متلازمة القلب المنكسر: أسبابها وطرق علاجها

"انكسر قلبي"، عبارةٌ نرددها دائماً عند شعورنا بألمٍ كبيرٍ يعتصر قلوبنا دون أن ندرك حقيقة الجذور الطبية لهذه الجملة المتداولة بكثرة، فهل فكرتم يوماً أنَّ هذا الشعور هو في الحقيقة حالة مَرضية مُشخَّصة طبياً لها أعراضها ومضاعفاتها وأسبابها وطرائق علاجها؟ وهل فكرتم مرة أنَّ الشعور بهذه الغصة في القلب سببه اعتلالٌ مؤقت في عضلة القلب يرجع إلى عوامل وأسباب عدة؟ سنتعرف إلى كل ذلك بالتفصيل في هذا المقال.



ما هي متلازمة القلب المنكسر؟ وما هي أعراضها؟

أول من وصف متلازمة القلب المنكسر هو طبيب قلب ياباني؛ وذلك في عام 1990، ومن الشائع استخدام كلمة "تاكوتسوبو" للإشارة إلى هذه المتلازمة، وهي كلمة يابانية تعني وعاء صيد الأخطبوط، وسبب إطلاق هذا الاسم على هذه المتلازمة هو التشابه الحاصل بين شكل عضلة القلب المُصابة وهذا الوعاء المعروف بعنقه الضيق وقاعه العريض، وهذا تماماً الشكل الذي تأخذه عضلة القلب المكسور نتيجة تضخم البطين الأيسر.

فيتعطل عمل الجانب الأيسر من القلب بعد الإصابة، وهذا ما يجهد بقية القلب ويجبره على بذل جهد إضافي لتعويض هذا النقص الحاصل؛ وهذا ما يؤثر بطبيعة الحال في قدرة القلب الطبيعية على ضخ الدم. وتحدث متلازمة القلب المنكسر بعد المرور بتجارب عاطفية سيئة أو التعرض لظروف قاسية يتطلب التعامل معها سيلاً جارفاً من الأحاسيس والمشاعر التي تجتاح القلب فترهقه وتفطره؛ وهذا ما يجعل المصاب يشعر بألم شديد وكأنَّه على وشك الإصابة بنوبة قلبية.

وقد تحدث هذه المتلازمة أيضاً بعد القيام بجراحة خطيرة أو نتيجة الإصابة بنوع محدد من الأمراض الجسدية الخطيرة، ولا تؤثر متلازمة القلب المنكسر في عمل عضلة القلب بالكامل؛ بل يقتصر تأثيرها في جزء واحد فقط منه، ويسبب هذا التأثير تعطيلاً مؤقتاً لوظيفة القلب الطبيعية في ضخ الدم، وعليه فإنَّ متلازمة القلب المنكسر حالة قلبية مؤقتة تحدث أكثر الأوقات بعد التعرُّض لمواقف تسبب التوتر والتعب النفسي، أو بعد القيام بجهد بدني شديد.

ومتلازمة القلب المنكسر ليست الاسم الوحيد لهذه الحالة، فقد تسمى أيضاً بأحد الأسماء الآتية: اعتلال عضلة القلب الإجهادي، واعتلال تاكوتسوبو لعضلة القلب الذي ذكرنا فيما سبق سبب التسمية الذي يعني فخ الأخطبوط، ومتلازمة التضخم القِمِّي.

أعراض متلازمة القلب المنكسر:

تتشابه أعراض هذه المتلازمة كما ذكرنا منذ قليل مع أعراض النوبة القلبية، فتشمل ألماً مستمراً في الصدر وضيقاً في النفس، ومن الجدير بالذكر أنَّ أي ألم في الصدر قد يكون مؤشراً للإصابة بنوبة قلبية؛ لذلك لا يجب التهاون والاتصال بطبيبك الخاص واستشاراته أو الاتصال بالطوارئ في حالات الألم الشديدة. وهنا لا بد أن يخطر في بالنا السؤال الآتي "كيف يمكنني التمييز بين هذه المتلازمة وبين النوبة القلبية؟" كما ذكرنا آنفاً، تؤثر هذه المتلازمة في جزء من القلب فقط، وعلى الرغم من أنَّ تدفق الدم في الشرايين يكون قليلاً، إلا أنَّ الانسداد الكامل لا يحدث، أما في حالة النوبة القلبية يحدث انسدادٌ كاملٌ أو شبه كامل لأحد الشرايين.

وتترافق الأعراض السابقة مع بعض العلامات الأخرى، مثل زيادة طفيفة في أنزيم القلب، وتعرُّق، ودوار، وإغماء، وقيء، وضعف، وانتفاخ في البطين الأيسر. وغالباً ما تظهر الأعراض خلال فترة تمتد من دقائق إلى ساعات بعد التعرُّض للمحرِّض الذي سبب الاستجابة الانفعالية الشديدة التي أدَّت إلى إفراز هرمونات التوتر التي تسبب ضعفاً مؤقتاً لعضلة القلب.

من الطبيعي حدوث العديد من التغيرات المؤقتة على عضلة القلب بعد الإصابة بالمتلازمة فنلاحظ مثلاً:

  1. عدم انتظام في ضربات القلب؛ وذلك لأنَّ النمط الطبيعي والثابت لإيقاع ضربات القلب تعطَّل.
  2. تضخم الجزء السفلي من البطين الأيسر مؤقتاً أيضاً.
  3. تقلصات أكثر قوة من الوضع العادي في مناطق من القلب.
إقرأ أيضاً: عادات يوميّة تؤدي لتدمير الصحة النفسيّة للإنسان

ما هي أسباب الإصابة بمتلازمة القلب المنكسر؟

يرجَّح أنَّ سبب الإصابة يرجع إلى طفرة من هرمونات الإجهاد تسبب ضرراً مؤقتاً لعضلات القلب، وللعلم فإنَّ هذه الهرمونات تُفرَز من قِبل الجسم حتى يتعامل مع الإجهاد الذي يحدث نتيجة العديد من العوامل والظروف التي يمر بها الشخص خلال حياته.

الحقيقة أنَّه لم تُحدَّد حتى الآن الأسباب تحديداً دقيقاً وكل ما نذكره عبارة عن أسباب مُحتملة، فمن الوارد أيضاً أن تسبب الضيق المؤقت في شرايين القلب الصغيرة أو الكبيرة هذه المتلازمة، وتناول أدوية معينة ولو بحالات نادرة يمكن أيضاً أن يكون سبباً في الإصابة مثل الأدوية المستخدَمة عند حدوث نوبات الربو الشديدة أو أدوية القلق.

من الجدير بالذكر أنَّ متلازمة القلب المنكسر معظم الأوقات تحدث بعد التعرض لتعب عاطفي أو بدني شديد، فقد تحدث بعد نوبات الربو الشديدة أو نتيجة الإصابة بفيروس كوفيد-19 أو بعد القيام بعمليات جراحية، وعند المرور بمواقف تسبب استجابات انفعالية شديدة مثل حوادث الوفاة والطلاق أو في أثناء النقاشات الحادة، وبعد التعرُّض للتعنيف سواءً الجسدي أم اللفظي، أو بعد الخسارات المفاجئة للأملاك أو الأموال.

إنَّ حالات الفرح الشديد مثل السعادة العارمة التي يشعر بها الشخص عند عودة شخص عزيز من السفر أو الفوز باليانصيب قد تسبب هذه المتلازمة، وتنتشر متلازمة القلب المنكسر عند النساء أكثر من الرجال، كما أنَّ عوامل الخطر والإصابة تزداد بعد 50 عاماً وعند الأشخاص المصابين بالاكتئاب.

تبلغ نسبة إصابة النساء اللواتي تتراوح أعمارهنَّ بين 58 و75، 88.3% من مجموع الحالات المصابة؛ وذلك وفقاً لدراسة أجراها باحثون أمريكيون، وترجع الأسباب في 36% منها إلى الأسباب الجسدية، في حين أنَّ 27.7% من الأسباب ترجع إلى الصدمة، وعند 28.5% من الإصابات لم يُعثر على محفزات للإصابة.

عموماً لا توجد مضاعفات خطيرة لهذه المتلازمة، وغالباً ما يتم الشفاء خلال أسابيع أو أقل دون أي آثار جانبية كما أشار أحد أطباء القلب، وعلى الرغم من ذلك توجد بعض من المضاعفات التي يجب ذكرها مثل: فشل القلب، والإصابة بالجلطات الدموية نتيجة لضعف العضلة القلبية، وقد يحدث انخفاض في ضغط الدم، ووذمة رئوية، وعدم انتظام ضربات القلب.

لتجنب الإصابة بالمتلازمة مرة أخرى مستقبلاً، ينصح الأطباء بالعلاج بحاصرات مستقبلات بيتا أو الأدوية البديلة التي تهدف لمنع الآثار الناتجة عن التوتر والتي تلحق الضرر بعضلة القلب.

شاهد بالفديو: 12 نصيحة للحفاظ على الصحة النفسية

كيف يتم تشخيص متلازمة القلب المنكسر وعلاجها؟

نظراً للتشابه بين أعراض هذه المتلازمة وأعراض النوبة القلبية، فإنَّ التشخيص قد يكون مربِكاً، وبدايةً يجب التأكد من التاريخ المَرضي للمريض، ويجب طرح العديد من الأسئلة المتعلقة بطبيعة الظروف التي يمر بها المريض خلال هذه الفترة.

حرصاً على دقة التشخيص لا بد من استخدام الطرائق المعروفة في التشخيص وهي:

  1. تخطيط القلب لتسجيل نشاط القلب الكهربائي والتحقق من نظم القلب.
  2. فحص الدم الذي يمكِّن الطبيب من التحقق من الأنزيمات الموجودة التي تشير إلى تلف عضلات القلب.
  3. مخطط صدى القلب للبحث عن الالتهاب سواءً في القلب أم الأوعية المجاورة.
  4. من الممكن أيضاً تصوير الأوعية الدموية والأوردة وغرف القلب.

علاج متلازمة القلب المنكسر:

يختلف العلاج باختلاف شدة الأعراض، وعلى العموم فإنَّ العلاج يشمل أدوية القلب وأدوية إعادة تأهيل القلب، إضافةً إلى الأدوية التي تعمل على خفض التوتر والقلق.

بالنسبة إلى الوقاية من الإصابة، فلا يوجد دواء أو علاج محدد يمنع الإصابة بالمتلازمة، لكن بالطبع توجد عدة توصيات تتعلق بكيفية إدارة الإجهاد وطرائق التعامل مع الأزمات والمواقف الصعبة التي نمرُّ بها بشكل يجعلها أخف ثقلاً على قلوبنا.

فكما أصبح واضحاً تحدث هذه المتلازمة بعد تعرُّض أجسادنا للتعب النفسي أو البدني، ولتجنُّب ذلك يمكننا اتباع النصائح الآتية:

  1. تعلَّم تقنيات الاسترخاء مثل ممارسة اليوغا التي تعطي أجسامنا فترةً للراحة والتأمل بعيداً عن ضغوطات الحياة ومشكلاتها التي لا تنتهي.
  2. مارِس النشاطات التي تساعدنا على التخلص من الأفكار السوداوية التي ترافقنا وتصيبنا بالإحباط وتزيد من ألمنا ألماً مثل كتابة اليوميات.
  3. مارس الرياضة بانتظام، فالكثير من الدراسات أشارت إلى أهمية الرياضة ودورها الكبير في تحسين الصحة البدنية والنفسية للإنسان، وهذا فعلاً ما يحتاجه أيُّ إنسان لمواجهة الحياة.
  4. اتَّبع نمط حياة صحياً من الحصول على ساعات نوم كافية إلى تناول الأغذية الصحية التي تمد أجسامنا بالطاقة والنشاط.
  5. خذ حماماً دافئاً كل فترة مع الاستمتاع بروائح الأعشاب العطرية التي تُريح الجسم وتساعده على الاسترخاء.
إقرأ أيضاً: 8 نصائح هامة للحفاظ على صحة القلب

في الختام:

تعود تسمية هذه المتلازمة بمتلازمة القلب المنكسر إلى السبب العاطفي الذي يقف وراء الإصابة؛ لذلك لا يجب الاستخفاف أبداً بما تقاسيه أو تمرُّ به من ظروف صعبة، وبدلاً من كبت مشاعرك ومحاولة تجاهلها، عليك أن تتعلم كيف تواجهها وتتخلص منها، حتى لا تصير مع الأيام عبئاً تحمله فوق قلبك فينكسر.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة