لماذا من الضروري أن نخطئ وكيف نتغلب على الرغبة في أن نكون محقين دائماً؟ (الجزء الأول)

اخترت كتاباً للكاتبة "كاثرين شولتز" (Kathryn Schulz) بعنوان "أن أكون مُخطئاً: مغامرات على هامش الخطأ" (Being Wrong: Adventures in the Margin of Error).



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "فانيسا فان إدواردز" (Vanessa Van Edwards)، وتخبرنا فيه عن ضرورة أن نخطئ أحياناً وكيفية التغلُّب على الرغبة في أن نكون محقين دائماً.

لقد بدا اختياراً جيداً لإضافته إلى قائمة القراءة لنقرأه معاً في نادي الكتاب في موقع "سينس أو بيبل" (Science of People)؛ لكنَّني أخطأت.

لقد كتبت هذا المقال لأشارككم فيه كيفية إتقان ارتكاب الأخطاء، ربما أكون قد خدعتك في تسمية هذا المقال بعنوان "كيف تكون محقاً طوال الوقت؟"، لكن كان ذلك لكي ألفت انتباهك إلى قراءته وتعلُّم شيء رائع فعلاً، فهو لا يقدِّم لك شرحاً لكيفية أن تكون مُحقاً دائماً؛ بل يعلِّمك كيف تقنع نفسك والآخرين أنَّك على حق؟

في الحقيقة أن تكون على حق دائماً هو أمرٌ ممل نوعاً ما، لكن أن تكون مُخطئاً، هو أمرٌ فيه سحر خاص، إضافة إلى ذلك أن تكون على حق دائماً هو أمرٌ مستحيل وأمرٌ يدعو إلى السخرية كأن تقول إنَّك تذهب إلى عملك بحماسة عالية يومياً، إنَّها فكرة سخيفة.

أرغب في هذا المقال في مشاركة أمرين:

الأول: إنَّني حاولت حقاً إنهاء الكتاب (آنف الذكر)؛ لكنَّني لم أفعل، فقد وصلت إلى 22% منه؛ بل إنَّني وصلت بالفعل إلى 17%، ثم قلَّبت الصفحات سريعاً حتى وصلت إلى 22%.

الثاني: لأنَّ هذا الكتاب يتحدث عن الخطأ وأخطأت في قراءته، فقد قررت أن أكتب مقالاً عن علم الخطأ باستخدام تجربتي بوصفها مثالاً.

ما هي أفضل طريقة لارتكاب الأخطاء؟

دعونا نتحدث عن الأفكار الصغيرة السلبية التي تجعلنا نظن أنَّنا محقون دائماً:

1. تكرار عبارة لقد أخبرتك بذلك:

ربما تبدو هذه العبارة مستساغة نوعاً ما، ردِّدها بصوتٍ عالٍ مرات عدة فقط؛ هل ينتابك الشعور بالراحة والرضى عند التفكير في آخر مرة كنت فيها على حق؟ وعندما تكون على حق في أمرٍ ما ومتأكداً من ذلك، هل تجد صعوبةً في منع نفسك من الصراخ في وجه الشخص قائلاً: "لقد أخبرتك بذلك"؟ كأنَّك تقول إنَّك على حق، ومُحق في إصرارك بأنَّك كذلك، والسبب الحقيقي للشعور بالرضى، حينما تكون على حق هو أنَّ ذلك أمرٌ ضروري لبقائنا، ونحن مبرمجون على ذلك.

تقول "الكاتبة كاثرين شولتز": "تعد تجربة أن نكون على حق أمراً ضرورياً لبقائنا، مما يرضي غرورنا، وهذه واحدة من أبسط الأشياء وأكثرها إشباعاً في الحياة".

لذا فإنَّ كونك على حق هو مكافأتك على المحاولة؛ إذ يوجد ضمن بنيتنا النفسية نظام مكافأة داخلي يحفز دماغنا على البحث عن الإجابة الصحيحة دائماً؛ والمشكلة هي أنَّنا في أحيان كثيرة لا نكون على حق، أو ننتقل إلى الاستنتاجات الخاطئة بسرعة كبيرة بناءً على معلومات قليلة جداً، وغالباً ما تؤدي هذه النزعة إلى الانحياز التأكيدي، مما يدفعنا إلى البحث أو إلى تفسير المعلومات بطريقة تؤكد تصوراتنا المسبقة، مما يؤدي إلى أخطاء إحصائية وتفسيرات خاطئة وأحكام سريعة.

شاهد بالفيديو: 7 خطوات تساعدك على التعلم من أخطاء الماضي

2. أنا أساساً على حق في كل شيء:

كم مرَّةً أبديت رأيك في الأمور الآتية معتقداً بأنَّك على حق:

  • كيف يجب أن يقود الشخص الذي أمامك؟
  • كيف يجب أن يعيش أصدقاؤك حياتهم؟
  • كيفية الأكل الصحي.
  • ذوقك في ديكور المنزل.

إذا كنت مثل معظم الناس، فأنت لا تكتفي بإبداء رأيك في هذه الأشياء؛ بل تشعر أيضاً بأنَّك محقٌّ تماماً، ولا شيء يعبِّر عن ذلك أفضل من هذا الاقتباس: يقول "هنري وارد بيتشر" (Henry Ward Beecher) وزير أمريكي سابق: "احتفظ عميقاً في داخلك بمساحةٍ خاصة تدفن فيها أخطاء أصدقائك".

ماذا أيضاً عن:

  • آرائك الدينية.
  • معتقداتك السياسية.
  • ذوقك.
  • قناعاتك الفكرية.

سيقول معظمنا إنَّنا على حق 90% بشأن معتقداتنا، لكن كيف نستطيع أن نكون جميعاً على حق طوال الوقت؟ من الواضح أنَّنا لا نستطيع، والسؤال هو لماذا لا نعترف بهذا؟ فبقدر ما نحن أذكياء، لماذا لا نشكك في آرائنا بدلاً من التفكير في أنَّ كلامنا مُقدَّس؟

فيما يأتي سيناريو يبيِّن كيف يفكر معظم الناس وكيف يمكن أن تكون أفكارهم منطقية؟

إقرأ أيضاً: 10 أسباب تجعلك فخوراً بارتكاب الأخطاء

الواقع:

"كيف يصوِّتون لهذا الرجل؟ هل فقدوا عقولهم؟ هل هم مجانين؟ هذا الشخص سوف يقود البلد إلى الحضيض، لقد ظننت حقاً أنَّهم أشخاص أذكياء، إلا أنَّه لَأمر مُحبِط جداً أنَّهم سيتخذون مثل هذا القرار الغبي، علينا أن نبدأ بكتابة تقرير نرسله إلى أصدقائنا عن بعض القضايا".

المنطق:

"آه، كيف يصوِّتون له؟ حسناً، أظن أنَّني يجب أن أضع في الحسبان أنَّ الجميع مختلفون، فربما لديهم قيم أو أفكار مختلفة عني، لا بد أن يكون الأمر كذلك، لقد صوَّت لشخص آخر؛ لكنَّني ما زلت أحترم قرارهم كثيراً، ويجب أن أتحدث معهم عن قراري، فربما يستطيعون إقناعي بتغيير رأيي".

عملية اتخاذ القرار هي عملية واستجابة عاطفية، وقد اكتشف عالِم الأعصاب "أنطونيو داماسيو" (Antonio Damasio) أنَّ الأشخاص الذين يعانون تلفاً في الدماغ في المناطق المسؤولة عن العواطف لديهم قواسم مشتركة غريبة، إلى جانب عدم قدرتهم على الشعور بالعواطف، وعجزهم عن اتخاذ القرارات، واستخدام مصطلحات منطقية لوصف ما يجب فعله، إلا أنَّهم وجدوا أنَّه من الصعب جداً اتخاذ قرار نهائي.

مع ظنَّنا بأنَّنا نتخذ القرارات ونبني معتقداتنا على المنطق ونحاول إقناع الآخرين "برؤية الأشياء بالطريقة التي نفعلها"، فإنَّ قراراتنا ومعتقداتنا عاطفيَّةٌ دائماً؛ ووفقاً للمؤلف "جيم كامب" (Jim Camp): "تُعدُّ العواطف هامة جداً عند اتخاذ القرار، وفي الواقع حتى مع ما نظن أنَّها قرارات منطقية، يمكن القول إنَّ نقطة الاختيار ذاتها تستند دائماً إلى العاطفة".

3. لماذا أنت مُخطئ؟

ذهبت في عيد "الشكر" الماضي إلى حفل عشاء مع بعض الأصدقاء، فحضَّر الجميع الأطباق، وأعادوا تسخين أطباق البطاطا الحلوة والفاصولياء الخضراء واللفائف، وقد ظنَّنا أنا وزوجي وصديقَينا تماماً أنَّنا رأينا ديكاً رومياً، وُجِدَ على الطاولة حقاً، وبمجرد أن افتُتح بوفيه العشاء، مررنا به جميعاً وجلسنا إلى الطاولة، فهمس صديقي: "أين اختفى الديك الرومي؟" هززت رأسي وقلت: "لم أره في البوفيه، ربما هو في الفرن؟" تمتمنا جميعاً في ارتباك وسألنا المضيفة أخيراً: "أين الديك الرومي؟" أجابت ببساطة: "أوه!، ليس لدينا واحداً اليوم، لقد أعددنا للتو طبقاً آخر من لحم الدجاج بدلاً منه".

تفسير ذلك أنَّ أدمغتنا فاعلة، وتصدر أحكاماً سريعة ثم تستنتج الاحتياجات والأفكار، وإليك المشكلة: أدمغتنا ليست أجهزة تسجيل؛ إذ نظن أنَّ لدينا ذاكرة جيدة جداً، لكن في الواقع، إنَّ أدمغتنا بارعة في ربط الأحداث، سواء رأيناها بأم أعيننا أم لا.

4. أنا مُخطئٌ لا محالة:

في السابع من شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 1941، كان "أولريك نيسر" (Ulric Neisser) البالغ من العمر 13 عاماً يستمع إلى مباراة بيسبول على الراديو عندما علم أنَّ اليابانيين هاجموا ميناء "بيرل هاربور" (Pearl Harbor)، ذكر هذه الحادثة طوال سنوات نشأته بوصفها ذكرى صادمة ومدمرة، وعندما كَبِر، فكَّر في هذه الذكرى مرة أخرى وأدرك أنَّ البيسبول ليست رياضة شتوية، ومن المستحيل استماعه إلى مباراة على الراديو في ذلك الوقت، ومع أنَّه أقسم أنَّ الأمر كان كذلك، فإنَّه كان مستحيلاً بكل بساطة، فقد خدعه عقله، وبصفته أستاذاً في جامعة "إيموري" (Emory University)، قرر اختبار ذلك مع طلابه عندما انفجر مكوك الفضاء "تشالنجر" (Space Shuttle Challenger) في عام 1986، وطلب من طلابه أن يذكروا أين كانوا بالضبط وماذا فعلوا عندما علموا بانفجار "تشالنجر".

بعد 3 سنوات، طُلِب منهم أن يتذكروا التجربة مرة أخرى:

  • 7 % فقط من الطلاب تذكروا "الحدث" بدقة.
  • 50 % أخطؤوا في 2/3 من تأكيداتهم السابقة.
  • 25 % أخطؤوا في التفاصيل الرئيسة كلها.

ذكرياتنا وتصوراتنا ليست حقيقية بالضرورة، ومن الضروري أخذ هذا الأمر في الحسبان عند الجدال مع الشريك أو الخلاف على شيء ما في العمل، أو مناقشة الذكريات مع صديق؛ فأدمغتنا ليست أجهزة تسجيل لكل ما يحدث في حياتنا، وقد درس الدكتور "لارس موكلي" (Dr. Lars Muckli) من جامعة "جلاسغو" (University of Glasgow) البقع العمياء البصرية وكيف يصنع الدماغ تنبؤات بناءً على المحيط، واقترح أنَّ "وظيفة الدماغ الرئيسة هي تقليل المفاجأة، هذا ما خُلِق لأجله"، ومع أنَّ هذا يمكن أن يكون ميزة في بعض الظروف، فإنَّه من الهام أن تكون على دراية بالنقاط العمياء الجسدية والعاطفية.

شاهد بالفيديو: 8 تصرّفات تكسبك احترام الآخرين

5. حيلك الخاطئة:

توجد عدة أسباب تجعلنا في نهاية المطاف مخطئين أكثر مما نبدو، ومن المؤكد أنَّ حالات فشل الذاكرة كما نوقشت آنفاً هي سبب بعض هذه الأخطاء، لكن يوجد سببان آخران أود مناقشتهما:

البقع العاطفية العمياء:

البقعة العمياء هي جزء من العين يمر فيه العصب البصري عبر شبكية العين، هذا يمنع أية معالجة بصرية من الحدوث في تلك المنطقة، وأود أن أقترح أنَّ لدينا جميعاً نقاطاً عمياء عاطفية، وهي عبارة عن أشخاص أو أفكار أو موضوعات حساسة تجعلنا غير عقلانيين إلى درجة ما، هل سبق لك أن طرحتَ موضوعاً على والدتك وشعرتْ بالانزعاج منك؟ هذه نقطة عاطفية عمياء؛ هل سبق لك أن رأيت شخصاً شديد الحساسية أو يبالغ في رد فعله تجاه شيء غير هام؟ هذه نقطة عاطفية عمياء أخرى، أظنُّ أنَّه من الضروري معرفة ما هي نقاطك العاطفية العمياء للمساعدة على منع الوقوع في خطأ؟

  • ما هي الموضوعات التي تشعر بالحساسية المفرطة تجاهها؟
  • من هم الأشخاص الذين تميل دائماً للتعامل معهم بشك؟
  • ما الذي تعرفه؛ لكنَّك لا تريد أن تعرفه حقاً؟ هل لديك حقيقة مزعجة؟
  • التبرير
إقرأ أيضاً: صفات يجب أن تتوفر في شخصيتك لتكون محبوباً من الجميع

نحن أيضاً جيدون جداً في تبرير آرائنا الخاطئة وإقناع أنفسنا بأي شيء تقريباً إذا أردنا ذلك حقاً؛ ففي عام 1977 أجرى العالِمان في علم النفس "ريتشارد نيسبيت" (Richard Nisbett) و"تيموثي ويلسون" (Timothy Wilson) تجربة في متجر في "ميشيغان" (Michigan)، صفُّوا فيها 4 أزواج من الجوارب النسائية المصنوعة من النايلون على الطاولة وطلبوا من المتسوقات مقارنتها واختيار الأفضل منها، لقد كنَّ جميعاً متشابهاتٍ في الاختيار، ومع ذلك، لم تقل إحداهن إنَّهن متماثلات، لقد اخترن واحدة تلو الأخرى كل زوج وشرحن بدقة سبب كون أحد الزوجين "أكثر سماكة في مادة الصوف" أو "أكثر خشونة" أو "أكثر دفئاً" من الزوج الآخر، حتى بعد التجربة عندما أخبر العالِمان المتسوقات إنَّهن جميعاً متماثلاتٍ في الاختيار، فرفض عديد منهن تصديقهما، فغالباً ما يؤدي هذا النوع من التبرير إلى حجب الحقائق الهامة وإبطاء تعلُّمنا.

في الختام:

كان هذا الجزء الأول من مقال "كيف تكون محقاً طوال الوقت؟"، وقد تحدَّثنا فيه عن ميلنا لأن نكون على حق دائماً، وأنَّ هذا ليس أمراً جيداً دائماً، مع طرح بعض الأفكار التي تجعلنا نظن أنَّنا محقون دائماً، وسنتابع التحدث في الجزء الثاني والأخير من المقال عن بعض الأفكار السلبية التي تجعلنا نظن أنَّنا مُحقون دائماً.




مقالات مرتبطة