لم يعتبر الحفاظ على الصداقات أمر هام لصحتك؟

تُمثِّل الصداقة أقل العلاقات وضوحاً في حياتنا، فالأصدقاء ليسوا أزواجنا ولا يشاركوننا حمضنا النووي؛ لكنَّ الكثير من الأدلة السريرية تُظهِر أنَّ قوة هذه العلاقات يمكن أن تزيد من المشاعر الإيجابية وتُحسِّن صحتنا ورفاهيتنا؛ إذ يقول الخبراء إنَّنا نعيش حياة أغنى وأكمل وأطول نتيجة صداقاتنا.



ومع ذلك، يميل الكثير من الناس إلى إهمال تكوين هذه الصداقات الثمينة والحفاظ عليها عندما تتطلب أشياء أخرى - مثل الأسرة والعمل - اهتمامنا.

يتفهَّم جيم فاغنر (Jim Wagner) مدى سهولة فقدان التواصل مع الأصدقاء، فنحن نريد أن نتمتع بحياة جيدة وأن يكون لدينا أصدقاء، ولكن من السهل جداً أن يشغلنا العمل عنهم وتمضي أيامنا حتى نفقد التواصل تماماً بهؤلاء الأشخاص.

فلنأخذ فاغنر كمثال، لديه ثلاثة أصدقاء مقربون، يُعَدُّ شقيقه من بينهم، بالإضافة إلى صديق من السنة الأولى في الكلية منذ حوالي 25 عاماً، وصديق آخر يعرفه منذ ما يقرب من عقدين، يقول فاغنر، الذي يعمل مع زوجته في شركة كامبانا ديزاين (Campana Design) في بيتالوما (Petaluma)، كاليفورنيا: "إنَّهم هامون جداً بالنسبة إلي، فهم يساعدونني على الحفاظ على صفاء ذهني".

يقول إنَّه حصل على أفكار تجارية رائعة من أصدقائه، ليس لأنَّهم يعملون في العمل نفسه - فهم ليسوا كذلك - ولكن لأنَّهم يُصغون إليه ويرشدونه، يتحدى هو وأصدقاؤه بعضهم بعضاً أيضاً للوصول إلى الأهداف ولكي يكونوا أشخاصاً أفضل، ولا يخشون تأنيب بعضهم بعضاً.

دائرة فاغنر من الأصدقاء الموثوقين، أكبر من دوائر معظم الأشخاص الآخرين، ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة ديوك (Duke University) وجامعة أريزونا (University of Arizona) عندما سألوا عن عدد الأشخاص الذين يمكن للناس مناقشة الأمور الهامة معهم، وجدوا أنَّ معظم الأمريكيين يمتلكون صديقَين فقط، كما وجدوا أنَّ متوسط عدد الأشخاص الموثوقين انخفض بنسبة شخص واحد تقريباً - أو من 2.94 إلى 2.08 - بين عامي 1985 و2004، تقول لين سميث-لوفين (Lynn Smith-Lovin)، أستاذة علم الاجتماع في جامعة ديوك (Duke University) وواحدة من باحثي الدراسة: "يشير هذا التغيير إلى شيء سيِّئ لمجتمعنا، فالعلاقات مع شبكة وثيقة من الأشخاص تخلق شبكة أمان".

"الصديق الحقيقي هو أعظم النِّعم، وهو أقل ما نبذل جهدنا واهتمامنا لنكتسبه". - فرنسوا دو لاروشفوكو (François de La Rochefoucauld)

شاهد بالفديو: أقوال الحكماء والفلاسفة عن الصداقة

ما هي الأمور التي تشكل تهديداً على الصداقات؟

يتوقع الباحثون أنَّ ساعات العمل الأطول والاستخدام المتزايد للإنترنت وتقنيات التواصل الأخرى قد تكون السبب في تدهور العلاقات بين الشبكات الأوسع من الناس؛ حيث يشعر الكثير من الناس أنَّ الضغط الإضافي للحياة يبرِّر قضاء وقت أقل في العلاقات غير الأسرية، لكنَّ الخبراء يقولون إنَّ هذه الضغوطات هي التي يجب أن تدفعنا إلى عدم إهمال صداقاتنا.

يقول الدكتور مايكل رويزن (Dr. Michael Roizen)، كبير المسؤولين عن الصحة والعافية في مركز كليفلاند كليننك (Cleveland Clinic): إنَّه في حين أنَّ المديرين التنفيذيين يصنفون أنفسهم على أنَّهم ناجحون في المجال التجاري والمالي، فإنَّ لا أحد منهم تقريباً سعيد مع الأصدقاء.

يقول هو وخبراء آخرون إنَّ الصداقات تُوفِّر حاجزاً يمنع التوتر، والأشخاص الذين لديهم شبكات أكبر من الأصدقاء، يعيشون أطول من أولئك الذين لديهم معارف أقل، بالإضافة إلى أنَّهم أكثر سعادة وثقة، خاصة في الأوقات المضطربة، فإنَّ التواصل مع الناس يضيف إحساساً بالأمان، حتى لو لم تضطرَّ أبداً إلى الاتصال بهم للحصول على المساعدة.

يسكن سنو (Snow)، الذي يرأس صندوق جورج سنو للمنح الدراسية - والذي سُمِّي على اسم والده - في بوكا راتون (Boca Raton)، فلوريدا، وهو نشط جداً في الأعمال التجارية المحلية والدوائر الخيرية والاجتماعية، "لدي الكثير من الأشخاص الذين أعدُّهم أصدقاء، لكنَّ هناك عدداً أقل بكثير من الأشخاص الذين يمكنني التحدث إليهم عندما أكون حقاً بحاجة إلى بعض النصائح الهامة، كان والِدي يقول لي دائماً وأنا أكبر: إذا كنتَ تستطيع أن تَعُدَّ أصدقاءك الحقيقيين بيدٍ واحدةٍ، فأنت محظوظ جداً".

يقول تيم سنو (Tim Snow): إنَّ أصدقاءه يعرفون أنَّه يمكنهم الاتصال به، ويمكنهم أن يطلبوا منه الحضور إلى مكان ما في وقت محدد، وسيكون هناك، دون طرح أي أسئلة، وسيفعلونَ الشيء نفسه من أجله، يقول: "تُوفِّر معرفة امتلاك مثل هذه الأنواع من العلاقات شعوراً مريحاً".

يعترف سنو بأنَّ تنمية الصداقات والحفاظ عليها يتطلب بعض المبادرات، لكنَّه يقول إنَّ أقرب أصدقائه، مشغولون مثله ويفهمون كيف يمضي الوقت؛ حيث يقول: "ولكن عندما نتواصل مع بعضنا بعضاً، يبدو الأمر كأنَّنا قد تحدثنا بالأمس، يبدو أنَّ هذه العلاقة موجودة دائماً بيننا".

إقرأ أيضاً: ثلاثة أنواع من الأصدقاء نحتاج لهم في حياتنا

بذل الجهد للحفاظ على الصداقات:

يمكن أن تُقيِّد المسافة والوقت الصداقات، إذا سمحتَ لهما بذلك، يقول كيث فيراتزي (Keith Ferrazzi)، مؤلف كتابي "من يساندك" (Who’s Got Your Back) و"لا تأكل وحدك أبداً" (Never Eat Alone): "لا تخَف أبداً من الاتصال بشخص ما بعد انقضاء فترة من الوقت، تواصل معه بهذه الطريقة: قل إنَّك آسف لأنَّك فقدت التواصل معه، وأَتبِع ذلك ببعض الإطراء الصادق، وقل إنَّك اشتقت إلى الصداقة التي كانت بينكما".

"تخلق الروابط مع شبكة وثيقة من الناس شبكة أمان".

لين سميث-لوفين (Lynn Smith-Lovin)، أستاذة علم الاجتماع في جامعة ديوك (Duke University)

بالنسبة إلى بعض الأشخاص، يجب أن يتخذوا قراراً بأنَّ الصداقات تستحق تخصيص الوقت لها؛ وهي لا تَقلُّ أهمية عن الاجتماعات مع العملاء وشركاء الأعمال، كما تقول فالوري بيرتون (Valorie Burton)، كوتش الحياة والمُتحدِّثة ومؤلفة العديد من الكتب، بما في ذلك كتاب "كيف أصبحتَ مشغولاً إلى هذا الحد؟" (How Did I Get So Busy): "حدِّد موعداً مع صديقك تماماً مثلما تُحدِّد المواعيد مع أي شخص آخر، وادمجه في جدولك، ضع حدوداً على وقتك واجعله غير قابل للتفاوض، قد يعني هذا أنَّه هناك بعض الأشياء التي تحتاج إلى تعديلها، ولكنَّ هذا هو معنى الأولويات".

يقترح فيراتزي: "إذا كان الانشغال عذراً، فحاول استبدال كلمة "توازن" بكلمة "دمج"، وبالنسبة إلى الأشخاص الناجحين المهتمين بعملهم، يقترحُ التفكير في طرائق للجَّمعِ بين العمل والهوايات والأصدقاء والعائلة؛ لذا افعل الأشياء التي تحبها إضافة إلى دعوة الأشخاص الهامين بالنسبة إليك وخطط للقاءات تشمل الأطفال أيضاً.

يقترح فيراتزي أنَّه في أثناء بناء شبكتك الاجتماعية، يجب ألا تخشى مشاركتها، ابحث عن شخص آخر لديه أهداف وغايات مماثلة وقُل: "دعنا نُعرِّف الناس بنا، دعونا نجتمع ونتحدث عن مهامنا ومخططاتنا"، تُعَدُّ حفلات العشاء طريقة رائعة للقيام بذلك؛ لأنَّه يمكن تخطيطها لتناسب أي وضع مالي، يقول: "لطالما كان تناول الطعام معاً آلية قوية لتوثيق الروابط بين الناس عبر التاريخ".

يقول الخبراء إنَّ بعض الناس قد يواجهون صعوبة أكبر، ربما بسبب الخوف من الرَّفض، أو الخوف من التعرض للأذى، أو حتى الشعور بأنَّهم لا يستحقون هذه العلاقات، تجنَّب فعل أي شيء مؤلم للغاية، ولكن عندما تحاول التعرُّف إلى أشخاص جُدد، ضع الخوف من الشعور بعدم الراحة جانباً، واعلم أنَّ الكثير من الناس خجولون قليلاً أو غير مرتاحين إلى حد ما بشأن التواصل والتعرُّف إلى الآخرين.

الأشخاص معقَّدون، والتعامل معهم قد يبدو في بعض الأحيان أكثر صعوبة من إدارة صفقة تجارية أو حتى التحدث إلى حشد كبير.

أولاً، ضع جانباً الصور النمطية القديمة، كل شخص مختلف وسيقدم لك شيئاً مختلفاً، اعتماداً على العديد من العوامل، بما في ذلك الجنس والعرق والخلفية والشخصية، يقول فيراتزي إنَّ عملنا هو جعل الناس يشعرون بالراحة؛ لذا حاول معرفة شخصياتهم عند طرح الأسئلة، وابحث عن أسباب تجعلك تهتم فيهم بشكل فردي، يقول: "المشكلة الأساسية هي أنَّنا جميعاً مختلفون، لكنَّنا جميعاً متشابهون في أنَّنا نبحث عن روابط ذات مغزى".

إقرأ أيضاً: كيف تكوّن صداقات ناجحة إلى الأبد؟

مَن هو صديقك الصدوق؟

يساعدنا الأصدقاء على رؤية الحقيقة عن أنفسنا، ويسمحون لنا بمشاركة الحقيقة معهم دون خوف من انتهاء العلاقة؛ لذا فإنَّ التواصل معهم ضروري، يقول بيرتون: "إذا خذلك شخص ما أو أساء إليك، في علاقة قوية، يجب أن تكون قادراً على أن تخبره بأنَّه لم يفِ بوعده وبأنَّه آلمك".

يقول كل من سنو وفاغنر إنَّهما يشتركان في الثقة مع الأصدقاء المقربين، والتي تمكِّنهم من التحدث عن الموضوعات الأكثر حساسية، يقول سنو: "من الجيد أن تحصل على الأفكار من شخص يشاركك القيم نفسها والآراء الموجودة لديك، سواء كان ذلك يعزز القرار الذي اتخذته أم يرشدك إلى شيء لم تفكر فيه، الصديق الحقيقي سيمنحك تقييماً صادقاً للموقف، سواء كان جيداً أم سيئاً، وليس بالضرورة ما تريد سماعه".

يقول فاغنر إنَّه يُقدِّر تجربة حياة أصدقائه وحكمتهم، ويعرف أنَّهم يهتمون فيه: "ليسوا من الأشخاص الذين يوافقون على ما أقوله دائماً، يجب أن أكون منفتحاً على ما يقولونه، ولكن غالباً ما يكون هناك دقة في التعبير؛ وذلك لأنَّهم يحاولون أن يكونوا محترمين وغير مؤذيين".

في كتاب من يساندك؟ (Who’s Got Your Back)، يُقدِّم فريتزي رؤىً حول مساعدة الأصدقاء على رؤية شيء يحتاجون إلى تصحيحه، أولاً، تأكَّد دائماً من أنَّ النقد نابع من الاهتمام، إذا لم يكن الأمر كذلك وكنت تريد فقط التحدُّث عما يدور في ذهنك بشأن شيء ما، فاترك صديقك بمفرده، ثانياً، تأكَّد من أنَّ الشخص يشعر بالحب والاحترام العميق، ثالثاً، اطلب الإذن لمشاركة أفكارك بعد ذلك، وبعد ذلك فقط، يجب عليك توصيل رسالتك.

يُعَدُّ إعطاء الأولوية للعلاقات الإنسانية أمراً حيوياً للنجاح الشخصي وكذلك للنجاح المهني؛ حيث هناك ازدياد في استقلالية أحدهما عن الآخر، حتى في الأوقات الاقتصادية الصعبة، لا تُكلِّف العلاقات شيئاً، لكنَّها ذات قيمة غير محدودة، إنَّها تُوفِّر فوائد لا حصر لها، ويحتاج الجميع إلى الاستمتاع بين الفترة والأخرى.

المصدر




مقالات مرتبطة