لماذا النساء القويات هن الأكثر إرهاقاً؟

في معظم الحالات التي يتعامل معها اختصاصيو العلاج النفسي، نجد أنَّها ذات طبيعة لا تختص بجنسٍ دون غيره، فهي تؤثر في الرجال والنساء بالتساوي (في معظم الحالات)، لكن في الآونة الأخيرة، باتت الكثير من النساء يشكين مشكلةً بعينها، والفارق فيها ملحوظ بين كلا الجنسين من حيث التعرض لها؛ ألا وهي: الإرهاق.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة نانسي كوليير (Nancy Colier)، والتي تُحدِّثنا فيه عن سبب الإرهاق الذي يصيب النساء القويات.

المزيد والمزيد من النساء يدخلن إلى مكتبي في حالة من الاستنزاف العقلي والجسدي والعاطفي؛ إذ إنَّ العديد من النسوة اللواتي ألتقيهنَّ في هذه الأيام، لسن مسؤولات فحسب عن الأعمال المنزلية، وعوائلهن، وأطفالهن؛ بل أيضاً يكسبن مبلغاً كبيراً من المال كونهنَّ المعيلات الرئيسات في العائلة. تعمل النساء داخل المنزل وخارجه على مدار اليوم والأسبوع، ولا يرتحن أبداً، وهنَّ غارقات في المسؤولية.

تُدير عميلتي سالي (Sally) عملها الخاص، والذي تدفعُ من خلاله الضرائب، وهي أيضاً مسؤولة عن أطفالها الثلاثة، وصحتهم النفسية، والآن دراستهم، كما أنَّها مسؤولة أيضاً عن العُطل العائلية وشراء الطعام والعديد من الأمور الأخرى.

وأمَّا عميلتي ليندا (Linda)، فقد شعرت بسعادة عارمة؛ لأنَّ زوجها خطط لعطلة نهاية الأسبوع، وحين سألتُها إلى أين هم مُتجهون، أخبرتني بأنَّها لا تهتم للأمر؛ إذ إنَّ مجرد حقيقة أنَّه قام بتخطيط العطلة من بدايتها إلى نهايتها، وأنَّها لم تضطر إلى اقتراح وبحث وتنظيم كلٍّ أو بعضٍ منها، جعلت منها عطلةً حقيقية بغضِّ النظر عن الوجهة. لقد كانت المرة الأولى التي تشعر فيها بأنَّ أحدهم يهتم بها منذ سنوات.

بصفتنا نساء متحضرات، فقد ترعرعنا على أن نقوم بكل شيء، وأن نكون مستقلات وعلى قدر المسؤولية، لكن إن كانت النسوة اللواتي ألتقيهنَّ في مكتبي يمثِّلن الأمر بأيِّ حال من الأحوال، فيبدو أنَّ القيام بكل هذا لا يأتي من دون عواقب.

حينما سألت صديقتي جاين (Jane) عمَّا تُريده في عيد ميلادها، أجابت: "أريد من زوجي أن يهتم بشيءٍ ما من بدايته وحتى النهاية، بما في ذلك إدراك أنَّه يلزم الاهتمام بالأمر أياً كان".

نحن لا نتوقع من النساء أن يتمتعن بإرادة قوية، وأن يكنَّ قادرات ومتحمسات للقيام بكل شيء؛ لكنَّنا أيضاً نُظهر استحقارنا لتلك النساء اللواتي لديهنَّ الشجاعة للتعبير عن حاجاتهنَّ، أو يرغبن في أن يُعتَنى بهنَّ. نحن متكيفات على الحكم على أنفسنا بأنَّنا ضعفاء حينما لا نرغب في أن نكون القادة دائماً.

في جلسة أجريتها مؤخراً مع زوجين، اعترفت جيليان (Gillian)، التي تتحمل مسؤولية الاهتمام بعائلتها بالكامل، بأنَّها ترغب في أن يعتني بها أحد، وألَّا تتولى زمام المسؤولية دائماً.

قام زوجها حينئذٍ بمناداتها بشكلٍ مُحتقرٍ "بالفتاة الصغيرة"؛ إذ قال لها إنَّه في الوقت الذي تدعي فيه بأنَّها تريدُ علاقةً قائمة على المساواة، وترغب في الاستقلال، فإنَّها في قرارة نفسها تريد أن تتخلص من المسؤوليات، وأن يدللها زوجها، مثل أيَّة امرأة أخرى.

لقد كان من الصعب سماع ذلك؛ لكنَّ الجزء الأكثر حزناً هو أنَّها لم تشعر بالغضب، وبدلاً عن ذلك، شعرت بالعار من حاجاتها. هذه المرأة الناجحة والذكية جداً، شكَّكت في حاجتها وحقِّها بأن يُعتَنى بها؛ بل وتساءلت ما إذا كان زوجها على حق، لمجرد أنَّ كلَّ ما أرادته هو أن تُدَلَّل.

يُخيَّل إلينا خطأً أنَّ القوة والاستقلالية لا يتوافقان مع أن يتم الاعتناء بالشخص، لكن في الواقع، فإنَّ الأمرين يتوافقان تماماً. نحن نريد ونحتاج إلى أن يتم الاعتناء بنا وأن نكون مستقلات وقويات. في الواقع، نحن بحاجة إلى أن يتم الاعتناء بنا لكي نحافظ على قوَّتنا واستقلالنا.

إقرأ أيضاً: متلازمة الإرهاق المزمن: أعراضها وطرق التغلب عليها

بطريقة أو بأخرى، فإنَّ "الاستقلال" مجرد خرافة؛ إذ إنَّه لا يمكن لأيِّ أحدٍ أن يكون مستقلاً كلياً؛ ذلك لأنَّ الناس كائنات اجتماعية تنجح عندما تتعاون مع أناس آخرين.

ثم إنَّه لمن الهام أيضاً إدراك أنَّه توجد ثلاثة أشكال من الاهتمام، على سبيل المثال: إن قدَّمت لكِ صديقتكِ هدية لا تريدينها حقاً أو كان مقاسها غير مناسب، فعلى الأغلب سوف تشعرين بالاهتمام، ولربَّما بأنَّها تحبك، وفي الوقت نفسه، قد تشعرين أيضاً بمسؤولية الاهتمام بصديقتك، والتأكَّد من أنَّها تشعر بشكل جيد حيال هديتها؛ لهذا أيضاً، قد تُفكِّرين في أن تقومي بتقديم هدية إليها أيضاً.

أنتِ تعلمين بأنَّك محطُّ اهتمام، والذي هو أساساً شعورٌ يسعدك، وفي الوقت نفسه، قد لا تكفي التجربة هذه لإرضاء الجزء الذي يرغب منك في أن يتوقف عن العمل كلياً؛ وبهذا، فإنَّ الاهتمام الذي تبديه صديقتك، قد لا يُرضي حاجتكِ إلى الاسترخاء في المستوى الأعمق، وهذا طبيعيٌّ جداً.

من ناحيةٍ أخرى، عندما وصفت إحدى صديقاتي لحظة بدء مُعالجة التدليك الخاصة بها قالت: "في تلك اللحظة، ارتاح شيءٌ ما في داخلي بشكل كبير، وليس لأنَّ أحدهم يعتني بجسدي فحسب؛ بل لأنَّني أحظى بما أريده حقاً من غير الاضطرار إلى أن أدَّعي بأنَّي أريده. أنا لا أحتاج إلى أن أهتم بأيِّ أحدٍ آخر خلال العملية هذه؛ إنَّها لحظةٌ خاصة بي فحسب".

حينما يتعلق الأمر بالاهتمام، فهو ليس بمقياسٍ واحد يُناسب الكل؛ ذلك لأنَّ لدينا أجزاء مختلفة في داخلنا تتأثر بتجارب مختلفة، فربما تعلمين بأنَّه يتم الاعتناء بكِ، ومع ذلك ما تزالين ترغبين في الأمر. فالاعتناء بعقلكِ ليس هو نفسه الاعتناء بجسدكِ أو روحكِ، وهذه الحقيقة لا تجعل منكِ متطلبةً أو مُدلَّلة؛ بل إنساناً فحسب.

إنَّ أهم جزء بالاعتناء بأنفسنا هو معرفة وتقدير رغبتنا الخاصة في أن يتم الاعتناء بنا، وفي الوقت نفسه، تجنُّب لوم وتحقير أنفسنا بسبب هذه الرغبة الطبيعية. علينا أن ندرك أيضاً، أنَّ حاجتنا إلى أن يتم الاعتناء بنا يمكن لها أن تتعايش بسلام مع رغبتنا في أن نكون قويات ومستقلات ذاتياً.

اسألن أنفسكنَّ: "متى أشعر حقاً بأنَّه يتم الاعتناء بي؟ وما الذي يسمح لي بأن أشعر تماماً بأنِّي لا أتحمل المسؤولية؟ وما هو الشيء الذي أشعر وكأنَّه حقاً من أجلي؟ إنَّه لمن الهام أن نعير انتباهنا - من دون الحكم - إلى من يعتني حقاً بنا. ومتى ما شعرنا بأنَّه تم الاعتناء بنا، يمكننا أن نأخذ نفساً، ونُقدِّر التجربة، ونشعر بالارتياح.

إن كانت هناك طرائق يمكن لكِ بها أن تعطي نفسكِ الاهتمام الحقيقي، من خلال انتباهكِ وفضولكِ، أو من خلال شكلٍ آخر كالخروج في الطبيعة أو الالتقاء بالناس أو الضحك أو المرح أو تناول الشوكولاتة أو أيِّ شيءٍ آخر، فأعطِ نفسكِ ما تريد. إنَّ الرغبة في أن يتم الاعتناء بكِ حقيقيةٌ وجزءٌ لا يتجزأ من كونك إنسانة.

المصدر




مقالات مرتبطة