كيف يجب أن تخطط لوضع نظام التعويضات للقوى العاملة؟

كان لسلسلة أفلام "تيرميناتور" (Terminator) تأثير كبير في تصور الإنسان للمستقبل، ففي هذه السلسلة أضحت الآلات ذكية للغاية لدرجة أنَّ شخصية "سكاي نت" (Skynet) استولت في النهاية على زمام الأمور وهاجمت البشر في جزء "يوم الحساب" (Terminator 2: Judgment Day)، وعلى الرغم من أنَّ هذا الجزء قد دُفِعَ إلى وقت متأخر خلال مسار السلسلة، إلَّا أنَّ الشعور الكئيب نفسه بقي يلوح دوماً في الأفق.



لقد كشف تقرير أجراه موقع "باي سكيل" (Payscale) في عام 2017 عن أفضل ممارسات التعويض عن رؤية قاتمة للمستقبل. فعند سؤال المنظمات عن أكبر مخاوفهم فيما يتعلق بمستقبل ومصير موظفيهم الموهوبين، أشار بعضها إلى تنقُّل جيل الألفية بين الوظائف، بالإضافة إلى تقاعد جيل طفرة المواليد - الجيل المولود بعد الحرب العالمية الثانية، ما بين عامي 1946 و1964 - وأعرب آخرون عن قلقهم بشأن تناقص عدد الموظفين المدرَّبين حديثاً، بينما ما يزال آخرون يتحدثون بشكل واضح عن قدرتهم على العثور على المواهب الرائعة وتنميتها؛ إذ أشار أحد المشاركين إلى المنافسة الشرسة على جذب المواهب مما يحوِّل ميزان القوى إلى المرشحين.

يبقى القلق بشأن الاحتفاظ بالمواهب والعثور عليها في وقت يسود الشك فيه الأجواء على رأس الأولويات لمعظم اختصاصيي الموارد البشرية اليوم؛ إذ تشير تغيرات القوى العاملة وتحولات المشهد السياسي حول العالم والتوجهات التكنولوجية الحديثة إلى قوة عاملة مستقبلية ذات محفزات مختلفة عن اليوم.

إذاً كيف تؤثر هذه التوجهات المستقبلية في الموظفين؟ ومن هي القوى العاملة التي سنراها غداً؟ وكيف يمكن لأرباب العمل بناء نظام تعويضات من شأنه تعزيز القوى العاملة في الغد بدءاً من الآن؟

ثلاثة توجهات مستقبلية نعيشها اليوم:

لقد شهد عالم العمل بالفعل نهاية نظام المعاشات؛ إذ أحاط الشك بنظام الضمان الاجتماعي وأحاط الغموض بالمزايا الصحية أكثر من أي وقت مضى، ونظراً لزيادة قدرة القوى العاملة على التنقل بين الوظائف، فإنَّها في المستقبل لن تبقى في عملها نفسه لفترات طويلة أيضاً.

فيما يأتي بعض التوجهات الحديثة التي تؤثر في كيفية جذب أصحاب العمل للموظفين والاحتفاظ بهم وتحفيزهم:

  1. اقتصاد العمل الحر: مع صعود شركات مثل "أوبر" (Uber) و"ليفت" (Lyft) إلى الساحة؛ يستعمل المزيد من العمال التكنولوجيا للحصول على دخلٍ إضافي أو حتى تطوير مصدر دخلهم الرئيس دون الحاجة إلى التوظيف في شركة على الإطلاق.
  2. الموظفون مُتعددو المهام: من الشائع أن يؤدي الموظف في المؤسسات الصغيرة مهام وأدواراً متعددة، ولكنَّ أتمتة المهام جعلت هذا النمط من الموظفين أكثر انتشاراً في المنظمات الكبرى أيضاً. الأمثلة عن هذه المهام المتعددة كثيرة اليوم؛ كأن يُدير الموظف المبيعات والحساب أو يعمل كمشرف ومضيف مكتب الاستقبال، أو يعمل في كشوف المبيعات وقسم الموارد البشرية وكمدير مكتب في الوقت نفسه.
  3. الأتمتة: عندما تصبح السيارات ذاتية القيادة حقيقة واقعة، ستُفرَّغ السفن بواسطة الروبوتات وتستمر الآلات في استبدال البشر في التصنيع، فالأتمتة قد أصبحت أمراً حقيقياً للغاية، وتُظهِر الأبحاث أنَّ الوظائف التي يمكن أتمتتها تختفي شيئاً فشيئاً، مثل موظفي الاستقبال ووظائف إدخال البيانات عالية الجهد ومديري المستودعات والمحاسبين، ومن ناحية أخرى يوجد طلب كبير على الوظائف التي تعتمد على المحاكمة البشرية مثل التسويق الرقمي وذكاء الأعمال وتحليل البيانات وعلوم هندسة البيانات، وإن كنتَ تشعر بالفضول بشأن احتمالية اختفاء وظيفتك، فإنَّ اختبار "بي بي سي كويز" (BBC quiz) يتنبَّأ بمستقبلك.

مَن هم عمال الغد؟

يشكِّل جيل الألفية - الجيل المولود ما بين عامي 1981 و1996 - حالياً أكثر من نصف القوى العاملة وسيبقى يمثل غالبية القوى العاملة لسنوات عدَّة قادمة؛ ليحل محله جيل زد؛ وهم المولودون من منتصف التسعينيات حتى نهاية العقد الأول من هذا القرن؛ إذ إنَّ العقلية والخصائص المهنية ومراحل الحياة ومدة العمل النموذجية وتفضيلات التواصل للجيل زد ليست معروفة تماماً حتى الآن، ولكن مع دخولهم القوة العاملة شيئاً فشيئاً، يبدو أنَّهم مزيج من جيل الألفية الأكبر سناً، والجيل إكس وهم المولودون من منتصف الستينيات حتى أوائل الثمانينيات.

شاهد: 4 مواقع وتطبيقات رائعة تساعدك على زيادة الإنتاجية

فجوة جديدة في المهارات:

أَجرى موقع "باي سكيل" (PayScale) دراسة لمعرفة المهارات التي يبحث عنها المديرون بين الخريجين الجدد في القوى العاملة؛ إذ كانت أكبر فجوة في الماضي هي مهارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بينما في الآونة الأخيرة أشار المديرون إلى بعض المهارات الناعمة وغير القابلة للأتمتة؛ مثل التفكير النقدي والكتابة والخطابة العامة؛ إذ إنَّه مع استمرار ارتفاع التكاليف الجامعية قد تصبح شركات المستقبل ساحة تدريب للمهارات التحليلية.

شخصيات القوى العاملة:

إنَّ تفحُّص الاختلافات بين الأجيال لا يعطي لوحده صورة كاملة تسمح بفهم دوافع القوى العاملة؛ إذ توجد نواحٍ متعددة لفهم القطاعات المختلفة للقوى العاملة، بما في ذلك مرحلة الحياة والمهنة الوظيفية والمستوى الوظيفي والتعليم ومدة العمل النموذجية وحجم المؤسسة وظروفها؛ إذ يتعيَّن عليك أن تفكر كما تفكر أقسام التسويق وتسعى إلى بناء شخصيات مُتخيَّلة تفهم من خلالها احتياجات القوى العاملة الحالية والمستقبلية، وسيساعد ذلك أرباب العمل على تطوير وتوجيه برامج مكافآت إجمالية مجدية وذات معنى للموظفين.

إقرأ أيضاً: 12 خطأ في إدارة الوقت تؤدي إلى الفشل

بناء نظام تعويضات للمستقبل:

إنَّ تطوير برنامج تعويضات ومكافآت يستهدف القوى العاملة المستقبلية دون أن يفقد الإحساس بموظفي اليوم هو أمر في غاية الحساسية.

فيما يأتي جوانب يجب مراعاتها:

  1. مزيج من الأجور: يمكن لأقسام الموارد البشرية - باستعمال شخصيات القوى العاملة - البدء بملاءَمة مزيج الأجور مع الشخصيات المختلفة، فهل من المرجَّح أن يُكافَأ هؤلاء الموظفون من خلال أجور الحوافز أو الترقية أو الراتب الأساسي أو راتب التقاعد بناءً على المهمة الوظيفية والمستوى والعقلية المهنية؟ لكي تعرف المكونات المناسبة لمختلف شرائح القوة العاملة لديك؛ خذ بهذه النصيحة الذكية وخذ في حسبانك ما إذا كان موظفوك يَعُدُّون الراتب المتغير خطراً عليهم أو فرصة لأجر إضافي.
  2. فرص التطوير: يشتهر جيل الألفية عادةً بالرغبة الجامحة في التقدُّم، وعلى الرغم من أنَّه من الواضح أنَّهم دوماً يريدون المزيد، إلَّا أنَّهم ليسوا الوحيدين في ذلك، ومع ذلك فإنَّ التطور والتقدم ليسا بالضرورة مرادفين للترقية؛ فقد يعني ذلك إتاحة الفرصة لمشاريع مشتركة بين الفريق أو توفير فرص التعلُّم أو إنشاء برنامج إرشادي.
  3. الهياكل المرنة: تطورت هياكل التعويض مع مرور الوقت، وهي تُستَعمَل بشكل أساسي لإنشاء مبادئ توجيهية للأجور، وكانت نطاقات الأجور الواسعة شائعة في وقت كان يبقى الموظفون فيه مع الشركة أو حتى في وظيفتهم نفسها طوال حياتهم المهنية، أمَّا حالياً تساعد العوامل المتغيرة الشركات على مواكبة السوق؛ إذ يستعمل العديد من أصحاب العمل مزيجاً من الهياكل للسماح بالقدر المناسب من المرونة لوظائفهم المختلفة، على سبيل المثال، يمكنك أن تقرر الراتب الأساسي بناءً على أجور السوق بينما تقدم حوافز تتوافق مع أداء الموظف.
إقرأ أيضاً: كيف تتجنب الاكتئاب الناتج عن العمل؟

يتَّضح من ذلك شيء واحد؛ وهو أنَّك لن تستطيع تحفيز القوى العاملة المستقبلية وجذبها والاحتفاظ بها وإثارة تفاعلها مع شركتك عشوائياً؛ إذ تبحث الشركات عن مزيد من الوضوح حول استراتيجية التعويض الخاصة بها.

سيستمر الموظفون في المطالبة بمزيد من الإنصاف والشفافية؛ لأنَّ تجربتهم خارج المنظمات ستبدأ بتشكيل توقعاتهم عن أصحاب العمل. فإن حدَّدتَ اليوم استراتيجية تعويضات الغد بشكل واضح، فسيقدم ذلك لك فرصة لمواءمة أقوى للتعويضات لتعزيز كل من ثقافة الشركة وإنتاجية العمل، وربما من خلال القيام بذلك سنكون قادرين على تأجيل انهيار الشركات فترةً أطول قليلاً.

المصدر.




مقالات مرتبطة