لماذا يلجأ الطفل إلى الألفاظ البذيئة؟ وكيف نعالج هذه الظاهرة؟

وسطَ ثقافة مجتمعية لا تعير اهتماماً لموضوع تربية الأطفال، وتعتقد أنَّ المسألة حالة فطرية تأتي بالسليقة دون دراسة وتمرينات، وبينما يمشي أغلب الأهالي رافعين شعار التهاون والتواكل في مسألة تربية الأطفال، مسلِّمين الأمور إلى الفوضى والعبثية واللامنهجية؛ يقع أطفالهم ضحايا قلة الوعي وانعدام المسؤولية.



عندما يتحول الراعي والمربي إلى أكبر سبب لفساد أجيال الأرض، نستطيع القول أنَّ المجتمع متجه إلى التهلكة لا محالة؛ فعندما يضحك الأب أمام وابل الشتائم المنهمر من ابنه الصغير عليه، يعني هذا وجود شرخ كبير في شخصية آباء اليوم، ويلزم العمل على تربيتهم أولاً.

تتنوع ردة فعل الآباء عند سماع ولدهم يتلفَّظ ألفاظاً بذيئة، فمنهم مَن يستشيط غضباً فيُعامِل ولده بأشد وأعنف العقوبات على وجه الأرض، الأمر الذي يخلق ردة فعل عكسية لدى الطفل تجعله قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة؛ في حين يميل بعضهم الآخر إلى الضحك والقهقهة أمام سباب الطفل، معتقدين أنَّها حالة تدعو إلى البهجة والفخر، وأنَّ طفلهم بات يتصرف كالكبار؛ بينما يعمل النوع الثالث من الأهالي على تبيان مساوئ الأمر إلى ولدهم بحكمة وهدوء.

كيف لنا أن نتوقع ظهور جيل متوازن نفسياً في وسط لا يراقب فيه الآباء أفعالهم وأقوالهم وتصرفاتهم، ويعيشون تناقضاً رهيباً ما بين أقوالهم وأفعالهم؟ فمثلاً: قد تجد أنَّ الشخص الذي يطلب من ولده بشدة ألَّا يدخن يكون من المدمنين على التدخين، وأنَّ الذي ينتفض عند سماعه كلمة بذيئة على لسان ابنه يُهاجِم جاره بأبشع الألفاظ وأكثرها بذاءة؛ فكيف لنا أن نتفاءل بالخير من هذا الجيل في حين أنَّ الأهالي لا يقومون بدورهم في التربية السليمة، فيتركون أطفالهم في الشارع لكي يُرِيحوا أنفسهم من عناء اللعب معهم ومشاركتهم تفاصيلهم، أو يتركونهم برفقة أجهزتهم المحمولة من أجل أن يرتاحوا من عناء ضجيجهم وحركتهم اللامنتهية؟

لماذا يلجأ الطفل إلى الألفاظ البذيئة؟

1. قلة اهتمام الأهل:

يعاني الكثير من الأطفال من قلة اهتمام الأهل بهم، أو من التمييز بين الأطفال؛ فيلاحظ الطفل أنَّه عندما يتلفَّظ بألفاظ بذيئة، يستفز أبويه ويجعلهما منتبهين إليه،  فيلجأ بعدها إلى تبنِّي الألفاظ البذيئة كطريقة لجذب اهتمام الأهل إليه.

2. التربية الخاطئة:

يعدُّ الأبوان المصدرين الأساسيين للطفل من أجل تعلم القيم والأخلاق والعادات المفيدة، ويعود السبب الأساسي وراء أي فجوة في شخصية الطفل إلى عدم وعي الأهل وقدرتهم على التربية السليمة؛ فمثلاً: من الأفضل أن يتوقع الأب الذي يتلفظ بأبشع الألفاظ لدى عصبيته أنَّ ابنه سيكتسب ذات الصفة عندما يغضب، وحريٌّ بالأم التي تفقد السيطرة على مشاعرها وأعصابها وتصب جام غضبها وضغطها النفسي على أطفالها واصفة إيَّاهم بأبشع الألفاظ أن تتوقع اكتساب أطفالها ذات السلوك السيئ تماماً.

كما يوجد نوع آخر من الأهالي السلبيين الذين يتسببون باضطراب في قيم أطفالهم، حيث يقولون لهم أنَّه لا يجوز بتاتاً التلفظ بألفاظ بذيئة أمام الناس، ولا يردعونه عندما يتلفَّظ بها في البيت، الأمر الذي يخلق طفلاً مشوه القيم ومضطرب الشخصية، ويهتم بنظرة الناس إليه أكثر من اهتمامه بالأخلاق ورضا اللَّه.

كما تضحك فئة من الأهالي أمام ألفاظ أطفالهم البذيئة، معتقدين أنَّ طفلهم أصبح كبيراً بهذه السلوكات، وفخورين بهذه التحولات في شخصيته، وغير واعين أنَّهم يعززون السلوك السلبي لديه من خلال تفاعلهم الإيجابي في أثناء تلفظه الألفاظ النابية.

إقرأ أيضاً: 5 أساليب تربوية خاطئة يُمارسها الأهل تجاه أطفالهم

3. المحيط السلبي:

قد ينخرط الطفل في محيط سلبي يمارس عادة التلفظ بالألفاظ البذيئة، وقد يكون هذا المحيط مدرسة أو روضة أو حياً؛ الأمر الذي يزيد من احتمال اكتساب هذا السلوك السلبي من قبل الطفل.

على الأهل هنا الانتباه إلى المحيط الذي يتواجد فيه طفلهم، وتقييم مدى إيجابيته لنفسية الطفل؛ وفي حال التأكد من عدم فاعلية المحيط، عليهم إجراء تغيير في حياة الطفل فيما يخص نقله من المدرسة أو الروضة.

4. أفلام الرسوم المتحركة:

أطفال اليوم من عشاق الإنترنت والتكنولوجيا، الأمر الذي يعرِّضهم إلى الإصابة بالجانب السلبي من هذه التقنيات.

لقد أصبح الإنترنت وسط انشغال الأهل الدائم وضغوطات الحياة المتزايدة وسيلة يلجأ إليها الأهل لإلهاء الأطفال وإخماد حركتهم المستمرة وكلامهم الكثير وطاقتهم العالية؛ لكن تبث الأفلام الكرتونية قيماً ورسائل وألفاظ ذات تأثير سلبي في تربية الطفل، فتغزو لاوعي الطفل ويتبناها تلقائياً.

على سبيل المثال: في إحدى حلقات برنامج كرتوني، تقول فتاة ما وهي تنتقد فتاة أخرى: كم أنت قبيحة وسمينة وغبية، وغيرها من الكلمات غير اللائقة؛ ويكتسب الطفل نتيجة هذا المشهد وغيره من المشاهد المؤذية سلوكات سلبية كالانتقاد والسخرية والتهكم على الناس والتلفظ بالألفاظ غير اللائقة.

إقرأ أيضاً: 7 آثار سلبية للتكنولوجيا على الأطفال

5. الأصدقاء:

يتأثر الطفل كثيراً بصديقه المقرب ويُحاكِي تصرفاته وسلوكاته، ويُخلَق الدافع لدى الطفل لاكتساب السلوك السلبي بمجرد رؤيته لصديقه المقرب يتلفظ ألفاظاً بذيئة.

6. السمات العمرية:

يؤدي عدم وعي الأهالي لموضوع "سمات المرحلة العمرية للطفل" إلى معالجة الكثير من القضايا معالجة سلبية، فمن الطبيعي جداً أن يكون الطفل بين عمر (2-3) سنوات كثير الحركة، وغير صبور، ودائم الاستعجال، ويتلذذ بالرفض وقول لا، ويرغب في اكتشاف كل شيء كجسده ومنزله وألعابه؛ وقد يتكلم ألفاظاً بذيئة دون أن يكون مدركاً معناها، وإنَّما كنوع من الاكتشاف والفضول.

لذا على الأهل احتواء الموقف وتجاهله إلى أن ينساه الطفل تماماً، فهو سمة طبيعية من سمات المرحلة العمرية للطفل؛ أمَّا في حال تكرار السلوك السلبي واستمراره إلى سن معينة، فلا بد أن يكون هناك أسباب أخرى لهذا السلوك.

كيف أعالج عادة الألفاظ البذيئة لدى ابني؟

1. على الأبوين أن يكونا قدوة صالحة لأولادهم، حيث يقلِّد الولد أهله في كل شيء؛ لذلك على الأبوين المراقبة المستمرة لتصرفاتهم وسلوكاتهم، بحيث تكون إيجابية وراقية وواعية.

2. العمل على بناء القيم الحسنة في عقول الأطفال، وذلك من خلال 3 مراحل:

  • يجب بداية غرس القيمة في نفس الطفل من خلال القول، كأن يقص الأهل عليه حكاية أو قصة مفيدة تعبِّر عن القيمة؛ أو من خلال الفعل، كأن يحافظان على وجود هذه القيمة في سلوكاتهما.
  • يجب بعدها العمل على تعزيزها من خلال التكرار، كأن يقولا له باستمرار أنَّ عليه التلفظ بالألفاظ الحسنة لأنَّها الأقرب إلى القلوب، ولأنَّها الأجمل والأرقى؛ فلا يوجد أجمل من كونه مهذباً ولطيفاً مع عائلته ومع الآخرين.
  • تأتي بعدها مرحلة التفاعل، وهي المرحلة التي يتشرب فيها القيمة تشرباً كبيراً، ويصبح ملتزماً بها تماماً؛ حيث يُكافِئ الأهل فيها الطفل في كل مرة يتلفظ فيها الألفاظ الحسنة، ويدعمونه نفسياً، ويزيدون من ثقته بنفسه.

شاهد بالفيديو: 10 طرق لتعزيز ثقة الطفل بنفسه

3. الابتعاد عن التوبيخ والعقاب الشديد للطفل كطريقة لجعله يبتعد عن الكلام البذيء، واحتواء الطفل والتركيز على سلوكاته الإيجابية، والعمل على تعزيزها بالكلام الإيجابي أو المكافآت والهدايا، وتدريبه على الأسلوب المهذب مع الآخرين.

4. العمل على ضبط الظروف البيئية للطفل، والتي يمكن أن تكون السبب في تعليمه عادة الألفاظ البذيئة؛ مثل المدرسة أو التلفاز أو أولاد الحي.

5. العمل على دراسة السمات العمرية للطفل، حيث يقيد الكثير من الأهالي أطفالهم ويطلبون منهم الهدوء الشديد والتزام الصمت:

إنَّ الحركة والفضول والاكتشاف سمة أساسية للطفل الصغير بين عمر 2-3 سنوات، ويؤدي تقييدها إلى التأثير سلباً في القدرات الإبداعية للطفل؛ أمَّا ما يخص الكلام البذيء، فقد تكون عبارة عن فترة مؤقتة يتلفظ بها الطفل بهذه الألفاظ من باب الفضول وتنتهي تلقائياً، وعلى الأهل هنا تجاهل الموضوع وتركه يمضي بسلام؛ ذلك لأنَّه في حال التشديد على الطفل ومنعه من قول هذه الكلمات بطريقة قسرية وقاسية، سيعاند ويصر على التلفظ بها؛ لأنَّه يرفض في هذه المرحلة من حياته كل أمر، ويعشق قول كلمة "لا".

أما في المرحلة العمرية ما بين (3-4) سنوات، يزيد الطفل من حركته بطريقة مبالغ فيها نتيجة رغبته في الاكتشاف أكثر؛ وعلى الأهل هنا تقبُّل الأمر مع التنبيه إلى خطورة بعض التمرينات على صحته؛ كما يرغب الطفل في معرفة الأسباب الكامنة وراء كل فعل في الحياة، وعلى الأهل هنا أن يصبروا ويبيِّنوا له كل التفاصيل التي يريدها، إذ من شأن ذلك أن يقوي لديه القدرة على المحاكمة المنطقية والتحليل؛ كما يُبدِي الطفل في هذه المرحلة ميلاً إلى الخيال، وعلى الأهل هنا استثارة خياله أكثر وليس قمعه؛ كما يغيِّر الطفل رأيه كثيراً في هذه المرحلة، وعلى الأهل تقبُّل ذلك، مع الشرح له أنَّ عليه الالتزام برأيه فعليه والتفكير ملياً قبل الإقدام على فعل أي أمر.

6. على الأهل الانتباه إلى نوعية الصديق المقرب لابنهم، بحيث يكون طفلاً مهذباً ولطيفاً؛ حيث يُحاكِي الطفل الصغير في أغلب الأوقات سلوك صديقه المقرَّب؛ كما على الأهل أن يتصرَّفوا في حال كان الصديق من أصدقاء السوء، دون أن يشوهوا صورة الصديق أو أن يقولوا لطفلهم "احذر فالصديق ساحب"؛ ذلك لأنَّهم يعززون بهذه الجملة فكرة أنَّه تابع ومُنقاد، وليس قائد حياته.

7. على الأهل أن يفتحوا باب الحوار على الدوام مع أولادهم، بحيث يجد الأولاد فيهم الملجأ الآمن القادر على احتواء هفواتهم وتبيان الأمور الصحيحة لهم وشرحها بإقناع وهدوء؛ وعند اتباع أسلوب التربية هذا، يستهجن الأولاد السلوكات السلبية، ويبتعدون عنها بقناعة وحكمة وليس بقمع وإكراه.

الخلاصة:

تكمن القوة الحقيقية في تربية أطفال يَرون السلوكات السلبية ويَعلمون بوجودها،  إلَّا أنَّهم لا يقومون بممارستها قناعة وحباً في الأخلاق، وليس خوفاً ورعباً من عقاب الأهل؛ فالتربية عملية تراكمية، ونتائجها ليست لحظية؛ لذلك كونوا صبورين في تربية أطفالكم، فهم أمانة بين أيديكم.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة