مخاطر الحياة المملوءة بالمشاغل وكيفية التعامل معها

قول الفيلسوف والشاعر الأمريكي "هنري ديفد ثورو" (Henry David Thoreau): "لا يكفي أن تكون مشغولاً فحسب؛ فالنمل دائم الانشغال أيضاً؛ بل ما يهم هو الأمور التي تُشغِل نفسك بها"



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "إرين فالكونر" (ERIN FALCONER)، وتُحدِّثنا فيه عن مخاطر الحياة ومشكلاتها المملوءة بالمشاغل والواجبات وكيفية التقليل من ذلك.

لا بُدَّ أنَّك شعرتَ يوماً بهاجسٍ لملءِ وقتك بشيءٍ تفعله، وكأنَّك مُكرَه على ذلك، كما لو أنَّ الحياة سيلٌ لا متناهٍ من الأعمال والنشاطات التي هدفها إبقاء المرء مشغولاً بالكامل، وليس من الهام نوعُ النشاطات التي تمارسها ما دمتَ مشغولاً وتملأ وقتَك بها كاملاً، سواء أكانت ممارسة الألعاب على الإنترنت أم البحث عن آخر المستجدات على تطبيق "فيسبوك" (Facebook).

لقد ارتفعَت مستويات التوتر والقلق لديَّ ارتفاعاً شديداً وسريعاً عندما عشت حياة مزدحمةً بالأعمال والواجبات، وشعرتُ بأنَّ الحياة مُتعبة فيما دفعتني إلى ممارسة كل شيءٍ بصفته واجباً فقط دون بذل أي جهد حقيقي أو الشعور بالحماسة والسعادة خلال ذلك؛ فقد وُجِدَ دوماً أمرٌ ما يتحتم عليَّ فعله أو تنفيذه مثل التسجيل في دورة تدريبية ليلية في أثناء عملي في وظيفة بدوام كامل.

لا أريد أن يُساء فهمي في هذه النقطة؛ فأنا لستُ معارضةً لأخذ الدورات أو الدروس الليلية في سبيل تطوير المرء لنفسه وتحسين إمكاناته؛ لكنَّني لم أجدْ أيَّ هدفٍ أو مغزىً مفيداً للتسجيل في الدورة بالنسبة إلي سوى ملْءِ وقتي فحسب والشعور بالارتياح لكوني مشغولةً دوماً.

لقد شعرت بالتعب والإرهاق الشديدَين في نهاية اليوم، إضافة إلى شعوري المستمر تقريباً بوجود أشغال وواجبات كثيرة يتحتم عليَّ تأديتُها بسرعة وكأنَّني أركض وألهث طوال الوقت، فضلاً عن مشكلات النوم واضطراباته التي عانيتها مراراً وتكراراً في الماضي؛ فلم أكنْ عندَها سيدة عقلي وتصرفاتي؛ بل كنتُ عبدةً لعشوائية الأوامر التي يبتدعها عقلي وفوضويتها.

لقد استمرَّ ذلك الحال إلى حين إصابتي بانهيار عصبي نتيجة القلق واضطراري لمراجعة الطبيب؛ إذ فقدت السيطرة على حياتي التي تنهار شيئاً فشيئاً وأتعرض لهجماتٍ متعددة من نوبات القلق والهلع، وقد حدث هذا أيضاً عند مواجهة كمية العمل الشاق والمطلوب إنجازه خلال النهار.

أهمية تغيير نمط الحياة المتمثل بالانشغال الدائم:

نصحني الطبيب بتغيير نمط حياتي المزدحم والمملوء بالأشغال والواجبات وبأن أكون أكثر هدوءاً واسترخاءً، ولم تكُنْ حالتي الصحية آنذاك خطيرةً جداً لحسن الحظ؛ ومن ثَمَّ لم أحتَج إلى تناول أية أدوية لعلاجها.

أدركتُ بعدَها أنَّه يجب أن أصل إلى منشأ السبب الذي دفعني إلى عيشِ حياة مزدحمة ومملوءة بالمشاغل، وهو شعوري بالفراغ والسخط والضجر والذي حَمَلتُه في داخلي لسنوات عدة حتى الآن؛ لذا قررتُ في هذه المرحلة أنَّني بحاجة إلى إحداث تغييرٍ جذري وكبير على طريقة عيشي لهذه الحياة؛ فقلتُ لنفسي إنَّ هدفي الأساسي في الحياة لا يتمثل في السعي وراء الأمور المادية، وإنَّني أستطيع عيشَ حياة بسيطة وسعيدة في الوقت الذي ما أزال فيه أستمتع بالثراء المالي.

الآن، أحاول توجيه تركيزي على نفسي وأكتشف تدريجياً الجانب الروحيَّ منِّي، وأتعلم خلال ذلك أن أكون على طبيعتي الصادقة والحقيقية وأن أختارَ ممارسة النشاطات التي أحبُّها فعلاً.

أهمية اليقظة الذهنية:

لقد ساعدتني جداً ممارسة التأمل بيقَظة وانتباه وأصبحت حياتي أقلَّ ازدحاماً وانشغالاً الآن؛ إذ بدأت بممارسته بانتظام، واستخدمتُ طريقة أو تقنية التأمل التنفُّسي على وجه التحديد، وأصبحت قادرةً تدريجياً على أن أكون أكثر يقظةً وتنبُّهاً لِما يحدث داخل عقلي المزدحم من خلال الوعي والانتباه لأنفاسي خلال الشهيق والزفير، وأتعلم كذلك أن أعتاد شيئاً فشيئاً على التوقف قليلاً خلال اليوم لأخذ بضعة أنفاس عميقة والاسترخاء بعضَ الشيء، والذي من شأنه أيضاً أن يقوي سرعة بديهتي وقدراتي الحدسية.

أستطيع من خلال هذه العملية فصل نفسي عن أفكاري وفوضى عقلي بسهولة أكبر، فقد أصبحتُ الآن أشبهَ بمتفرجة أو مُشاهِدة لِما يحدث داخل عقلي؛ فبدلاً من اتباع كل فكرةٍ تخطر على بالي والانسياق وراء أي رغبة عارمة، أخصِّص لنفسي وقتاً للتنفس قبل أن أقرر صرفَ النظر عن تلك الأفكار أو اتباعها وتنفيذها، وهي واحدةٌ من الطرائق الرئيسة التي أستخدمها.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات لممارسة تأملات اليقظة الذهنية

أهمية الامتنان:

يساعد امتلاك عقل يفيض بالشكر والامتنان على حل مشكلات عديدة في الحياة؛ لذا حاول دوماً إيجاد الجانب المُشرق والإيجابي للأحداث التي تُصيبك مهما بدَت سلبية وتشاؤمية، ولا يُعدُّ الاعتياد على الشعور بالشكر والامتنان سهلاً كما يبدو؛ فلا أحد يستطيع أن يكون ممتناً لحدثٍ سلبي وسيئ في حياته؛ لكنَّني أدركتُ بعدَها أنَّه يجب على المرء أن يعثر دوماً على شيءٍ إيجابي خلال الأحداث والتجارب المؤلمة التي يمر بها.

إقرأ أيضاً: 5 طرق لتنمية شعور الامتنان

مع أنَّني قد لا أحبُّ بعض الأشياء المُعيَّنة التي تحدث في حياتي، فإنَّني سأشعر بسوءٍ أكبر إن نددتُ بها واستنكرتُها أكثر، وأكتشفُ حين أتعهدُ بأن أشعر بالسعادة والفرح نتيجة الإنجازات التي حققتُها خلال اليوم أنَّ مستوى الانشغال ينخفض في حياتي كذلك؛ إذ يتوقف عقلي عن حثِّي على فعل المزيد، والتقليل من شأن الواجبات والأعمال التي نفَّذتُها؛ لذا أصبحتُ قادرةً على الراحة والاسترخاء بصورة أكبر.

تبسيط الحياة:

أخيراً، قد يساعد عيشُ الحياة ببساطة على التخلُّص من هاجس الانشغال الدائم؛ فمن خلال تقليل الاحتياجات في حياتي، أجدُ نفسي أكثر راحةً واسترخاءً، كما تزداد قدرتي على التسامح والتساهل والانفتاح على الآخرين وتقل حاجتي إلى إثبات جدارتي وقدراتي؛ ومن ثَمَّ فقد انخفض مستوى الضوضاء أو الضجيج العقلي لديَّ.

على خلاف النهج التقليدي المتمثل بالاضطرار لجمع ثروة ضخمة والاستمتاع بحياة من الرفاهية والترف، اكتشفتُ أنَّ عيش الحياة ببساطة هو السبيل الأمثل للاستمتاع بها؛ إذ يجب عليَّ عدم إثبات جدارتي وقدراتي لأي أحد، كما اكتشفتُ لاحقاً أنَّ الحياة البسيطة تخفف من مُعدَّل التوتر والقلق في حياتي وكذلك من مستوى الانشغال والازدحام فيها أيضاً.

إقرأ أيضاً: 7 طرق سحريّة لتبسيط الحياة

لا شكَّ أنَّ الوفرة والثراء المالي اللذان يقودان في النهاية إلى الحرية المالية من أهم الأهداف التي أرغب في تحقيقها في حياتي؛ لكنَّني أدرك مع ذلك أنَّه ما يزال باستطاعة المرء أن يعيش حياة بسيطة في أثناء سعيه إلى تحقيق ذلك الهدف، فلا تعارضَ بين هذين الأمرين على الإطلاق.




مقالات مرتبطة