كيف يساعد حب الآباء لأطفالهم على نجاحهم في الحياة؟

بالنسبة إلى العديد من الآباء، دمجت جائحة فيروس كورونا العمل مع الحياة الأسرية؛ نظراً لأنَّ العمل والدراسة عن بُعد كانا واقعاً فُرِض على العديد من العائلات، فقد أمضى بعض الآباء وقتاً أطول بكثير مع أطفالهم مقارنة بالسنوات السابقة للجائحة.



ما هو تأثير ذلك على الأطفال في المستقبل؟ ما زال الحديث عن تلك التأثيرات مبكراً، خاصة أنَّ الأبحاث عن الآباء قليلة مقارنةً بالأبحاث عن الأمهات، ولكن قد نجد أدلة مما نعرفه الآن حول تأثير الآباء في سلامة الأطفال.

الحنان وتأثيره في الثقة بالنفس:

تشير دراسة حديثة أجرتها الباحثة رايلي مارشال (Riley Marshall) وزملاؤها في جامعة جنوب إلينوي (Southern Illinois University)، إلى أنَّ الآباء يلعبون دوراً فريداً في تنمية ثقة أطفالهم بأنفسهم عندما يصبحوا بالغين، لقد درسوا أكثر من 600 زوج من التوائم البالغين في الولايات المتحدة؛ حيث كان نصفهم تقريباً متطابقاً والنصف الآخر غير متطابق، كان جميع التوائم تقريباً من البيض 92% وكانوا بين 20 و73 عاماً.

أجرى الباحثون مقابلات معهم عبر الهاتف حول ذكرياتهم المرتبطة بأسلوب التربية التي اتبعها آباؤهم وأمهاتهم، واستكشفوا مقدار الحب والحنان الذي تلقوه من كل من والديهم، والتزامهم بالقواعد، وكرمهم تجاه الأشخاص خارج عوائلهم.

قاس الباحثون أيضاً ثقة التوائم بأنفسهم بعد بلوغهم؛ وذلك عبر طرح أسئلة عليهم حول تقبلهم وثقتهم بأنفسهم ورضاهم عن الحياة، على سبيل المثال، سأل الباحثون عن مدى موافقتهم على جمل مثل: "أحب معظم تفاصيل شخصيتي" و"عندما أنظر إلى قصة حياتي، يسعدني كيف سارت الأمور حتى الآن".

نظراً لأنَّهم درسوا التوائم المتطابقة الذين يتشاركون جميع جيناتهم؛ تمكَّن الباحثون من تحديد ما إذا كانت الاختلافات البيئية في التربية يمكن أن تلعب دوراً في تعزيز ثقة الأطفال بأنفسهم.

لقد أظهرت النتائج أنَّ ذكريات التوائم المتطابقة وغير المتطابقة المتعلقة بحنان والديهم - وليس بأسلوب تربيتهم وكرمهم - كانت مرتبطة بثقتهم بأنفسهم فيما بعد؛ إلا أنَّ حنان الآباء هو ما أحدث الفارق حقاً، ووجدوا أنَّ التوائم المتطابقة الذين شعروا بقدر أكبر من المودة من والدهم شعروا بثقة أكبر بأنفسهم، والمثير للدهشة أنَّ هذا لم يكن الحال مع الأمهات.

يوضح الباحثون: "إنَّ الأمهات قادرات على تقديم كمية كبيرة من الرعاية لجميع الأطفال، حتى إذا كان الأطفال قد اختبروا أو تذكروا أنَّهم اختبروا مستويات مختلفة من المودة الأمومية، فقد لا يزالون يشعرون بأنَّهم تلقوا الرعاية الكافية، ومن ثم قد لا يتوقعون أن تؤدي هذه الاختلافات في ذلك إلى اختلاف في الثقة بالنفس لدى التوائم المتطابقة".

من ناحية أخرى، تقترح مارشال وزملاؤها نظراً لأنَّه يمكن أن تختلف طريقة تفاعل الآباء مع أطفالهم أحياناً - مثل اللعب أكثر مقارنة بتقديم الرعاية - فإنَّ عاطفة الآباء يمكن أن تؤثر تأثيراً ملموساً في ثقة الأطفال بأنفسهم.

وبالمثل؛ تشير دراسة أجرتها الباحثة ناتاشا كابريرا (Natasha Cabrera) وزملاؤها في جامعة ماريلاند (University of Maryland) عام 2011 لأكثر من 500 طفل من عائلات ينتمون إلى خلفيات عرقية متنوعة وذات دخل منخفض في الولايات المتحدة، إلى أنَّ العلاقات المبكرة بين الأب والطفل، مهمة لسلامة الأطفال الاجتماعية والعاطفية؛ إذ يميل الأطفال الذين شعروا بأنَّ آباءَهم يحبونهم ويتفهمونهم إلى تكوين صداقات إيجابية أكثر، وإحداث مشكلات سلوكية أقل من الأطفال الذين لم يفعلوا ذلك.

إقرأ أيضاً: نصائح تربوية لتنمية شخصية طفلك وتطويرها

أهمية اللعب مع الأطفال:

يمكن أن يُظهر الأهل الحنان لطفلهم بطرائق عدة، ومن بينها اللعب؛ حيث لخَّصت مراجعة بحثية أجرتها الباحثة أنابيل أموديا بيداكوسكا (Annabel Amodia-Bidakowska) وزملاؤها عام 2020 في جامعة كامبريدج (University of Cambridge) نتائج ما يقرب من 80 دراسة - من الولايات المتحدة وأوروبا وكندا بشكل أساسي - حول تأثير لعب الأب مع أطفاله وصغاره الرُّضع.

ووجدوا أنَّ الآباء يقضون وقتاً طويلاً في اللعب مع أطفالهم؛ بما في ذلك ما يتضمن اللمس والحركة مثل الدغدغة والمطاردة ونشاطات مثل المصارعة العفوية التي يتخللها الضحك، ووجدوا أيضاً أنَّ الأطفال الذين اختبروا اللعب مع آبائهم واللعب بالألعاب أو نشاطات أخرى، يميلون إلى الانضباط الذاتي والسلامة الاجتماعية والعاطفية.

هناك أمر تحذِّر منه هذه الدراسات: وهو أنَّ الأطفال الذين كان آباؤهم أكثر تدخلاً في أثناء اللعب - أي منغمسين أو مسيطرين فيه - يتمتعون بانضباط ذاتي أقل، يشير هذا إلى أنَّ اللعب الذي يتسم بالدفء والحيوية، يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في نمو الأطفال.

أظهرت أبحاث أخرى أجرتها الباحثة "كاريسا شيه" (Charissa Cheah) وزملاؤها في جامعة ماريلاند (University of Maryland) أنَّ هناك اختلافات في الطرائق التي يعبِّر بها الآباء عن الحب في الثقافات.

على سبيل المثال، قد ينتبه الآباء الذين يعبِّرون عن الحب - في الثقافات التي تؤكد على الترابط - إلى أطفالهم، ويلبون احتياجاتهم خلال الروتين اليومي، مثل إعداد وجباتهم المفضلة، ومن المرجح أن يُظهر الآباء - في الثقافات التي تقدِّر التعبير العاطفي - المودة لأطفالهم جسدياً من خلال العناق والقبلات، أو لفظياً بقول: "أنا أحبك"، وهو ما قد يكون أقل احتمالاً للآباء في الثقافات التي تُقدِّر ضبط النفس العاطفي.

ومن ثم يمكن أن يتخذ حب الأب أشكالاً عدة، حسب الثقافة والظروف، الشيء المهم هو العثور على طرائق لإظهار الحنان، مثل اللعب مع طفلك أو تقديم وجبة لذيذة له أو تغطيته ببطانية دافئة، كما تشير هذه الدراسات إلى أنَّ هذه اللحظات هي التي سيتذكرها الأطفال لبقية حياتهم، والتي يمكن أن تساعدهم على الازدهار في مرحلة البلوغ.

المصدر




مقالات مرتبطة