ما هو تأثير إعلانات الأدوية؟

بالتأكيد، رأينا جميعاً تلك الإعلانات التجارية التي يقوم فيها أحد الممثلين بأداء دور مريض يعاني من حالة طبية خطيرة، مثل داء كرون أو مرض السكري أو حتى سرطان الرئة، وهو يبتسم بعد حصوله على وصفة طبية جديدة؛ حيث يذكر مدى شعوره بالرضى، فنراه يسير بجانب زوجته والشمس مشرقة والطيور تغرد، ثم يذكر المذيع بسرعة الآثار الجانبية ومخاطر هذا الدواء الجديد، ويظهر شعار "اسأل طبيبك عمَّا إذا كان هذا الدواء مناسباً لك".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "بيتر فايس" (Peter Weiss)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية مع الإعلانات المتعلقة بالأدوية.

لقد أصبح الإعلان المباشر للمستهلك عن الأدوية أمراً قانونياً في الولايات المتحدة (United States) منذ العام 1997، وفي الواقع، الدولتان الوحيدتان اللتان تسمحان بالإعلان عن الدواء هما "الولايات المتحدة" و"نيوزيلندا" (New Zealand)؛ حيث استمدت الولايات المتحدة شرعيتها من حكم صادر عن إدارة الغذاء والدواء في العام 1982، بأنَّ الإعلان المباشر للمستهلك لا ينتهك بطبيعته القانون واللوائح الإدارية لإدارة الغذاء والدواء.

وفقاً لبيانات شركة "ستاتيستا" لعام Statista) 2021): "أنفقَت صناعة الأدوية بأكملها مبلغاً قدره 148 مليون دولار أمريكي على الإعلانات التلفزيونية في شهر آذار (مارس)، لقد كان ذلك لمدة شهر واحد فقط!".

تكمن المشكلة الرئيسة في الإعلانات المباشرة للمستهلك، في أنَّ المناقشات الصحية المصيرية، والتي يجب أن تُجرَى بين المريض والطبيب، باتت تجري الآن بين التلفاز أو شاشة الكمبيوتر والمريض، وهي في الواقع مجرد عرض ترويجي للمبيعات من طرف واحد؛ إذ ليس كل ما نراه في التلفاز أو الإنترنت صحيحاً.

ذكرَت "مجلة فوربس" (Forbes) في العام 2019 تعقيباً على نتائج "مجلة جورنال أوف أميريكان ميديكال" (Journal of American Medical Association) التي سلَّطت الضوء على توجُّه مقلق مفاده: "توجد زيادة بنسبة 361% في ميزانيات الإعلانات المباشرة للمستهلك من عام 1997 إلى عام 2016؛ أي من 1.3 مليار إلى أكثر من 6 مليارات، وسبب هذه الزيادة في الإنفاق أنَّه أسلوب ناجح".

كما استشهدت "مجلة فوربس" بنتائج لجنة التجارة في مجلس النواب، والتي ذكرَت أنَّه: "مقابل كل 1000 دولار يُنفَق على إعلانات الأدوية التي تحتاج إلى وصفة طبية، يُضَاف 24 مريضاً جديداً إلى مجال صناعة الأدوية"، وتابعت من خلال تسليط الضوء على تقرير وجد أنَّ "معدلات صرف الأدوية التي تلقَّت إعلانات عنها كانت أكبر بسبع مرات تقريباً من تلك التي لم تتلقَ أيَّ إعلان".

شاهد بالفديو: 14 نصيحة للتمتّع بصحة جيدة طول العمر

مرةً أخرى، الإعلانات المباشرة للمستهلك لوصفات الأدوية هي أمر ناجح، لكن هل هو دواء جيد؟

تدَّعي صناعة الأدوية أنَّها تُفيد المرضى من خلال زيادة الوعي، وإزالة أيِّ شعور بالخجل تجاه مرض معيَّن، والسماح للمرضى بالسيطرة على صحتهم.

قد يكون هذا الأمر صحيحاً لو لم تكن الإعلانات مُضلِّلة جداً؛ بحيث تَعِد بحياة جديدة كاملة من خلال حبة دواء واحدة.

أنا أحترم قدرة صناعة الأدوية الأمريكية على إيجاد علاجات جديدة، وأقدِّر بشدة التكاليف المدفوعة على عملية البحث والتطوير، فضلاً عن مدى قيمة هذه الأدوية للمرضى المحتاجين؛ إذ توجد أدوية جديدة رائعة ستغير حياتك فعلاً، من خلال قدرتها على علاج العديد من الحالات الطبية الخطيرة، ولكن عندما تمتلك شيئاً جيداً، فلا حاجة إلى المبالغة في الفوائد، ناهيك عن إخفاء الآثار الجانبية، كما تفعل بعض الإعلانات المباشرة للمستهلك.

منذ أكثر من 10 سنوات، التقيتُ أحد أعضاء مجلس الشيوخ السابقين الأقوياء، لقد كان لطيفاً ومحترماً، ولكن لم تكن لديه رغبة في محاربة الإعلانات المباشرة للمستهلك؛ إذ يبدو أنَّها معركة صعبة جداً.

يجد معظم الأطباء والمدافعين عن المرضى ضرراً كبيراً من الإعلانات المباشرة للمستهلك، وأنا واحد من هؤلاء الأطباء، فقد كانت نقطتا الخلاف الرئيستان هما التضليل والإفراط في استخدام الأدوية؛ إذ قد تحذف بعض الإعلانات المعلومات الهامة، مثل أسباب المرض المرتبطة بأسلوب الحياة، أو قد تخفي حقائق هامة في التفاصيل الدقيقة.

كما يوجد أيضاً شعور بالقلق مرتبط بالتكلفة المتزايدة على المرضى؛ إذ قد توجد أدوية عامة مكافئة بيولوجياً لها فاعلية اسم العلامة التجارية نفسها، والتي تكلف أقل بكثير، هذه الإعلانات الدوائية الكبيرة جذَّابة بطريقة مُغرية جداً؛ حيث تُقنع المرضى أنَّهم بحاجة إلى هذا الدواء المعيَّن المُعلن عنه، كما تقدم عروضاً مقنعةً ليستعيد المريض قوَّته وسيطرته على الحياة.

وفي الوقت نفسه، يمكن أن تسبب هذه الإعلانات حالة من التوتر في علاقة المريض بالطبيب ومقدمي الخدمات الآخرين، فقد يسأل المريض الطبيب عن سبب عدم إخباره عن هذا الدواء الذي شاهده في التلفاز.

ويوجد أمر آخر مثير للاهتمام حول الإعلانات تلك، وهو المؤثرات البصرية للفوائد، مثل ابتسامة المريض السعيد واللعب مع أطفاله، مقارنةً بالرسائل الشفوية لمعلومات الخطر التي يقدمها الراوي بسرعة؛ حيث تنتصر المؤثرات البصرية على أسلوب السرد في عالم الإعلان.

اعتباراً من عام 2018، صرح مؤشر "إيدلمان ترست بارومتر" (Edelman Trust Barometer) أنَّ 62% من الأمريكيين لا يثقون بمجال صناعة الأدوية.

أعتقد أنَّ الإعلانات المباشرة للمستهلك لا تفيد في حالة المرضى المُلزمين بأدوية موصوفة؛ بل إنَّ فيها ضرراً أكثر من النفع، ومن ناحية أخرى، أنا ليست لديَّ أيَّة مشكلة في الإعلانات عن الأدوية التي تُصرَف دون وصفة طبية، مثل حالات الحساسية ونزلات البرد والصداع، ولكن مع ذلك، يجب على المشتري توخي الحذر.

لقد قامت بعض شركات الأدوية بتعديل أسلوبها تجاه الإعلانات المباشرة للمستهلك بطريقة أخلاقية أكثر، ومن الأمثلة على ذلك شركة "غيلياد" (Gilead)، التي نفذَّت حملة إعلانية ناجحة باستخدام ما يسمى بحملة التوعية بالمرض، فقد شجعت الناس على إجراء اختبار التهاب الكبد سي C دون ذكر منتجها.

تستخدم هذه الأنواع من الإعلانات استراتيجية لتثقيف الأشخاص بفاعلية حول مرض معيَّن، والتخلص من شعور الخجل تجاه المرض، والمساعدة فعلياً في رعاية المرضى؛ حيث لا يوجد بيع مباشر، ولكن لسوء الحظ، عدد قليل جداً من شركات الأدوية تستخدم أسلوب التسويق هذا.

إقرأ أيضاً: كيفية قراءة النشرة المرفقة مع الدواء بشكل صحيح

تحقق صناعة الأدوية الكثير من الأرباح، وأعتقد أنَّنا جميعاً نفهم ذلك ونقدره، فأنا لا أعارض فكرة جني الكثير من المال إذا كان ذلك سيحسن صحة مرضاي، وأفهم أيضاً أنَّ طرح كمية كبيرة من الأدوية في السوق قد يكلف أكثر من مليار دولار، ومع ذلك، بصفتنا أطباءً يجب علينا أن نسعى جاهدين من أجل تحقيق صحة وعافية مرضانا ابتداءً وقبل كل شيء، وأتمنى أن تفعل شركات الأدوية الأمر نفسه.

يقول أحدهم: "لماذا لا توجد أبداً آثار جانبية جيدة؟ أود لو لمرة واحدة فقط أن أرى إعلاناً عن الأدوية يقول: قد يسبب شعوراً رائعاً".

المصدر




مقالات مرتبطة