ما هي عقلية الوفرة؟

هل سبق لك أن ذهبت إلى مطعمٍ جميل، وتناولت عشاءً لذيذاً في بيئةٍ جميلة مع خدمةٍ رائعة، ثمَّ تلقيت فاتورةً كادت تجعلك تسقط من مقعدك؟ كيف غيَّر ذلك مزاجك؟ وهل خرجت من المطعم متحمِّساً للتجربة أم متحسِّراً على ما دفعته؟



لماذا نميل إلى التركيز على الجوانب السلبية للموقف أو التجربة، بدلاً من ممارسة عقلية الوفرة؟ ولماذا، في حالة المطعم، كان من الأسهل التركيز على مبلغ الفاتورة، بدلاً من التلذُّذ في الطعام الرائع، أو الأجواء الجميلة، أو الخدمة الممتازة؟ ذلك لأنَّه، بدلاً من التركيز على الامتنان والوفرة، يهتم الدماغ البشري بشيء واحد فقط وهو استمرار الحياة.

فالعقل ليس مُصمَّماً ليجعلك سعيداً، بل هو مصمَّم لمساعدتك على الصمود في وجه التحديات، فهو يبحث دائماً عمَّا يمكن أن يؤذيك، ويضخِّم السلبيات، وذلك لأنَّنا معتادون على العمل بعقلية الندرة والخوف؛ ولكنَّك تمتلك الخيار فيما يجب التركيز عليه، ويمكنك تعلُّم كيفية تطوير عقلية الوفرة، واعلم أنَّ الخطأ والصواب كلاهما وارد.

ما هي عقلية الوفرة؟

عقلية الوفرة؛ هي الإيمان بوجود موارد كافية في العالم للجميع، وأن تكون مُمتنَّاً لكل ما يوفِّره الكون؛ إذ غالباً ما يُتحدَّث عنها بالمقارنة مع عقلية الندرة التي تعني أنَّ موارد العالم محدودة؛ أي عندما يحصل شخص ما على شيء ما، فإنَّ ذلك يقلِّل من حصة الآخرين منه.

هاتان الطريقتان المختلفتان في التفكير يمكن أن تغيِّرا منظورنا بالكامل؛ إذ يركِّز الأشخاص الذين يعانون من عقلية الندرة على الاحتياجات غير المحققة؛ أي الأشياء التي لا يمتلكونها ويمتلكها الآخرون، فهم يميلون إلى التفكير تفكيراً قصير الأمد، ولديهم علاقاتٍ أقل إرضاءً؛ في حين يركِّز الأشخاص ذوو عقلية الوفرة على ما لديهم بالفعل، ويتصالحون مع اللحظة الحالية، ونظراً لأنَّهم لا يعيشون في حالة من الخوف، فهم يُقدِّرون فوائد الامتنان، ويمكنهم اتخاذ قرارات أفضل والتخطيط للمستقبل، أو كما يقول الكاتب الأمريكي "توني روبينز" (Tony Robbins): "عندما تكون ممتناً، يختفي الخوف وتظهر الوفرة".

شاهد بالفيديو: 8 نصائح للتحول من العقلية الثابتة إلى العقلية النامية

إشارات تدل على أنَّك تمتلك عقلية الوفرة:

1. الاحتفاء بنجاحات الآخرين:

عقلية الوفرة هي عكس الحسد والخوف؛ فأنت تعتقد أنَّ نجاحات الآخرين لا تنتقص من نجاحك، وأنَّك ستكون ناجحاً بنفس القدر، فتحتفل بنجاح الآخرين الذين يحققون أهدافهم.

2. رد الجميل:

الأشخاص الذين يعانون من عقلية الندرة مشغولون جداً، بحيث لا يمكنهم رد الجميل؛ لكن إذا تبرَّعت بوقتك أو طاقتك أو مهاراتك، وتبرعت بكثيرٍ من ممتلكاتك، أو استمتعت بالاعتناء بأحبائك، فأنت في طريقك إلى امتلاك عقلية الوفرة.

3. الاستمتاع بالوقت الحاضر:

عندما تركِّز على الامتنان والوفرة، لن تقلق بشأن المستقبل، ولن تبقى عالقاً في الماضي؛ فأنت تعلم أنَّ الشيء الوحيد المضمون هو الحاضر، وتتقبَّله بكل ما فيه.

من الطبيعي أن يتعامل معظم الأشخاص وَفق عقلية الندرة، خاصَّةً في عالم الشركات والبيئات التنافسية الأخرى، لكن عندما تتعلَّم كيفية تطوير عقلية الوفرة، ستجد فرصاً لم تكن تعتقد أنَّها موجودة من قبل.

تفحص المعتقدات المُقيِّدة:

المعتقدات المُقيِّدة؛ هي معتقدات غير مدروسة عن أنفسنا والعالم، ونسمح لها بمنعنا من الاستمتاع بحياتنا على أكمل وجه؛ على سبيل المثال، إذا كان لديك اعتقاد بأنَّك لا تستحق السعادة، فإنَّ فهم كيفية التعبير عن الامتنان لن يتحقق بسهولة، حتى في أفضل الظروف.

لذا عندما تتبنَّى عملية تنمية الامتنان في حياتك، راقب المعتقدات المُقيِّدة التي تعتنقها دون وعي، وانظر كيف تمنعك من الوصول إلى إمكاناتك الكاملة، سيكشف لك العمل الجاد لاستبدال معتقداتك المقيدة بعقلية الوفرة كيف تؤثر معتقداتك في كل مجال من مجالات الحياة تقريباً، وهذا لأنَّ معتقداتنا تنمو من مزيج من الخبرات الحياتية: قاعدتنا المعرفية، وبيئتنا - الماضي والحاضر - وأحداث الحياة الإيجابية والصادمة، ونتائج أفعالنا الماضية، وكيف نتصور مستقبلنا.

تبنِّي معتقدات تمنحك القوة:

نظراً لأنَّ معتقداتنا متعددة الأوجه، فإنَّ الكشف عن أصلها يمكن أن يمثِّل تحدياً، كما أنَّ استبدالها بمعتقداتٍ أكثر صحة أصعب، ومع ذلك، إذا كانت المعتقدات الحالية تشكِّل عائقاً لموقف الامتنان الذي تلتزم بتحسينه، فسيكون الأمر يستحق وقتك لبذل هذا الجهد.

للتغلُّب على معتقداتك المؤذية، تحلَّ بعقلية إيجابية من خلال وضع قائمة بالأشياء التي تشعر بالامتنان تجاهها، ثمَّ تدرَّب على تحويل معتقداتك المُقِّيدة إلى معتقدات تمنحك القوة، وعندما تكتشف كل معتقد مُقيِّد، اسأل نفسك: هل يدفعني هذا الاعتقاد للسعي وراء الامتنان، أم أنَّه يعوقني؟ ومن خلال الممارسة والاجتهاد، ستجد أنَّ تبنِّي عقلية الوفرة وموقف الامتنان أصبح أسهل.

إقرأ أيضاً: 10 معتقدات إيجابية يجب أن تتبناها

اعتماد التغيير:

الحياة لن تسير كما هو مخطَّط لها؛ إذ سيكون فيها مفاجآتٍ غير مرغوب فيها دائماً؛ لذا فالتغيير أمرٌ لا مفرَّ منه، ويجب أن نتعلَّم قبول التغيير؛ إذ إنَّ إمكانية النجاح موجودة في كل تغيير نواجهه في حياتنا، سواء اخترنا اعتماده أم لا.

بدلاً من أن نحيد عن مسارنا بسبب التغييرات غير المتوقعة في حياتنا، يجب أن نتعلَّم كيف نتعامل مع التغيير بفضول؛ لذا ابدأ بممارسة موقف الامتنان عن طريق تقبُّل التغيير بصدر رحب، وبدلاً من إخبار نفسك أنَّك فقدت شيئاً ما، أو لديك القليل من شيء ما، أو لن تحصل أبداً على ما تريده، اتخذ قراراً بتبنِّي عقلية الوفرة، والتركيز على ما يمكنك أن تكون ممتناً له، فمن خلال تعلُّم كيفية التعبير عن الامتنان في ظلِّ الظروف الصعبة، يمكنك بناء عقلية الوفرة في كل ما تفعله.

إقرأ أيضاً: كيف يؤثر التغيير في عقليتنا؟

في الختام:

لا يعني ما ذُكِرَ آنفاً أنَّك تقمع عواطفك، أو تعيش في حالة من الإنكار؛ بل يعني أنَّك تتخذ القرار الشامل للعيش في حالة جميلة كل يوم، بصرف النظر عمَّا يحدث، وذلك لأنَّه إذا كانت المرة الوحيدة التي تشعر فيها بالسعادة هي عندما تسير الأمور كما خططت لها، فلن تكون سعيداً كثيراً، وكلما بدأت بإجراء هذه التغييرات الدقيقة، تمكَّنت من تنمية عقلية الوفرة، وبدأت تشعر بالسعادة والسلام الداخليَين.

المصدر




مقالات مرتبطة