ما سبب عدم فاعلية التفكير الإيجابي وبماذا يمكن الاستعاضة عنه؟

سنتعمَّق في هذا المقال في فهم المبادئ الثلاثة للذهن والوعي والفكر؛ لنتوصل إلى حقيقة أنَّنا لسنا بحاجة إلى محاولة التفكير بإيجابية لنستمتع بحياة سعيدة ومُرضية؛ بل كل ما نحتاجه هو التفهم وعدم أخذ أفكارنا على محمل الجد؛ فمن خلال محاولة التفكير بإيجابية طوال الوقت فأنت تحاول تجنب السلبية وتقبُّل الإيجابيات فقط بدلاً من تقبُّل كل شيء.



يعج مجال التنمية الذاتية بأحدث النصائح والاستراتيجيات المتعلقة بكيفية التفكير بإيجابية أكثر؛ لكنَّ محاولة التفكير بهذه الطريقة طوال الوقت ليست الحل لعيش حياة أكثر إرضاءً وسعادة، علاوة على ذلك فإنَّها غير فعالة حتى.

الهدف من هذا المقال هو إقناعك أنَّك من خلال محاولة التفكير الإيجابي طوال الوقت ستفوِّت العديد من تجارب الحياة.

الأفكار ليست إيجابية أو سلبية؛ بل هذا تصنيفك أنت لها:

نحن نقرر ما تعنيه كل فكرة من أفكارنا، فلا يوجد معنى محدد لها؛ بل هناك مشاعر عامة ترتبط بها؛ لكنَّ كلاً من هذه المشاعر يعني شيئاً مختلفاً لكل واحد منا؛ لأنَّ كلاً منا تخطر له أفكار مختلفة تؤدي إلى تلك المشاعر.

أيُّ فكرة تظنُّ أنَّها إيجابية أو سلبية هي فقط كذلك لأنَّك تعتقد أنَّها كذلك، ولأنَّك وصفتها بذلك؛ فلماذا يجب أن تكون الأفكار التي تؤدي إلى الشعور بالسعادة إيجابية والأفكار التي تؤدي إلى الشعور بالحزن سلبية؟

هل التفكير بأفكار تحزنك إذا فقدت شخصاً تحبه كثيراً أمر سلبي حقاً؟ وهل تفضِّل أن تشعر بالسعادة لأنَّك فقدته؟ لربما السعادة في مثل هذه الظروف هي الشعور السلبي؛ فيتعلق الموضوع بوجهة نظرك.

إطلاق الأحكام مقارنة بالتفهم:

يؤدي إطلاق الأحكام إلى فصل أفكارنا إلى إيجابية أو سلبية، في حين نتوصل من خلال التفهم إلى قبول حقيقة أنَّنا نفكر؛ فمن خلال فهم أنَّنا كائنات تفكر، وأنَّنا لا نستطيع السيطرة على هذا الفعل بصرف النظر عن محتوى تفكيرنا يمكننا أخيراً تأمل أفكارنا.

تسمح لنا معرفة أنَّ أفكارنا ليست حقيقة واقعة بعدم أخذها على محمل الجد؛ فلا شيء من أفكارنا حقيقي؛ بل تبدو حقيقية فقط لأنَّنا نولي بعضها اهتمامنا الكامل، وهذا الاهتمام هو ما يجعلها تبدو حقيقية، ولكن لمجرد أنَّه خطرت لك فكرة لا يعني أنَّك يجب أن تتصرف بناءً عليها ولا يجب عليك تصديقها؛ فهي مجرد فكرة.

عندما نصدق أفكارنا نشعر بالحاجة إلى استعادة بعض السيطرة من خلال محاولة تجنب الشر وتقبل الخير، ونقوم بذلك لأنَّنا نخشى أن تكون أفكارنا حقيقية، ولأنَّنا نشعر أنَّها تسيطر علينا ونريد استعادة السيطرة قبل أن يجعلونا نتصرف بطرائق نستهجنها.

الخوف:

في أحلك اللحظات حين يبدو العالم مكاناً مظلماً للغاية ولا تستطيع رؤية بصيص الأمل قد تحاول جاهداً التفكير بإيجابية؛ لأنَّك خائف جداً ممَّا يدور في ذهنك، ومن أفكارك، ودائماً مستعد لمحاربة الفكرة السلبية التالية التي تتبادر إليك؛ لكنَّ هذا غير مفيد؛ فما تحتاجه هو التوقف عن إطلاق الأحكام على أفكارك وتصنيفها بأنَّها إيجابية أو سلبية، والأهم هو التخلص من مشاعر الخوف من أفكارك.

حاول النظر إلى كل فكرة بحب وعطف، فالحب أقوى من الخوف، ومع التعاطف تزول أي رغبة في إطلاق الأحكام أو تغيير تفكيرك، ولا معنى لكل أفكارك حتى تقرر أيها يفيدك.

عندما نظنُّ أنَّ أفكارنا حقيقية ومسيطرة علينا نخاف من تلك الأفكار التي حكمنا عليها بأنَّها سلبية، ويولِّد هذا الخوف من الأفكار السلبية الرغبة في التخلص منها مع محاولة التحكم بأفكارنا في الوقت نفسه.

إذا قررنا النظر إلى كل أفكارنا على أنَّها لا تعني شيئاً حتى نقرر إسناد المعنى إليها من خلال الإيمان والاهتمام بها، فلن نشعر بالحاجة إلى إطلاق الأحكام على تفكيرنا أو محاولة السيطرة على ما لا يمكن السيطرة عليه، حينها تصبح الفكرة مجرد فكرة لا أكثر ولا أقل.

حينها نطور التعاطف تجاه أفكارنا بصرف النظر عن محتوياتها، ويولِّد هذا التعاطف مستوى جديداً تماماً من التفهم يجعل المرء يتساءل عن سبب شعوره بالحاجة إلى إطلاق الأحكام أو الخوف أو تغيير أفكاره في المقام الأول.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح بسيطة تساعدك على التخلص من مخاوفك

آلية عمل الذهن:

يعمل الذهن كجهاز عرض؛ فيعكس أفكارنا مثل فيلم يمكننا أن نشاهده؛ لكنَّنا لسنا الفيلم ومن ثمَّ لسنا أفكارنا، بالتأكيد يمكننا توجيه الفيلم من خلال تعديل السرعة واللون والصوت، ولكن ما لا يمكننا فعله هو إنشاء الفيلم، ولا نتحكم حتى باختيار الفيلم الذي نراه.

مصدر أفكارنا:

ما يزال هذا لغزاً يحاول البشر من مختلف المجالات أن يعبروا عنه بالكلمات على الرغم من أنَّه أمر لا يمكن وصفه بالكلمات، وما نعرفه هو أنَّنا لا نبتكر أفكارنا، بل نستقبلها ونراقبها كما نستمع إلى الراديو.

ما الذي نتحكم به؟

ليست لدينا القدرة على تحديد ما تذيعه المحطة على الراديو، ولكن لدينا السيطرة على المحطة التي نقرر الاستماع إليها، وبالمثل نتحكم بالأفكار التي نختار الإصغاء إليها؛ لكنَّنا لا نتحكم بتلك التي تخطر لنا، تماماً كما أنَّنا لا نستطيع منع أنفسنا من التفكير، لا نتحكم مطلقاً بالأفكار التي تخطر ببالنا؛ لكنَّنا نستطيع اختيار أي الأفكار نصدقها.

من المقدر أنَّ 60.000 - 100.000 فكرة تدور في ذهننا كل يوم، معظم هذه الأفكار تمر وتختفي دون أن يلاحظها أحد، ولا نختار أيَّاً من هذه الأفكار بأنفسنا.

لا نستطيع إنشاء أفكار إيجابية:

ربما يكون فهم أنَّنا لا ننشئ أفكارنا هو الجانب الأكثر أهمية في معرفة سبب عدم فاعلية التفكير الإيجابي؛ إذ ليس بإمكاننا السيطرة على عملية إنشاء الأفكار في المقام الأول.

بما أنَّنا لا ننشئ أفكارنا؛ فهذا يشير أيضاً إلى أنَّنا لا نستطيع إنشاء فكرة إيجابية، وبالتأكيد يمكن للمرء أن يقول: "حسناً، سأقرر التفكير في فكرة إيجابية"، لكن حتى هذه الجملة هي فكرة لم ينشئها؛ بل أصغى إليها في ذهنه فقط، يجب التفريق بين اختيار فكرة وإنشاء فكرة.

في أي وقت يمكنك إدراك أنَّك تقسو على نفسك، ثمَّ اختيار التفكير في أنَّك تستحق التقدير لكل ما فعلته اليوم، هذا مثال على اختيار فكرة مفيدة، فقد تختار أن تولي هذه الفكرة اهتماماً والإيمان بها، ولكن فقط بعد أن تنشئ الفكرة في ذهنك دون أي تحكم منك.

لو كان بإمكاننا إنشاء أفكار "إيجابية" ومفيدة لفعلنا ذلك طوال الوقت؛ لكنَّنا لا نستطيع، وحتى عندما نحتاج إلى هذا النوع من الأفكار غالباً ما تغيب؛ فلو كان بإمكاننا إنشاء واحدة بالتأكيد سنفعل ذلك، لكن ننتظر حتى تخطر إحداها في بالنا، وإذا كنا مشتتين للغاية أو مرتبكين فقد تفوتنا الفكرة تماماً.

على الرَّغم من روعة الذهن لكنَّه يستطيع التركيز على فكرة واحدة فقط في كل مرة، فكرة لم ننشئها؛ بل اخترناها، ويصعب تقبُّل هذا المفهوم خصوصاً إذا كنت من أولئك الذين يريدون الاعتقاد بأنَّهم مسيطرون على أذهانهم؛ فحتى فكرة عدم قدرتك على السيطرة على أفكارك يمكن أن تكون مزعجة، لكن كل ما يمكنك التحكم به هو الأفكار التي تختار أن تهتم بها.

نقيض السيطرة هو الحرية، الحرية من الحاجة أو الرغبة في السيطرة، حينها فقط ستعايش حرية الذهن الحقيقية.

حيث تكمن الحرية:

لا حرية في إطلاق الأحكام؛ بل في التقبُّل؛ فالذهن الذي يدين فكرة بسبب حكم سلبي عليها ليس ذهناً حراً؛ بل ذهن متوجس يبحث باستمرار عن "أعدائه" من الأفكار السلبية، الذهن الذي يخشى الأذى ليس ذهناً حراً؛ بل ذهن مرتاب.

الذهن الحر لا يحكم على نفسه؛ بل يتقبَّل ما ينشأ فيه ويفهم أنَّه لا يحتاج إلى محاولة السيطرة على ما لا يمكن السيطرة عليه، ولا تكمن الحرية الحقيقية للذهن في التخلص من أفكار معينة ولكن بتقبُّلها؛ فلا تكمن الحرية الحقيقية للذهن في الخوف من بعض الأفكار ولكن في محبتها جميعها.

نهج أكثر سلمية لمعاملة أفكارنا وعواطفنا:

نحن نحكم عادة على الأفكار السلبية على أنَّها سلبية بسبب الشعور الذي تبعثه، ولأنَّنا نُعِدُّ المشاعر الشائعة مثل الغضب والشعور بالذنب والإحباط والاستياء سلبية؛ نظنُّ أنَّ الأفكار التي تولدها سلبية أيضاً، فمشاعرنا مؤشرات توجهنا نحو تفكيرنا الذي أدى إلى تلك المشاعر، ليس للحكم عليها؛ بل لفهمها.

"المشاعر هي مقياس لأفكارنا في أي وقت".

- المؤلف جورج برانسكي (George Pransky)، من كتاب "كتيب العلاقات" (The Relationship Handbook)

الرسائل التي نتلقاها هي دائماً انعكاس لأفكارنا في الوقت الحالي؛ لأنَّ كل فكرة من أفكارنا تولد عاطفة؛ لذلك فإنَّ فائدة أي فكرة سواء كانت إيجابية أم سلبية هي أنَّها ستولد شعوراً يمكننا استخدامه لفهم تفكيرنا فهماً أفضل في الوقت الحالي.

إذا انتبهت لمشاعرك دون إصدار أحكام، فسترى أنَّها مؤشر رائع للأفكار التي توليها أكبر قدر من الاهتمام، والفهم هو نهج سلمي أكثر بكثير من الحكم المستمر.

شاهد بالفيديو: 12 عبارة لتنمية التفكير الإيجابي داخلك

أضرار محاولة التفكير بإيجابية دائماً:

إذا كنت تظنُّ أنَّك يجب دائماً أن تفكير بإيجابية فستصاب بخيبة أمل كبيرة؛ لأنَّك ستفشل حتماً، وسيولد إحباطك عند حصول ذلك أفكاراً سلبية أخرى بسبب الحكم على نفسك لعدم امتلاك السيطرة، وسيؤدي هذا في النهاية إلى تنقل مستمر بين التفكير الإيجابي والسلبي، وهذا الانتقال المستمر مرهق، ويستهلك كثيراً من الطاقة الذهنية التي من الأفضل توجيهها نحو الإبداع.

إقرأ أيضاً: الإيجابية السامة: احذر الوقوع في هذا المطب

كيف يجعلنا التفكير الإيجابي أقسى في إطلاق الأحكام؟

لتمييز ما يسمى بالأفكار الإيجابية من السلبية يجب أن نحكم على كل فكرة بأنَّها إما إيجابية أو سلبية، ولكي تكون مستعداً لمواجهة الأفكار السلبية طوال اليوم يجب أن تحكم على أفكارك طوال اليوم، يعلمنا هذا تحليل تفكيرنا باستمرار، ثمَّ تصنيف كل فكرة إلى فئات إيجابية أو سلبية، وإنَّ مجرد التفكير في فعل هذا مرهق للغاية.

نحن لا نرى العالم كما نعيشه؛ بل نحن نعيش أفكارنا كما نرى العالم؛ لذلك كلما حكمنا على أنفسنا ومن ذلك أفكارنا، حكمنا على العالم ومن ذلك الآخرين، وهذه ليست طريقة صحيحة لعيش حياة أكثر سلاماً وسعادة.

بمجرد أن نحكم على فكرة ما بأنَّها سلبية فإنَّنا نمنحها القوة، لكن إذا لم نحكم على الفكرة فستمر من تلقاء نفسها وتختفي، فالسماح للفكرة بالعبور في ذهنك يتيح مجالاً للفكرة التالية، لكن إذا ركزنا انتباهنا على فكرة سلبية فلن تتمكن الفكرة التالية من الظهور إلى أن نتوقف عن التركيز على التي سبقتها.

القدرة على تأمل أفكارك دون إصدار أحكام هي مصدر السلام، في حين تبعدك محاولة التفكير بإيجابية طوال الوقت عن هذا الهدف وتزيد قلقك.

إقرأ أيضاً: 10 طرق بسيطة لجعل التفكير الإيجابي عادة من عاداتك

في الختام:

بدلاً من إطلاق الأحكام على أفكارك باستمرار حاول معاملتها بطريقة أكثر سلماً وتفهماً، ولفعل ذلك اطرح هذين السؤالين القويين على نفسك:

  1. هل هذه الفكرة صحيحة حقاً؟
  2. هل هذه الفكرة مفيدة؟



مقالات مرتبطة