ماذا تفعل عندما لا تستطيع الابتعاد عن العمل في ظل جائحة كوفيد-19؟

لقد بتنا نقضي أيامنا نبدِّل بين كل دور من أدوارنا بآخر؛ فنتنقل بين حياتنا الشخصية والمهنية، فلا نبدِّل بين الشاشات فحسب؛ بل بين شخصياتنا وعوالمنا المختلفة أيضاً، حتى في منزلنا.



كانت الدلافين لتنجح في العمل من المنزل أكثر مما نفعل، فهي تتمتع بالقدرة على العيش في عالمين مختلفين في الوقت ذاته؛ ففي الليل يبقون إحدى عينيهم مفتوحة وجانب واحد من الدماغ في حالة تأهب، بينما يتركون العين الأخرى مغلقة والجانب الآخر من الدماغ نائم.

لقد فقدنا الأعراف الاجتماعية التي كانت تفصل بين عوالمنا الرسمية وغير الرسمية وواقعنا، مما يمكِن أن يشكل تحدياً لنا، ولكنَّه يمثِّل فرصةً في الوقت ذاته.

ما الذي يمكِننا فعله للنجاة من ثنائية الفصل والجمع بين الحياة الشخصية والمهنية اعتماداً على ما يُحقِّق لنا أكبر فائدة؟ وما الذي يمكِننا فعله لخلق بيئة عمل جديدة أيضاً؟ لدينا خياران: إما إعادة بناء الحدود بين العالم الشخصي والعالم المهني والحفاظ عليها، مع إفساح بعض المجال بين الاثنين، و/ أو تعزيز تكامل أكبر بين عالمينا.

دمج الحياتين وطمس الحدود بينهما:

أصبحت الحدود بين حياتنا المهنية والشخصية غير واضحة في العقود الأخيرة؛ فمن المتوقع منا أن نكون على اتصال دائم في عالم العمل الحالي. علاوة على ذلك، قضى فيروس كوفيد-19 على الحدود الهشة المتبقية التي كانت تفصل بين الحياتين.

يشير أحد خطوط البحث إلى أنَّ الفصل بين العمل والحياة الشخصية ورسم حدود بينهما أمر ضروري لتعزيز إنتاجيتنا وصحتنا؛ فعدم وضوح الحدود بين الحياة المهنية والخاصة، أو ما يصفه عالِم النفس الأمريكي "بليك آشفورث" (Blake Ashforth) من جامعة ولاية أريزونا (Arizona State University) بـ: "الأنشطة العابرة للحدود" (boundary-crossing activities)، ويمكِن أن تؤدي إلى تشتيت الانتباه والإرهاق وحتى مشكلات الصحة النفسية.

شاهد بالفيديو: 10 نصائح للموازنة بين الحياة والعمل

كيف يمكِننا معالجة هذه الظاهرة وخلق بيئات عمل أفضل؟

1. الفصل بين الحياة الشخصية والحياة العملية:

يجب على المديرين تحمُّل مسؤولية تنسيق سير عمل فِرَقهم، والتواصل مع موظفيهم، وتزويدهم بالموارد اللازمة حتى يتمكنوا من وضع حدود مادية وزمنية بين مهام عملهم.

  • وضع حدود مادية: تشير الأشياء البسيطة في الأوقات العادية مثل: ارتداء البدلة الخاصة بك والذهاب إلى العمل إلى الانتقال ما بين الحياتين؛ لذلك يقترح الخبراء إنشاء حدود "مادية" بين هويتنا المهنية والشخصية، كارتداء الملابس كل صباح من أجل العمل؛ لذا استبدِل الوقت الذي كنتَ تقضيه في الذهاب إلى العمل بعادات يومية، أو أنشئ مساحة عمل منفصلة في المنزل.
  • احترام الحدود الزمنية: يمكِن أن يمثِّل الحفاظ على جدول عمل منتظم تحدياً كبيراً، خاصة بالنسبة إلى العمال المسؤولين عن كل من أسرهم ومهام عملهم، ولكنَّ العمال سيشعرون، دون وجود هذه الحدود، بأنَّهم مُلزَمون بالرد بشكل منهجي على كل بريد إلكتروني بدلاً من تحديد ساعات العمل واحترامها؛ لذلك يجب أن تتوافق التوقعات معاً بحيث تتيح لطرفي العمل زيادة إنتاجيتهما إلى أقصى حد، مع توفير حياة خارج العمل وتحديد الوقت المتاح لكل من الجانبين.
إقرأ أيضاً: 7 أمور يجب أن تبدأ القيام بها اليوم عندما تعمل من المنزل

2. الجمع بين الحياة الشخصية والحياة العملية:

يمكِننا أيضاً أن نتعلَّم كيفية تحسين أداء عملنا من خلال دمج ساعات العمل لدينا، وإعادة هيكلة عملنا، وتحسين تواصلنا، والتوفيق بين بيئتنا المهنية والشخصية، حيث يتيح لنا تشجيع المزيد من التنوع والشمول والانتماء - فضلاً عن العمل عن بُعد - المشاركةَ بسهولة أكبر مع زملائنا في العمل.

نقضي اليوم أيضاً في التظاهر بأنَّنا شخصيات عدَّة مختلفة، إلا أنَّ التظاهر بأنَّنا أشخاص آخرين يمكِن أن يكون مصدراً رئيساً للتوتر والتنافر المعرفي في المجال المهني، خاصة بالنسبة إلى الأقليات، حيث يخفي ثلث الناس هوياتهم الحقيقية في العمل، مما يؤدي غالباً إلى تدهور صحتنا الجسدية والنفسية.

لذلك، لا يجب أن نحاول إظهار شخصيات مختلفة في البيئة المختلطة هذه؛ بل أن نركز على مهامنا الأساسية خلال ساعاتنا الأكثر إنتاجيةً على مدار اليوم، أو عقد اجتماعات عمل في أثناء تجوالنا لتعزيز إبداعنا.

يمكِننا أيضاً الاطمئنان باستمرار على أحوالنا وأحوال زملائنا في العمل، مع تحديد التحديات التي تمنعنا من التمتع بحياة منتجة ومختلطة.

إقرأ أيضاً: تخلص من التوازن بين العمل والحياة وتبن فكرة الانسجام بينهما

هناك العديد من الأشخاص الذين يوافقون على أنَّه من الهام أن يمتلك أفراد الفِرَق الأدوات اللازمة لإدارة سلامتهم الفردية وسلامة أُسَرهم، كما قالت "تيريزا مارتين ريتورتيلو" (Teresa Martín-Retortillo)، رئيسة كلية إدارة الأعمال التنفيذية التعليمية (IE Business School Executive Education) في جامعة "آي إي" (IE University) الإسبانية.

تؤكد "مارتين ريتورتيلو" (Martín-Retortillo) على أنَّ السلامة بمفهومها الشامل لم يكن لها مثل هذا الدور الهام من قبل، أو كانت مرتبطةً بالسياق الاجتماعي كما هو الحال الآن. في الواقع، درَّبَ فريق التعليم التنفيذي في جامعة "آي إي" المديرين على هذه القضايا لسنوات بدعمٍ من مركز جامعة "آي إي" للصحة والسلامة والسعادة التابع للمؤسسة الأكاديمية.

ربما يمكِننا بعد كل شيء أن نتعلم أن نكون حاضرين حقاً في عالمين مختلفين في وقت واحد كما تفعل الدلافين، أو أن نتعلم دمج العالمين وارتداء ملابس المنزل لإجراء اجتماعات مكالمات الفيديو عبر منصة "زوم" (Zoom).

المصدر




مقالات مرتبطة