كيف يمكننا تجاوز مأساة الموت ومواصلة حياتنا؟

"لا تخف من الموت، بل من ألَّا تعيش، فليس عليك العيش للأبد، بل عليك فقط أن تحيا".

الكاتبة الأمريكية "ناتالي بابيت" (Natalie Babbitt).



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "ريبيكا تورو" (Rebecca Toro)، وتُخبرنا فيه عن اختبارها لشعور الفقدان والحزن وكيفية المواصلة من بعده.

كان من المفترض أن يكون صيف عام 2018 صيفاً مثيراً، وكان من المفترض أن يكون صيف الحرية، ولكنَّني كنت مخطئة، كنت قد تخرجت آنذاك من الكلية متحمسةً للعودة إلى المنزل لبدء المرحلة التالية من حياتي، فقد كنت أخيراً حرة من قيود الدراسة، فلا مزيد من الواجبات المنزلية، ولا مزيد من التوتر، وقد حان الوقت لدخول العالم الحقيقي والحصول على بعض الوقت للاستمتاع.

لكن في أوائل شهر حزيران/ يونيو، ذهب أصدقائي في رحلةٍ إلى الشاطئ، ثم عادوا جميعهم إلى ديارهم باستثناء واحد، كان صديقي مفقوداً، وبعد 24 ساعة، وجدوه ميتاً في قاع قناة، فتلك المكالمة الهاتفية التي تلقيتها، وتلك الكلمات التي سمعتها سيظل صداها يتردد في ذهني إلى الأبد.

"لقد مات، لقد رحل، لقد مات".

لم يكن بإمكاني تصديق هذه الكلمات وشعرت باضطرابٍ في معدتي، وزاد قلقي، فأنا لم أفهم كيف يمكن لشخص أن يرحل هكذا؟ كيف يمكن لشخص يافع للغاية أن يختفي؟ شعرت أنَّه كان في إجازة طويلة، وأنَّه سيعود في يوم من الأيام، لكنَّ الحقيقة هي أنَّه لم يكن كذلك، فقد رحل.

كان أفضل صديق لي، ولم أفقد أي شخص قريب مني من قبل، اعتقدت أنَّني سأشعر به، وبالإحساس الجسدي لشخص يرحل عن هذا العالم، شخص كنت معه على تواصلٍ عميق لدرجة اعتقدت فيها أنَّني سأشعر بما شعر به، شعور الروح وهي تفارق الجسد، لكنَّني لم أشعر بشيء، وأصبحت عالقةً في محاولة استيعاب وتصديق ما حدث.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتتجاوز وفاة شخص عزيز عليك

كيف يتغلَّب المرء على هذه الخسارة؟

في اليوم الذي وصلني فيه خبر وفاة صديقي، توجَّهتُ ومجموعة من أصدقائه إلى شقته، كان بإمكاني أن أشعر بفراغ المكان، فقد كانت جميع أشيائه تماماً كما تركها، لكنَّه لم يكن هناك.

جلسنا جميعاً على أرضية غرفة المعيشة نحدق في وردة واحدة موضوعة في إناء، وشمعة مضاءة وصورة الصديق الذي فقدناه، واغرورقت أعين الجميع بالدموع، لكنَّني كنت مخدرةً عاجزةً عن الشعور.

لم أكن أعرف ماهية شعوري، لكنَّ الحقيقة هي أنَّني كنت أشعر بالحزن لأول مرة على الإطلاق، وكان أسوأ شعور على الإطلاق، كانت تمر فترات أتخيل فيها عودته إلى المنزل، وفي أحيان أخرى كنت أشعر برغبة في البكاء، وأشعر بهذا الألم في معدتي، ولم يبدُ لي العالم على ما يرام.

إدراك أنَّك لست وحدك:

في وقت لاحق من ذلك الأسبوع، عقدنا وقفة في المطعم الذي كان يعمل فيه لمدة 8 سنوات تقريباً، فكنت أشعر بالحزن والقلق طوال الوقت، لكن حدث شيء ما، مُرضٍ تقريباً.

كان الإقبال على الوقفة كبيراً جداً، فقد جاء أكثر من 100 شخص لتقديم تعازيهم وتعاطفهم، وجاءت بعض وكالات الأخبار لتوثيق التجربة، وحضر العديد من الأشخاص وشاركوا أروع ذكرياتهم، وقال الجميع كلاماً مشابهاً عنه، وتحدثوا عن أفعال الخير التي كان يقدمها للآخرين دون مقابل، وكم كان لطيفاً ونزيهاً ودائماً ما كان يضع الآخرين في مقدمة أولوياته، كان هو الرابط الذي أبقانا معاً، لكن في غيابه انكسر هذا الرابط.

مع ذلك، جعلني الاستماع إلى هذه التجارب أدرك حقاً مدى التأثير الذي يمكن أن يُحدِثه شخص واحد، لقد لامس هذا الإنسان قلوب أكثر من 100 شخص، فهذا هو الحب الحقيقي.

شاهد بالفيديو: ما يقال في التعزية والمواساة

حان الوقت لمواجهة الواقع:

اضطررت في الأسبوع التالي للسفر إلى ولاية كارولينا الشمالية (North Carolina) لحضور حفل تخرج قريب لي، لقد أمضينا طوال اليوم نقود، وتوجهنا مباشرة إلى الحفل، وكانت هذه فرصة رائعة لرؤية العائلة التي لم أرها منذ سنوات، لكن كان ما يزال لدي شيء ما في أعماقي يؤلمني، ولا أعرف ما أشعر به بالضبط.

في وقت لاحق من تلك الليلة، كنت مستلقيةً في غرفة الفندق أحاول أن أنام، فباغتتني المشاعر فجأةً دفعةً واحدة، وآلمتني بشدة، وشعرت حقاً بالخسارة، وكرهت هذا الشعور، ولجأت في يأسي هذا إلى القصائد والأغاني الحزينة، والتي جعلتني أبكي أكثر، كنت أخيراً أعالج ما حدث بالفعل، وأواجه شعور الحزن على حقيقته.

أسئلة مثل: لماذا هو؟ ولماذا الحياة قاسية إلى هذا الحد؟ ولماذا يموت الصالح صغيراً؟ كانت تمر في ذهني باستمرار، لكن في الحقيقة لا توجد إجابة.

الشعور بالفراغ:

شعرت بالفراغ في أثناء تنظيف شقته، جلست أنا وزوجته في غرفتهما، والصناديق موزعة في جميع أنحاء المنزل، وممتلكاته منتشرة في كل مكان، لا يبدو الأمر على ما يرام، فقد كنت في منزل أفضل أصدقائي المتوفى، أتفحص أغراضه، وأستعيد ذكرياته.

لكن لم تجعلني الذكريات حزينة، بل جعلتني أشعر بالارتياح، فقد كانت هذه الذكريات أوقاتاً سعيدة، أوقاتاً كان يعيش فيها أفضل حياته، من خوض المغامرات إلى حضور الحفلات، حتى أنَّنا وجدنا رسالة كتبها إلى صديقته يتمنى لها فيها عيد ميلاد سعيداً، ويشرح فيها كم يحبها وكم يرغب في إنجاح علاقتهما، لقد كان الوضع مروعاً، لكنَّ عيش هذه الذكريات ساعدني على قبول هذا الواقع.

إقرأ أيضاً: نصائح مهمة للتخلّص من مشاعر الحزن

في الختام:

بعد أن يفقد الشخص شخصاً قريباً منه، لن يمتلئ ذلك الفراغ الذي يشكلِّه غيابه مرة ثانية ولن يعود كما كان من قبل، فقد رحل هذا الشخص القريب ولن يعود أبداً، ومع ذلك، فإنَّ الذكريات ستبقى موجودة إلى الأبد، لا أستطيع الآن التفكير في ذكرى واحدة سيئة لصديقي، وكل تلك المرات التي تشاجرنا فيها كانت بدافع الحب، فلم يبقى لي الآن سوى تلك الذكريات الجميلة للوقت الذي عشناه معاً في يوم من الأيام.




مقالات مرتبطة