ماذا يرى الكفيف؟

يندرج هذا السؤال تحت العديد من التساؤلات التي يتم طرحها على الأشخاص المكفوفين، ويُعَدُّ من أشيعها أيضاً، وللإجابة عنه، يجب التعرف أولاً إلى العمى، وما هي أسبابه وأعراضه وأنواعه، وبعدها نقوم بالإجابة عنه، فتابعوا معنا في هذا المقال.



ما هو العمى؟

هو حالةٌ يحدث بها فقدان الرؤية، أو بمعنىً أدق؛ هو فقدان الإدراك البصري، فيمسي الشخص غير قادرٍ على رؤية أي شيءٍ، كأن يكون في ظلامٍ حالكٍ، وتعزى هذه الحالة إلى أسبابٍ فيزيولوجيةٍ أو عصبيةٍ أو حتى خلقيةٍ.

أنواع العمى:

يوصف العمى بعدة طرائق حسب نوعه أو شدته، فالأشخاص المصابون بالعمى الكلي لا يستطيعون إدراك الضوء من الظلام، فليس لديهم تمييزٌ لهاتين الظاهرتين أبداً ولا القدرة على التفريق بينهما، فهم حرفياً لا يرون شيئاً، أما المصابون بالعمى الجزئي فهم قادرون على الرؤية، لكن بضبابيةٍ وبشكلٍ ضعيفٍ جداً، وعلى الأقل يستطيعون التمييز بين الضوء والظلام والرؤية بشكلٍ خفيفٍ بما يخدم مستلزماتهم الشخصية.

يوجد فرقٌ شاسعٌ بين المصابين بالعمى الكلي الخلقي والعمى الكلي المكتسب بعد الإبصار نتيجة حادثٍ أو مرضٍ؛ إذ إنَّ المصابين بالعمى الخلقي لا يفهمون معنى الضوء والظلام لأنَّهم لم يروه أو يشعروا به، بينما يبقى من فقد بصره بعد أن كان سابقاً يرى يعرف ما هو الضوء وما هو الظلام، ويعلم الألوان والأشكال وغيرها.

كذلك يتضمن مصطلح العمى انعدام رؤية الألوان وعدم القدرة على تمييز أحدها أو كلها أو بعض منها؛ وهذا ما يدعى بعمى الألوان، ويوجد أيضاً المصابون بالعشى الليلي أو العمى الليلي؛ وهم الأشخاص الذين لا يستطيعون الرؤية في البيئة ضعيفة الإضاءة، بينما تكون رؤيتهم جيدةً في بيئةٍ ذات إضاءةٍ مناسبةٍ.

يوجد أيضاً العمى النصفي، الذي تعزو أسبابه لانفصال الشبكية أو الجلطة الدموية أو نزيفٍ داخل العين أو بعض الأورام، وهذا النوع من العمى يُسبِّب فقدان الرؤية بجزءٍ أو نصفٍ محددٍ من الساحة البصرية سواء الجزء الجانبي الأيمن أم الأيسر أم الأعلى أم الأسفل.

يوجد نوعٌ من العمى يدعى بالعمى السيكولوجي؛ وهو عرضٌ يشكو منه بعض المرضى النفسيين كالمصابين بالاكتئاب أو الهيستيريا، ويقولون إنَّهم فقدوا بصرهم لفترةٍ معينةٍ ثم عاد، وأغلب التفسيرات جاءت على أنَّ هذا النوع من العمى هو عارضٌ بصدد التهرب من الأعمال الموكلة لهم أو الدراسة وغيرها، ويتطلب استشارةً نفسيةً.

أسباب العمى:

للعمى الجزئي أو الكلي عدة أسباب نذكر منها ما يأتي:

  1. أسبابٌ خلقيةٌ.
  2. الأمراض المزمنة غير المضبوطة؛ كالسكري وارتفاع التوتر الشرياني.
  3. أمراض العين؛ كالزرق أو الساد غير المعالجين.
  4. الأورام السرطانية.
  5. الإصابات العينية؛ كدخول أجسامٍ أجنبيةٍ داخل العين، أو الجروح العميقة، أو الحروق الكيميائية.
  6. الإصابات العصبية المتمثلة بتضرر الساحة البصرية في الدماغ أو تضرر العصب البصري.
  7. النزوف العينية والجلطات الدموية.
  8. ارتفاع الضغط داخل العين.
  9. بعض المضاعفات الولادية؛ كالتنسج الليفي خلف العدسة.
  10. السكتات الدماغية.
  11. العين الكسولة.
  12. انفصال الشبكية.
  13. التهاب الشبكية الصباغي.
  14. التنكس البقعي.

وغيرها الكثير.

أعراض العمى:

تختلف أعراض العمى حسب نوعه كما يأتي:

  1. الأعمى كلياً لا يمكنه رؤية شيءٍ ولا حتى إدراك الضوء والظلام.
  2. الأعمى جزئياً:
    • الرؤية الضبابية.
    • عدم تمييز الأشكال أو رؤيتها بوضوح.
    • عدم القدرة أو ضعف القدرة على الرؤية في الإضاءة الضعيفة والليل.
    • رؤية ظلالٍ بلا معالمٍ.
    • عدم القدرة على تمييز الألوان أو رؤيتها.
    • الرؤية النفقية.

وغيرها.

ماذا يرى الكفيف؟

وصلنا إلى التساؤل الذي يخطر على بال كل شخصٍ بصيرٍ، وهو ماذا يرى الكفيف؟

التوقع الشائع في أنَّ الكفيف يرى السواد كحال البصير حين يغمض عينيه أو محاولة الرؤية بالظلام الدامس فلا يرى سوى اللون الأسود، هو توقعٌ خاطئٌ؛ لذلك، الجواب البسيط عن هذا السؤال هو كلمتان: لا شيء، نعم لا شيء، عدمٌ، ولتحسين جودة الإجابة وتقريبها من الفهم، أغلق عيناً واحدةً ثم ركز نظر العين الأخرى المفتوحة على شيءٍ ما أمامك وأخبرنا، ماذا ترى العين المغلقة؟ ستكون إجابتك وإجابتنا كلنا هي لا شيء حرفياً.

بشكلٍ دقيقٍ أكثر هو عدم القدرة على إدراك الدماغ لما هو أمامه، فالعين هي أداة الدماغ ووسيلته في التقاط الصور لما يحيط به، وعند فقدان وظيفة هذه الأداة أو حدوث خللٍ في المركز العصبي الخاص بها، لن يستطيع الدماغ الذي يفسر ما ترسله العين من صورٍ إدراك ما يرى؛ لذا لا يرى الكفيف شيئاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

كما ذكرنا آنفاً، توجد اختلافاتٌ بين من خُلِق كفيفاً ومن أصبح كفيفاً بعد أن كان بصيراً لسببٍ من الأسباب، وقد ذكر العديد من الأشخاص الذين فقدوا بصرهم نتيجة حادثٍ أو مرضٍ معينٍ عند سؤالهم ماذا ترون حالياً، بعضهم يقول ظلاماً دامساً، وبعضهم الآخر يقول إنَّه يرى ألواناً بلا أشكالٍ، وبعضهم يرى أشكالاً غير معروفة المعالم أو عشوائيةً، وغيرهم اختبر رؤية شراراتٍ كالبرق، أو ومضاتٍ ضوئية، ومنهم من اختبر رؤية هلوساتٍ بصريةٍ كأن يرى أشياء ذات شكلٍ مألوفٍ لكن ليس لها وجودٌ أمامه، وغيرها.

توجد دراسةٌ أقيمت في "جامعة هارفارد" أفضت إلى احتمال أنَّ نسبةً من المكفوفين وليس كلهم على الرغم من عدم قدرتهم على رؤية الأشكال أو الألوان، إلا أنَّهم يستطيعون إدراك الضوء والظلام، وبعد نحو 80 عاماً من تلك الدراسة، تم اكتشاف خلاياً بصرية سميت حينها بخلايا العقدة الشبكية الحساسة للضوء ipRGCs، وتتوضع هذه الخلايا على الأعصاب المسؤولة عن توصيل الإشارات من الشبكية إلى الساحة البصرية في المخ، وتعمل هذه الخلايا على اكتشاف وإدراك وجود الضوء من عدمه ولكنَّها لا تساهم في الرؤية.

هل يرى الكفيف أحلاماً؟

هل يرى الكفيف أحلاماً؟

الإجابة عن هذا السؤال هو نعم، بالطبع يرى الكفيف أحلاماً، فالأحلام ترتبط بالنشاط الدماغي ولا علاقة لها بالرؤية، فاستثارة المشاعر والتوتر والتخيلات كلها أسبابٌ تجعل الشخص يحلم أو يرى كوابيس حتى.

وتختلف الأحلام بين الأشخاص الذين ولدوا كفيفين وبين من فقدوا بصرهم بعد إبصارٍ، فمن ولد كفيفاً يحلم وتستثار جميع حواسه أو أحدها ما عدا النظر، فهو لا يرى شيئاً في حلمه، ولكنَّه قد يسمع أصواتاً أو يشم روائح أو يتذوق شيئاً أو يلمسه وحتى قد تستثار مشاعره داخل الحلم، بينما من فقد بصره بعد أن كان قادراً على الرؤية، غالباً ما تتخلل أحلامه الصور والمشاهد المرئية، بالإضافة إلى الحواس الأخرى.

كذلك تختلف نوعية الأحلام بين من لديه عمى الألوان أو من تدهور نظره مع مرور الزمن، فالمصاب بعمى الألوان لن يستطيع رؤية الألوان داخل حلمه؛ لأنَّ عقله لا يدركها بالأصل، ومن تدهور نظره مع الوقت، قد يحلم بأنَّه يرى جيداً، وأنَّ نظره عاد 100%.

هل يملك الكفيف حاسة سمع أقوى من البصير؟

يمكن القول إنَّ الكفيف يستعيض عن بصره بحواسه الأخرى؛ إذ تزداد حدةً وقوةً لتعوض فقدان النظر، لكن في حال سألنا الكفيف هل أنت تسمع أكثر منا أو أذنك تسمع الصوت بشكلٍ أضخم، سيكون جوابه لا، لكن سيقول مضيفاً إنَّه يسمع بتركيزٍ أكبر، وينتبه إلى جميع الأصوات حوله؛ وذلك لاكتشاف البيئة المحيطة به، وتحديد المكان الذي هو فيه، وتقدير المسافة بينه وبين الأشياء، ومعرفة اتجاه حركة السير والمرور لتجنب الحوادث المرورية، ويركز في محطات القطار أو المطارات على نداء الرحلات ليتأكد من موعد رحلته وغيرها.

أجرت "جامعة مونتريال" دراسةً أفضت إلى أنَّ دماغ الكفيف يُجري إعادة قولبةٍ لساحاته المخية، ويستثمر القشرة البصرية لاستخدامها في تحسين جودة الحواس الأخرى كالسمع أو اللمس، وكذلك تصل شدة تركيز وحدة السمع لدى العديد من المكفوفين إلى القدرة على تحديد انعكاسات الأمواج الصوتية كما تفعل الدلافين والخفافيش، ويستعملون هذه الميزة أحياناً دون إدراكٍ منهم ليتجنبوا الاصطدام بالأشياء ولتكوين صورةٍ عن محيطهم؛ الأمر الذي يساعدهم أيضاً على المشي بحريةٍ أكبر دون الخوف من الوقوع أو الاصطدام بشيءٍ.

إقرأ أيضاً: الفرق بين السماع والاستماع والإصغاء والإنصات

إجراءات للتعايش مع العمى:

فيما يأتي بعض الإجراءات التي يحتاجها الكفيف للتكيف مع الحياة وتعلم الاعتماد على نفسه؛ وذلك عن طريق تعلُّم المهارات الجديدة التي تغنيه عن الاعتماد على الآخرين:

  1. تعلُّم استخدام العصا في أثناء السير لتجنب العوائق في الطريق.
  2. تعلُّم القراءة باستخدام طريقة بريل؛ وهي عبارةٌ عن نقاطٍ نافرةٍ مرتبةٍ بطرائق مختلفة الأشكال والأنماط، كل نمطٍ يتخذ حرفاً، وتساعد الكفيف على القراءة وتعوضه عن فقدان بصره.
  3. استذكار وحفظ لوحة المفاتيح وأماكن التطبيقات والوسائط على الهاتف المحمول.
  4. وضع دعاماتٍ في الحمام الشخصي للاستناد إليها للحيلولة دون الانزلاق والسقوط.
  5. ترتيب وتنظيم الغرفة الشخصية خصوصاً والبيت عموماً بحيث يميز الكفيف مكان كل غرضٍ من أغراضه ومستلزماته.
  6. من الممكن تربية كلبٍ مدرَّبٍ ليساعد الكفيف بوصفه دليلاً ومنقذاً.
  7. طي الأوراق المالية بطرائق مختلفةٍ حسب فئاتها لتمييزها عن بعضها بعضاً.
  8. ترتيب الملابس في رفوفٍ أو دروجٍ بحيث يحتوي كل رفٍ أو درجٍ على نوعٍ محددٍ من الملابس، كرفٍ أو درجٍ للسترات وآخر للجوارب وآخر للملابس الداخلية وغيره للبناطيل، وغيرها الكثير من الإجراءات لتحسين جودة الحياة للمكفوفين والتكيف مع العمى.
إقرأ أيضاً: 5 نصائح بسيطة يجب التقيّد بها عند التعامل مع الكفيف

في الختام:

كنا قد تحدثنا في هذا المقال عن العمى وأنواعه وأسبابه وأعراضه، ثم أجبنا عن سؤال ماذا يرى الكفيف، وكذلك أجبنا عما إذا كان الكفيف يرى أحلاماً أم لا، وهل يمتلك حاسة سمعٍ أقوى من البصير أم لا، وأعطينا بعض الإجراءات للتعايش مع العمى والتكيف معه، على أمل تحقيقه للفائدة المرجوة منه.

المصادر: 1،2،3،4،5




مقالات مرتبطة