كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف

لا شيء يؤلم في الحروب على الرغم من كل ما تحمله من ألم أكثر من رؤية الأطفال وهم ضحايا أبرياء لأشياء لا ذنب لهم في حصولها، وتتملك نظرات الخوف والذعر من نجا منهم، أما من قضى نحبه شهيداً مسجىً بدمائه وبشرته المغبرَّة وملابسه المرحة، فهو خنجر من الوجع ينغرس في العين والذاكرة إلى الأبد ولا يمحو أثره شيء، وشئنا أم أبينا؛ فإنَّنا في المنطقة العربية مضطرون إلى التعامل مع الحروب بين فينة وأخرى، أما إخوتنا في فلسطين فقد أصبحت الحرب جزءاً لا يتجزأ من أيامهم، وحدثاً لصيقاً بكل ذكرياتهم.



اليوم تعود أحداث غزة لتتصدَّر العناوين الإخبارية، ويعود أهلها إلى مصارعة الموت، وإما يغلبونه أو يغلبهم، ونعود نحن المشاهدون لا حول لنا ولا قوة، مكبلين بعقدة الناجي، ولعنة العجز الأبدية.

يشاهد أطفالنا الحرب من وراء الشاشة، ويشاهد الأطفال هناك الحرب والموت رؤى العين، فكيف يكون حالهم يا ترى؟ وإذا ما كُتِبَت لهم ولنا النجاة كيف نتعامل مع الأطفال في الحروب والقصف؟

هذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال.

كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف:

في أوكرانيا وسوريا والعراق سابقاً واليوم في فلسطين، وجد الأطفال أنفسهم في معارك أكبر منهم، في نزاعات لا يعرفون منها إلا الخوف والفقد والموت، وعلى الرغم من كون أصحاب القضية يرخصون أرواحهم في سبيل نصرتها، إلا أنَّ الحروب أكبر من قدرة الأطفال على الاستيعاب، فكيف يمكن أن نشرح لهم هذه القضايا؟

وضع العديد من المختصين النفسيين والتربويين خبراتهم في خدمة هذه القضية تحديداً على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي قضية تهيئة الأهل المعنيين وتثقيفهم فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف، ولقد اخترنا صفحة علمتني كنز التربوية، والأخصائية نهى إدريس التي قدمت من خلالها معلومات هامة جداً وعملية عن كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف.

1. تحدَّث مع طفلك عن الحرب والقصف:

إنَّ الخطوة الأولى في كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف هي تعريف الأطفال بما يحدث، وإخبارهم بطريقة حقيقية عن الأمور التي تحدث، وبالتأكيد ليس شيئاً لطيفاً أن نروي لأطفالنا عن الظلم والقسوة المفروضين عليهم، ولكن معرفتهم المسبقة بالأمور تسهلُ تعاطيهم معها في حال حدوثها، فمن حق الطفل أن يتعرف قضايا شعبه، وإنَّ العمر المناسب لاتخاذ هذه الخطوة هو عمر الثلاث سنوات، ولكن بالتأكيد يجب التدريج في تقديم الفكرة له، فطفل في الثالثة سيكون من الصعب عليه فهم الأمور بصورتها التفصيلية.

يمكن البدء بتعريف الطفل بفكرة الاحتلال، وتشبيه الحدث بشخص أخذ منه لعبته المفضلة وحقه في استعادتها والدفاع عنها، ثم ستظهر على الطفل علائم الغضب وتسيطر عليه، وهنا يكون واجب المربي في احترام مشاعره ومساعدته على الاعتراف بها ومشروعيتها وإرشاده نحو طريقة التفريغ السليمة لها، ثم سوف يتحدث الطفل كثيراً عن الموضوع أو سيسأل كثيراً عنه، لذا يجب على المربي أن يكون جاهزاً لإعادة الحديث مرات عديدة والإجابة عن تساؤلات الطفل عشرات المرات؛ لأنَّ الأطفال يستغرقون وقتاً أطول في معالجة المشاعر غير المريحة وتقبلها.

2. لا تشاهد الأخبار ومشاهد العنف أمام الأطفال:

ندرك تماماً صعوبة أن نطلب من الأهل تجنب مشاهدة الأخبار وهم في قلب المعمعة، ولكن من الضروري التقيد بهذه الخطوة من خطوات كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف أمام الأطفال تحديداً.

إنَّ مشاهدة الأخبار وما تحتويه من مشاهد دموية وأخرى مثيرة للمشاعر من شأنه أن يضع الطفل في حفرة عميقة من الخوف والعجز، وسوف تتأثر سلوكاته كثيراً في هذه المشاهدات، فقد ينتج عنها خوف من الابتعاد عن ذويه أو رهاب الخروج أو سلس بولي وغيرها كثير وكثير من الأذية النفسية والجسدية.

كما أنَّ هذه النصيحة ضرورية للأهل الموجودين في مناطق آمنة، ولكنَّهم يتابعون تطورات أحداث إخوانهم في مناطق الحرب، لذا عليهم تجنب مشاهدة الأخبار أو تناقل ما شاهدوه فيها في حضرة الأطفال الذين يمتلكون قدرات رهيبة على التخيل، فيلحق بهم الأذى النفسي والجسدي الذي نحاول تجنيبهم إياه.

3. تحدَّث مع الطفل بصدق عما يحصل:

يؤسفنا قول إنَّ كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف الصحيحة تقتضي إخبار الطفل عن حقيقة ما يجري وحقيقة الأصوات التي يسمعها، لذا لا تخدعهم بقول هذه أصوات ألعاب نارية بدلاً من قول الحقيقة بأنَّ هذه أصوات قذائف، وندرك أنَّ هذا الموقف فيه قساوة لا يمكن احتمالها، ولكنَّها الحرب وهي حقيقة لا يمكن تجميلها.

أخبر الطفل بصدق عما يحدث وطمئنه بوجود أشخاص بواسل وأبطال يدافعون عنه وعن أرضه، وأنَّ عليه أن يدعو الله لأجلهم لينصرهم وأنَّ الأمل بذلك كبير.

شاهد بالفديو: 13 طريقة تساعد الأبوين على علاج الاكتئاب عند الأطفال

4. احرص على بث الأمان في نفس طفلك:

على الرغم من كم الخوف والألم لكن كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف تقتضي أن تكون مصدر أمله وتفاؤله وأمانه، لذا حاول إشعاره بالأمان بطريقة تقريبه منك ومعانقته وطمأنته بحماية الله تعالى ومحبته له، وفي هذا السياق لا نستطيع إلا أن نتذكر مقولة الأم الفلسطينية التي لم تتوانَ لحظة عن طمأنة أطفالها فقالت لهم: "لا تخافوا من أصوات القصف، إذا كنت تسمع صوت القصف، فهذا يعني أنَّ القذائف لم تصبك وأنت حي، القذيفة التي تصيبك لن تسمع صوتها".

5. تفهَّم مشاعر طفلك:

عن كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف لا بد من إشعار الطفل بأنَّنا نفهم مشاعره، وأنَّه محق بها، لذا يجب على الأهل أن يقولوا للطفل: "أنت تشعر بالخوف، أتفهم ذلك أنت محق، لكنَّني سأبقى إلى جانبك وأحميك وأساعدك".

إقرأ أيضاً: الآثار النفسية للحروب في الأطفال

6. بماذا تشعر الآن؟

كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف تقتضي أن يستمر الأهل بسؤال الطفل عن مشاعره الحالية ومتابعة تحديثاتها، وهذه فرصة له لتعريف مشاعره وتسميتها وفهمها، ومن ثم تفريغها عبر عدة طرائق صحية بدل كبتها، مثل تمرينات التنفس العميق، التلوين، القفز على الحبلة، اللعب بالماء، حضن دمية ملمسها ناعم وتخيل مكان جميل يحبه.

7. ممارسة نشاطات متعددة مع الطفل:

عن كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف يجب على الأم أو الأب الاشتراك مع الطفل في ممارسة النشاطات، وعلى الرغم من كون هذه النصيحة قد تبدو مثالية وخيالية وصعبة التحقق في ظرف مخيف ومتوتر مثل الوضع في الحرب والقصف، إلا أنَّ توتر الأهل وخوفهم لن يخفف من حدة الموقف، وبخلاف ذلك يمكن لانشغالهم مع أطفالهم في النشاطات أن يخفف عنهم أيضاً، فتوترهم ينعكس على أطفالهم وتوتر أطفالهم ينعكس عليهم، فندخل في حلقة مفرغة من التوتر، لذا يستحسن أن يبدأ الأهل بكسر هذه الحلقة فهم مصدر أمان الأطفال.

8. الحفاظ على الروتين:

إنَّ وجود روتين منتظم ومواعيد ثابتة لأوقات الطعام والنوم واللعب، من شأنه أن يكون مفيداً في التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف، فالروتين ودائرة الاعتياد هي مصادر أمن بالنسبة إلى الطفل، وهذا يفسر سبب توتر الأطفال وبكائهم في حال حدوث أي طارئ (كقضاء النهار خارج المنزل أو قدوم ضيف ينشغل الأهل به)، لذا يستحسن أن يحافظ الأهل على روتين الطفل ويحاولوا التقيد به قدر الإمكان.

9. الاستماع للطفل:

يقتضي التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف امتلاك الأهل مهارة الاستماع والإنصات للطفل؛ فالطفل في هذه المرحلة في أشد حاجته إلى الفضفضة والسرد؛ فهما وسيلتان في تفهم مشاعره وتنظيمها وترتيبها، وإنَّه من الطبيعي والمتوقع أن يكرر الطفل الجمل ذاتها مرات عديدة، ولكن هذا أمر طبيعي في ظروف استثنائية كهذه.

10. الدعاء:

إنَّ تدريب الطفل على الدعاء وتعليمه أهميته ومفعول التواصل مع الله، من شأنه أن يساعد على تخفيف توتر الطفل والأهل أيضاً.

11. عدم التهرب من الإجابة عن أسئلة الطفل:

قد يقلل التوتر من المرونة في الاستجابة لأسئلة الطفل الكثيرة، ولكن التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف يتطلب منا إعطاء الطفل إجابات كافية ومقنعة بالنسبة إليه عن جميع تساؤلاته، وقد يكون الأهل في وضع نفسي غير مساعد على الإجابة، وهنا في هذه الحالات يجب عليهم الاعتذار من الطفل واستئذانه بالإجابة في وقت لاحق، ولكن من الضروري عدم قمع الطفل والصراخ في وجهه ليتوقف عن طرح الأسئلة.

12. الاستعانة بالتلفاز لتغطية صوت القصف:

إنَّ تعرض الطفل لسماع أصوات القصف طيلة الوقت يزيد من خوفه وتوتره، لذا ينبغي علينا المحاولة لتغطية هذه الأصوات، لذا قد يكون رفع صوت التلفاز حلاً ناجحاً، فيستطيع الطفل التركيز فيما يشاهده وينسى صوت القصف والحرب للحظات، وقد يكون إلهاء الطفل بالجوال حلاً أقل خطورة من سماع أصوات الحرب طيلة الوقت، ويمكن تشغيل المذياع أو الموسيقى والغناء معها أو التحدث أو أي حل آخر يشتت الطفل عن مظاهر الحرب.

إقرأ أيضاً: سيكولوجية الحروب وتأثيرها على الناس

في الختام:

لا يمكن لشيء على وجه الأرض أن يخفف صعوبة الموقف أو أن يحجب شمس الحقيقة بأصابعه، فالحرب مخيفة للكبار فكيف بها بالنسبة إلى الصغار، ولكن كيفية التعامل مع الأطفال في الحروب والقصف قد يكون لها تأثير إيجابي في تقليل توتر الطفل وخوفه من الأحداث، وتخفيف التأثيرات النفسية التي قد تمتد إلى فترة ما بعد الحرب، وطيلة حياة الأفراد الذين عايشوا هذه المخاوف التي لا تنسى.




مقالات مرتبطة