ما هو السبب الحقيقي وراء فشل معظم الشركات؟ وكيف تحل هذه المشكلة؟

ذكر مكتب إحصاءات العمل في الولايات المتحدة الأمريكية أنَّ 70% من أرباب الأعمال يفشلون بعد 10 أعوام من العمل، والغريب أنَّ معظم الناس لا يعرفون سبب حدوث ذلك. في الواقع، لقد تبيَّن أنَّ جزء الدماغ المسؤول عن أفضل مهارات التفكير النقدي وكَسب المال وحلِّ المشكلات لدى حوالي 70% من البالغين، لا يعمل بالفعل، ويعود ذلك إلى هذا السبب:



التقلُّب وعدم الاستقرار والتعقيد والغموض:

يُشَار في مجال القيادة عادةً إلى هذه العناصر الأربعة (التقلُّب، وعدم الاستقرار، والتعقيد، والغموض) باسم (VUCA) اختصاراً لأول حرف من كل كلمة منهم في اللغة الإنجليزية. يحاول عقلك تلقائياً تجنُّب هذه العناصر، وهذا أمر موروث من أسلافنا منذ كانوا يسكنون الكهوف؛ فهم تجنَّبوا مناطق عدم الاستقرار خوفاً من خطر القتل على يد حيوان بري، ولكن عندما يتعلق الأمر بريادة الأعمال، فإنَّنا نضطر أحياناً إلى عيش حالة من عدم الاستقرار لأنَّ حلول المشكلات التي نحاول حلها غير معروفة حتى الآن، وهنا تبرز أهمية السعي المستمر إلى إحراز نتائج أفضل.

أمَّا إذا أثارت فيك هذه العناصر الأربعة غريزة البقاء التي تمنعك من النجاح في الأعمال التجارية رغم أنَّك نادراً ما تمرُّ بمواقف تُهدِّد حياتك، فهناك سبب لذلك، وهو أنَّ الدماغ يشعر أنَّه يحتاج إلى النجاح مادِّيَّاً وعاطفياً أيضاً؛ إذ أظهرَت الأبحاث أنَّ شدة الألم العاطفي قد تضاهي شدة الألم الجسدي؛ لذا يميل مقدار التوتر والإحباط والقلق الذي يواجهه رواد الأعمال يومياً بسبب العناصر الأربعة إلى إثارة غريزة البقاء التي تسيطر على الإنسان خلالها حالة من قِصَر النظر.

وهذا ما يجعل معظم وظائف الدماغ التي يحتاج إليها رائد الأعمال تتوقف، وحينما يكون العقل في هذه الحالة الغريزية فإنَّه يتوقف عن التفكير.

عندما تجني 86.3% من الشركات الصغيرة أقل من 100 ألف دولار سنوياً مع ذهاب الجزء الأكبر من هذا المبلغ إلى النفقات، فلا عجب أن تسيطر غريزة البقاء على أرباب العمل دائماً، ولكن عندما تكون في هذه الحالة في أثناء محاولة تطوير مشروع تجاري ناجح، ستتَّخذ غالباً قرارات غير موفَّقة تندم عليها بسبب انغلاق مراكز التفكير النقدي والإبداع في الدماغ، والأسوأ من ذلك، أنَّ مركز التعاطف في الدماغ ينغلق أيضاً في ظلِّ هذه الحالة؛ ممَّا يمنعك في النهاية من صبِّ تركيزك على الشيء الوحيد الذي يساعدك على تحقيق الدخل: العميل.

شاهد بالفيديو: 8 أسباب وراء فشل المشاريع التجارية

حالتا الدماغ المُحتملتان:

يكون الدماغ دائماً في إحدى حالتين: حالة البقاء أو حالة التنفيذ، وتنشَط حالة البقاء عندما يعتقد الدماغ أنَّ حياتك في خطر؛ ممَّا يدفع دماغك إلى التفاعُل دون تفكير بإحدى الطرائق الثلاث: الكَر أو الفر أو الجمود.

1. استجابة الكَر (القتال):

تكون هذه الاستجابة دفاعيةً تلقائية، وتحدث عند الشعور بالخطر، مثل أن يتعرَّض شخصٌ ما إلى الهجوم من أحدهم، فيقاوم حتى يهاجم هو الشخص الآخر، وتسبِّب هذه الاستجابة مشكلةً كبيرة للعديد من قادة الأعمال؛ إذ تجعلهم حالة الرغبة المفرطة في البقاء يقاتلون بجد ويرهقون أنفسهم في محاولة تطوير الشركة؛ ممَّا يضر العمل بشدة على الأمد الطويل؛ إذ يؤدي إلى الإرهاق واتِّخاذ القرارات غير الصائبة. علاوة على ذلك، عندما يكون دماغك في هذه الحالة، يُطوِّر رؤيةً ضيقة ويبحث عن أقرب مخرج خوفاً من التهديد؛ ممَّا يؤذي روَّاد الأعمال لأنَّهم لا يستطيعون رؤية الفرص والحلول الكبيرة الموجودة حولهم، ويشعرون بأنَّهم يبحثون عن حلول للمشكلات طيلة الوقت.

2. استجابة الفر (الهروب):

تتمثَّل استجابة الفر المُعتادة في ريادة الأعمال في التسويف، ويَحدث هذا غالباً كاستجابة لعدم وضوح كيفية المضي قدماً، وقد يكون هناك سبب آخر، وهو الشعور بعدم الاستعداد أو القدرة؛ ممَّا يدفع دماغك إلى الهروب من المهمَّة، كما قد يؤدي هذا أيضاً إلى الفرار من خلال ممارسة سلوكات إدمانية لإلهاء نفسك، مثل مشاهدة التلفاز بكثرة، أو تناول الطعام بنهم، أو أي نوع آخر من السلوكات الخطيرة.

إقرأ أيضاً: هل استجابة "الكر أو الفر" هي الاستجابة البشرية الوحيدة للضغوطات؟

3. استجابة الجمود:

تَحدث هذه الاستجابة على هيئة خمول أو تردُّد، وتنشَط غالباً عندما يكون هناك الكثير من العمل الواجب إكماله، وتظهر استجابة البقاء هذه من خلال استراتيجية التجاهل التام، باعتبار أنَّ المشكلة قد تختفي من تلقاء نفسها إذا تجاهلتَها، كما تَحدث هذه الاستجابة غالباً عندما نواجه مواقف فيها العوامل الأربعة التي ذكرناها في الفقرة الأولى في أعمالنا؛ لذا لا نشعر في كثير من الأحيان بالرغبة في العمل ونميل إلى المماطلة، أو لا نشعر بالرغبة في اتِّخاذ أهم الخطوات التي ستساعد على ازدهار أعمالنا.

أمَّا الحالة الأخرى –حالة التنفيذ– تمكِّنَّك من تفعيل وظائف عقلك الأكثر أهميةً والتي ستساعدك على اكتشاف الحلول التي تبحث عنها في عملك، ويعود هذا إلى قدرتك على تنشيط ما يلي:

1. مهارات التفكير النقدي:

عندما تعمل مهارات التفكير النقدي، يمكِنك إلقاء نظرة على جميع المتغيرات التي يتضمَّنها تحدٍّ معيَّن والتوصل إلى حل بشأنها؛ إذ يتمكَّن عقلك حينما يخوض مثل هذه التجربة من وضع النقاط على الحروف ورؤية الحل أخيراً.

إقرأ أيضاً: 5 تقنيات فعالة للتفكير النقدي

2. الوظائف التنفيذية:

هذه هي القدرة التي يمكِنك من خلالها اتِّخاذ قرارات رائعة.

3. الإبداع:

نحتاج جميعاً إلى إبداعنا لكي ننتبه إلى الأشياء التي لم نكن نوليها اهتماماً من قبل؛ ممَّا يساعد عقولنا على رؤية الحلول والفرص الجديدة المتاحة التي تمنعنا الرغبة في البقاء من رؤيتها.

4. التعاطف:

تتأذى ثقافة الفريق عادةً لأنَّ غريزة البقاء تسيطر على قادة الأعمال، والتي تجعل من الصعب عليهم رؤية الاحتياجات المطلوبة جميعها، سواء احتياجات الموظفين أم العملاء، ويَحدث هذا لأنَّ التركيز ينصبُّ على حماية نفسك عندما تكون في هذه الحالة.

كيف تنشِّط حالتك التنفيذية؟

ما سيساعدك على الخروج من حالة البقاء إلى الحالة التنفيذية، هو الوعي؛ لأنَّه لن يكون في إمكانك إجراء تغيير دون الوعي بالمشكلة الحقيقية أولاً؛ لذا فإنَّ الخطوة الأولى والأهم هي التحقُّق من أفعالك، والتفكير في عدد استجابات الكر والفر والجمود التي أظهرتَها.

رحلة الوعي الذاتي هذه هي العامل الرئيس للاستفادة من حالتك التنفيذية؛ لأنَّها تتيح لك رؤية الفرص والحلول التي كانت دائماً متاحة أمامك، وعندما تدرك أنَّ ما كنتَ تعتقد أنَّه المشكلة لم يكُن كذلك، سيساعدك هذا الإدراك على معالجة المشكلة الحقيقة التي تؤثر في عملك.

لهذا السبب، تُطبِّق بعض الشركات الرائدة أنشطةً مثل التأمل الواعي في ثقافتهم، بالإضافة إلى تقنيات أخرى مثل الارتجاع العصبي التي يمكِنها استشعار ما إذا كان دماغك في حالة رغبة في البقاء أو في حالة تنفيذية، كما تدرِّبك على الخروج من حالة الرغبة في البقاء.

يُعَدُّ الاستمرار في العثور على المزيد من الأدلة العلمية حول كيفية تحسين أجزاء الدماغ غير المُستغلَّة بدايةً رائعة لتحسين الأداء؛ لذا راقِب نفسك يومياً، وأحصِ المرَّات التي تستجيب فيها استجابة كر أو فر أو جمود، على سبيل المثال: إذا لاحظتَ أنَّ الأمور التي تحفِّزك صارت تزعجك، فهذه استجابة "كر"، وإذا لاحظتَ أنَّك تؤجِّل مهامك لأنَّك لا تشعر بالرغبة في العمل، فهذه استجابة "فر"، أمَّا إذا لاحظتَ أنَّك في حيرة من أمرك أو تشعر بالتردُّد في ظلِّ وجود العديد من المهام، فهذه استجابة "جمود".

بمجرَّد أن تصبح أكثر وعياً باستجابات البقاء التفاعلية التي تعيق تقدُّمك، تمنح نفسك القوة لبدء عملية التغيير والتحسين.

 

المصدر




مقالات مرتبطة