معاناة الجميع من أزمة الهوية

"مَن أنتَ؟"، مع سهولة الإجابة عن هذا السؤال للوهلة الأولى، إلَّا أنَّه يحمل مستوى من عدم اليقين؛ إذ يُعرِّف معظمنا أنفسهم من خلال العمل أو الأصدقاء أو المكان الذي نعيش فيه، ولكنَّ هذا لا يجيب عن صميم السؤال السابق. يقودنا عدم قدرتنا على الإجابة إجابةً كاملة إلى مشكلة منهجية تتمثل في عدم امتلاكنا هوية شخصية، وحين نفتقر إلى الهوية، نفتقر أيضاً إلى السعادة والحافز والوجهة ونبحث خارج ذواتنا آملين أن نجد الإرشاد.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يُحدِّثنا فيه عن أهمية تحديد هويتك الذاتية وأفضل الطرائق لذلك.

إطراء الآخرين:

ليس غريباً أن نبني وجهة نظرنا الخاصة عن أنفسنا على السعادة أو الإطراء الذي نحصل عليه من الآخرين؛ مثلاً، "أنا محامٍ، أو أنا رائد أعمال ومُخترِع، أو أنا غني، أو أنا فقير، أو أنا فاشل"، فإنَّ جميع هذه الأشياء هي ما تفعله وما تملكه، وليس هويتك وحقيقتك.

حين نبحث عن هويتنا خارج أنفسنا، فنحن نسعى إلى نيل إطراء الآخرين على جوانب في حياتنا ينبغي أن ينبع الإطراء عليها من داخلنا، وقد ذكرت آنفاً أنَّ كل فكرة تراودنا، وكل قرار نتخذه وكل فعل نفعله، ينبغي أن يستند إلى قيمنا ومبادئنا الجوهرية الخاصة؛ إذ إنَّه من خلال البحث عن إطراء الآخرين، الذي تبحث من خلاله عن نَيل السعادة، فإنَّك تُسلِّم استقرارك العاطفي إلى نزوات العالم من حولك، كما لو أنَّك تقول: "ها أنا لا أعرف فيما أفكر، هلَّا فكرت عوضاً عني رجاءً؟".

إذاً، بدلاً من البحث عن إطراء الآخرين؛ ينبغي علينا البحث داخل أنفسنا عن حب الذات والتطور؛ وبهذه الطريقة نستطيع استمداد هويتنا مباشرةً من نظرتنا المتطورة للعالم والعكس صحيح.

شاهد: 10 مهارات عملية عليك تعلمها لتطوير شخصيتك

تحديد شكل هويتك النهائي:

لإيقاف هذا الميل أو التوجُّه إلى الحصول على إطراء الآخرين، علينا تحديد هويتنا داخلياً؛ فبوجود هوية مُحدَّدة ذاتياً، نحصل على اتجاه وهدف فوري؛ وهذا يقودنا بالطبع إلى النجاح والسعادة مباشرةً.

يُخبِرنا أحد موظفي شركة "ريال سوشيال دايناميكس" (Real Social Dynamics)؛ وهي شركة كوتشينغ اجتماعية، بأن نملأ كوبَنا أولاً؛ أي بمعنى آخر، مَلء أنفسنا بالحب الذاتي وتحديد شكل هوياتنا قبل البحث خارجاً عن أجوبة للسؤال نفسه عن الهوية؛ ولفعل ذلك، ينبغي الكشف عن قيمك وأهدافك الشخصية.

فعوضاً عن استرضاء المجتمع من خلال التحول لما تظنُّ أنَّ الناس يريدونه، من الهام تحديد المبادئ التي تحكم حياتك وتضبطها؛ وبهذه الطريقة، إذا انتهى بك المطاف بأن تصبح محامياً؛ فذلك لأنَّك كنتَ مدفوعاً بأهدافك الشخصية ورغبتك في تحقيق الذات، لا بسبب دفع والديك لأقساط كلية الحقوق.

وبأخذ المثال المذكور آنفاً؛ بدلاً من تعريف نفسك بصفتك مُحامياً؛ يمكنك تحديد نفسك بصفتك شخصاً واعياً اجتماعياً يُستَدعى للدفاع عن المُستضعَفين، وبدلاً من البحث عن إطراء الآخرين؛ "أي إرادة المجتمع لحصولك على وظيفة جيدة"، وأنتَ ترى نفسك شخصاً يتَّبع قيمتهم الأساسية بالدفاع عمَّن لا يقدرون على ذلك؛ فوظيفتك بصفتك مُحامياً هي مجرد وسيلة تسمح لك بتحقيق قِيَمك، وليست هويتك كاملةً؛ لذا تتوضَّع هويتك الحقيقية حيث مبادئك وقِيَمك الإرشادية.

إقرأ أيضاً: كيف تتجاوز أزمة الهوية؟

حلُّ مشكلة الهوية:

بصراحةٍ، ما زلت أفتقد إلى هوية راسخة وثابتة للذات، وأظنُّنا جميعاً كذلك إلى حد ما؛ إذ يقودنا الصراع الداخلي لإيجاد أنفسنا إلى الشعور بحياة قاسية وعديمة المعنى، ويُذكِّرنا كاتب الرحلات والمُغامِر "رولف بوتس" (Rolf Potts) بأنَّ "الأشخاص لا يبحثون عن تجارب عادية؛ بل عن تجارب تُشعِرهم بالحياة".

وكي تحظى بتجارب تُشعِرك بالحياة؛ عليك بخوض تجارب تكون صدى لجوهر نفسك، فعندما تتمكن من تحديد قِيَمك ومن ثم إعطاء هوية لنفسك، ستحظى بتجارب تتناغم مع تلك الهوية؛ وبذلك تقودك هويتك الذاتية مباشرةً إلى تجارب إيجابية ومن ثم إلى حياة هادفة.

والمفتاح هنا هو تحديد الهوية ذاتياً؛ وذلك لأنَّنا إن حدَّدناها عن طريق الآخرين، فإنَّنا نلاحق أسلوب حياة لا نريده، ونُوهِم أنفسنا بالاعتقاد برغبتنا الحقيقية في بلوغ أهداف مُعيَّنة، ومن ثمَّ لا نستطيع فهم عدم رضانا عند تحقيقها؛ وهذا على الأرجح بسبب عدم رغبتنا فيها في المقام الأول.

أمَّا عند تحديد هويتك من خلال مبادئك وقِيَمك الداخلية، فأنت تحيا حياتك بصورة طبيعية على طريق أهداف تريدها فعلاً؛ وذلك من خلال اكتساب تجارب تتناسب مع هويتك، وتجنُّب ما هو غير ذلك.

إقرأ أيضاً: أثر التسامح في النفس، و6 خطوات لنعلِّم أبناءنا التسامح

بالنسبة إليَّ، فأنا أحب السفر ومقابلة الأشخاص، وأشعر بالحياة والمتعة القصوى عندما أخوض محادثات مميزة وغريبة الأطوار غالباً مع شخص ما، كما أشعر بالسعادة إن كنتُ قادراً على رؤية الأشياء مباشرةً من خلال عينَي شخص آخر؛ فهذا يساعدني على تحديد شكل هويتي؛ ولهذا السبب فأنا مُصِرٌّ ومهتم للغاية بريادة الأعمال وخصوصاً ريادة الأعمال المستقلة؛ إذ يمنحني النظر إلى نفسي بصفتي رائد أعمال والاعتماد في ذلك على إطراء الآخرين شعوراً زائفاً بالرضى، ولكنَّني لم أكن لأسير على هذا الطريق لولا ملاءمته لقيمي الجوهرية عن العلاقات والتواصل وتوسيع نظرتي للعالم.

إذاً، ما هي هويتك؟ كنتُ سأخبرك، ولكنَّك تعلم الآن أنَّه لا يجب أن تصغي إليَّ، اذهَب وجِدها بنفسك وستُفاجَأ بما ستجده.

المصدر




مقالات مرتبطة