لماذا تخشى الفشل؟ وكيف تتغلب عليه؟

لا أحد يستمتع بالفشل، إلَّا أنَّ الخوف منه قد يكون كبيراً جداً، بحيث تصبح الرغبة في تجنبه أقوى من محفزات النجاح كلها؛ إذ يؤدي قلق الناس من ارتكاب الأخطاء في أثناء تأدية أعمالهم إلى تدمير فرصهم في النجاح دون وعيهم بذلك.



إنَّ الخوف جزء من الطبيعة البشرية، وستواجهه ذات مرة مهما كان مجال عملك، وقد يصل بك الحال أحياناً إلى درجة لا يمكنك فيها التعرُّف على الشخص الذي أنت عليه، فتتداخل هويتك وكبرياؤك مع عملك، وتضطر إلى التوقف عن ممارسة الأشياء التي اعتدتها في مرحلة ما؛ لذا عليك هنا التغلب على مخاوفك وإطلاق العنان لإمكاناتك لتعيش الحياة التي تستحقها.

سنبحث معاً كيف نستخدم الفشل لصالحنا بدلاً من تركه يدير حياتنا، وننظر في ماهية الخوف من الفشل وأسبابه، وكيف يمكننا التغلب عليه حتى نتمكَّن من الاستمتاع بالنجاح في عملنا وحياتنا.

ما هو الخوف من الفشل؟

يدفعك الخوف إلى تجنب المواقف التي يُحتمَل أن تكون ضارة، ويمنعك من المحاولة، ويُفقِدك ثقتك بنفسك، ويؤخر تقدمك، وقد يدفعك إلى التصرف بما يتعارض مع أخلاقك.

ما الذي يسبب الخوف من الفشل؟

نورد فيما يلي الأسباب الرئيسة للخوف من الفشل:

  1. تراكمات الطفولة: تدفع انتقادات البالغين الأطفالَ إلى تبنِّي عقليات مدمرة، حيث يفرضون عليهم نظاماً قائماً على التحذيرات وقواعدمبنية على الخوف، ويُشعِر هذا الأطفال أنَّهم بحاجة دائمة إلى طلب الإذن والضمانات، ويحملون معهم هذا السلوك إلى مرحلة البلوغ.
  2. السعي إلى الكمال: إنَّ السعي إلى الكمال هو غالباً أساس الخوف من الفشل؛ فبالنسبة إلى الكماليين، يُعدُّ الفشل أمراً مروعاً ومهيناً، لدرجة أنَّهم لا يجرؤون على المحاولة؛ ممَّا يجعل خروجهم من منطقة راحتهم أمراً مرعباً لهم.
  3. الإفراط في الشخصنة: قد يقودنا كبرياؤنا إلى الإفراط في الارتباط بالإخفاقات، حيث لا يتقبَّل الأشخاص الذين يأخذون الأمور على محمل شخصي الفشل في أشياء مثل: الجودة، أو الظروف المخففة، أو فرص النمو.
  4. الثقة الزائفة بالنفس: يعلم الذين يتمتعون بثقة حقيقية أنَّ النجاح لن يكون دائماً من نصيبهم؛ بينما يتجنب الآخرون المخاطر، ويفضلون الأمان على تجربة شيء جديد.
إقرأ أيضاً: 6 نصائح فعّالة للتخلص من مشاعر الخوف من الفشل

كيف يعيق الخوف من الفشل سعيك إلى النجاح؟

1. ثقافة المنظمة غير الصحية:

تمتلك العديد من المنظمات اليوم "ثقافة الكمال"، وهي مجموعة من المعتقدات التنظيمية المبنية على رفض الفشل رفضاً تاماً، حيث يعتقدون أنَّ النجاح الخالص الذي لا يشوبه شائبة هو فقط ما يفي بالغرض.

تخيل حالة التوتر والرهبة التي قد تسود منظمة يوجه مديروها الاتهامات جذافاً، ويلقون باللائمة عن الأخطاء والفوضى التي لا مفر منها على شخص آخر، ويستبدلون فيها الموظفون بين ليلة وضحاها، حيث يشغلون مناصب عليا، ثمَّ سرعان ما يغضب عليهم رب العمل فجأة؛ ناهيك عن الكذب والغش وتزوير البيانات وإخفاء المشكلات؛ ويستمر كل هذا حتى تتفاقم الأمور بحيث لا يمكن التستر عليها.

2. عدم اغتنام الفرص القيِّمة:

قد يفشل بعض الأشخاص في الوصول إلى إجابة كاملة بسبب إغراء نجاح سابق، إلَّا أنَّ الكثيرين يفشلون بسبب ارتباطهم المدفوع بالغرور بما حققوه من نجاحات في الماضي.

هذا شائع بين الشخصيات الكبيرة، خاصة أولئك الذين بنوا سمعتهم من خلال إجراء تغييرات هامة منذ سنوات؛ فهم يمتنعون عن الابتكار مجدداً لأنَّهم يخشون أن تفقد نجاحاتهم السابقة بريقها إن فشلوا هذه المرة.

علاوة على ذلك، إنَّهم يعتقدون أنَّ نجاحهم في شيء جديد قد يُثبِت أنَّ تلك الإنجازات التي حققوها في الماضي لم تكن عظيمة على الإطلاق؛ فلماذا يخاطرون إذا كان بإمكانهم الاحتفاظ بسمعتهم دون أن يفعلوا أيَّ شيء؟

يكون هؤلاء غارقون في غرورهم وأمجادهم السابقة، حيث إنَّهم يفضلون التخلي عن فرص المجد المستقبلية بدلاً من المخاطرة، حتى لو كان احتمال الفشل ضئيلاً.

3. المتفوقون يصبحون فاشلين:

لكل موهبة سلبيات تجعلها عائقاً في بعض الأحيان؛ وكذلك يحب الناجحون الفوز وتحقيق معايير عالية دوماً، ولكنَّ حبهم هذا يودي بهم إلى الخوف من الفشل، لدرجة أنَّهم يدمرون بذلك حياتهم؛ فعندما تصبح سِمَة إيجابية -كالإنجاز- قوية جداً في حياة شخص ما، فهي في طريقها كي تصبح عائقاً كبيراً له.

يعدُّ الإنجاز قيمة قوية للعديد من الأشخاص الناجحين الذين بنوا حياتهم عليها؛ فهم ينجحون في كل ما يفعلونه في المدرسة، والكلية، والرياضة، والفنون، والهوايات، والعمل؛ و يضيف كل إنجاز جديد إلى قوة القيمة في حياتهم.

لكن يصبح الفشل تدريجياً خارج نطاق توقعاتهم؛ ذلك لأنَّهم ربَّما لم يفشلوا قط في أي شيء فعلوه في حياتهم، وليس لديهم خبرة في تقبُّل الأمر وتجاوزه؛ فيصبح الفشل كابوسهم الأكبر، وبمثابة رعب مخيف يجب عليهم تجنبه بأي ثمن.

إنَّ أبسط طريقة للاستسلام للفشل هي عدم المخاطرة مطلقاً، والتمسك الصارم بما تعرف أنَّه يمكنك القيام به، وحماية نفسك، والعمل لساعات أطول، والتحقق من كل شيء مرتين وثلاث مرات أو أكثر، وأن تكون الشخص الأكثر ضميراً وتحفظاً في الكون.

إذا لم يمنعك العمل الجاد المستمر والاجتهاد وجداول العمل القاسية والمرؤوسون المزعجون من الفشل، فاستخدم كل الوسائل الممكنة الأخرى لإبعاده؛ لذا زوِّر الأرقام، وأخفِ أي شيء سلبي، وتستر على الأخطاء، وتجنَّب التغذية الراجعة من العملاء، وألقِ باللائمة على أي شخص لا يستطيع المواجهة؛ هذه ببساطة طريقة تفكير هؤلاء.

إنَّ المشكلات المتعلقة بالمعايير الأخلاقية في الشركات الكبرى لها علاقة بالخوف من الفشل بين المتفوقين القدامى أكثر من أي شيء آخر، وقد كان العديد من هؤلاء -مثل الذين يعملون في شركة إنرون (Enron) التي أفلست إثر عمليات تزوير محاسبية عُرِفت فيما بعد بفضيحة إنرون وآرثر أندرسن (Enron and Arthur Andersen)- من كبار الشخصيات الناجحة، وكانوا ينعمون بإطراء وسائل الإعلام؛ ولكنَّهم كانوا ينظرون إلى الفشل على أنَّه احتمال مستحيل، ويستحق فعل أي شيء لتجنبه.

فقدان الابداع:

يدمِّر المفرطون في النجاح راحة بالهم وحياة أولئك الذين يعملون لديهم، حيث يتحول حبهم لفعل الخير وأخلاقهم الحميدة إلى تعصب لذواتهم، ويتحولون من أشخاص يقدرون على بناء العلاقات الوثيقة، إلى أشخاص غير متوازنين يخنقون أصدقاءهم وعائلاتهم بالتودد والعاطفة؛ وكل غايتهم هي كسب حبهم في المقابل.

يحب الجميع النجاح؛ ولكن تظهر المشكلة عندما يسود الخوف من الفشل، ولا يعود بإمكانك قبول حتمية ارتكاب الأخطاء، ولا تدرك أهمية التجربة والخطأ في إيجاد الحل الأفضل والأكثر إبداعاً.

عندما تكون أكثر إبداعاً، تزيد أخطاؤك؛ لذا اعتد هذا الأمر، فقد يدمر قرار تجنب الأخطاء إبداعك أيضاً.

اعلم أنَّ التوازن هام أكثر ممَّا تعتقد؛ حتى أنَّ بعض الحموضة تجعل طبقاً حلو المذاق أكثر لذة، والقليل من الأنانية له قيمة حتى عند الأشخاص الأكثر حباً للآخرين، والقليل من الفشل ضروري للحفاظ على وجهة نظر الجميع عن النجاح.

نسمع الكثير عن أهمية أن نكون إيجابيين، ولكنَّنا نحتاج أيضاً إلى معرفة أنَّ الأجزاء السلبية من حياتنا وتجربتنا تلعب دوراً هاماً في تحقيق النجاح في العمل والحياة.

إقرأ أيضاً: 9 طرق لتنمية الإبداع في نفسك

كيف تتغلب على الخوف من الفشل؟

1. اكتشف سبب الخوف:

اسأل نفسك: "ما السبب الجذري لاعتقادك السلبي؟"، وانظر إلى الأسباب الأربعة الرئيسة السابقة للخوف من الفشل، وحدد أيٌّ منها يعبِّر عنك بشكل أفضل، واكتب سبب خوفك، وحاول أن تدرك أنَّه عامل خارجي ليس إلَّا؛ وإذا كان ذلك مفيداً، فتخيل أنَّك تحاول مساعدة أحد أفضل أصدقائك.

ربَّما ينبع خوفك من شيء ما حدث في طفولتك، أو من عدم أمان متجذر فيك؛ إذ إنَّ تحديد مصدر الخوف يجعله أضعف، ويخفف من تأثيره عليك.

2. أعد صياغة المعتقدات حول هدفك:

قد تكون عقلية امتلاك كل شيء أو لا شيء غير مجدية؛ لذا لتكن لديك رؤية واضحة عمَّا ترغب في تحقيقه، وليكن تعلُّم شيء جديد أحد أهم أهدافك؛ فإذا كان هدفك التحسن والتعلم، فمن غير المرجح أن تفشل.

مثال بسيط: يشجع القائمون على شركة بيكسار (Pixar) لصناعة الرسوم المتحركة موظفيهم على "الفشل المبكر والسريع"، وذلك من خلال حثهم على التجريب والابتكار حتى يتمكنوا من مواكبة التطور؛ ومع أنَّ هذه العقلية قد تؤدي إلى الفشل، إلَّا أنَّهم يحققون رؤيتهم في رواية قصص عظيمة، وتكون بذلك كل العقبات التي يواجهونها بمثابة فرص لنمو الشركة.

إقرأ أيضاً: كيف تقضي على الخوف من الفشل؟

3. تعلَّم التفكير بشكل إيجابي:

نصدِّق في كثير من الحالات ما نقوله لأنفسنا، ويؤثر حوارنا الداخلي على ردود فعلنا وسلوكنا.

إنَّ مجتمعاتنا مهووسة بالنجاح، لكن علينا أن ندرك حقيقة أنَّ أكثر الأشخاص نجاحاً يواجهون الفشل أيضاً؛ فعلى سبيل المثال: طُرِد والت ديزني (Walt Disney) من إحدى الصحف ذات مرة لأنَّهم اعتقدوا أنَّه يفتقر إلى الإبداع، فبدأ تأسيس استوديو للرسوم المتحركة وفشل؛ لكنَّه لم يستسلم أبداً، وأصبحت ديزني اسماً يعرفه الجميع حول العالم؛ كما طُرِد ستيف جوبز (Steve Jobs) من شركة آبل في إحدى المرات أيضاً، ولكنَّه عاد ليصبح أحد أبرز موظفي الشركة لسنوات عديدة.

لو صدَّق ديزني وجوبز التغذية الراجعة السلبية التي تلقوها حول أدائهم، لما وصلوا إلى القمة؛ لذا فإنَّ الأمر متروك لك لملاحظة حديثك السلبي مع نفسك وتحديد ما يحفزك.

استبدل الأفكار السلبية بالحقائق الإيجابية عن نفسك وعن الموقف، وذلك من خلال رسم سيناريو جديد في عقلك تستطيع الاعتماد عليه عندما تشعر بالسلبية تتسلل إليك؛ فالصوت داخل عقلك له تأثير كبير فيما تفعله.

شاهد بالفديو: 6 دروس يجب أن تتعلمها من الفشل

4. تخيل جميع النتائج المحتملة:

إنَّ عدم اليقين بما ستؤول إليه الأمور مرعب جداً؛ لذا خذ وقتك في تخيل النتائج المحتملة لقرارك، وفكر في أفضل وأسوأ السيناريوهات، وستشعر بذلك بتحسن لامتلاكك تصوراً مسبقاً لما قد يحدث.

قد يحول الخوف من المجهول بينك وبين وظيفة جديدة؛ لذا عليك المقارنة بين إيجابياتها وسلبياتها، وتخيُّل النجاحات والإخفاقات المحتملة من اتخاذ قرار مصيري كهذا؛ كما قد تساعدك معرفة كيف يمكن أن تسير الأمور على عدم التعثر.

5. فكر في السيناريو الأسوأ:

قد تكون أسوأ الحالات في بعض الأحيان مدمرة للغاية؛ ولكن لن يكون ذلك نهاية العالم عندما تسوء الأمور.

إنَّه لمن الهام تحديد عواقب السيناريو الأسوأ في إطار المخطط الكبير لحياتك؛ ففي بعض الأحيان، نعطي المواقف قيمة أكبر ممَّا تستحقه، وحقيقة الأمر هي أنَّ الفشل في معظم الحالات ليس دائماً.

على سبيل المثال: عندما تبدأ مشروعاً جديداً، لا بد أن يكون هناك منعطف تتعلم منه؛ ذلك لأنَّك ستتخذ قرارات فاشلة، ولكنَّ استياءك منها لن يدوم طويلاً؛ لذا عليك إذاً تغيير استراتيجيتك وقلب الأمور إلى صالحك.

حتى في أسوأ السيناريوهات، إذا أدى الفشل الملحوظ إلى نهاية هذا العمل، فقد يكون نقطة انطلاق مشروع جديد.

6. ضع خطة بديلة:

إنَّه لمن المجدي أن يكون لديك خطة بديلة؛ فأنت لا تريد التخبط لإيجاد حل عندما يحدث ما لم يكن بالحسبان، وفي هذا القول المأثور حكمة عظيمة: "تمنَّ الأفضل، واستعد للأسوأ"؛ حيث يمنحك امتلاك خطة بديلة مزيداً من الثقة للمضي قدماً والخوض في مغامرات محسوبة.

ربَّما تقدمت بطلب للحصول على منحة لتمويل مبادرة في العملح لكن في أسوأ السيناريوهات، إذا لم تحصل على المنحة، فهل هناك طرائق أخرى يمكنك من خلالها الحصول على التمويل اللازم؟

يكون هنالك طرائق متعددة لمعالجة مشكلة ما؛ لذا يعدُّ وضع خطة بديلة أمراً عظيماً لتخفيف القلق بشأن أيِّ فشل محتمل.

إقرأ أيضاً: 9 طرق لِكَي تتعافى من تداعيات فشلك

7. تعلَّم من أي شيء يحدث:

قد لا تسير الأمور كما خططت لها، لكن لا يعني هذا تلقائياً أنَّك فشلت.

تعلَّم من أي شيء يحدث، فقد تكون الظروف السيئة حتى فرصة عظيمة لإجراء التغييرات والتقدم؛ وتذكر "ستفوز في بعض الأحيان، وتتعلم من الأخرى"، واسأل نفسك:

  • ماذا تعلمت؟
  • كيف يمكنني التقدم من هنا؟
  • هل أفضى هذا الأمر إلى أي شيء إيجابي؟

تعمق في البحث أكثر، وستجد حينئذ بارقة أمل؛ فعندما تعلم أنَّ "الفشل" هو فرصة للتقدم وليس عقوبة إعدام، ستتغلب على الخوف منه بكل تأكيد.

شاهد بالفديو: 6 نصائح للتخلص من مشاعر الخوف من الفشل

أفكار أخيرة:

تعلمنا معاً ما هو الخوف من الفشل، وكيف يمكن أن يكون له تأثير في قدرتنا على الإنجاز؛ حيث ينبع هذا الخوف غالباً من الطفولة، والسعي وراء الكمال، والغرور، والإفراط في شخصنة الأمور، وانعدام الثقة.

لحسن حظنا، هناك أساليب كثيرة لمعالجة هذا الخوف، ويمكننا أن نبدأ من خلال معرفة مصدره وإعادة صياغة الطريقة التي نشعر بها تجاهه؛ فعندما يكون الفشل فرصة للتقدم، ونبحث في جميع النتائج المحتملة، يصبح التغلب على الخوف أكثر سهولة.

كن إيجابياً، وضع خطة بديلة، وتعلَّم ممَّا يحدث؛ لتصبح إخفاقاتك مصدراً للتعلم والإلهام بدلاً من الإذلال؛ فكما قال توماس إديسون (Thomas A. Edison): "لم أفشل، بل اكتشفت 10000 طريقة غير مجدية".

قد يكون الفشل نعمة غير مرئية؛ لذا امضِ بجرأة لتحقيق أحلامك وأهدافك، ولا تدع الخوف يقف عائقاً في طريقك أبداً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة