ما هي أهمية الرفض في حياتك؟

أتباهى دائماً ببعض الأمور الهامة التي رفضتُ القيام بها، كبطاقاتٍ لحضور مباريات هامة، ورحلة إلى جزيرة خاصة، وتخفيضات على أسعار كتب. أنا لا أتكبر على تلك العروض، لكن كان الأمر مجرد انشغالي ببعض الأمور الأخرى في توقيتها نفسه، كقضاء بعض الوقت مع عائلتي، أو فرص عمل أخرى، أو في بعض الأحيان كان رفضي فقط لمجرد شعوري بالتعب والإنهاك وحاجتي إلى بعض الراحة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الأمريكي "ريان هوليدي" (Ryan Holiday)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته في رفض بعض الأمور مقابل قبول بعضها الآخر الهام في حياته.

لا يعني مجرد أنَّه عُرِض عليك أمر قد يكون مفيداً لحياتك المهنية، أو قد يمنحك بعض الرضا عن ذاتك، أو أنَّ معظم الناس كانت لتقبل به، أو أنَّه عليك قبول هذا العرض إرضاءً لغرورك؛ بل يمكنك الرفض بكل بساطة.

من السهل أن نتجاهل ذلك الرفض، خاصةً مع ضغط الناس المحيطة بنا والخوف من أن يفوتك أمرٌ ما يهتم به ويقبله جميع من حولك، أو ما يُعرف بظاهرة "فومو" (FOMO)، تلك حقيقة؛ حيث إنَّ شعور الرفض هو شعور غني يرتبط ارتباطاً طفيفاً بالمال، ومع ذلك، ولكي أكون أكثر صراحة، مثل معظم الناس، فهو ليس أمراً أمارسه بما فيه الكفاية.

لكن في العام الماضي، عندما غيَّرَت الجائحة تغييراً جذرياً حياة الكثير من الناس، فقد آلمني أن أتذكر ما يسميه الاقتصاديون "تكلفة الفرصة"، لقد كنتُ دائماً منتجاً ومنضبطاً في عملي؛ لذلك كان لدي انطباع بأنَّه حتى مع كل سفري ومشاريعي المختلفة، لم أكن أبذل الكثير من الجهد والتعب من أجله.

فقد كنت أقضي بعض الوقت مع أطفالي، وأمارس التمرينات الرياضية، وأكتب رسائل البريد الإلكتروني اليومية الخاصة لمواقع "دايلي ستويك" (Daily Stoic) و"دايلي داد" (Daily Dad)، ورسائل البريد الإلكتروني الشهرية الخاصة بقائمة القراءة، ورسائل بريد إلكترونية أسبوعية أخرى، ولكن في النهاية اكتشفتُ كم كان يكلفني ذلك الانشغال بعد أن سُلِب مني الكثير من الوقت.

كانت الأشهر الـ 12 الماضية هي الأشهر الأكثر إبداعاً وإنتاجية في حياتي؛ حيث اتضح أنَّ وجودي في المنزل كل ليلة كان له تأثير كبير في علاقتي مع أطفالي الصغار وسلوكهم وحتى في زواجي.

من الواضح أنَّ تكلفة الفرص كانت موجودة طوال الوقت، ولكن لم أكن على علم بها، أو ربما كنتُ أتجاهلها؛ لذلك بينما أفخر ببعض الأشياء التي رفضتُها على مر السنين، فإنَّ الحقيقة هي أنَّني لم أكن منضبطاً كما يجب أن أكون، فربما كنتُ أحقق بعض النتائج، لكنَّها لم تكن جيدة كما ينبغي.

وعندما لم أكن أشعر بالمعاناة في عملي، كان ذلك فقط لأنَّني كنتُ أشعر بتلك المعاناة في جوانب أخرى من حياتي، فكل تلك الاجتماعات التي لم أكن بحاجة إلى حضورها حقاً، أو المقابلات التلفزيونية أو الصحفية التي قمتُ بها لأنَّها كانت ممتعة، أو الوقت الذي أراد فيه طفلي اهتمامي ولكنَّني كنتُ منشغلاً عنه بهاتفي، لدرجة أنَّني كنتُ أرفض الاهتمام به تلقائياً، لم يكن عليَّ أن أكون في مكان آخر، لقد كنتُ في المنزل ومع ذلك كنتُ غائباً تماماً بسبب كل ذلك الانشغال.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح تساعدك على التحدث إلى ذاتك بإيجابية وصراحة

إنَّ الانشغال بإجراء اللقاءات عبر برنامج "زووم" (Zoom) والتنقل من مكالمة إلى أخرى يعني إهمال ممارسة بعض التمرينات الرياضية، كما أنَّ السهر لمشاهدة حلقة أخرى من برنامج تلفزيوني أو لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي على الهاتف يعني أنَّك لن تستيقظ بنشاطٍ وحماسة في الصباح القادم؛ لذا عليك أن تدرك أنَّ قبولك وانجذابك لبعض الأمور في هذه الحياة يعني رفضك وإهمالك لأمورٍ أخرى بالمقابل.

وتعني موافقتك على الانضمام لاجتماع التخلي عن ساعة من القراءة، ويعني قرار إجراء مكالمة "زووم" (Zoom) إهمال وممارسة بعض التمرينات، ويعني قرار حضور بعض المؤتمرات في جميع أنحاء البلاد تفويت إحدى تلك اللحظات الجميلة مع أطفالك الصغار في المنزل.

أي من هذه الأشياء سوف تستفيد منها أكثر؟ وما هو الشيء الذي سيحقق لك النمو الذي تسعى إليه؟ وما هو الشيء الذي ستتذكره بعد 10 سنوات أو 10 أسابيع أو حتى 10 أيام من الآن؟ نحن نعترف بكوننا مشغولين، ونعتقد أنَّ الانشغال سيحقق لنا ما هو أفضل ولكن هذا لأنَّنا غافلين عن التكاليف طويلة الأمد لذلك الانشغال.

إذا لم يمنحك النجاح الحق في الرفض، فأي نوع من النجاح هذا؟ وإذا لم تكن قوياً أو حراً بما يكفي لترفض، فهل أنت حقاً بهذه القوة أو بهذا القدر من الحرية؟

إقرأ أيضاً: 10 نصائح فعالة تعلّمنا كيف نقول "لا"

هناك مقطع فيديو مؤلم للممثلة الأمريكية الراحلة "جوان ريفرز" (Joan Rivers)، عندما كانت في السبعينيات من عمرها وسُئلت عن سبب استمرارها في العمل؛ حيث تتنقل دائماً من مكان إلى آخر، وتبحث عن المزيد من الأعمال. أخبرَت المذيع الذي يُجري معها اللقاء بالخوف الذي يدفعها لذلك، ورفعَت بيدها تقويماً فارغاً قائلةً: "إذا كان جدول أعمالي يبدو هكذا؛ فهذا يعني أنَّ لا أحد يريدني، وأنَّ كل ما حاولتُ القيام به في حياتي لم ينجح".

هذا سبب يدفعنا إلى الكثير من العمل، ولكن هل يدفعنا إلى إثارة أقصى إمكاناتنا؟ اليأس أمرٌ سيئ وصعب، فهو مرهِق للغاية، ويفسد كل شيء، فأي نوع من الحياة المزدهرة هذه؟

يجب أن تكون قادراً على الرفض، كما يجب عليك أن تكون قادراً على اختيار فرصتك، وإذا كان النجاح لا يمنحك الحق في كل هذا، فهذا ليس بنجاح، وفي الواقع، إنَّ الاهتمام بعملك حقاً هو سبب وجيه للحاجة إلى أن تكون قادراً على قول "لا" لأشياء أخرى.

يمكن للطيار أن يعتذر عن أمرٍ ما بحجة أنَّه على أهبة الاستعداد للتحليق في رحلة جوية كذريعة، ويمكن للأطباء ورجال الإطفاء وضباط الشرطة أن يستخدموا عبارة "تحت الطلب" كوسيلة للرفض، ولكن ألا يجب حقاً أن نكون دائماً مستعدين لأي أمر في حياتنا الخاصة؟ ألا يوجد شيء - أو شخص ما - نحافظ على طاقاتنا الكاملة من أجله؟ أليس لأجسادنا حقٌ بأن تكون دائماً بأفضل حال من أجل عائلاتنا وأنفسنا؟ تذكَّر أنَّ الوقت الذي تعيشه وتهدره هو حياتك، وإن ضاعت فلن يمكنك استعادتها ثانيةً.

أريد أن أذكِّرك وأذكِّر نفسي بالتفكير دائماً فيما يُطلَب منك حقاً تقديمه؛ وذلك لأنَّ الإجابة غالباً ما تكون جزءاً من حياتك، وعادةً ما تكون في مقابل شيء لا تريده حتى؛ لذا تذكَّر، هذا الوقت هو حياتك ولا يمكنك استعادتها أبداً بعد ضياعها.

المصدر




مقالات مرتبطة