ما هو الإرشاد المهني؟ وما هي أهميته وأهدافه؟

يُعَدُّ الإرشاد المهني واحداً من الخدمات أو البرامج النفسية والتربوية التي تساعد الفرد على معرفة استعداداته وميوله وقدراته وتنميتها بشكل يساعده على اختيار المهنة التي تناسبه وتتلاءم مع حياته وظروفه وإمكاناته بشكل يمكِّنه من تحقيق النجاح في حياته المهنية، وفي المقال الآتي سنتعرَّف أكثر إلى الإرشاد المهني وأهميته وأهدافه.



أولاً: ما هو الإرشاد المهني؟

في الحقيقة، إنَّ مفهوم الإرشاد والتوجيه ليس مفهوماً صعباً أو غير واضح، وهو موجود من الأساس في تراثنا، وكان يظهر على شكل اختيار الآباء لمهن أبنائهم، والكثير من العائلات كانت تُلقَّب بأسماء المهن التي تعمل بها، كالخياط، والنجار، والحداد، وغير ذلك.

قد يأخذ الإرشاد طابعاً غير رسمي كالإرشاد الذي تقدمه الأسرة أو المعارف والأصدقاء، أو طابعاً رسمياً كالإرشاد الذي يُقدَّم في مراكز الإرشاد النفسي أو المهني أو المدرسي ويقدِّمه المتخصصون. والجدير بالذكر أنَّ الإرشاد المهني غير الرسمي يكون فعالاً في حال كان الإرشاد الرسمي غائباً وغير مفعَّل بالشكل المطلوب؛ وهذا ما يفتح المجال للأهل والأصدقاء للتدخل وتقديم النصائح.

الإرشاد عموماً يعني تلك العملية المنظمة التي ترمي إلى مساعدة الفرد على اختيار الطريق الصحيح لسلوكه حتى يكون قادراً على مواجهة مشكلاته الحالية أو مشكلاته المستقبلية بشكل ناجح وفعال ومثمر، فعملية التوجيه أو الإرشاد تتضمن مساعدة يقدمها شخص ما لشخص آخر حتى يتمكن الأخير من اتخاذ قرار هام.

أما بالنسبة إلى الإرشاد المهني، فقد عرَّفته الجمعية القومية للتوجيه المهني في أمريكا بأنَّه "عملية مساعدة الفرد على اختيار مهنة له وإعداد نفسه لها، والالتحاق بها، والتقدم فيها، والاهتمام أولاً بمساعدة الأفراد على اختيار وتقرير مستقبلهم ومهنهم بما يكفل لهم تكيفاً مهنياً مُرضياً".

وقد عرَّفته الجمعية العامة للموجهين الفرنسيين بأنَّه تلك العملية التي يقوم بها الأهل، والتي ترمي إلى توجيه الطفل نحو النشاط المهني الذي يتناسب أكثر من غيره مع قدراته وإمكاناته، مع الأخذ في الحسبان ميوله الأولية ووضع العائلة وحالة سوق العمل.

يمكننا وضع تعريف شامل للإرشاد المهني والقول إنَّه: العملية التي تهدف إلى مساعدة الفرد سواء كان ناشئاً أم راشداً في معرفة قدراته وفهم ذاته وإدراك قدراته، وإعطائه المعلومات الكافية عن المهن الموجودة في بيئته، وشروط الدخول بها والإعداد لها والارتقاء فيها، وإطلاعه أيضاً على الدراسات المهنية المتوفرة؛ وذلك من أجل مساعدته في عملية اختيار المهنة المناسبة له والضامنة لمستقبله، وتعليمه كيفية مواجهة المشكلات التي تعترضه؛ وهذا سيؤدي في طبيعة الحال إلى تكيُّف الفرد مع مهنته والوصول إلى الرضى الوظيفي الذي يبحث عنه وينعكس انعكاساً إيجابياً على حياته.

تجدر الإشارة إلى تأخُّر ظهور حركة التوجيه والإرشاد المهني في البلدان العربية، وقد بدأت السير في الجانبين العلمي والعملي في الربع الأخير من القرن الماضي؛ إذ دخلت هذه الخدمة إلى ميدان المدرسة في الكويت في الثمانينيات، وفي قطر والسعودية والإمارات والجزائر والبحرين في التسعينيات، ولم تظهر في سوريا حتى عام 2000م.

ثانياً: الحاجة إلى الإرشاد المهني

بدأت الحاجة الملحة إلى الإرشاد المهني بالظهور منذ بداية القرن الحالي؛ ويعود السبب في ذلك إلى التغيرات الكثيرة التي طرأت على المجتمع، والأسرة، والمدرسة، والعمل، وغير ذلك.

لكي نفهم الحاجة إلى الإرشاد المهني لا بد من الإشارة إلى أهم هذه التغيرات:

1. الزيادة الكبيرة في عدد السكان في العالم:

التي كان لها الكثير من الآثار، ومنها التأثير في استيعاب المدارس للتلاميذ؛ وهذا ما أدى إلى العديد من المشكلات داخل المدارس مثل مشكلات الفروق الفردية ومشكلات التكيف المدرسي، والتأخر الدراسي، ومشكلات تتعلق بعدم القدرة على التعرُّف إلى قدرات التلاميذ وميولهم، وعدم القدرة على إعداد التلاميذ وتأهيلهم للحياة المهنية والعملية بعد التخرج من المدرسة، وعدم القدرة على تأهيل التلاميذ وإرشادهم وتوجيههم نحو التخصص الجامعي الذي يتناسب معهم، وهذا كله أدى إلى ظهور حاجة ملحة إلى وجود مرشد مهني داخل المدارس ليقدم الدعم والتوجيه والإرشاد المهني للتلاميذ بشكل مبني على أسس علمية سليمة ووفق أساليب فنية مناسبة.

2. التغيرات التي طرأت على الأسرة:

الأسرة اليوم لم تَعُد كالسابق سواء من ناحية التكوين ففي السابق كانت الأسرة كبيرة تشمل الأب والأم والأولاد وزوجاتهم إضافةً إلى الأحفاد، وكان رب الأسرة هو المسؤول عنها بمساعدة بعض الأعضاء، أم من ناحية الوظائف، ففي السابق كانت مسؤولية التربية تقع على عاتق الأسرة بالكامل وكانت قيم المجتمع واضحة وبسيطة.

لكن مع مرور الزمن وتطور الحياة أصبح الأهل يبتعدون عن الأسرة ابتعاداً أكبر بسبب الحاجة إلى العمل لفترات طويلة نتيجةً لكثرة الاحتياجات اليوم؛ وهذا ما ألقى قسماً كبيراً من التربية والتوجيه على المدرسة التي أخذت على عاتقها الكثير من مسؤوليات الأسرة، ومن هذه الحاجات عملية التوجيه والإرشاد المهني.

3. التغيرات في المجتمع:

نتيجةً لثورة المعلومات والتكنولوجيا التي يشهدها العالم اليوم تغيَّر المجتمع وتغيَّر أسلوب الحياة، حتى طبيعة العلاقات بين الأفراد تغيَّرت، ونظام الجماعة أيضاً الذي لم يَعُد مناسباً وقادراً على مواكبة هذه التطورات؛ وهذا ما أدى إلى تغيرات كبيرة في أساليب الحكم وفي التجارة والصناعة ووسائل نقل المعلومات وغيرها، وبالطبع سينعكس هذا على طبيعة ميول الأفراد ورغباتهم وتوجهاتهم نحو مهنة المستقبل؛ وهذا عزز ضرورة وجود مرشد مهني لتوجيه الناشئة نحو المهن المناسبة، ولمساعدتهم على التغلب على المشكلات النفسية الناتجة عن التغيرات التكنولوجية والاجتماعية.

4. التقدم التكنولوجي السريع وتأثيره في العمل:

لم يقتصر التقدم التكنولوجي الحاصل في العالم على جانب واحد من جوانب الحياة؛ وهذا أثر تأثيراً كبيراً في طبيعة الأعمال التي انتقلت من الأعمال البدائية إلى الصناعات المتقدمة، ومن كون الفرد مسؤولاً عن جميع مراحل الإنتاج إلى تخصصه بخطوة واحدة من خطوات الإنتاج.

بالإضافة إلى التعدد الكبير في مجالات العمل واختلاف شروط الدخول بها، ومشكلات في التكيف وفي الرضى الوظيفي؛ وهذا ما سبب تغيرات جذرية في نظرة الفرد إلى العمل، ومن ثمَّ زادت حاجته إلى الإرشاد المهني الذي يوجهه نحو التخصصات المناسبة له والتي يحتاجها سوق العمل.

شاهد: 5 نصائح لتحقيق التطور المهني

5. تطور الفكر التربوي:

التركيز على التلميذ بكونه الأهم في العملية التربوية زاد من أهمية الإرشاد المهني؛ وهذا جعل لبرامج الإرشاد المهني مكانة هامة داخل المدارس.

6. مشكلات تتعلق بالمدرسة الحديثة:

تواجه المدارس الحديثة اليوم العديد من الانتقادات؛ فهي تُتَّهَم بعدم مراعاة حاجات الطلاب المختلفة وفروقهم الفردية، وبأنَّ المدرسة اليوم عاجزة عن مواكبة التطور المهني السريع في العالم؛ وهذا ما عزَّز ضرورة وجود المرشد النفسي داخل المدارس.

7. دخول عصر المعلومات والاتصالات:

فرضت ثورة المعلومات والاتصالات نفسها بقوة على نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأسرية والتربوية؛ ونتيجةً لذلك تلاشت الكثير من المهن وحلَّ محلها مهن أخرى، وأيضاً ظهرت الكثير من التعديلات على بعض المهن، ولن ننسى كيف فرض الحاسب والإنترنت نفسيهما في كل مجال وفي كل مهنة، وهذا كله يؤكد ضرورة وجود عملية الإرشاد المهني لمساعدة الأفراد على مواكبة كل هذه التغيرات وإعدادهم لها ومساعدتهم على التكيف بما يحقق الفائدة.

8. الدراسات الميدانية التي تؤكد الحاجة إلى المرشد المدرسي والمهني:

الكثير من الدراسات اتفقت على ضرورة وجود الإرشاد المهني ضمن المنهج المدرسي وخاصةً في المرحلتين الإعدادية والثانوية، والكثير من الدراسات التي أُجرِيَت على تلاميذ في مختلف المدارس أجمعت على أهمية الدور الذي يقوم به المرشد المهني وحاجتهم الماسة إليه حتى يساعدهم على فهم ميولهم وقدراتهم وإمكاناتهم وتوجيههم نحو العمل المناسب لهم.

ثالثاً: أهمية الإرشاد المهني

أهمية الإرشاد المهني لا تقتصر على الفرد فقط؛ وذلك لأنَّ عملية مساعدة الفرد على اختيار مهنة مناسبة له ستنعكس آثارها الإيجابية على المجتمع والصناعة والتجارة وغيرها من جوانب الحياة.

إليك فيما يأتي أهمية الإرشاد المهني لكل عنصر على حدة:

1. أهمية الإرشاد المهني للفرد:

يُعَدُّ الإرشاد هاماً للفرد على ثلاث جهات؛ الأولى هي التكوين الشخصي للفرد؛ فالإرشاد ليس عملية تقديم حلول للمشكلات التي يواجهها الفرد؛ بل هو عملية تقوم على تفتيح القوى الكامنة الموجودة داخل الشخص، وتُعلِّمه كيفية التعامل والتفاعل معها وتنميتها وتطويرها.

فالإرشاد المهني إذاً ليس إلا محاولة لتوفير الظروف والشروط المناسبة لتنمية الميول والقدرات وتوجيهها نحو المهنة المناسبة لها، أما الجهة الثانية فهي التكيف؛ وتعني تحقيق التوازن بين الفرد ومحيطه، فالشخص الذي يعمل في مهنة لا يحبها سيعاني من الكثير من المشكلات والضغوطات النفسية الناتجة عن سوء التكيف بين تكوينه بصفته شخصاً والمهنة التي يعمل بها، أما الجهة الثالثة التي يظهر من خلالها أهمية الإرشاد النفسي للفرد فهي العمل نفسه الذي يمارسه الفرد، فالعمل جزء من حياة الإنسان، وهو أساسي لتأمين الدخل الذي يمكِّن الإنسان من العيش بكرامة؛ ولذلك فإنَّ ممارسة الإنسان لعمل لا يحبه سيكون مصدر قلق وإزعاج متنوع في الأشكال والنتائج.

2. أهمية الإرشاد المهني للجماعة:

العمل المنظَّم هو الذي يؤمِّن الطمأنينة والرفاه للجماعة، وانتشار البطالة لن تنعكس آثاره السلبية على الفرد نفسه؛ بل ستنعكس على الجماعة كلها، وقد تصل الآثار السلبية إلى انتشار السرقات والخلافات الأسرية، كما أنَّ الإرشاد المهني أحد الأسس الهامة التي يقوم عليها توزيع الموارد البشرية على المجالات المهنية المختلفة؛ وهذا يحقق التوازن لحاجات المجتمع ويوفر مصادر الإنتاج اللازمة.

3. أهمية الإرشاد المهني للصناعة والتجارة:

وفَّر الإرشاد المهني للمؤسسات الصناعية والتجارية الأيدي العاملة المؤهلة والمدربة كون الإرشاد المهني من مراحل تأهيل الفرد لعمل المستقبل، ومن ثمَّ يوفر على هذه المؤسسات مرحلة التدريب.

إنَّ الإرشاد المهني أيضاً يوجه الأفراد نحو المهن التي يحبونها فيبدعون بها، فتخيل العبء الذي سيقع على مؤسسة عندما يتطلب منها تدريب عمال لا تتناسب قدراتهم وميولهم ورغباتهم مع وظيفتهم.

4. أهمية الإرشاد المهني في الدخل القومي:

عمل الأفراد في مهن لا يحبونها ولا تتناسب مع قدراتهم وميولهم يعني الكثير من الجهد الضائع، فالمجتمعات الواعية تعمل على الاستغلال الأمثل للموارد البشرية بما يعود بفائدة عظيمة على الدخل القومي، وحقيقةً فإنَّ عملية الاستغلال هذه للموارد البشرية هي واحدة من أهم وظائف الإرشاد المهني.

شاهد أيضاً: كيف تخطط لمستقبلك بنجاح؟

رابعاً: أهداف الإرشاد المهني

كثيرة هي الأهداف التي يسعى الإرشاد المهني إلى تحقيقها، وسنذكر فيما يأتي أهمها:

1. توجيه الذات:

يعني تدريب الفرد على توجيه وإرشاد نفسه دون الحاجة إلى شخص آخر؛ وهذا ما يتحقق من خلال إدراك الفرد حقيقة نفسه والعالم المحيط به وتحمُّل مسؤولية قراراته، ومن ثمَّ الإرشاد المهني لا يهدف إلى مواجهة المشكلات بقدر ما يهدف إلى تكوين اتجاهات وفلسفة في الحياة تساعد الفرد على توجيه نفسه بنفسه.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح لتحقيق التطور المهني وتطوير العمل

2. تحقيق الذات:

الإرشاد المهني يهدف إلى مساعدة الفرد للوصول إلى أعلى درجات نمو إمكاناته وقدراته، بشكل يمكِّنه من تحقيق ذاته في عالم الدراسة والعمل، وببساطة شديدة، تحقيق الذات هو أن يكون الدور الذي يتوقعه الفرد لنفسه هو ذاته الدور الذي يقوم به.

3. تحقيق التكيف:

ويكون في مجالات عدة وهي التكيف الشخصي؛ أي تحقيق الرضى عن الذات وإشباع الحاجات والتكيف مع مطالب النمو، والتكيف التربوي؛ أي مساعدة الفرد على اختيار التخصص الدراسي المناسب لقدراته وإمكاناته، والتكيف المهني؛ أي اختيار الفرد لمهنة مناسبة له تحقق له التوازن النفسي والرضى الوظيفي، ولن ننسى أنَّ التكيف المهني من ثمرات الإرشاد المهني الناجح، وأخيراً التكيف الاجتماعي؛ ويعني القدرة على العيش ضمن المجتمع والالتزام بأخلاقه وقيمه وضوابطه.

إقرأ أيضاً: الإرشاد النفسي: تعريفه، وأهدافه، وأهميته، وأهم طرائقه

4. الصحة النفسية:

 الصحة النفسية في نهاية المطاف هي الهدف العام والشامل للإرشاد، فالصحة النفسية هي حالة إيجابية تجعل الفرد يقوم بمهامه ووظائفه على أحسن وجه.

في الختام:

الحديث عن الإرشاد المهني يطول كثيراً، ولكنَّنا حاولنا في هذا المقال تقديم أهم المعلومات التي تساعد على فهم هذا المصطلح والتعرُّف إلى أهميته وأهدافه.

المصادر:

  • كتاب الإرشاد المهني للدكتور محمد عبد الحميد الشيخ حمود.



مقالات مرتبطة