ما هي لعنة الفراعنة؟
ذاع مصطلح لعنة الفراعنة في العصر الحديث بعد اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون في وادي الملوك بالقرب من الأقصر، مصر، عام 1922م على يد عالِم الآثار والمصريات هوارد كارتر.
لم يكُن هوارد يعلَم أنَّه عندما فتح حفرة صغيرة للنظر داخل المقبرة ورؤية الكنوز المخبأة داخلها منذ أكثر من 3000 عام بأنَّه أطلق العنان لشغف جديد تتجه أنظاره إلى مصر القديمة.
تصدَّرت كنوز توت عنخ آمون ومومياؤه عناوين الصحف، وخاصةً بعد افتتاح حجرة الدفن في 16 فبراير 1923م، وكذلك فعلت الروايات المثيرة اللاحقة عن وفيات حصلت بين طاقم التنقيب وأولهم راعي الحملة اللورد كارنارفون.
توفي كارنارفون نتيجة إصابته بتجرثم الدم، وتوفي ستة أشخاص من بين 26 شخصاً كانوا موجودين عند فتح المقبرة خلال عقد من الزمن، وتلاهم عالم الآثار هوارد كارتر الذي توفي عن عمر يناهز 64 عاماً بسبب مضاعفات ناجمة عن سرطان الدم "لوكيميا هودجكن"؛ إذ قضى ما بقي من عمره بمرارةٍ لإحساس الناس أنَّ كل ما حدث له ولزملائه سببه لعنة الفراعنة.
لكن يجب التفكير ملياً فيما إذا كان كل هؤلاء الأشخاص قد ماتوا من اللعنة أم من التعرُّض للفطريات السامة؛ وذلك لأنَّ السبب الرئيس للوفاة كان الالتهاب الرئوي؛ إذ قامت دراسات كشفت أنَّ مقابر الفراعنة تحمل أنواعاً مختلفةً من العفن وبالضبط نوعين خطرين منه يسببان رد فعل تحسسي يبدأ بالاحتقان وينتهي بنزيف الرئتين.
هذه السموم ضارة جداً لمن لديه ضعف في المناعة، ولم تنتهِ الحكاية هنا؛ إذ توجد العديد من البكتيريا التي تغطي جدران المقبرة والتي تهاجم الجهاز التنفس كالمكورات العنقودية، وكذلك اكتشف العلماء وجود مواد كالفورم ألدهيد وغاز الأمونيا وكبريتيد الهيدروجين داخل التوابيت المغلقة، والتي استخدمها المصريون في تحنيط الجثامين، وهذه المواد تسبب حرقةً في العيون والجيوب الأنفية وتخريشاً للمسالك التنفسية وقد تسبب الوفاة.
فقط ثمانية أشخاص ممن فتحوا المقبرة توفوا، لكن بقي الآخرون على قيد الحياة، ومن بينهم الليدي إيفلين هربرت ابنة اللورد كارنارفون رغم أنَّها كانت من بين أول الأشخاص الذين دخلوا المقبرة.
حضارة مصر القديمة الغريبة:
غالباً ما أُشيرَ إلى مصر القديمة وحضارتها بمصطلحات الظلام والغموض على مر القرون، وأدى التأريخ والاكتشافات والأقاويل التي تناقلها الناس جيلاً بعد جيل قديماً وحديثاً إلى ترسيخ مفاهيم خاطئة عن هذه الأرض.
لقد أقرَّ اليونانيون بخروج الكثير من الحكمة والعلم من مصر القديمة، وأنَّ أساسيات الرياضيات والهندسة والعمارة والفلسفة والفن والعلوم والطب مشتقة كلها من الحضارة الفرعونية، لكن ما يزال العالم يواجه صعوبة في قبول وفهم أو التعامل مع الجوانب الغريبة وغير المألوفة للدين خاصتهم، وطقوسهم الغريبة.
كتب المؤرخون اليونانيون عن الطرائق الغامضة التي يعبد بها المصريون القدماء آلهتهم، على سبيل المثال الملاحظة التي كتبها هيرودوت والتي نصت على أنَّه لا يوجد عدد كبير من الحيوانات البرية منها والمروضة إلَّا ويَعُدُّه المصريون مقدساً بلا استثناء.
قال أيضاً: "إنَّ المصريين متدينون للغاية"، وقال: "لست حريصاً على تكرار الأقاويل عن الديانة المصرية، فأنا لا أعتقد أنَّه يوجد أمة واحدة غير مصر تعرف الكثير عن كل هذه الأشياء.
كانت مصر القديمة مختلفة عن بقية العالم القديم بما تملكه من جموع من الآلهة العظيمة؛ بعضها يتمثل بالحيوانات وغيرها بالبشر، وفراعنتها هم البشر الذين نصَّبوا أنفسهم آلهة على الأرض، وممارساتهم الجنائزية الغريبة التي أولت اهتماماً بالحياة الأخرى عن طريق تحنيط جثامين الموتى ولفَّهم لمومياوات ودفن كافة كنوزهم وطعامهم وذلك تحضيراً إلى القيامة التالية، ولا ننسَ نصوصهم الغامضة التي نُقشت على شكل صور ورسومات صعبة التحليل والفهم على المبتدئين؛ الأمر الذي مكَّنهم من بث الرعب والخوف لدى الأجنبي الذي يحاول الاتصال بثقافتهم أو الاعتداء عليهم.
ولادة لعنة الفراعنة:
خلال المئة عام الماضية استُخدِمَت عبارة لعنة الفراعنة كوصفٍ لأسباب مجموعة كبيرة من العلل، والتي تراوحت ما بين الكوارث الطبيعية إلى اضطرابات خفيفة في المعدة، والتي غالباً ما تصيب السياح القادمين إلى مصر والتي تُدعى شيوعاً بانتقام الفرعون.
أجرى عالم المصريات الراحل دومينيك مونتسيرات بحثاً شاملاً عن مفهوم اللعنة؛ إذ قال لصحيفة إندبندنت البريطانية في مقابلة له قبل وفاته بسنوات إنَّ عمله يُظهر بوضوح أنَّ مفهوم لعنة المومياء يسبق اكتشاف كارنارفون لمومياء توت عنخ آمون وقبل وفاته بمئة عام.
اعتقد مونتسيرات أنَّ العرض المسرحي الذي فُكَّت فيه أغلفة بعض المومياوات المصرية ألهمَ الكاتب الأول، ثم تلاه العديد من الكُتَّاب الآخرين لكتابة حكايات وروايات عن انتقام المومياء.
يؤكد بحثه أنَّ مفهوم لعنة الفراعنة قديم ولم ينشأ عن الدعاية الصحفية عام 1923م عند اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وقد قالت العالمة سليمة إكرام عالمة المصريات من الجامعة الأمريكية في القاهرة إنَّ مفهوم لعنة الفراعنة وُجِد في مصر القديمة بوصفه جزءاً من نظام أمني بدائي.
وأشارت إلى أنَّ بعض جدران المصاطب "القبور غير الهرمية" الموجودة في الجيزة وسقارة كانت مملوءة باللعنات المنقوشة عليها، والتي تهدف إلى ترويع أولئك الذين يدنسون أو يسرقون المرقد الملكي.
قالت إكرام إنَّ المصريين القدماء يميلون إلى تهديد المنتهكين حرمة القبور بالانتقام الإلهي من قِبل مجلس الآلهة، والموت بواسطة التماسيح أو الأسود أو العقارب أو الأفاعي.
القبور الفرعونية السامة:
في السنوات الأخيرة اقترح بعض العلماء أنَّ لعنة الفراعنة هي تهديد بيولوجي في طبيعته؛ إذ تحتوي هذه المقابر والتوابيت على الكثير من الجراثيم والفطريات والبكتيريا والغازات التي من المحتمل أن تكون ضارة، وكذلك أمراض الزمن القديم أشد فتكاً من أمراض الحاضر، ولا نعلم ما تحتوي عليه مقابر بقيت مغلقة لأكثر من 3000 عام.
قد تكون العوامل الممرضة في القبور المختومة خطرة أو حتى مميتة لمن يعاني ضعفاً في المناعة، كما حدث مع اللورد كارنارفون. ولا يقتصر دور الأضرحة على حفظ جثث البشر والحيوانات فحسب؛ بل يشمل حفظ الطعام والشراب اللذين يحتاجون إليهما في الحياة الآخرة حسب اعتقادهم، وقد ينتج عن تعفنها فطريات وبكتيريا خطرة وقد تكون قاتلة.
لكن جاء بعض العلماء بتفسير آخر؛ إذ اتَّفق الدكتور ف. دي وولف ميلر أستاذ علم الأوبئة بجامعة هاواي في مانوا، مع رأي عالم المصريات هوارد كارتر الأصلي عن تفسيره لوفاة اللورد كارنارفون؛ إذ قالوا إنَّ كارنارفون كان أكثر أماناً من تعرُّضه للمرض وهو داخل مقبرة توت أكثر مما هو خارجها.
إذ قال ميلر: صعيد مصر في عشرينيات القرن الماضي كان بالكاد يسمى مكاناً صحياً، وفكرة أنَّ قبراً تحت الأرض يحتوي بعد 3000 عام على نوع من الكائنات الحية الدقيقة التي ستقتل شخصاً بعد ستة أسابيع وتتظاهر بشكل تسمم للدم فكرة يكاد يصعب تصديقها، وأكد هو وكارتر أنَّ اللورد كارنارفون توفي نتيجة عضة بعوضة على جرح من شفرة حلاقة أدت إلى تجرثم دمه ووفاته.
في الواقع قال ميلر أيضاً إنَّه لا يعرف أي عالم آثارٍ أو حتى سائح واحد عانى من أيَّة آلام أو أمراض شديدة بسبب سموم القبور، ولكنَّ العالَمَ جعل من تاريخهم شماعة والروايات والأفلام جعلت من لعنة الفراعنة أسطورة لن تموت أبداً.
ست مقابر فرعونية اكتُشفت بالكامل:
فيما يأتي ست مقابر فرعونية اكتُشِفَت بالكامل:
1. مقبرة الفرعون توت عنخ آمون:
اكتشفَ مقبرة الفرعون الشاب عالم المصريات هوارد كارتر في 4 نوفمبر من عام 1922م، على الضفة الغربية من نهر النيل في وادي الملوك، وقد عثر عليها مختومة وغير ممسوسة من قبل أي لص وتحتوي على كافة كنوزها بلا أي تلف أو تخريب.
2. مقبرة يويا وتويا:
وهي مقبرة ليست لملوك فرعونيين؛ وإنَّما تحتوي على جثامين زوجين من نبلاء مصر اللذين عاصروا فترة حكم العائلة الحاكمة الثامنة عشرة، واكتُشِفَت في عام 1905م، في وادي الملوك، وتحتوي على معظم كنوز الزوجين.
3. مقبرة سن نيجم:
هي مدفن أسرة سن نيجم في مقبرة دير المدينة؛ إذ كان سن نيجم رئيس عمال دير المدينة المشرفين على بناء مدافن الفراعنة، واكتُشِفَت هذه المقبرة عام 1886م، على يد بدوي اسمه سالم أبو ضحى، وكانت لم تتعرَّض لأيَّة سرقة أو تَعدٍّ، وتُعرَض محتوياتها حالياً في المتحف البريطاني.
4. مقبرة بسوسنس الأول:
مقبرة الفرعون بسوسنس التي اكتُشِفَت عام 1940م، على يد عالم الآثار الفرنسي مونتيه، وكانت ما تزال تحتفظ بكافة كنوزها دون أي انتهاك أو سرقة، وكانت تحتوي على كميات كبيرة من الفضة وبسبب حجمِ قطع الفضة الكبير سُمي بـ "الفرعون الفضي".
5. مقبرة أمنحوتب الثاني:
عُثِر في هذه المقبرة على ما يزيد عن اثنتي عشرة مومياء، ومن تم التعرُّف إليهم هم: أمنحوتب الثاني وأمنحوتب الثالث، تحوتمس الرابع وسيتي الثاني، ورمسيس الرابع والخامس والسادس، وسبتاح، ومرنبتاح ومومياء لسيدة عجوز يُقال إنَّها مومياء الملكة تي، بالإضافة إلى مومياء يُقال إنَّها مومياء الملك ست نخت.
6. مقبرة خنتكاوس الثالثة:
تُعَدُّ إحدى ملكات مصر المجهولات؛ إذ عُثِر داخل مدفنها على 24 إناءً من الجير و4 من الأثاث النحاسي الجنائزي الخاص بها بالإضافة إلى سطور منقوشة على الجدران تحمل أسماء صاحبة المقبرة الملكة والملك وأم الملك.
في الختام:
لقد تعرَّفنا في هذا المقال إلى ماهيَّة لعنة الفراعنة وأنَّها عبارة عن أساطير وقصص كانت تُستَخدم بوصفها نظاماً دفاعياً وتخويفياً للُّصوص والمعتدين، وتكلَّمنا على حضارة مصر القديمة الغريبة وعن كيفية ولادة اللعنة، وعلى القبور الفرعونية السامة، بالإضافة إلى ذكرنا لستَّة مقابر فرعونية اكتُشِفَت في العصر الحالي.
أضف تعليقاً