ما هو دور النوم في المحافظة على علاقة ثابتة مع الشريك؟

إنَّ اتخاذ القرارات السليمة، والحالة المزاجية الجيدة معظم الأوقات، وكبح الانفعالات العصبية والمزاج السيئ، وإيجاد حلول للمشكلات، والتواصل الفعال، ومواجهة الإحباط، وإظهار التعاطف، جميعها أمور هامة عليك تعلُّمها للحفاظ على علاقة صحية مع الشريك، ولكنَّها أيضاً أمور ستفشل في تحقيقها عندما لا تنال كفايتك من النوم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الطبيبة النفسية واختصاصية طب النوم السلوكي "د. ويندي تروكسيل" (Wendy M. Troxel)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في الاستفادة من النوم الجيد. 

غالباً ما يتأثر الشريك قبل أي أحد آخر بآثار قلة النوم، فقد يؤدي الحرمان المزمن من النوم أو مشكلة النوم المضطرب إلى إثارة مجموعة من المشاعر التي يمكن أن تؤدي إلى وقوعك في دوامة من السلوكات المدمِّرة للعلاقة.

يؤدي النوم دوراً هاماً في كيفية اختبار وتنظيم عواطفنا، فعندما نعاني من قلة النوم، نصبح أكثر انفعالاً وسلبية، وتنخفض قدرتنا على تحمُّل مشاعر الإحباط، ونعاني من عدم الاستقرار العاطفي؛ مما يعني أنَّنا سنصبح أكثر عرضة للتقلُّبات المزاجية؛ وذلك لأنَّ قدرتنا على تنظيم عواطفنا تصبح ضعيفة.

أظهرَت الدراسات التي أُجرِيَت على بعض المشاركين أنَّه عندما اقتصر وقت النوم المخصص لهم إلى خمس ساعات في الليلة لمدة أسبوع؛ أظهروا زيادة تدريجية في المشاعر السلبية، مثل الغضب والحزن والإحباط وسرعة الانفعال، مع توالي الليالي والنوم لساعات قليلة، وأظهر البحث كذلك أنَّ قلة النوم تؤدِّي إلى زيادة المشاعر السلبية، وإلى انخفاض المشاعر الإيجابية أيضاً.

يُعَدُّ تنشيط المشاعر السلبية مع انخفاض المشاعر الإيجابية - بالنسبة إلى شريك الشخص الذي يعاني من قلة النوم - ضربة مزدوجة من الازدراء والنقد؛ حيث يشعر الشريك بالوحدة والضعف وأنَّه بحالة صراع مع الشريك الآخر والذي يمكن بالطبع أن يؤدي إلى حالة من الدفاع أو الهجوم المضاد، وهذه ليست أبداً وصفة جيدة لبناء علاقة جيدة بين الشريكَين.

أكَّدَت أبحاث كثيرة وطويلة عن العلاقات أنَّ الخلافات بحد ذاتها ليست بالضرورة علامة على وجود محنة أو فجوة في العلاقة، فمن الطبيعي تماماً وحتى أنَّه أمرٌ صحي أن يكون هناك مستوى معين من الصراع في العلاقات؛ إذ يتعلق الأمر بكيفية الخلاف مع شريكك.

درس عالِما النفس الاجتماعي "د. آمي جوردون" (Amie Gordon)، و"د. سيرينا تشين" (Serena Chen) أنماط نوم الأزواج ليلاً وسلوكاتهم اليومية في العلاقات، ووجدوا أنَّه في الليالي التي نام فيها الأزواج نوماً غير كافٍ، عانوا المزيد من الخلافات في اليوم التالي.

لكن لا يقتصر الأمر على أنَّ قلة النوم تزيد من احتمالية الخلافات، فعندما يكون الزوجان في حالة خلاف، يؤدي فقدان النوم إلى سلوكات وأساليب للتواصل بين الشريكين التي نعرف بأنَّها الأكثر ضرراً للعلاقات؛ حيث يشرح الدكتور "جوردون": "عندما لا يحصل أحد الشريكين أو كلاهما على كمية راحة جيدة، يمكن أن تتحول المشاجرات الصغيرة إلى شروخ كبيرة في العلاقة".

أحضر باحثون في "جامعة ولاية أوهايو" (Ohio State University) ثلاثة وأربعون زوجاً إلى المختبر، وطلبوا منهم الدخول في خلاف علاقة نموذجي - اتَّضح أنَّ الأزواج يجيدون الغوص مباشرةً في الصراع عندما يُطلب منهم ذلك، حتى في بيئة مختبر علمي مليء بكاميرات الفيديو لتسجيل الحدث - كما أفاد الأزواج عن أنماط نومهم ليلاً.

قام الباحثون، بعد كل خلاف بين الزوجين، بترميز المحادثة بعناية باستخدام نظام ترميز علاقات مُطوَّر يحدِّد أنماط التواصل الإيجابية مقابل السلبية، بما في ذلك درجة الخصومات أو الاستجابات البنَّاءة.

لاحظ الباحثون، في حين انشغال جميع الأزواج في الخلاف، اختلافاً واضحاً في كيفية تفاعلهم؛ حيث كان الأزواج الذين ناموا أقل من سبع ساعات في الليلة السابقة للخلاف أكثر عرضة للانخراط في نزاع عدائي؛ إنَّه الفارق بين أن تقول لشريكك: "يُغضبني حقاً أنَّك لم تفرغ غسالة الأطباق" مقابل أن تقول له: "لا يمكنك فعل الشيء الوحيد الذي طلبتُ منك القيام به".

تتمثل إحدى الطرائق المؤكدة لزيادة حدة الشجار في العلاقة في تأثر أحد الشريكين أو كلاهما بكلماتهما، والأهم من ذلك، عدم مراعاة مشاعرهما.

يُعَدُّ التعاطف الصلة التي تربط طرفي العلاقة معاً من نواحٍ كثيرة، وتُعَدُّ القدرة على قياس عواطف شريكك في أثناء مناقشة موضوع محتدم مهارة بالغة الأهمية لسلامة العلاقة، ولكن لسوء الحظ، تتأثر العواطف أيضاً عندما يكون شركاء العلاقة محرومين من النوم.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح ذهبية تساعدك على تجنّب الخلافات الزوجية

اكتشف "د. جوردون" و"د. تشين" أنَّ الأزواج كانوا أكثر عرضة للانخراط في نزاع بعد معاناة في النوم، وأنَّ الأشخاص الذين يعانون من قلة النوم لديهم شدة تعاطف أقل، فقد أظهر بحثهم أنَّ الآثار السلبية لفقدان نوم أحد الشريكين في شدة التعاطف تظهر أيضاً على الشريك الآخر.

في الليالي التي ينام فيها أحد الشريكين نوماً غير كافٍ، يُظهر الشريك الآخر أيضاً انخفاضاً في الشدة التعاطفية، ومن المحتمل أن يعكس هذا ديناميكية العلاقة التي يشعر فيها أحد الشريكين بالرفض أو أنَّ مشاعره لا تُراعى؛ مما يؤدي إلى زيادة الحالة الدفاعية وبناء الحواجز العاطفية بين الطرفين.

تُظهِر أبحاث أخرى أنَّه حتى الكلمات التي نستخدمها للتواصل ودرجة أصواتنا تتأثر بالنوم أو بقلته؛ حيث استخدمَت عالمة النفس "إليانور ماكجلينتشي" (Eleanor McGlinchey) تحليل النص المحوسب، بما في ذلك تحليل الخصائص الصوتية للكلام، بالإضافة إلى تقييمات المراقبين للتعبير العاطفي للكلام، قبل وبعد الحرمان من النوم في المختبر.

أرادت تحديد مقدار تأثير الحرمان من النوم في اختيار الكلمات، بما في ذلك كلمات المشاعر الإيجابية والسلبية، مثل "سعيد" أو "متحمس" أو "حزين" أو "قلق"، بالإضافة إلى النبرة، بما في ذلك التعبير عن المشاعر الإيجابية والسلبية، ووجدَت أنَّه في حالة الحرمان من النوم، يُظهر المشاركون انخفاضاً في استخدام كلمات المشاعر الإيجابية.

وقد صنَّف المراقبون كلامهم على أنَّه أقل في التعبير العاطفي الإيجابي؛ أي أقل سعادة أو هدوءاً، وأعلى في التعبير العاطفي السلبي؛ أي أكثر حزناً أو قلقاً أو إرهاقاً، ووجدَت أيضاً، باستخدام تحليل نصي محوسب متطور للخصائص الصوتية للكلام، أنَّ كلام المشاركين المحرومين من النوم كان "أكثر ليونة، وأكثر حدة، وأقل طاقة، ويمكن لنبرة الصوت المنخفضة أن تجعله يبدو دون عواطف".

يمكن أن تؤدي قلة النوم، بعيداً عن مشاحنات العلاقات التي يسببها النوم وتغيُّر طريقة التواصل، إلى عواقب اجتماعية أوسع، بما في ذلك حالة الشعور بالعزلة الوجودية، ويُظهِر العلم لنا أنَّ قلة النوم تؤذي أدمغتنا الاجتماعية ويمكن أن تجعلنا نشعر بأنَّنا وحيدون في هذا العالم.

شاهد بالفديو: 12 طريقة لتعزيز التواصل الأسري

وجد باحثون في "جامعة كاليفورنيا" (University of California)، في سلسلة من الدراسات المتميزة التي نُشِرَت عام 2018 أنَّ قلة النوم تتنبأ بالمزيد من الشعور بالوحدة والعزلة والقلق، في اليوم اللاحق.

أظهر الباحثون أنَّ الأشخاص المحرومين من النوم أظهروا مشكلات في أجزاء الدماغ المسؤولة عن المساعدة على فهم تصرفات وسلوكات الآخرين، ونشاطاً في أجزاء الدماغ التي تشير إلى استجابات التهديد أو الخوف في السياقات الاجتماعية.

وبعبارةٍ أخرى، كانت أدمغة الأشخاص المحرومين من النوم أقل نشاطاً في أجزاء الدماغ التي تجعلك أكثر اجتماعية وأكثر نشاطاً في أجزاء الدماغ التي تجعلك ترغب في الانعزال بعيداً عن الناس، ونظر الباحثون أيضاً في كيفية تفاعل الأشخاص الآخرين مع الأشخاص المحرومين من النوم، ووجدوا أنَّ المراقبين لاحظوا أنَّ الأشخاص المحرومين من النوم يشعرون بالوحدة، وأنَّهم أقل جاذبية من الأشخاص الذين ينامون جيداً.

لكنَّ الأمر المثير للاهتمام أنَّه بعد مراقبة الأشخاص المحرومين من النوم، أفاد المراقبون أنفسهم بأنَّهم يشعرون بالوحدة والعزلة الاجتماعية أكثر، على الرغم من أنَّهم مرتاحون جيداً، ومن ثمَّ فإنَّ الشعور بالوحدة الناجم عن النوم شعور مُعدٍ، ويمكن أن يؤدي ذلك بين الأزواج إلى المزيد من التباعد العاطفي وانعدام التواصل.

وبينما أنت تقرأ هذا المقال، قد تدخل في حالة من القلق المتزايد، ولكنَّني أصف تضرُّر العلاقة التي يمكن أن تكون ناجمة عن قلة النوم، وبصراحة، إنَّ آخر شيء يحتاجه أي منا هو سبب آخر لإبقائنا مستيقظين في الليل؛ لذلك بدلاً من المعاناة نتيجة قلة النوم، فقد حان الوقت للبدء بإعطاء الأولوية للنوم كهدف مشترك في علاقتكما.

المصدر




مقالات مرتبطة