من خلال استخدام هذه السلوكات الجديدة المكتسبة.

إنَّه بالطبع ليس تدريباً يُؤدَّى مرَّةً واحدة وينتهي، وليس تغييراً في السلوك، لكنَّه تدريب يجب إدارته وممارسته وتحديثه وتقويته؛ من أجل جعله جزءاً من حياتهم اليومية.

إقرأ أيضاً: 15 طريقة للحفاظ على التركيز في أثناء العمل

في الختام:

يجب أن يصبح تنظيم الوقت جزءاً من خطة الموظفين في المناسبات المشتركة، بحيث يتمكنون من إنجاز المهام المسندة إليهم على أكمل وجه، ويحتاج المديرون إلى الإشراف على فاعلية تنظيم الوقت والتأكد من استخدامه للأغراض المناسبة.

عندما يجد العاملون أنفسهم في بيئة مكتبية مفتوحة، يستعيدون ساعاتٍ من الوقت كل يوم بمجرد إتقانهم لهذه التقنيات، كما يحتاج المديرون إلى التأكد من أنَّ الوقت المستعاد مزوَّد بالموارد المناسبة، وعندها فقط ستلاحظ تحسناً في التواصل وتعاوناً متزايداً داخل شركتك.

المصدر




مقالات مرتبطة