متلازمة التعب المزمن، أسبابها، وأعراضها، وطرق علاجها

يعاني بعض الناس من تعبٍ وإرهاقٍ معاناة دائمة، وهذا ما يؤثِّر تأثيراً كبيراً في أداء أعمالهم، وتنفيذ واجباتهم، ويتعقَّد الأمر أكثر عندما يقومون بإجراء الفحوصات الطبية اللازمة، من دون اكتشاف وجود أي مرض عضوي واضحٍ ومسببٍ لهذا التعب، من المرجَّح إذاً، أنَّ هؤلاء الأشخاص يعانون من متلازمة التعب المزمن.



وهي مشكلة طويلة الأمد، ومؤثرة في الوقت نفسه، في أجهزة الجسم كلها، كما أنَّها تمنع الإنسان من القيام بنشاطاته المعتادة، وتؤثِّر في حياته سلباً؛ لذلك كان من الضروري أن نعرف أكثر عن هذه المتلازمة، أعراضها، وأسبابها، وطرائق علاجها.

ما هو التعب المزمن؟

التعب المزمن مشكلة صحية معقَّدة، ينتج عنها شعورٌ كبيرٌ بالإرهاق والتعب، وتستمر فترة طويلة، وينبع تعقيد هذه المشكلة من صعوبة تعريفها وتحديدها وتشخيصها، ومن عدم معرفة الناس بها، إضافةً إلى ارتباطها بأمراض مزمنة أخرى واختلاط أعراضها معها.

يزيد التعب والإرهاق العاطفي أو الجسدي أو النفسي، الأمر سوءاً، وفي المقابل، لا تخفف الراحة من سوء الأمر.

تتعدد المصطلحات التي تعبِّر عن هذه المتلازمة؛ حيث تُعرف هذه الحالة المرضية مثلاً باسم التهاب الدماغ والنخاع المؤلم للعضل، ومن أحدث المصطلحات التي تمَّ اقتراحها للدلالة على هذه المتلازمة، مرض عدم تحمُّل الجهد المجموعي.

يَعدُّ بعض العلماء أنَّ التعب المزمن مرض نفسي، غير أنَّ بعضهم الآخر اكتشفوا تغيُّرات في الجهاز المناعي عند المرضى الذين يعانون من هذه المتلازمة، وكشفت دراسة قام بها علماء بريطانيون، زيادة في مستويات الجزيئات المناعية (سيتوكين) عند المصابين، وخاصة النوع المُسمَّى "إنترفيرون غاما" المرتبط بالتعب، ومن شأن هذا طبعاً المساعدة على إيجاد طرائق أفضل للعلاج، وتزداد هذه الجزيئات حتى مرور ثلاث سنوات، وهنا يبدأ الجهاز المناعي إظهار علامات التعب، وينخفض مستوى السيتوكين؛ وهذا يعني وجود ارتباط بين تحسُّن الشخص وهدوء المريض، وبين استقرار السيتوكين.

بالطبع، لا توجد نتائج حاسمة حتى الآن، وما زال موضوع هذه الدراسات قيد البحث؛ إذ أكَّد كثيرٌ من العلماء أنَّه من السابق لأوانه الاعتماد على هذه النتائج، وأنَّه من الضروري رؤية نتائج هذه الدراسة تتكرر تكراراً مستقلاً، وفي حين يتعامل الكثير من العلماء والأطباء، كما ذكرنا آنفاً، على أنَّ هذا المرض نفسي، يجهد بعضهم الآخر لإيجاد دليل قوي يُثبت أنَّ المرض عضوي.

من الجدير بالذكر، أنَّ 25% من المرضى يعتقدون أنَّهم مصابون بهذه المتلازمة عند ظهور الأعراض، في حين أنَّ 0.5% منهم فقط، يكونون مصابين بالفعل، وفي الحقيقة، لا يمكن معرفة مدى انتشار المرض معرفةً دقيقةً، وهذا يعود للأسباب الآتية:

  1. عدم معرفة الناس بوجود مثل هذا المرض، ومن ثمَّ عدم مراجعتهم للطبيب عند ظهور الأعراض.
  2. لا توجد قائمة طبية محددة، تتضمن العناصر المُتفق عليها من قبل الأطباء، والتي تؤكد الإصابة.
  3. الجهل بالأسباب والعوامل المساعدة والمحفزة، والمجموعات المُعرَّضة بشكل أكبر للإصابة.
  4. عدم القدرة على تشخيص المرض بالفحوصات الطبية.

يعجز المصاب بهذه المتلازمة أحياناً عن النهوض من السرير، كما أنَّه يعجز عن القيام بالأعمال اليومية الاعتيادية كالاستحمام، وسنتحدث فيما يلي بالتفصيل عن أعراض متلازمة التعب المزمن، وكيفية تشخيصها.

شاهد بالفديو: 8 نصائح للتخلص من التعب والإرهاق الدّائم

أعراض متلازمة التعب المزمن:

تتشابه أعراض متلازمة التعب المزمن مع كثيرٍ من الأعراض المرافقة لمشكلات أخرى، وهذا ما يتطلب إجراء العديد من الفحوصات الطبية، لاستبعاد أي مشكلة صحية أخرى، ومن هذه الأعراض:

  • التهاب الحلق، وحالات صداع.
  • آلام في العضلات والمفاصل.
  • تضخُّم وآلام في العقد اللمفية الموجودة في الرقبة أو تحت الإبطين.
  • اضطرابات ومشكلات في النوم.
  • الشعور بالإرهاق والتعب الشديدين، وقد يستمر هذا التعب 24 ساعة بعد القيام بالجهد، هذا التعب الذي لا يتحسن ولا يخف عند أخذ استراحة، وهذا العارض من أكثر الأعراض المتداخلة مع أمراض أخرى؛ إذ إنَّه قد يحدث بسبب الإصابة بالسكري، أو فقر الدم، أو قد يكون ناتجاً عن مشكلات تتعلق بالصحة العقلية كالاكتئاب والقلق.

كما ذكرنا آنفاً، تتداخل هذه الأعراض وتختلط مع أعراض الأمراض الأخرى، وخاصةً مع أعراض الألم الليفي العضلي، إلى درجة جعلت بعض الباحثين يعدُّون المتلازمة والألم الليفي، جانبين مختلفين للمرض نفسه.

تظهر هذه الأعراض وتتغير من وقت إلى آخر، كما أنَّها تتحسن وتسوء أيضاً، فلا تكون على وتيرة واحدة دائماً، وغالباً ما تتصاحب هذه المشكلة مع وجود مشكلات صحية أخرى.

يترافق مع هذه المتلازمة، الإجهاد، وهو حسب الإرشادات التي اقترحها معهد الطب في الولايات المتحدة الأمريكية، إجهادٌ شديدٌ يمنع الإنسان من القيام بالنشاطات التي كان يستطيع القيام بها سابقاً، وهو إجهاد لا يستمر مدى الحياة، ولا يخف مع الراحة، لكنَّه يتضاعف ويزداد بسبب التعب النفسي أو العضلي أو العاطفي، وقد وضع معهد الطب، إضافةً إلى الأعراض السابقة، عرضين أساسيين، وحسب المعهد، فإنَّ مواجهة عرض واحد من هذين العرضين مع الأعراض السابقة، سيكون كافياً لتشخيص إصابة شخص ما بهذه المتلازمة؛ وهما:

  1. دوخة يُصاب بها الشخص عند انتقاله من وضع الاستلقاء إلى الوقوف، أو من الجلوس إلى الوقوف.
  2. مشكلات وصعوبات في التركيز، وضعف في الذاكرة والتذكر.

يجب أن تستمر هذه الأعراض مدة ستة أشهر على الأقل، ويجب تكرار ظهور الأعراض بوضوح.

تتطور هذه الأعراض لتصل إلى إصابة الشخص بمجموعة من المضاعفات، مثل الاكتئاب، العزلة، مشكلات في العمل بسبب التعب المستمر وعدم الإنجاز والتغيب الدائم، مشكلات اجتماعية نتيجة عدم القدرة على القيام بالواجبات، وقد ينتهي الأمر إلى الإصابة بعجز مزمن.

يُقدَّر عدد المصابين بهذا المرض بـ 250 ألف مصاب في بريطانيا وحدها، كما أنَّ هناك حوالي 840 ألف أمريكي مصاب أيضاً بهذه المتلازمة.

إقرأ أيضاً: الشعور بالتعب: أسبابه، وكيفية التعامل معه في العمل

أسباب الإصابة بمتلازمة التعب المزمن:

لا توجد أسباب واضحة للإصابة بهذه المتلازمة، ولكن توجد محفزات وعوامل مساعدة على الإصابة، في حال وجود استعداد للإصابة عند شخص ما، ومن هذه العوامل:

  • مشكلات في الجهاز المناعي: إنَّ لدى الأشخاص المصابين بهذه المتلازمة، كما ذكرنا آنفاً، مشكلات وضعف في الجهاز المناعي، وتُسمَّى هذه المشكلات بتقلبات الجهاز المناعي، ولكن لا توجد تقلبات مرتبطة ارتباطاً خاصاً بالمرض؛ لذلك لم يُثبَت بعد فيما إذا كان هذا الضعف سبباً كافياً للإصابة.
  • خلل في إفراز الهرمونات: إنَّ لدى الأشخاص المصابين بهذه المشكلة، مستويات غير طبيعية من هرمونات الدم، والتي يتم إفرازها من الغدد النخامية، والغدة الوطائية والكظرية، ولكن أيضاً لم يُعرَف مقدار علاقة هذا الخلل بالإصابة.
  • الفيروسات: يرجِّح بعض الباحثين احتمال مساعدة الفيروسات على تحفيز متلازمة التعب المزمن؛ ذلك لأنَّ هناك مجموعة من الأشخاص أصيبوا بها بعد الإصابة بعدوى فيروسية، ومن هذه الفيروسات المحتملة، فيروس الهربس البشري (الحصبة)، فيروس إيبشتاين بار، داء لايم، وأيضاً لم يُجزَم بوجود ارتباط مباشر بين الفيروسات وبين الإصابة بهذه المتلازمة.

ومن الأسباب المحتملة للإصابة:

  • الوراثة والجينات والبيئة: حيث نجد أنَّه يظهر في العائلات نفسها بسبب العامل الوراثي والبيئي أيضاً، وذلك بسبب تعرُّضهم للظروف والضغوط ذاتها.
  • الإجهاد والعمل الشاق: إذ إنَّ له تأثيراً كبيراً في كيمياء الجسم، ومن ثمَّ في تفاعلاته.

من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة:

  1. العمر: تؤثِّر هذه المتلازمة تأثيراً أكبر في كبار العمر؛ حيث يزداد تأثيرها من سن الشباب إلى الكهولة، فنجد أنَّها أكثر انتشاراً عند من تتراوح أعمارهم بين 40 إلى 60 سنة.
  2. الجنس: إذ إنَّه بحسب معدلات زيارة النساء إلى الأطباء بسبب هذه الحالة، يُرجَّح أنَّ النساء يُصبن به أكثر من الرجال.
إقرأ أيضاً: 6 أسباب رئيسيّة تؤدي للإصابة بمشكلة التعب المفاجئ

علاج متلازمة التعب المزمن:

يحتاج علاج متلازمة التعب المزمن إلى سنوات طويلة حتى تبدأ النتائج بالظهور ويهدأ المرض، والحقيقة أنَّ الأعراض لن تختفي نهائياً؛ لذا، وفي كثير من الأحيان، تتم معالجة الأعراض وليس المرض، وذلك للتخفيف من حدتها ومن المشكلات التي تسببها، والتي تكون عائقاً أمام ممارسة الحياة ممارسةً طبيعيةً، كأن نستخدم الأدوية مثلاً لعلاج مشكلات النوم أو الاكتئاب، أمَّا استخدام الأدوية لعلاج التعب المزمن نفسه، فلم يُثبَت فعَّاليته حتى الآن، ومن الإجراءات التي يمكن اتباعها في مواجهة هذه المتلازمة:

  • زيارة الطبيب: الطبيب أو الاختصاصي سيكون قادراً على مساعدتك على تعلُّم مهارات مناسبة للتأقلم مع المرض، كما سيعلِّمك كيف تواجه المشكلات المصاحبة له لتحسين حياتك.
  • ما دام العلاج منصبَّاً في الغالب على التخفيف من وطأة الأعراض، فمن المهم جداً تحديد المشكلة الأصعب والأكثر تأثيراً في حياتك، على سبيل المثال، إذا كانت المشكلة متعلقة بصعوبة النوم، فيجب حلها واتباع علاجات لتحسين النوم، ومن ثمَّ الحفاظ على أكبر قدر من التركيز.
  • العلاج السلوكي المعرفي: يُعدُّ هذا العلاج واحداً من العلاجات المقترحة التي تفيد في توجيه الأفكار نحو الرغبة في الشفاء، وشحذ همَّة المصاب حتى لا يفقد الرغبة في العلاج.
  • التمرينات الرياضية المعتدلة: الراحة لا تحل المشكلة، بل على العكس قد تُسبب تفاقمها؛ وذلك لأنَّها تؤدي إلى زوال التكيُّف؛ لذلك من الضروري القيام ببعض التمرينات المعتدلة الصعوبة بين الوقت والآخر، وتحت إشراف طبي، وتُعدُّ برامج التأهيل البدني الرسمية والمنظمة هي الأفضل.

وقد أكدت المكتبة الوطنية للطب ضرورة عدم تلقِّي أو تجريب أي علاج، من دون الرجوع إلى الطبيب أو المختص أو مُقدِّم الرعاية الصحية؛ وذلك لأنَّ هناك الكثير من العلاجات في الأسواق، وأغلبها مكلفة جداً وغير مجدية.

لا يعاني الأشخاص من هذه المتلازمة بالدرجة نفس؛ بل تختلف المعاناة من شخص إلى آخر؛ لذلك من المفيد جداً في أثناء العلاج، الحصول على الدعم العاطفي من المحيطين، وخاصة الأهل والأصدقاء، كما يمكن الانضمام إلى مجموعات الدعم النفسي، ولقاء أشخاص يعانون من المشكلة نفسها، ولكن يجب الانتباه أيضاً إلى أنَّ بعض الأشخاص لا يستطيعون الانسجام في هذه المجموعات، ومن ثمَّ لن يكون الأمر مفيداً بالنسبة إليهم بل على العكس قد يزيد من التوتر والضغط النفسي.

ثم إنَّه من المفيد أيضاً اصطحاب أحد أفراد العائلة، أو أحد الأصدقاء المقربين، إلى الجلسة مع الطبيب، حتى يستمع للإرشادات والتعليمات بنفسه، ويساعد بالتالي المريض على تنفيذها.

في الختام:

رأينا فيما سبق أنَّ مشكلة أو متلازمة التعب المزمن، ليست مشكلة بسيطة يمكن تشخيصها بسهولة، بل هي مشكلة معقَّدة وتشخيصها صعب؛ لذلك لا بدَّ عند ظهور الأعراض من مراجعة واستشارة طبيب أو مختص للتأكد من إصابتك بهذه المتلازمة، أو بأحد الأمراض المشابهة لها بالأعراض، حتى يتم فيما بعد تلقِّي العلاج المناسب والحصول على الإرشادات المهمة، للتخفيف من الأعراض والحد من المشكلات الناتجة عن الإصابة.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة