ما هو الدافع التحفيزي؟ وهل يجدي نفعاً؟

لطالما احتجنا جميعاً إلى قليلٍ من الإلهام في وقت ما في حياتنا، وقد نمَت هذه الحاجة في العام أو العامين الماضيين على الأرجح؛ فمَن منا لم يحاول إنقاص الوزن الزائد الذي اكتسبناه خلال الجائحة؟ ومَن منا لم يشعر بالحاجة إلى التظاهر بالحماسة للانضمام إلى مكالمة أخرى عبر تطبيق "زووم" (Zoom)؟ ومَن لم يحاول إضفاء شعور من الحماسة بشأن العودة إلى العمل في المكتب من التاسعة وحتى الخامسة مساء؟



إنَّ الشعور بالملل وعدم الاهتمام هو ما يُميِّز عصرنا؛ لذلك إنَّ الدافع التحفيزي هو الوسيلة التي ستمكِّننا من استعادة حماستنا ودافعنا وسعينا وراء الأشياء التي لطالما قلنا إنَّنا نريدها أكثر من أي شيء آخر، وسنتحدَّث في هذا المقال عن ماهية الدافع التحفيزي وكيف يعمل.

ما هو "الدافع التحفيزي" (Incentive Motivation)؟

الدافع التحفيزي هو مجال دراسة في علم النفس، يركِّز على الدافع البشري، فما الذي يجعلنا ننتقل من الكسل إلى الجري في ماراثون؟ وما الذي يدفعنا للحصول على لقاح "كوفيد" (Covid) أو التخلِّي عنه؟ وما الذي يؤثر في تفكيرنا أو تصرفنا بطريقة معينة؟ يُعنى الدافع التحفيزي بالطريقة التي تؤثر بها الأهداف في السلوك، ويُؤتي نتائج بحسب جميع الآراء، إذا كان الدافع المُستعمَل يشغل أهمية بالغة بالنسبة إلى الشخص.

جذور الدافع التحفيزي:

يمكن إرجاع جذور الدافع التحفيزي إلى الوقت الذي كنَّا فيه أطفالاً، إنَّه لأمر شبه مؤكَّد أنَّ كثيرين منَّا لديهم ذكريات متشابهة تتعلَّق بطلب أهلنا منَّا تناول حصَّتنا من الطعام كاملةً حتى "ننمو ونصبح كباراً وأقوياء"، وإذا تناولناها، فسنُكافَأ برحلة في عطلة نهاية الأسبوع إلى مهرجان أو متنزَّه أو ملعب من اختيارنا، فقد كانت المكافأة التي تمثِّلها تلك النزهة شيئاً أردناه بما يكفي ليكون له تأثير في سلوكنا.

يستمر الدافع التحفيزي، في مرحلة النمو، في تأدية دور رئيس فيما نختار القيام به، فعلى سبيل المثال، مع أنَّنا لم نستمتع على الأرجح بفكرة قضاء سنوات حياتنا في الدراسة، والحصول على درجات جيدة، والسعي إلى الحصول على درجات علمية متقدِّمة والتخرج، ولدينا دين كبير لقروض الطلاب، فإنَّ معظمنا قد قرَّر القيام بذلك بالضبط، لماذا؟ لأنَّ الهدف النهائي بامتلاك مهنة ولقب منشود والحوافز المرتبطة بالمكافأة المالية والفرح الذي يترافق مع قيامنا بشيء نحبه، جميعها مُحفِّزات قوية.

إقرأ أيضاً: 11 من أهم الحوافز غير النقدية لمكافأة موظفيك

إنَّ الدكتورة "هولي وايت" (Holly Wyatt) هي إحدى الباحثات اللواتي تؤمِنَّ بقوة الدافع التحفيزي، وهي خبيرة في إدارة الوزن، وقد شاركت في تأليف كتاب "حالة النحافة" (State of Slim)، وكانت من المُؤسِّسات المشارِكات في برنامج متخصص بإنقاص الوزن بشكل تحويلي ويحمل اسم الكتاب نفسه، وقد أثبتَ عملها مع عملائها مراراً وتكراراً أنَّ الحوافز تعيد إشعال حماستنا عندما تفتر.

أمثلة عن الدافع التحفيزي:

تتحدَّى الدكتورة "وايت" في طريقة الدافع التحفيزي، وتحديداً تلك الخاصة بالدوافع الخارجية، عملاءها بأن يلتزموا بتغيير سلوكي واحد بحيث يكون من شأنه مساعدتهم على الوصول إلى أهدافهم في إنقاص وزنهم، وينبغي لهم بعد ذلك الموافقة على أن يحصلوا على "جزرة" أو "عصا"، إمَّا بوصفها مكافأة على إنجازهم ما قالوا إنَّهم سيفعلونه، أو بوصفها عقاباً لهم على التقصير.

إذاً، يمكننا تشبيه هذه الدوافع بهذين الخيارين: إمَّا بالاستمتاع بيوم في المنتجع الصحي في حال فعلوا الشيء الذي قالوا إنَّهم سيفعلونه، أو الركض صعوداً وهبوطاً على درج مبنى شقَّتهم عدداً معيَّناً من المرات حتى يتعرَّقوا؛ وذلك بوصفه عقاباً لهم لعدم التزامهم.

يجب أن يكون الهدف شيئاً يريدونه، بصرف النظر عمَّا سيختارونه، وينبغي أن تكون المكافأة أمراً هامَّاً لهم بدرجة كافية للتأثير في سلوكاتهم التي ستقودهم للوصول إلى تلك الأهداف، فقد تُحفِّز "الجزرة" بعض الناس لأنَّها تُمثِّل نوعاً من المكافأة ذات المغزى، في حين قد تحفِّز العصا آخرين؛ إذ ينظرون لها على أنَّها نوع من النتائج السلبية أو أنَّها انتزاع لامتياز.

مثال آخر عن المكافأة التحفيزية هو ما تفعله الشركات والهيئات الحكومية التي تقدِّم حالياً امتيازات للأشخاص الذين يحصلون على لقاح "كوفيد" (Covid)؛ إذ تُقدَّم العروض على شكل تذاكر يانصيب، على الصعيد الوطني، ويكون بعضها الآخر على شكل جوائز نقدية، ومقاعد في الحفلات، والدخول المجاني إلى الأحداث، وخصومات الطعام وحتى المشروبات المجانية في المطاعم والمقاهي المحلية.

إنَّ قائمة الحوافز المقدَّمة للجمهور لزيادة معدلات التطعيم واسعة جداً ومبتكرة تماماً، هذه الحوافز والمكافآت هي مالية واجتماعية، وحتى أخلاقية، ولكن هل تُجدي هذه المكافأة التحفيزية بالتحديد نفعاً؟

تذكَّر أنَّ مفتاح قياس ما إذا كان الدافع التحفيزي مُجدياً أم لا هو نظرة المرء إلى أهمية تأثير المكافأة التي يحصل عليها في الهدف النهائي الذي يريد الوصول إليه؛ لذلك لن تُحفِّز المكافآت جميعها الناس بالطريقة ذاتها، ووَفقاً للأستاذ الفخري "ستيفن إل فرانزوي" (Stephen L. Franzoi)، فإنَّه "يمكن لقيمة الحافز أن تتغيَّر مع مرور الوقت وفي مواقف مختلفة".

كيف يختلف الدافع التحفيزي عن الأنواع الأخرى من الدوافع؟

إنَّ الدافع التحفيزي هو نوع واحد فقط من القوة المُحفِّزة التي تعتمد على عوامل خارجية، وفي حين أنَّ المكافآت هي أدوات قوية في التأثير في السلوكات، إلَّا أنَّ هناك بعض الخيارات الأخرى التي قد تكون أكثر انسجاماً مع هويتك وما يدفعك نحو تحقيق أهدافك.

دافع الخوف:

أن يكون دافع الشخص مُنبعثاً من الخوف، عكس أن يكون مدفوعاً بالحوافز، فبدلاً من السعي وراء بعض المكافآت، يكون تجنُّب بعض العواقب أو العقوبات المؤلمة هو الذي يدفع الشخص إلى اتِّخاذ الإجراءات.

على سبيل المثال، الخوف من أن يكون المرء فقيراً أبقى كثيراً من الناس في وظائف يكرهونها، وظلَّت الأمور كذلك لوقت طويل، حتى أصبحنا الآن نرى تسليط العناوين الرئيسة الضوء على عدد العمال الذين استقالوا ورفضوا العودة إلى ما كانت عليه الأمور.

شاهد بالفديو: 10 قواعد في الحياة للمحافظة على الدافع

الدافع الاجتماعي:

تُشكِّل الرغبة في الانتماء حافزاً قوياً كون البشر مخلوقات اجتماعية، وإنَّ هذا النوع من الدوافع الاجتماعية يثير سلوك الفرد بطرائق يأمل أن تؤدي إلى تقبُّله من قِبل مجموعة معيَّنة أو أفراد آخرين.

وكان لظهور الإنترنت وانتشار التفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعي آثار إيجابية وسلبية، وقد تمثَّلت في قدرتها على تحفيزنا بأن نُدرَج ضمن ما كان يُطلَق عليه خلال أيام المدرسة "الأطفال الظرفاء"، أو نكون ضمن "المجموعة" كالرياضيين، والمتفوقين، والفنانين وما إلى ذلك.

ومن المُحتمل أنَّنا قد اختبرنا جميعاً بين وقت وآخر المشاعر المرتبطة بأنَّه لم نُختار؛ سواء كان ذلك لفريق يلعب مباراة ما أم ترشيحاً للشخص الفائز في وظيفة منافسة ما، فيمكن للرفض الاجتماعي أن يقوينا أو يحطمنا.

إقرأ أيضاً: الفرق بين الدافع الداخلي والدافع الخارجي

قبل أن تنهض وتذهب:

كن على علم أنَّه لا بأس؛ بل إنَّه من الطبيعي أن تشعر بنقص الحافز، وخاصةً خلال هذه الأوقات الصعبة، واعلم أيضاً أنَّ المحفِّزات الخارجية، كالتي تحدَّثنا عنها في هذا المقال، يمكن أن تكون أدوات رائعة تساعدك على استعادة بريقك.

لقد تطرَّقنا إلى القليل هنا، لكن يوجد الكثير من الحوافز الأُخرى الخارجية والداخلية، فتذكَّر أنَّ هذه الدوافع الخارجية؛ كالدوافع التحفيزية، هي بالأهمية نفسها التي يوليها الفرد للمكافأة، ومن الهام أيضاً أن نلاحظ أنَّه إذا لم يوجد دافع داخلي ملائم، فستكون النتائج قصيرة الأمد على الأرجح.

على سبيل المثال، قد تؤدي رغبتك في ارتداء بدلة في مناسبة عامة إلى السعي نحو فقدان قدر معيَّن من الوزن وارتدائها في النهاية، لكن هل ستستمر على حميتك بعد حفلتك؟ أم أنَّك ستعود إلى كما كان وزنك قبل الحفلة؟

إذا كنت ترغب في أن تُكافَأ في عملك بعد أن تصدَّرتَ قوائم المبيعات والجهد الذي بذلتَه لزيادة مبيعاتك من أجل تلك الرحلة إلى الجزر التي أُعلن عنها، فهل سيُحفزك الحافز نفسه مراراً وتكراراً؟ أم أنَّك ستحتاج إلى المزيد لتظل متحفِّزاً؟

نُقِل عن "فيكتور فرانكل" (Viktor Frankl)، طبيب نفسي في القرن العشرين ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً "الإنسان يبحث عن المعنى Man’s Search for Meaning"، قوله: "يمكن لأولئك الذين لديهم سبب للعيش، تحمُّل أي شيء تقريباً"، ومع أهمية الدوافع الخارجية؛ مثل الحوافز في التأثير في السلوكات، فإنَّ المفتاح الأساسي دائماً هو مواءمتها مع السبب أو الدافع الداخلي للفرد؛ إذ ستكون عندها فقط النتائج طويلة الأمد.

المصدر




مقالات مرتبطة