لماذا لا يعد السعي إلى الكمال شيئاً مثالياً؟

هل أنت ساعٍ إلى الكمال؟ هل تقضي الكثير من الوقت في محاولة الإتقان المفرط لعملك لجعل كل شيء كما تريد تماماً؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدونة "سلستين تشوا" (Celestine Chua)، والذي تحدثنا فيه عن الجوانب السلبية للسعي إلى الكمال، مع تضمين بعض تجاربها الشخصية.

أعتقد أنَّ معظمنا يسعى إلى الكمال بطريقته الخاصة، وكذلك أنا؛ فنحن نضع أهدافاً عالية لأنفسنا، ونبذل قصارى جهدنا لتحقيقها، ونكرس الكثير من الاهتمام والوقت لعملنا من أجل الحفاظ على معاييرنا الشخصية؛ كما يدفعنا شغفنا بالتميز إلى بذل جهود إضافية، وعدم التراجع أو التهاون على الإطلاق.

الجانب الخفي للكمال:

يساعدنا السعي إلى الكمال على تحقيق نتائج عظيمة بالتأكيد؛ ومع ذلك، هناك جانب خفي للكمال قد لا نكون على علم به؛ ذلك لأنَّ الكمال يعيقنا ويمنعنا من التقدم عندما يصبح هوساً؛ لكن كيف يحدث ذلك؟

إليك بعض الأمثلة:

  1. يجعلنا السعي المفرط إلى الكمال أقل كفاءة: قد نرى ذلك عند انتهائنا من مَهمَّة ما، حيث نواصل البحث عن أي شيء جديد لتحسينه؛ وقد تبدأ هذه العملية بعشر دقائق، ومن ثمَّ تمتد إلى ثلاثين دقيقة، ثم ساعة وأكثر؛ ممَّا يجعلنا نقضي وقتاً يتجاوز الوقت المطلوب في أغلب الأحيان.
  2. يجعلنا أقلَّ فاعلية: نحن نهدر الوقت في القيام بأشياء لا طائل منها، اعتقاداً منَّا أنَّها إضافة جديدة، دون أن نفكِّر فيما إذا كانت هذه الإضافات ضرورية حقاً أم لا؛ فأحياناً، لا تضيف الإضافات أي قيمة، بل قد تدمر الأمر برمته أيضاً؛ فعلى سبيل المثال: الإفراط في ملء عرض تقديمي بتفاصيل غير ضرورية على الإطلاق.
  3. يجعلنا نماطل انتظاراً للحظة "المثالية": تدفعنا رغبتنا في إتقان كل شيء إلى المبالغة في تعقيد الأمور، فنضخِّم المهمات البسيطة ونهوِّلها، إلى أن تصبح مخيفة لا شعورياً؛ ممَّا يدفعنا إلى المماطلة في انتظار اللحظة "المثالية" لإكمال العمل، إلَّا أنَّ هذه اللحظة "المثالية" لا تأتي أبداً إلَّا بعد فوات الأوان.
  4. يجعلنا نفتقد الصورة الكبرى: إذ نعلق في التفاصيل لدرجة أنَّنا ننسى الصورة الكبرى والرؤية النهائية.
  5. يجعلنا نثير ضجة حول مشكلات لا أساس لها: حيث نتوقع المشكلات قبل ظهورها، ونبحث عن حلول لمعالجتها؛ ليتضح بعد كل هذا الهوس أنَّ معظم هذه المشكلات لا تظهر أبداً أو أنَّها لا تشكل أهمية كبيرة.

لكنَّ المشكلة لا تكمن في السعي المتَّزن إلى الكمال، فهو يساعدنا أحياناً على أن نتقدَّم ونصبح أفضل؛ بل تكمن المشكلة عندما يتحول هذا السعي إلى حالة هيستيرية، لدرجة يصبح فيها المرء صارماً، ولا يقبل أي شيء غير مثالي؛ فيحيد عن الطريق تماماً، ولا يصل إلى أيٍّ من النتائج المرجوة؛ وتُعرَف هذه الشخصيات باسم "المثاليين الصارمين" (maladaptive perfectionists)، أي الذين لا يجيدون التكيُّف.

الفكرة ليست في التوقف عن السعي وراء الكمال، بل في إدراك توجهاتنا نحو الكمال وإدارتها وفقاً لذلك؛ فنحن نريد أن نكون مثاليين متَّزنين لنحقِّق التميُّز الشخصي، وليس الهدف هو الكمال الصارم الذين يدمر جهودنا ويعيق تقدمنا.

شاهد بالفيديو: 13 عادة يومية يمارسها الأشخاص المنظمون

8 نصائح شخصية لتبنّي الكمال المتزن:

إليك ثماني نصائح شخصية حول تبنِّي الكمال المتزن (الصحي):

1. ضع الحدود:

تقول قاعدة 80/20 أنَّ بإمكانك تحقيق 80٪ من النتائج من خلال 20٪ من الوقت والجهد المبذول؛ فبدلاً من إهدار الوقت للحصول على نتائج مثالية بنسبة 100٪، يمكننا تعيين الحدود التي نتوقف عندها بعد تحقيق نتائج جيدة، لنبدأ بعدها مشروعاً جديداً؛ إذ يمكن للهوس بالتفاصيل أن يرهقنا ويستنزفنا، ولا يساعدنا على إنجاز الكثير.

لقد اعتدت مراجعة كل منشور 3 أو 4 مرات قبل نشره على مدونتي، إلَّا أنَّ كل محاولاتي للتدقيق والبحث عن الأخطاء اللغوية وتحسين صياغة العبارات لم تكن ذات جدوى؛ لذا أصبحت الآن أراجع المنشورات مرة أو اثنين على أكثر تقدير قبل نشرها، وهذا كافٍ تماماً.

إقرأ أيضاً: هل تعاني من ضغط العمل وكثرة المهام؟ إليك هذه الطرق لتزيد من وقت فراغك!

2. انتبه إلى التنازلات التي تقدِّمها من أجل الكمال:

عندما نستغرق الكثير من الوقت والجهد في عمل شيء ما، نحرم أنفسنا من قضاء الوقت والجهد نفسه في شيء آخر قد يكون أكثر جدوى؛ فعلى سبيل المثال: يستغرق الإشراف على أمور غير هامة في المدونة ساعة إضافية، وبإمكاني قضاء هذه الساعة في إنشاء المحتوى أو الترويج للمدونة، ويساعدني إدراكي لذلك على اتخاذ قرار أفضل بشأن كيفية قضاء وقتي.

3. تخيَّل الصورة الكبرى:

اطرح على نفسك هذه الأسئلة على الدوام: "ما هو الهدف النهائي؟"، "وما هي النتيجة المرجوة؟"، و"هل يقودني ما أفعله إلى الرؤية النهائية؟". بالنسبة إلي، دائماً ما أحرص على تركيز انتباهي على الرؤية النهائية عن طريق تدوين قائمة أهداف شهرية وأسبوعية ومراجعتها يومياً للتأكُّد من أنَّ ما أفعله يساعد على تحقيق الأهداف الأسبوعية، ومن ثمَّ الأهداف الشهرية؛ ممَّا يساعدني في البقاء على المسار الصحيح.

4. ركِّز على الأنشطة الهامة والفعالة:

اسأل نفسك إذا كان للأنشطة التي تقوم بها تأثير فعال حقاً؛ وإن لم تكن كذلك، فلا تهدر الوقت في استكمال العمل عليها؛ أمَّا إذا كانت محدودة الأهمية، فألغِها من قائمة أولوياتك، أو فوضها إلى شخص آخر، أو أنجزها بسرعة؛ وخصص الوقت المتبقي لتنفيذ المهمات المؤثرة والفعالة، حيث تساعدك رؤيتك للصورة الكبرى على تحديد المهمات الهامة التي تساهم في الهدف النهائي.

كنت أقضي الكثير من الوقت في تعديل تصميمات مدونتي، وهو أمر غير هام للقارئ على الإطلاق؛ ولكنِّي أصبحت أركِّز أكثر على كتابة المقالات والمنشورات، وهذه أنشطة أكثر أهمية ونفعاً.

5. حدد مدة زمنية:

يخبرنا قانون باركنسون (Parkinson’s Law) أنَّ العمل يستغرق الوقت المخصص له بالضبط؛ فإذا حددت 4 ساعات لإنهاء عمل معين، فستنتهي في غضون 4 ساعات؛ وإذا حدَّدت 3 ساعات، فسينتهي العمل بانتهائها؛ ولكن إذا لم تضع أي حدٍّ زمني، فستستغرق الكثير من الوقت. لذا، حدد مدة زمنية، وأنهِ المَهمَّة بانتهاء هذه المدة؛ إذ قد تُحاصَر بالكثير من الأعمال، ولكنَّ تحديد الوقت سيساعدك على إكمالها بالتأكيد.

6. تقبَّل ارتكاب الأخطاء:

يعود هوسنا بعملنا إلى رغبتنا في جعله خالياً تماماً من الأخطاء، ولكنَّ محاولة تحقيق الكمال بنسبة 100٪ تعيقنا دائماً؛ ذلك لأنَّ محاولة إتقان شيء ما إتقاناً مبالغاً فيه ستجعلنا نهدر الكثير من الوقت دون القيام بأمور هامة أخرى؛ لذا يجب علينا تقبُّل الأخطاء، وإدراك أنَّها مقدَّرة الحدوث، سواء شئنا أم أبينا؛ وكلما انفتحنا على ارتكاب الأخطاء، تعلَّمنا منها أسرع، وازددنا تقدُّماً.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح تساعدك على الاستفادة من أخطائك

7. أدرِك أنَّ مخاوفك لن تصل بك إلى أي مكان:

يُعدُّ التخطيط والاستعداد أمران جيدان بالتأكيد؛ ولكن في بعض الأحيان، يجب أن نسمح للأمور بأن تأخذ مجراها الطبيعي ونتعامل مع المشكلات فقط عند ظهورها، دون السماح لمخاوفنا بإقحامنا في التحكم بكل شيء؛ إذ يجعلنا الإفراط في الاستباقية نعيش في مستقبل وهمي على حساب الحاضر.

لقد أصبحت أميل أكثر إلى مجاراة الموقف؛ ولا يعني هذا أنَّني لا أهتم، ولكن يمكن دائماً التحكم بمعظم الأشياء التي تظهر على الفور، دون القلق بشأنها سلفاً.

8. احصل على فترات راحة:

إذا شعرت أنَّ إنتاجيتك تتناقص، فخذ قسطاً من الراحة؛ ذلك لأنَّ الراحة والعودة إلى الشيء نفسه لاحقاً تمنحنا منظوراً وتركيزاً جديداً.

أحياناً ما تنفد أفكاري ويقل شغفي عند كتابة مقالاتي، ولا أتمكَّن من استرجاعهما بالضغط على عقلي؛ فأدرك أنَّ الاستمرار في العمل حالياً غير مجدٍ؛ لذلك آخذ استراحة قصيرة؛ وعندما أعود لاحقاً، أجد نفسي قادرة على إحراز التقدم مرة أخرى.

 

المصدر




مقالات مرتبطة