ما هي آثار تجارب الطفولة السيئة في الأشخاص؟

تُعَدُّ "تجارب الطفولة غير السوية" (Adverse childhood experiences) أكثر عامل خطر للإصابة بأمراض المناعة الذاتية المزمنة يُتَجاهَل؛ فهي تشير إلى الصدمات التي لم تُعالَج في مرحلة الطفولة، والتي يمكن أن تكون جسدية أو نفسية أو عاطفية.



وبعض هذه الصدمات التي لم تعالج في مرحلة الطفولة هي:

  • انفصال الوالدين أو طلاقهما.
  • التعرُّض إلى الإساءة الجسدية أو الجنسية أو العاطفية.
  • إصابة أحد أفراد العائلة بمرض نفسي.
  • دخول أحد أفراد العائلة إلى السجن.
  • تعاطي أحد أفراد العائلة المخدرات.
  • الصعوبات المالية.
  • التعرُّض إلى التنمر في المدرسة.
  • الإصابة بمرض في الطفولة تطلَّب دخول المستشفى.

خلُصَت العديد من الدراسات العلمية إلى أنَّ تجارب الطفولة غير السوية ترتبط بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض المناعة الذاتية المزمنة، فعند النساء تؤثر تجارب الطفولة غير السوية في تطور أمراض المناعة الذاتية في مرحلة البلوغ تأثيراً عميقاً يضاهي تأثير التدخين والسرطان، علاوة على ذلك، كلَّما تعرَّض المرء إلى تجارب طفولة غير سوية أكثر، فيزداد خطر إصابته بالأمراض.

على سبيل المثال: كشفت دراسة أجرتها "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها" (Centers for Disease Control and Prevention) في عام 2009، والتي شملت 15300 رجل وامرأة عن أنَّه إذا كنتَ قد تعرَّضت إلى تجربتين أو أكثر من تجارب الطفولة غير السوية، فأنت:

  • أكثر عرضة بنسبة 100% للإصابة بمرض الروماتيزم.
  • لديك خطر متزايد بنسبة 70% للإصابة بمرض من أمراض المناعة الذاتية التي تصبح فيها خلايا تي المساعدة من النوع "تي إتش 1" (Th1) هي المهيمنة، مثل: مرض السكري النوع الأول أو التصلب المتعدد أو التهاب الدرقية لهاشيموتو أو الصدفية.
  • لديك خطر متزايد بنسبة 80% للإصابة بمرض من أمراض المناعة الذاتية التي تصبح فيها خلايا تي المساعدة من النوع "تي إتش 2" (Th2)، مثل: الذئبة أو التهاب الأمعاء أو الربو أو الحساسية.
إقرأ أيضاً: أهم المعلومات عن مرض الروماتيزم

يمكن أن تسهم تجارب الطفولة غير السوية جزئياً في الإصابة بالأمراض؛ وذلك لأنَّها تثير استجابة الكر أو الفر بصورة مزمنة.

إليك مثال لتوضيح الفكرة فيما يلي: إذا مشيت في الشارع وقفز أمامك نمر من خلف مبنى، فسيثيرُ جسدك استجابة الكر أو الفر؛ حيث سينشط "جهازك العصبي الودي"؛ مما يؤدي إلى إطلاق هرمونَي الأدرينالين والكورتيزول والمواد الكيميائية الأخرى المصمَّمة لمساعدتك على الخروج من الموقف الذي يثير توترك؛ أي إما مقاتلة النمر أو الهروب منه.

تُعَدُّ استجابة الكر أو الفر أداة رائعة في هذا النوع من المواقف الحساسة؛ وذلك لأنَّها يمكن أن تنقذ حياتك، ومع ذلك، يقضي معظمنا ما يقرب من 70% من يومه تحت رحمة هذه الاستجابة؛ مما قد يؤدي إلى الإصابة بالأمراض.

قد لا تعتقد أنَّك تعاني من حالة مزمنة من استجابة الكر أو الفر؛ ففي نهاية الأمر لا أحد يرى أيَّة حيوانات برية في أثناء السير في الشوارع في أيامنا هذه، ولكن ليس بالضرورة أن يطاردك نمر أو تعاني من ضغط جسدي لتُثارَ لديك الاستجابة هذه، فأخبار المساء تفي بالغرض، فعلى المستوى الكيميائي الحيوي، يتعامل جسمك مع التوتر النفسي والعاطفي بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع الحيوانات البرية.

علاوة على ذلك، عندما يواجه طفل تهديداً ما، سواءً كان جسدياً أم نفسياً أم عاطفياً، فلا يمكنه عادةً الكر والفر؛ لذا لا يمكن إيقاف الاستجابة؛ مما يؤدي إلى تغييرات في فيزيولوجيا الجسم.

على سبيل المثال: تُعيد الصدمة التي يتعرَّض إليها المرء في الطفولة ضبط النظام "الوطائي-النخامي-الكظري"؛ مما يقلل من قدرتك على مقاومة التوتر؛ ومن ثم يمكن أن يؤدي مستوى التوتر المزمن الناتج إلى تغيرات في جسدك، بما في ذلك:

  • التهابات مزمنة.
  • زيادة إنتاج "الجذور الحرة".
  • فرط نشاط الجهاز العصبي الودي.
  • اختلالات هرمونية.
  • اختلال "الميكروبيوم" و"تسرب الأمعاء".

يمكن أن تؤدي هذه التغيرات البيولوجية إلى تطور حساسيات وألم وتعب مزمن وأمراض، مثل: السكري والسرطان وأمراض القلب، ولكن لحسن الحظ، على الرغم أنَّ تجارب الطفولة غير السوية يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالأمراض، إلَّا أنَّ معالجة هذه التجارب يمكن أن تؤدي إلى التماثل بالشفاء التام.

على سبيل المثال: أُصيب شخص بمرض الذئبة؛ ففي البداية حُدِّدَت أسبابه الجسدية وعُولِجَت، ليبدأ بعدها بالتعافي، ولكن لتحقيق الشفاء التام؛ اقتُرِح أن يكون سبب المرض صدمةً تعرَّض إليها في طفولته، ولم تُعالَج بَعد.

في نهاية الأمر، اكتُشِف أنَّه كان يحمل عواطف لم يتعامل معها تجاه والده، والتي كانت تمنعه ​​من الشفاء؛ حيث كان والده مهووساً بدفع أطفاله إلى ممارسة الرياضة؛ لذا عندما لم يحقق توقعاته، كان يعاقبه بالركض لمسافة طويلة بعد كل مباراة، ترافقه الإساءة اللفظية دائماً.

عندما كان طفلاً، فسَّر الموقف بأنَّه لا يتمتع بالمهارة الكافية، وتمسَّك بهذا الاعتقاد خلال مراحل طفولته وبلوغه، ومع ذلك عندما تعامل مع هذه العواطف، تلاشى ذلك الاعتقاد المقيد وتلاشى مرض الذئبة معه.

إقرأ أيضاً: العنف ضد الأطفال: أسبابه، آثاره السلبية، وطرق علاجه

تزيد تجارب الطفولة غير السوية من حدة المرض عبر زرع معتقدات مقيِّدة في دماغنا يمكن أن تحولها إلى حالات مزمنة، ومن أكثر المعتقدات المقيِّدة شيوعاً هو الشعور بأنَّك لست جيداً بما يكفي؛ مما يعني في النهاية أنَّك لا تشعر بالحب، وعندها لن تشعر بالأمان في هذا العالم - لا سيما خلال سنوات طفولتك - ستعيش حياتك حبيسَ حالة دائمة من الخوف.

لعلَّ فقدان الشعور بالحب هو المسبب الأول للأمراض، إلَّا أنَّ معظمنا يعيش حياته دون أي شعور كافٍ بالرضى أو الحب؛ لذا نطوِّر عادة هذا الاعتقاد خلال الطفولة ونحملهُ معنا حتى الموت؛ ومن ثم يبحث الكثير منا عن استحسان الآخرين في محاولة للعثور على الحب والقبول، حتى لو كان ذلك لمجرد لحظة عابرة؛ لذا كيف يمكنك الخروج من هذه الدوامة كي تتمكن من معالجة الصدمة التي تعرَّضت إليها في طفولتك وتتعافى تماماً، أو حتى تمنع المرض من الظهور في المقام الأول؟

يكمن الحل في حب نفسك؛ إذ إنَّك عندما تحب وتتقبَّل نفسك كما أنت، ستتلاشى معتقداتك المقيِّدة القديمة، وستدرك أنَّك تستحق الحب كما أنت؛ إذ يقلل هذا الاعتقاد الجديد أثر الصدمات التي كنت تتمسك بها، وستتمكن أخيراً من التخلُّص من الغضب والشعور بالذنب والعار والقلق؛ حيث لم تَعُد تعيش في فضاء من خوفك ألَّا تكون محبوباً أو جيداً بما يكفي، ومن ثم تنتقل من حالة من نشاط الجهاز العصبي الودي واستجابة الكر أو الفر المزمن إلى حالة من الراحة وتنشيط "الجهاز العصبي اللاودي"؛ مما يؤدي إلى تلاشي الأمراض.

قد يكون حب وتقبُّل نفسك أمراً صعباً، ولكن إحدى الأدوات التي يمكن أن تساعدك هي المرآة، قف أمام المرآة وانظر بعمق في عينيك وقُل بصوت عالٍ: "أحبك يا ___ "تلفَّظ اسمك"، وأتقبَّلُك تماماً كما أنت".

أصبحت المرآة بمنزلة عدوٍ لمعظمنا؛ حيث ننتقد أنفسنا في كل مرة نرى فيها انعكاسنا؛ إذ تكشف لنا المرآة أكثر ما نخاف منه من خلال تجسيد مشاعرنا تجاه أنفسنا والحياة، ومع ذلك، يمكن أن توضح لك المرآة المشكلات التي يجب معالجتها من أجل تحرير نفسك؛ لتكون بذلك بمنزلة مفتاحٍ لتطوير علاقة عميقة مع نفسك، لا تسعَ فيها إلى نيل استحسان وقبول الآخرين أو الهروب من صدمات الطفولة؛ بل ستنعم أخيراً بحالة من الفرح والامتنان الدائم الذي لن يستطيع أحد أن يسلبها منك.

جرِّب استخدام المرآة لمدة 30 يوماً، فربما لن تصدق في البداية الكلمات التي تقولها لنفسك، ولكن يوماً ما ستستيقظ وتقف أمام المرآة وتشعر بالإثارة لمقابلة نفسك كما تقابل صديقك، بدلاً من انتقاده.

المصدر




مقالات مرتبطة