مشكلات الطفولة المبكرة السلوكية التي تؤثر في تكوين شخصية الطفل

الأطفال هم الاستثمار الحقيقي لأي مجتمع، وهم براءة الحاضر وجيل المستقبل الواعد الذي وضعه الله أمانة بين أيدينا؛ لذا يجب علينا العناية والاهتمام بهم وتقديم الرعاية المناسبة لهم بهدف إعداد جيل متعلم وواعٍ ومنتج وقادر على العطاء، وبات من المعروف أنَّ ما يكتسبه الطفل في طفولته المبكرة من عادات ومهارات تمثل الأساس في تكوين شخصيته ومستقبله.



يمر الأطفال عبر رحلتهم التطورية بمواقف وخبرات تؤثر في نضجهم من النواحي العقلية والنفسية والجسمية والاجتماعية وسرعان ما تظهر آثارها في سلوكهم وتصرفاتهم، ولأنَّ الشخصية السوية هي عنوان التقدم في المجتمعات؛ فقد حظيت المشكلات السلوكية للأطفال باهتمام واسع من قِبل الباحثين في شؤون التربية وعلم الاجتماع لإيجاد الحلول المناسبة لها للمحافظة على الإنسان ذي الشخصية الإيجابية القوية والقادر على تطوير مجتمعه وتحسين حياته والسير به للحصول على الرفاهية.

ما هي مشكلات الطفولة المبكرة السلوكية؟

يبدأ الطفل باكتساب الاتجاهات الاجتماعية والتعليمية والنفسية والصحية في مرحلة الطفولة المبكرة ما بين عمر (3-6) سنوات، كما يكتسب خلال هذه الفترة قدراته التفاعلية مع البيئة المحيطة به، فلقد أثبتت الدراسات أنَّ 50% من المكتسبات الذهنية للفرد في مرحلة المراهقة في سن 17 من عمره قد اكتسبها وحصَّلها في سنيه الأولى من الطفولة، ولأنَّ الطفل يكون تحت رقابة الوالدين بشكل مستمر في هذا العمر قد يلاحظون وجود تغير في سلوك طفلهما يظهر في شكل عدم التكيف مع البيئة الداخلية (الأسرة) أو في البيئة الخارجية (المجتمع ومؤسساته كالروضة والمدرسة).

تمثل هذه المشكلات في الحقيقة انحرافاً عن السلوك الذي يُعَدُّ عادياً في مجتمع ما من حيث شكله ومدته وتكراره، وهذا السلوك يتطلب تدخلاً علاجياً، بمعنى أنَّ المشكلات التي تظهر في الطفولة المبكرة هي جملة السلوكات اللاتوافقية التي تخالف قواعد وأنظمة المجتمع وتعوق تحقيق الطفل للتكيف مع البيئة المحيطة به.

ينص القانون الأمريكي الصادر عن وكالة الصحة النفسية للأطفال رقم (94/124) على أنَّ الطفل المشكل هو ذلك الطفل الذي يبدي مشاعر وسلوكات غير مرغوبة تمنعه من إقامة علاقات اجتماعية سليمة، ويشعر بالإحباط والخوف، وتظهر لديه صعوبات التعلم ترجع إلى عوامل عقلية أو حسية، إضافة إلى بعض المشكلات الصحية.

من الصعب تحديد نموذج ثابت للأطفال الذين يعانون من مشكلات سلوكية، وذلك بالنظر إلى اختلاف المشكلات التي يعانون منها والصفات الأساسية التي يتصف بها كل فرد منهم، إضافة إلى البيئة التي ينشأ فيها، لكن يمكن أن نذكر بعض الصفات العامة التي يرجح وجودها عند كل طفل يعاني من مشكلات سلوكية؛ إذ يمكن أن توجد جميعها أو واحدة منها.

من ضمن هذه الصفات:

  • مواجهة حالة من الصعوبة في التعلُّم، لكن لا يمكن تفسير هذه الحالة في ضوء الخصائص العقلية والجسمية العامة؛ إذ تعاني النسبة الكبيرة منهم من ضعف التحصيل بسبب عدم قدرتهم على الإنصات الجيد ومحدودية مهاراتهم اللفظية والكتابية.
  • بالنسبة إلى الشكل الخارجي فكل من الطلاب المشكلين أو غير المشكلين لهم نفس الهيئة ولا يمكن تمييزهم من حيث الشكل والترتيب في الملابس.
  • ظهور نمط من المشاعر وكذلك سلوكات غير مبررة في مواقف معينة، إضافة إلى التقلبات المزاجية السريعة؛ إذ يمكن أن ينتقل من حالة الفرح إلى البكاء مباشرة ومن الهدوء إلى الحركة المفرطة دون وجود سبب مقنع لذلك التصرف.
  • العجز عن إقامة علاقات جيدة مع زملائه ومعلميه وبقية أفراد المجتمع ضمن محيطه.
  • تحكُّم مشاعر الاكتئاب والعزلة فيه وانخفاض مستوى تقدير الذات والثقة بالنفس، فلا يرغب بمشاركة الآخرين نشاطاتهم، كما أنَّه متسرع ومندفع في قراراته وكلامه.
  • الميل إلى العدوان بشكليه الجسدي واللفظي سواء نحو الذات أم نحو الآخرين، فقد يقوم بضرب أو ركل الآخرين أو قذفهم بالشتائم.
  • ظهور ميل إلى ادعاء الأمراض الجسمية لا سيما ضمن المدرسة.
  • الميل إلى الحصول على اهتمام المعلمين بشكل أكبر من غيرهم داخل غرفة الصف أو خارجها.

شاهد بالفديو: 8 أخطاء شائعة في تربية الأطفال

متى يجب العلاج من المشكلة السلوكية التي يعاني منها الطفل؟

  • تكرار المشكلة: عندما يلاحظ الوالدان السلوك الذي يجدانه غير طبيعي وغير محمود لا بالنسبة إليهما ولا بالنسبة إلى المجتمع عليهما التأكد من تكرار حدوثه، فظهور سلوك شاذ وقيام الطفل به مرة أو مرتين فقط لا يجعل منه مشكلة سلوكية تستوجب العلاج، فهو هنا سلوك عارض وسوف يختفي من تلقاء نفسه، فالطفل الذي يكذب مرة ولا يكررها أو من تلقاء نفسه أو استجابة لنصائح الآخرين لا يمثل ذلك خطراً على شخصيته، فالذي يعاني من مشكلة سلوكية هو من يكرر سلوكه لعدد كبير من المرات.
  • تسبب المشكلة بإعاقة نموه واختلاف سلوكه اختلافاً كبيراً عن سلوك أقرانه.
  • تدنِّي تحصيل الطفل الدراسي وتدني حصوله على المهارات والخبرات مقارنة بزملائه السويين، الأمر الذي سوف يؤثر بطبيعة الحال في مستقبله.
  • تسبب المشكلة بإعاقة نفسية للطفل، فمثلاً ضعف قدرة الطفل على تكوين العلاقات الاجتماعية يمنعه من التمتع بالحياة مع نفسه ومع الآخرين ويؤدي إلى شعوره بالكآبة والتعاسة والمعاناة، واستمرار ذلك قد يفقده التوازن النفسي واستقراره الانفعالي.

مشكلات الطفولة المبكرة السلوكية وعلاجها:

1. مشكلة السرقة:

هي محاولة الطفل الاستحواذ على شيء ليس له دون الحصول على إذن صاحبه؛ أي امتلاك شيء ليس له حق فيه، وذلك بإرادة كامله منه وعن سبق إصرار، والسرقة فعل مكتسب عن طريق التعلم عادةً ما يبدأ الطفل به بين عمر 4 إلى 8 سنوات، وإذا استمر به تحول إلى جنوح في عمر المراهقة.

في الواقع يدرك الكبار معنى السرقة إدراكاً جيداً وأبعادها وأخطارها ونظرة القانون والدين والمجتمع لها، لكنَّ الطفل لا يعي ذلك تماماً، فالأطفال يتعلمون أنَّ هذا السلوك خطأ وخطير عندما يعلمونهم الآباء ذلك فقط ويعاقبونهم عند اقترافهم إياه.

توجد مجموعة من الأسباب التي تدفع بالطفل للسرقة منها:

  • البيئة الاجتماعية التي يعيش الطفل ضمنها، فوجود الطفل ضمن جماعة تمارس فعل السرقة أو تمدحه وتشجعه سوف يدفعه إلى اتخاذ هذا السلوك تقليداً لهم.
  • ترك الأهل الطفل يفعل ما يشاء وعدم تعليمه التمييز بين أشيائه التي يملك حرية التصرف بها وبين أشياء غيره التي يجب عليه ألا يقربها دون الاستئذان من صاحبها مهما كانت بسيطة.
  • الشعور بالنقص ومحاولته إثبات أنَّه الأقوى لا سيما إذا كان أصدقاؤه من رفاق السوء فتوجد المنافسة بينهم فمن يسرق أكثر يكن أقوى.
  • إذا كان الطفل يعاني من وضع مادي سيئ فقد يشتهي ما يملكه الآخرون ويدفع به إلى سرقتهم.
  • متابعة وسائل الإعلام أو أفلام المغامرات أو برامج الكرتون التي يمارس أبطالها السرقة.
  • حرمان الطفل من شيء ما يحب امتلاكه وهو يريده بشدة.

لعلاج مشكلة السرقة يجب:

  • تأمين مستلزمات الطفل الأساسية ومحاولة توفير الأشياء التي يحبها أو تعجبه لدى الآخرين كي يعرف أنَّه يستطيع الاعتماد على الوالدين وطلب ما يريد منهما دون أن يحتاج إلى سرقة أحد، كما يجب تحديد مصروف خاص بالطفل يُعطى له وتتم مساندته حتى يتعلم كيفية إنفاقه، وما هي الأشياء التي يحبذ أن يشتريها به لتعويده على تحمُّل المسؤولية.
  • تعليم الطفل القيم والعادات والتقاليد السائدة في المجتمع وتعليمه احترام الآخرين وممتلكاتهم والمحافظة عليها حتى في حال عدم وجودهم، فوجود الطفل في بيئة اجتماعية تنتشر فيها الأخلاق سيدفعه إلى التحلي بها هو أيضاً، ويمكن تعلميه ذلك عبر قص القصص والروايات عليه وإظهار عواقب الأفعال السيئة.
  • عدم التشهير بالطفل الذي يقوم بالسرقة حتى لا يعتقد أنَّه أصبح هكذا ويكرر فعله باستمرار؛ بل يجب وضع خطة لمنعه من ذلك عبر استخدام أسلوب التعزيز، فاليوم الذي لا يسرق به أعطه مالاً أو اصطحبه في نزهة.
  • منح الطفل الحب والحنان ومرافقته خلال يومه كي يشعر بأهميته وبأنَّه محطُّ اهتمام كي لا تتولد لديه عقدة نقص نتيجة الإهمال.
  • الحرص على مصادقة طفلك أصدقاء جيدين والابتعاد كل البعد عن رفاق السوء.
إقرأ أيضاً: ظاهرة السرقة عند الأطفال وطرق التعامل معها

2. مشكلة الكذب:

الطفل الكاذب هو الذي يحاول إخفاء الحقيقة ويتجنب قولها، ويكذب الأطفال عادة لأسباب عدة منها:

  • الهروب من عقاب الوالدين عن سلوك سيئ قام به.
  • الرفض لأحداث أو خبرات غير سارة مر بها سابقاً ولا يعرف كيف يتصرف حيالها.
  • مشاهدة الكبار يكذبون والرغبة في تقليدهم لا سيما إن كان ذلك الشخص الذي يرغب في تقليده ممن يحبه.
  • التفاخر وإثبات الذات وكسب الحب.
  • القسوة التي يعامَل بها عند اقترافه خطأ ما.
  • الغيرة من الإخوة أو الأصدقاء.

لعلاج مشكلة الكذب يجب:

  • تعويد الطفل على قول الحقيقة والمصارحة مهما كان نوع الخطأ الذي قام باقترافه دون أن يخاف من العقاب الذي يُعَدُّ في الحقيقة أسلوباً مضللاً لتعديل السلوك.
  • زرع المفاهيم الأخلاقية وتوضيحها.
  • عدم إهانة الطفل أمام إخوته أو زملائه، فذلك يسبب تدني مستوى تقدير ذاته ويمكن أن يجعله يعاني من عقدة النقص.
  • التفريق بين الكذب والخيال، فالكثير من الأطفال يحبون التخيل فيقولون أشياء لم يفعلوها.

3. مشكلة التخريب:

يعني وجود رغبة لدى الطفل بتدمير وتخريب الممتلكات سواء الخاصة به أم بغيره، لكن ليس كل تخريب هو مشكلة سلوكية فبعض الأطفال يخربون بدافع الاستطلاع فقط.

من أسباب مشكلة التخريب:

  • عدم وعي الأطفال بقيمة الأشياء أو آثار ذلك.
  • معاناة الطفل من اضطراب فرط النشاط والحركة.
  • وجود مشاعر الغيرة لدى الطفل من الآخرين فيلجأ إلى تخريب ما لديهم كي يزعجهم.
  • حب الاستطلاع والميل إلى التعرف إلى مكونات الأشياء وطريقة عملها.
  • الشعور بالنقص والظلم، وهذا يدفع الطفل إلى التخريب بوصفه نوعاً من إثبات الذات.

لعلاج هذه المشكلة يجب:

  • معرفة الأسباب الكامنة خلف سلوك التخريب إن كان بقصد تحطيم الشيء أو كان مجرد الاستطلاع عليه، بمعنى يجب تحديد إن كانت الأسباب شعورية أو لاشعورية.
  • التقليل من الأوامر والنواهي وما الذي يجب أن يفعله وما هي الأشياء التي يجب الامتناع عنها بطريقة تدفعه إلى الملل فيعوض ذلك بالتخريب؛ لذا يجب التوسط في إعطاء التوجيهات.
  • إشباع حالة حب الاستطلاع التي توجد عند الطفل، وتوفير أنواع من الألعاب القادرة على ذلك مع ضرورة مراعاة سنه عند اختيارها.

4. مشكلة الغيرة:

تمثل الغيرة العامل المشترك للكثير من المشكلات التي تصيب الأطفال، والغيرة من المشاعر التي يمكن أن يُعَدَّ وجودها أمراً طبيعياً لدى الإنسان عموماً، ويجب على الأسرة أن تتقبل وجودها دون أن تسمح بنموها واستمرارها، ففي الحقيقة وجود القليل من الغيرة مفيد أحياناً؛ إذ تدفع الفرد إلى تحسين أعماله باتجاه تحقيق التفوق.

تسبب كثرة الغيرة ضرراً بالغاً على شخصية الطفل، فالعدوان وظهور النزعة للأذى والتخريب والأنانية كلها من نتائج وجود الغيرة، فالغيرة عامة هي شعور مؤلم يتولد نتيجة شعور الطفل بخيبة الأمل لعدم تحقق رغباته بينما استطاع طفل آخر تحقيقها، والغيرة شعور يجمع بين حب التملك والغضب.

لعلاج مشكلة الغيرة يجب:

  • منح الطفل الحب والحنان وإشعاره بقيمته وأهميته في الأسرة.
  • تعويد الطفل على احترام الآخرين ومراعاة حقوقهم وأنَّ الحياة تتطلب منه أن يكون كريماً قبل أن يأخذ.
  • تعليم الطفل خوض المنافسات الشريفة مع الآخرين وأن يتقبل الخسارة بروح رياضية.
  • العمل على زيادة ثقة الطفل بنفسه والتقليل من شعوره بعقدة النقص.
  • تعويد الطفل على تقبل التفوق وكذلك تقبل الهزيمة، وأنَّه يجب أن يعمل على تطوير ذاته وتحسينها دون أن يشعر بالغيرة من أحد.
  • تعامُل الأسرة مع الأخوة بعدل ومساواة دون تمييز بينهم.
إقرأ أيضاً: غيرة الأطفال، أسبابها وكيف نتعامل معها؟

5. مشكلة العناد:

رفض الطفل القيام بما يُطلب منه سواء من قِبل الأسرة أم المعلمين، ويتطور العناد إلى مشكلة نتيجة إهمال مؤشراته الأولية؛ أي عندما يكون في حدوده الطبيعية، فإن تحول العناد الطبيعي إلى عناد مستمر دون علاج يؤدي إلى آثار سلبية في شخصية الطفل بسبب نزوعه إلى المعاكسة والمشاكسة ومعارضة الآخرين باستمرار والتمرد على قراراتهم، وللتخلص من هذه المشكلة يجب توجيه الطفل وتعليمه أهمية الالتزام بما يقوله الكبار واحترامهم واحترام طلباتهم.

شاهد بالفديو: 10 خطوات ليتعلم الأطفال من أخطائهم

في الختام:

توجد مجموعة كبيرة من المشكلات السلوكية الأخرى لا يسعنا حصرها ضمن هذا المقال، ولكنَّها لا تقل أهميةً عن المشكلات السابقة (السرقة، الكذب، الغيرة، التخريب، العناد)، مثل مشكلة الاعتمادية التي تعني اتكال الطفل على الآخرين في كل شيء من حيث طلب الدعم والمساعدة والحب وإدارة شؤونه كافة.

أيضاً مشكلة الرفض التي تتجلى في عدم الاستجابة للأوامر ومخالفتها، وهناك وتشتت الانتباه والانطواء والعزلة وغيرها الكثير، فمهما كانت المشكلة يجب أن نعرف أنَّه بوجود الوعي يمكن حل أيَّة واحدة منها، فيجب البحث عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراءها وإيجاد حل مناسب يعيد الطفل إلى حالة التوازن والاستقرار النفسي.




مقالات مرتبطة