لماذا يمنعك تجنب المشاعر السلبية من الشعور بالسعادة؟

تناولَت دراسة جديدة بعنوان "عندما يؤدي السعي خلف السعادة إلى نتائج عكسية: دور تقدير المشاعر السلبية" نشرتها مجلة "علم النفس الإيجابي" (The Journal of Positive Psychology) الآثار المتناقضة لتقدير السعادة؛ إذ تشير النتائج إلى أنَّ الأشخاص الذين يولون أهمية عالية للشعور بالسعادة، يميلون أيضاً إلى الشعور بأنَّه يجب عليهم تجنُّب التجارب العاطفية السلبية؛ الأمر الذي يرتبط بدوره بانخفاض العافية النفسية.



أوضحَت الباحثة الرئيسة في الدراسة "آشلي همفري" (Ashley Humphrey) والمحاضرة في قسم علم النفس في "جامعة الاتحاد الأسترالي" (Federation University Australia): "السعادة واحدة من أكثر القيم المرغوبة في العالم الغربي اليوم؛ إذ تُظهِر الأبحاث أنَّها مفيدة للعلاقات الشخصية والآفاق المهنية والعافية عموماً، لكن من الغريب أنَّ قسماً من الأبحاث الحديثة دحض ادعاءات فاعلية هذا النموذج الثقافي الغربي، وكشف أنَّ منح السعادة كل هذا التقدير يمكن أن يؤدي إلى تراجع سعادة الفرد".

تتابع "آشلي": "يُطلَق على هذه الظاهرة "تقدير السعادة"، ومن المفهوم أنَّها تضرُّ سعادة الفرد؛ إذ ينتج عنها ضغط غير واقعي يُحمِّله الناس لأنفسهم ليشعروا بالسعادة في جميع الأوقات، ومن هذا المنطلق، اقترحَت بعض الأبحاث أنَّ الحافز والعواطف الإيجابية تزداد لدى الناس مع زيادة الحافز الإيجابي، كما ترتفع لديهم مستويات الرضا عن الحياة وتتراجع أعراض الاكتئاب، حين يعطون الأولوية للسلوكات التي تزيد من احتمالية الشعور بالسعادة في المستقبل، عوضاً عن محاولة فرض مشاعر السعادة العاطفية على اللحظات التي يعيشونها".

وتقول "آشلي": "شعرنا بالفضول، وأردنا معرفة ما إذا كان أحد أسباب حصول ذلك هو الطريقة المختلفة التي قد يتعامل بها الناس مع حالاتهم العاطفية السلبية في هذه الحالات، مقارنة بالطريقة التي يفعلون بها ذلك عندما يقدِّرون السعادة".

في هذه الدراسة، أجرى الباحثون استطلاعاً شمل 510 مشاركاً من الولايات المتحدة على منصة "أمازون ميكانيكال ترك" (Amazon Mechanical Turk)، ووجدت "آشلي" وزملاؤها أنَّ الأشخاص الذين يولون أهمية كبيرة للسعادة يميلون أيضاً إلى التقليل من قيمة المشاعر السلبية، والذي يرتبط بدوره بزيادة في حدَّة أعراض الاكتئاب وانخفاض الرضا عن الحياة وانخفاض احترام الذات.

شاهد بالفديو: 10 طرائق مثبتة علمياً تمنحك سعادة دائمة

أي إنَّ المشاركين الذين اتفقوا مع عبارات مثل "يشير مقدار سعادتي إلى أهمية حياتي" وافقوا أيضاً على عبارات مثل "أميل إلى ممارسة ضغط كبير على نفسي كي لا أشعر بالاكتئاب أو القلق"؛ الأمر الذي يفسر إلى حد ما انخفاض مستوى العافية النفسية لديهم، في حين أنَّ تنظيم يومك للشعور بأقصى قدر من السعادة وإعطاء الأولوية للإيجابية، يرتبط بتحسُّن العافية النفسية.

وتتابع "آشلي": "أظهرت النتائج التي توصَّلنا إليها في دراستين أنَّ السعي إلى السعادة عبر السعي إلى المشاعر الإيجابية غير مرتبط بتجنب المرء للتجارب العاطفية السلبية كما هو الحال عندما يحاول الناس الاستمتاع بمشاعر السعادة في كل لحظة، وتشير هذه النتائج إلى أنَّ الآثار السلبية لإعطاء قيمة عالية للسعادة على العافية، يمكن تفسيرها جزئياً بسبب الميل إلى تجنب المشاعر السلبية، وهو دليل على أنَّ كيفية إدراكنا مشاعرنا السلبية والتعامل معها يؤدي دوراً كبيراً في احتمالية شعورنا بالسعادة".

إقرأ أيضاً: السعادة: "الغاية التي ينشدها الجميع"، كيف نصل إليها؟

تستند النتائج إلى بيانات مقطعية؛ ممَّا يمنع الباحثين من استخلاص استنتاجات حول العلاقات السببية؛ إذ يقول الباحثون: "من الممكن بالطبع أنَّ الأشخاص الذين يشعرون أكثر بالاكتئاب أو القلق، أو الذين يعانون من نوبات أطول من الاكتئاب أو القلق، ينزعجون أكثر من هذه التجارب السلبية، ومن ثمَّ يقلقون بشدة حيال حالتهم العاطفية السلبية".

لكنَّ دراسة جرت يومياً خلال مدة طويلة من عام 2017 قدَّمَت دليلاً على أنَّ الضغط على النفس لتجنُّب المشاعر السلبية نبَّأ بالإصابة بأعراض الاكتئاب لاحقاً، وعلاوة على ذلك، أشارت دراسة تجريبية نُشِرَت في عام 2018 إلى أنَّ تقدير السعادة بشكل كبير يسبب زيادة اجترار الأفكار بعد التعرض للفشل.

قالت "آشلي": "عبر التوضيح بأنَّ الأفراد الذين يقدِّرون سعادتهم إلى حد كبير قد يحاولون عن عمد قمع أو تجنب مشاعرهم السلبية، فإنَّ البحث الحالي يساعدنا على فهم كيفية السعي إلى السعادة بشكل أفضل، مع تركيز الممارسات السريرية على التدابير التي تهدف إلى تعزيز سعادة العميل، وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أنَّ من المفيد للأطباء تشجيع المرضى على اتباع نهج سلوكي في تعاملهم مع فكرة السعادة، كي يتمكنوا من تحسين فرصة تحقيقهم السعادة في المستقبل".

المصدر




مقالات مرتبطة