لماذا تعد الصدمة الثقافية أمراً جيداً؟

سبق لنا وأن تكلمنا في موقع النجاح نت عن الصدمة الثقافية، وأفردنا لها مقالاً مخصصاً بعنوان: "الصَّدمة الثقافية: تعريفها وأسبابها وطرُق التَّغلب عليها"، تحدثنا فيه عن الصعوبات التي تواجه من يسافرون إلى الخارج بغرض الدراسة أو العمل وما شابههما من أسباب. وبما أنَّ لكلِّ شيءٍ في هذه الحياة إيجابياته وسلبياته، سنتكلم اليوم عن بعض الجوانب الإيجابية التي تنتج عن الصدمة الثقافية. لذا تابع معنا قراءة قادم السُّطور. لكن قبل أن نُسهب في الحديث عن ذلك، دعنا نتذكر معاً بعض النقاط الهامَّة.



ما هي الصدَّمة الثقافية؟

تُعرَّف "الصدمة الثقافية" بأنَّها تأثير الانتقال من ثقافة مألوفة إلى ثقافة أخرى غير مألوفة. والذي يمرُّ به المسافرون والمغتربون والطلاب المُبتَعَثين. إنَّها صدمة التَّواجد في بيئة جديدة مع أشخاصٍ جددٍ يعيشون وفقاً لأسلوب حياةٍ مختلف. كما تشمل الرهبة الأولية التي تحدث حين الابتعاد عن الأشخاص المهمين في حياتك؛ مثل الأهل والأصدقاء وزملاء الدراسة.

ما هي العوامل الرئيسة التي تتسبّب بحدوثها؟

تلعب عوامل عدة دوراً رئيساً في الشعور بالصدمة الثقافية. إليك بعضها:

1. اختلاف المناخ:

اختلاف المناخ

يحدث ذلك حين الانتقال من مناخٍ دائم الضبابية والرطوبة، إلى مناخٍ صحراوي قاحل شديد الحرارة، أو العكس. إذ قد يزيد الطقس من صعوبة الاستقرار، إن لم يكن المرءُ معتاداً على الطقس الذي يسود البلد المضيف.

2. اختلاف الطَّعام:

اختلاف الطَّعام

قد تُطهى أصناف الطعام في البلد المضيف بطريقةٍ مختلفة، وقد تحبُّ ذلك أو تكرهه بالمقارنة بما اعتدت على تناوله في بلدك الأم. فإن لم تكن ممن يطهون أطعمتهم بأنفسهم، ستجد نفسك وأنت تتناول المأكولات "السَّريعة" كل يوم، وذلك بدلاً من نظامك الغذائي المعتاد. لذا حاول العثور على مورد للطعام الذي اعتدت تناوله، والتزم بحمية غذائية صحية تضم الكثير من الفواكه والخضروات.

3. اختلاف اللغة:

اختلاف اللغة

إنَّ إيجاد نفسك محاطاً بأناسٍ يتحدثون بلغةٍ أجنبيةٍ يكون أمراً ساحقاً، فهو يتسبب بقدرٍ لا يستهانُ به من الإرهاق الذهني (mental fatigue) النَّاتج عن محاولة التَّكلم باستخدام لغة غريبة. لتأتي الصدمة التي لا مفرّ منها، والتي تنتج عن اكتشافك للغة غريبة عن تلك التي تعلمتها قبل سفرك. هذا بالإضافة إلى اختلاف اللهجات وسرعة الكلام اللذَينِ يتسببا بعدم استيعابك لما يقال لك.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح تساعدك على تعلّم اللغات الأجنبية بسهولة

4. القيم الاجتماعية:

القيم الاجتماعية

رغم أنَّ بعض مظاهر الاختلاف الثقافي تكون واضحةً بالنسبة إليك؛ مثل اختلاف الطعام وطريقة اللباس والسلوك، إلا أنَّك قد تفاجأ بأنَّ سكان هذا البلد يمتلكون وجهة نظرٍ تختلف اختلافاً جذريَّاً عن وجهة نظرك. وبالتالي قد لا يتشاركون معك قيمك ومعتقداتك.

5. طريقة اللباس:

طريقة اللباس

إذا انتقلت من مناخ دافئ إلى آخر بارد، فقد يسبب ذلك كثيراً من الازعاج حين ارتدائك ملابس شتوية ثقيلة. كما قد تفرض بعض البلدان بعض أشكال الحظر على الملابس.

6. آداب وقواعد السلوك:

آداب وقواعد السلوك

لدى كل ثقافة قواعد غير معلنة تحكم كيفية تفاعل الناس بعضهم مع بعض. في بداية الأمر، يمكن أن تبدو هذه القواعد كحقل ألغام تقع فيه دائماً، وقد يكون أثره محيراً بالنسبة إليك.

من الممكن أن يُسهم كل ما سبق في حدوث صدمة ثقافية. لكن من المهم أن تتذكر أنَّ الصدمة الثقافية أمرٌ طبيعيٌ تماماً. أمرٌ لا يمكن تجنبه في العادة، ولا ينعكس عليك بشدة.

قد ننظر إلى الصَّدمة الثقافية كظاهرة اجتماعية بحتة، ولكن يمكن أن يكون لها أعراض فيزيولوجية حقيقية، مثل:

شاهد بالفيديو: 7 طرق تساعدك على التكيّف مع متغيّرات الحياة

فوائد الصدمة الثقافية:

1. اكتساب قيمٍ ومهارات جديدة:

لقد سالَ حبرٌ كثيرٌ في دراسة أسباب وآثار الصدمة الثقافية، لذا باتت مراحلها معروفة. إذ تتفق الغالبية العظمى من الدراسات بأنَّه يوجد 6 مراحل مختلفة للصدمة الثقافية، وإن اختلفت المسميات بين كُلِّ دراسةٍ وأخرى:

  1. المرحلة الأولية: التعرف على ثقافة البلد المضيف والإعداد للرحلة وتوديع الأهل والأصدقاء.
  2. النشوة الأولية: تبدأ حين الوصول، ومن ثم يتلاشى أثرها تدريجياً.
  3. الهيجان: تحدث حين يصبح -فجأة- التعامل مع الجوانب البسيطة للحياة اليومية غريباً.
  4. التكيّف التدريجي: تصبح الثقافة مألوفة، وتدرك كيفية توجيه نفسك بُغيةَ التعامل معها.
  5. التكيّف: تكون قد تعلمت حينئذٍ كيفية التأقلم مع الثقافة الجديدة، وربما تشعر بأنَّك جزء منها.
  6. مرحلة إعادة التأقلم مع البلد الأم: تُدرِكُ بعد عودتك إلى الوطن بأنَّك قد تغيرت. إذ تكون قد أبقيت على مجموعةٍ من مبادئك القديمة، واكتسبت قيماً ومبادئ أخرى مبنية على تجاربك.

إنَّه لمن المهم أن تُبقيَ كل هذه المراحل ضمن منظورها الصَّحيح، وأن تدرك بأنَّها فرصة للتعرف على نفسك أكثر، ومعرفة نقاط القوة والضعف لديك. سوف تضيف مهارات قيمة لنفسك، مهاراتٍ ترتبط بأيَّة مساعي مستقبلية، سواءً أكانت مساعي شخصية أم مساعيَ مهنية. ويمكن القول إنَّها الفائدة الرئيسة للاغتراب.

2. توسيع المدارك:

رغم وجود مشاعر أولية تتمثل في الحيرة والارتباك، فإنَّ الصدمة الثقافية جزءٌ حيويٌ لا يتجزأ من تطور البشر. ولكي نوضح ذلك أكثر، دعنا نلقِ نظرة على الحقائق الآتية:

  • وجد 98% من المغتربين أنَّ الصدمة الثقافية قد ساعدتهم على اكتسابِ فهمٍ أفضل تجاه قيمهم وميولهم الثقافية.
  • اكتسب 96% منهم ثقةً أكبر في أنفسهم.
  • يعتقد 96% من المغتربين بأنَّ تلك التجربة ما تزال تؤثر على تفاعلاتهم مع الثقافات المختلفة.
  • يؤمن 97% من المغتربين بأنَّ قضائهم بعض الوقت في الخارج قد أكسبهم نضجاً أكبر على الصعيد الشخصي.
  • يؤمن 82% منهم بأنَّ الصدمة الثقافية قد أكسبتهم نظرةً أعمق تجاه العالم.

يقول فيلسوف المدرسة الرومانسية في الأدب، جان جاك روسو: "لن يكفيك التجول في مختلف البلدان لكي تصبح على اطلاع أكثر، وإنَّما يتعيَّن عليك أن تعرف كيف تسافر".

إن السَّفر إلى جميع أنحاء العالم أمرٌ جيد ومستحب، لكن إذا اكتفيت بالاختلاط مع أبناء بلدك في البلد المضيف، أو التزمت بما يُرَوِّجُ له المرشدون السياحيون ووكلاء السفر، فلن تكون لتجربة السفر أيُّ معنىً على الإطلاق. فإذا لم تتفاعل مع الثقافات الأخرى، ستظلُّ مؤمناً بأنَّ قيمك الثقافية هي قيمٌ صحيحة تماماً. ولن تلاحظ سوى الافتراضات المغلوطة عن الثقافة الجديدة؛ والتي تكون قد كونتها لنفسك نتيجة انغماسك في ثقافة مبنيةٍ على قيم مختلفة عن قيمك.

باختصار، تُفيد الصدمة الثقافية في زيادة معرفة الشخص بنفسه وثقافته، وتعزز التفاهم بين الشعوب المختلفة.

إقرأ أيضاً: إرشادات مهمة للتخفيف من معاناة الغربة

كيف تتجاوز المراحل الأولى من الصدمة الثقافية؟

قد تكون المراحل المبكّرة من الصدمة الثقافية صعبة، بيد أنَّها مراحل مؤقتة ويمكن التَّحكم فيها. فيما يأتي بعض النصائح التي تتعلق بكيفية منع تلك المراحل من التأثير على حياتك في الخارج:

  1. تمالك نفسك: ما ستشعر به هو أمر طبيعي يمر فيه معظم الناس من حينٍ إلى آخر.
  2. اطهي أطباقك المفضلة: اطبخ بعض الأطباق المنزلية المفضلة، وشاركها مع أصدقائك الجدد.
  3. مارس التمارين الرياضية: من شأن التمارين الرياضية أن تساهم في تحسين مزاجك. كما تسهم المشاركة في أنشطة محلية بإقامة الروابط مع ثقافة البلد المضيف.
  4. ابق على تواصل: سيرغب أفراد العائلة والأصدقاء في البقاء على تواصل دائمٍ معك، لذا خصص وقتاً كافياً من أجل التَّواصل معهم.
  5. تحدى نفسك: حدد لنفسك هدفاً يومياً يتمثل بالتفاعل مع شخص واحد جديد -على الأقل- من السكان المحليين. سواءً أكانَ ذلك الشخص عامل متجرٍ أم نادل.

في حين أنَّه من المغري البقاء ضمن منطقة راحتك، إلا أنَّ الاختلاط مع ثقافات جديدة يظل أمراً حيوياً من أجل تطورك الشخصي.

المصدر.




مقالات مرتبطة