ما هو دور النوم في تجنب المشاعر غير السارة؟

إذا كنت تشعر بكثير من الإرهاق، فيجب أن تُدرك أنَّ الحصول على قسط كافٍ من النوم هو أمر ضروري لمنع الأفكار المُزعجة من السيطرة عليك؛ إذ يمكن أن تؤدي قلَّة النوم إلى الحد من قدرتك على إبعاد الأفكار المُزعجة؛ وذلك وفقاً لدراسة جديدة أُجرِيَت في المملكة البريطانية المتحدة (UK).



ومن خلال دراسة تمت بالتعاون بين باحثين من قسم علم النفس في جامعة "يورك" (York) ووحدة الإدراك وعلوم الدماغ بجامعة "كامبريدج" (Cambridge)، توصل الباحثان إلى أنَّ الأفراد المحرومين من قسط كافٍ من النوم هم أقل قدرة بشكل ملحوظ على منع تطفل الذكريات السيئة مقارنةً بالأفراد الذين حصلوا على عدد ساعات كافية من النوم.

وتشير الدراسة التي نُشِرَت في مجلة "كلينيكال سايكولوجيكال ساينس" (Clinical Psychological Science) إلى أنَّ عادات النوم السيئة والاضطرابات العاطفية يمكن أن تخلق حلقة مفرغة ذاتية النمو؛ وهذا يوضِّح أهمية النوم في التعافي من حالات الاضطراب العاطفي.

جسمك يستحضر الصدمة:

قد تحدث الأفكار المزعجة والاضطرابات الفسيولوجية المرتبطة بها، مثل التعرق والعصبية نتيجة تذكُّر موقف مزعج؛ مثلاً، قد يشعر الشخص الذي تعرَّض إلى حادثة سرقة بعدم الراحة عند عودته إلى مسرح الجريمة، أو قد يصاب الشخص الذي تعرَّض إلى حادث سيارة بالتوتر ويبدأ بالتعرق عندما يستقل سيارة تسير بسرعة كبيرة.

أي، إذا واجهك موقف يذكِّرك بحدث سبب لك صدمة، فمن الطبيعي أن تظهر الأفكار والمشاعر السلبية، ومع ذلك، فإنَّ قدرة الفرد على قمع الأفكار السلبية تختلف من شخص إلى آخر؛ وذلك جنباً إلى جنب مع القدرة على تنظيم العواطف عند إثارة الأفكار السلبية.

وحديثاً، توصَّل الباحثون إلى علاقة تربط بين مقدار النوم الذي تحصل عليه والقدرة على إيقاف الأفكار المزعجة والمشاعر السلبية المرتبطة بها، وهذه العلاقة تُمثِّل إحدى قدراتنا المرتبطة بالحفاظ على الصحة النفسية والرفاهية العامة.

إقرأ أيضاً: 5 تقنيات علاجية من أجل نوم وصحة أفضل

التحكم بالذاكرة مرتبط برفاهيتنا:

أجرى الباحثون دراسة على 60 شخصاً من البالغين الأصحاء لاختبار الفرضية القائلة بأنَّ التحكم الناجح بالذاكرة يتطلب نوماً كافياً، وفُرِزَ المشاركون في مجموعتين؛ مجموعة "النوم" ومجموعة "عدم النوم"، وطُلِب منهم الامتناع عن تناول الكحول والكافيين لمدة 24 ساعة قبل التجربة.

استعملت الدراسة طريقة اختبار شائعة، والتي تُعرَف بنموذج "التفكير_عدم التفكير"؛ إذ طُلِب من المشاركين اتباع هذا النموذج من "التفكير أو قمع التفكير" عند رؤية صورة محددة تُعَدُّ النموذج على إحداث الإثارة، ويُرمَز للصورة بالمحرض على التذكُّر.

يتألف المحرض على التذكُّر من 48 صورة وجه محايدة عاطفياً، وأُقرِنَت الصور الـ 48 مع عدد مساوٍ من الصور "الُمستهدَفة"، والتي اختيرَت من قاعدة بيانات دولية، تشمل مشاهد سلبية "صور لمناطق حروب" ومشاهد محايدة "صور للمدن"، وبذلك يتضمن كل زوج وجه/ مشهد وجهاً مُحرِّضاً وصورة مستهدفة مختارة عشوائياً.

في المرحلة الأولى من التجربة عبَّر المشاركون عن تأثَّرهم العاطفي في الصورة باستعمال مقياس يتراوح بين وجه حزين يُعَّبر عنه بالرقم "1" موجود في أقصى يسار المشهد، إلى وجه سعيد يُعبَّر عنه بالرقم "9" وموجود في أقصى يمين المشهد.

استُعمِل الوجه الحزين الذي قيمته الرقمية "1" لتصنيف المشاهد التي تجعل المشاركين يشعرون بالتعاسة أو الانزعاج أو عدم الرضى أو الملل والكآبة، أما الوجه المبتسم، الذي قيمته الرقمية "9" فهو للتعبير عن المشاهد التي تجعلهم يشعرون بالسعادة والسرور والرضى والتفاؤل.

خضع المشاركون إلى جلستين قاموا خلالهما بتصنيف مشاعرهم؛ إذ حصل المشاركون في اليوم الذي سبق الجلسة الأولى على عدد كافٍ من ساعات النوم وفي الجلسة الثانية حُرِموا من النوم.

عُرِضَت المشاهد من خلال شاشة تعرض الصور لبضع ثوانٍ، ثم يتلوها شاشة فارغة، وطُلِب منهم إعطاء تقييم عاطفي من 1 إلى 9 لكل مشهد، وانتهت الجلسة بعد عرض الصور الـ 48.

إقرأ أيضاً: النوم: أثره على الصحة، وانعكاسه على الإنتاجية

يمكن لمحرضات الذاكرة تحفيز الأفكار المزعجة:

المرحلة الثانية من التجربة كانت عبارة عن مرحلة تعلُّم واختبار؛ إذ حفظ المشاركون تماماً كل زوج وجه/ مشهد عُرض عليهم، واكتملت المرحلة الثانية بعد التعرُّف إلى كل زوج من الأزواج المعروضة والبالغ عددها 48 بشكل صحيح من قبل كل شخص؛ وذلك لمرة واحدة على الأقل.

أُجرِيَ اختبار ثانٍ لتعزيز التعلُّم من خلال التدريب المكثف؛ إذ يحاول كل مشارك منع المشاهد من اقتحام وعيه في أثناء المرحلة اللاحقة المُتمثِّلة بالامتناع عن التفكير؛ إذ ستخضع هذه المرحلة للتقييم أيضاً.

أخيراً قُيِّمَ المشاركون من حيث قدرتهم على منع الأفكار من خلال الضغط على مفتاح يتضمن أحد الخيارات الثلاثة "لم أفكِّر أبداً، فكرتُ لفترة وجيزة، لم أستطع الامتناع عن التفكير"، وكان يتم التقييم بعد عرض صورة الوجه.

ويمثِّل هذا التقييم قدرة العينة على قمع الأفكار المرتبطة بالمشهد "صورة حروب أو صورة مدن" بعد رؤية صورة الوجه.

سُمِحَ للمشاركين من مجموعة "النوم" بالنوم لمدة ثماني ساعات في الفترة التي تفصل بين الاختبارين، بينما بقي المشاركون في مجموعة "عدم النوم" مستيقظين في غرفة ندوة جامعية وتحت إشراف باحث واحد على الأقل، وعندما حان وقت الجلسة الثانية التي سيتمُّ فيها تقييم تأثير النوم، كان أفراد المجموعة ثانية مستيقظين لأكثر من 24 ساعة.

شاهد بالفيديو: 12 حقيقة عن قلة النوم.. هكذا يقودك السهر إلى الهلاك!

الجسد المُرهق يعني عقلاً مُرهقاً:

في حين أنَّ الأشخاص الذين حصلوا على قسط كافٍ من النوم كانوا يجدون سهولة في القيام بالاختبار، كان المشاركون الذين لم يناموا يجدون صعوبة في طرد الأفكار غير المرغوب فيها والمرتبطة بالمشاهد السلبية والحيادية.

أفاد الأشخاص الذين لم يناموا بأنَّهم كانوا أقل قدرة على السيطرة على أفكارهم من الأشخاص الذين حصلوا على قسط كافٍ من النوم بنسبة 50%؛ وهذا يدل على أنَّ الحرمان من النوم يضعف القدرة على التحكم بالذاكرة تحكماً كبيراً.

عانى الأشخاص الذين لم يناموا من ذكريات سلبية بنسبة أعلى بشكل كبير من الأشخاص الذين حصلوا على ما يكفي من النوم؛ وهذا يعني أنَّ التحكم الأولي بالأفكار أفسح المجال لحدوث أفكار سلبية غير خاضعة للسيطرة عندما حدثت مثيرات التذكُّر في وقت لاحق.

باختصار، يرتبط الإرهاق الجسدي بضعف القدرة على التحكم بالأفكار عموماً، كما اختبر الباحثون أيضاً ما إذا كان الحرمان من النوم قد أثَّر في العلاقة بين قمع الأفكار والعواطف الناتجة عن هذه الأفكار، ووجدوا أنَّ الأشخاص الذين كانوا قادرين على قمع الأفكار السلبية بشكل فعال شعروا أيضاً بمشاعر أقل سلبية عند رؤية المشاهد في وقت لاحق.

وخلص الباحثون إلى أنَّه يُحتمل بنسبة كبيرة أنَّ الحرمان من النوم يعطل القدرة على التحكم بأجزاء الدماغ المسؤولة عن الذاكرة والتنظيم العاطفي.

اضطراب النوم المزمن من الأعراض الملازمة لمعظم الاضطرابات النفسية، لا سيما تلك الاضطرابات التي تتميز بالأفكار الدخيلة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة والفصام والاضطراب الاكتئابي.

النوم السليم والمستقر هو ركن من أركان الصحة الجيدة؛ لذلك يجب الحفاظ على عدد ساعات كافية من النوم وعدم التردد في مراجعة اختصاصي عندما تعاني من اضطراب النوم، من أجل أن تحافظ على صحة جيدة نفسياً وجسدياً.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة