كيف يؤذيك التفكير بالأبيض والأسود؟ وما الذي يمكنك فعله لتغييره؟

التفكير بالأبيض والأسود هو الميل إلى التفكير المتطرف "أنا ناجح جداً"، "أنا فاشل تماماً"، "صديقي ملاك"، "هو الشيطان المتجسد"، فلا تسمح لنا عقلية الكل أو اللاشيء بإيجاد حل وسط، ودعونا نواجه الأمر، يوجد سبب يجعل معظم الناس لا يعيشون في "إيفرست" أو في "خندق ماريانا"؛ وذلك لأنَّه من الصعب البقاء على قيد الحياة في تلك المناطق المتطرفة والقاسية.



ينخرط معظمنا في التفكير ثنائي التفرع من وقت لآخر، وفي الواقع يعتقد بعض الخبراء أنَّ هذا النمط قد يكون له دور تطوري في بقاء الإنسان، لكن إذا استمر التفكير بالأبيض والأسود عادةً فسوف يؤدي إلى:

  • ضرر بالصحة الجسدية والعقلية.
  • تخريب حياة الشخص المهنية.
  • التسبب باضطراب في علاقاته.

سنناقش في مقالنا الآتي كيفية التعرف إلى الأفكار البيضاء والسوداء؟ وماذا قد يخبرونك عن صحتك؟ وما الذي يمكنك فعله لتطوير نظرة أكثر توازناً؟ فتابعوا معنا.

كيف يبدو التفكير بالأبيض والأسود؟

يمكن لبعض الكلمات أن تنبهك إلى أنَّ أفكارك أصبحت متطرفة:

  • دائماً.
  • أبداً.
  • غير ممكن.
  • كارثة.
  • غاضب.
  • مدمر.
  • في أحسن الأحوال.

بالطبع هذه الكلمات ليست سيئةً في حد ذاتها، ومع ذلك إذا لاحظت أنَّها استمرت في الظهور في أفكارك ومحادثاتك، فقد تكون إشارةً إلى أنَّك تبنيت منظوراً أبيض وأسود على شيء ما.

كيف يؤذيك التفكير الأسود والأبيض؟

1. يمكن أن يضر علاقاتك:

مثل العلاقات بين الأفراد سواء كانوا يرون بعضهم بعضاً بوصفهم عائلة أم أصدقاء أم جيراناً أم زملاء عمل أم أي شيء آخر تماماً، ولأنَّ الناس لديهم تباين في التفكير إضافة إلى الاختلافات والتناقضات، تنشأ الخلافات لا محالة.

إذا تعاملنا مع النزاعات العادية مع التفكير ثنائي التفرع، فربما نستخلص استنتاجاتٍ خاطئةً عن الآخرين، وسنفقد فرص التفاوض والتسوية، والأسوأ من ذلك أنَّ التفكير بالأبيض والأسود قد يجعل الشخص يتخذ قراراتٍ دون التفكير في تأثير هذا القرار في نفسه وفي الآخرين المعنيين.

قد تشمل الأمثلة ما يأتي:

  • نقل الأشخاص فجأةً من فئة "الأشخاص الطيبين" إلى فئة "الأشخاص السيئين".
  • ترك العمل أو طرد الناس.
  • قطع العلاقة.
إقرأ أيضاً: التفكير الايجابي طريقك للبدء في تغيير الواقع

2. تجنب الحل الحقيقي للقضايا:

غالباً ما يتأرجح التفكير ثنائي التفرع بين إضفاء الطابع المثالي على الآخرين وتقليل قيمتهم، وقد يكون من الصعب أن تكون على علاقة بشخص يفكر بتطرف نتيجة آرائه القمعية والعنيدة وغير القابلة للتشكيك.

3. قد يمنعك من التعلم:

"أنا سيئ في الرياضيات"، يسمع معظم معلمي الرياضيات هذا الإعلان مراراً وتكراراً خلال العام الدراسي، فإنَّه نتاج عقلية النجاح أو الفشل، وهي نتيجة طبيعية لنظام الدرجات الذي يعرِّف الفشل (الدرجة من 0 إلى 59) على أنَّه أكثر من نصف مقياس الدرجة النهائية (100)، حتى إنَّ بعض المراحل الدراسية تملك نظاماً ثنائياً لقياس التعلم؛ إما النجاح أو الرسوب، ومن السهل جداً الوقوع في التفكير الثنائي حول إنجازاتك الأكاديمية.

4. يمكن أن يحد من حياتك المهنية:

التفكير ثنائي التفرع يصنع الفئات المحددة بدقة ويلتزم بها؛ وظيفتي، وظيفتهم، دوري، دورهم، وفي العديد من بيئات العمل التعاونية؛ إذ تتغير الأدوار وتتوسع وتعيد تشكيلها، فإنَّ وجود حدود صارمة قد يمنعك أنت والمؤسسة من تحقيق الأهداف، ففي دراسة أُعدت في عام 2017 فحصت طريقة عمل استوديو أفلام هولندي، وُجد أنَّ بعض الغموض في أدوار الأشخاص ومسؤولياتهم كان له آثار عامة إيجابية في المشروع الإبداعي، على الرغم من ظهور بعض الخلافات مع توسيع الأشخاص لنطاق عملهم.

يعوق التفكير بالأبيض والأسود حياتك ويوقف تقدمك المهني؛ إذ فقد العديد من الأشخاص أعمالهم في الأزمة الاقتصادية التي حدثت عام 2008، وتوقفت شركات ومؤسسات كاملة عن رفد كوادر وموظفين، وهذا أجبر العديد من الأشخاص على إعادة النظر إلى مهاراتهم الخاصة، وعدم التمسك بأفكار ضحلة وجامدة عن خبراتهم وما يتمتعون، وهذا فتح عليهم أبواباً كثيرة وفرص عمل أوسع بكثير، فالحياة المهنية غير ثابتة وكل الناس يستطيعون التطور والتعلم.

شاهد بالفديو: 7 طرق لتجنب التفكير الثنائي

5. قد يلغي عادات الأكل الصحية:

وجدت العديد من الدراسات علاقةً بين اضطرابات الأكل والتفكير ثنائي التفرع؛ إذ يمكن أن يؤدي التفكير بالأبيض والأسود إلى:

  • النظر إلى بعض الأطعمة على أنَّها جيدة أو سيئة.
  • النظر إلى الأجساد على أنَّها إما مثالية أو مقززة.
  • تناول الطعام بطريقة إما تناول كل شيء أو عدم تناول أي شيء.

وجد الباحثون أيضاً أنَّ التفكير ثنائي التفرع قد يقود الناس إلى وضع قيود غذائية صارمة، وهذا قد يجعل من الصعب الحفاظ على علاقة صحية مع الطعام.

هل التفكير بالأسود والأبيض عَرَض من أعراض اضطرابات أخرى؟

بعض التفكير بالأبيض والأسود أمر طبيعي، ولكنَّ أنماط التفكير ثنائية التفرع المستمرة مرتبطة بعدد من الحالات مثل:

1. النرجسية (NPD):

يُعَدُّ التفكير الثنائي المتطرف أحد أعراض النرجسية، ويجعل من الصعب عليهم تقبل المساعدة من أي شخص؛ وذلك لأنَّ في نظرهم أنَّ كل المعالجين أو الناس عموماً هم أقل منهم وكلامهم ومساعدتهم غير مفيدين أبداً.

2. اضطراب الشخصية الحدية (BPD):

عرَّفت المعاهد الوطنية للصحة العقلية اضطراب الشخصية الحدية بأنَّه مرض عقلي يتسبب بنوبات شديدة من الغضب والاكتئاب والقلق.

الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية:

  • عادةً ما تكون لديهم مشكلات في السيطرة على ردود الفعل.
  • غالباً ما يفكرون بالأبيض والأسود.
  • قد يعانون من مشكلات في العلاقات الشخصية.

وجدت دراسة أنَّ الميل إلى التفكير في اتجاهين متضادين هو لب المشكلة التي يعاني منها العديد من الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية في علاقاتهم.

3. اضطراب الوسواس القهري (OCD):

يعتقد بعض علماء النفس أنَّ الأشخاص الذين يعانون من الوسواس القهري عادةً ما يفكرون في أنماط "كل شيء أو اللاشيء"؛ وذلك لأنَّ القدرة على وضع شيء ما في خانة بيضاء أو سوداء تمنحهم إحساساً بالسيطرة على ظروفهم، كما يجعل التفكير ثنائي التفرع الناس يحافظون على كمالية صارمة، فإذا كان الشخص يعاني من انتكاسة، فسيكون من السهل رؤية ذلك على أنَّه فشل كامل في العلاج بدلاً من النظر إليها على أنَّها عقبة مؤقتة في التقدم العام.

شاهد بالفديو: 8 طرق تفكير ستضعك على طريق النجاح

4. القلق والاكتئاب:

قد يميل الأشخاص المعرضون للقلق والاكتئاب إلى التفكير بشكل متطرف ومطلق، وقد وجدت دراسة أُجريت عام 2018 التي فحصت الكلام الطبيعي للأشخاص الذين يعانون من القلق والاكتئاب استخداماً متكرراً للغة "المطلقة" بينهم أكثر من المجموعات الطبيعية، فقد يتسبب التفكير في الأبيض والأسود في اجترار الأفكار، وهذا يؤدي إلى تفاقم القلق أو الاكتئاب، ومن الجدير بالذكر أيضاً أنَّ الباحثين وجدوا علاقةً بين التفكير الأسود والأبيض والكمالية السلبية، فهي تظهر عندما يتعامل الناس مع القلق والاكتئاب.

5. العنصرية والكراهية:

التفكير بالأبيض والأسود هو حسب المعتقد السبب الرئيس للانقسامات العنصرية والطائفية والاجتماعية؛ إذ دائماً ما يبدأ التطرف والعنصرية عن طريق إطلاق الأحكام، مثل هذا أسود وهذا أبيض وهذا آسيوي وهذا أفريقي وهذا أوروبي وغيرها من أفكار الفصل العنصري، وتميل هذه الأيديولوجيات إلى وصم وتحقير الناس المختلفين ونبذهم من المجتمع بناءً على أفكار متطرفة دون التفكير بتأثيراتها والتمسك بها.

ما الذي يسبب التفكير بالأبيض والأسود؟

على الرغم من أنَّ اضطرابات الشخصية وحالات الصحة العقلية تكون وراثيةً في بعض الأحيان، إلا أنَّه لا توجد أبحاث كافية للقول بشكل قاطع إنَّ التفكير الأبيض والأسود نفسه موروث، ومع ذلك فقد تم ربطه بصدمات الطفولة أو البلوغ، كما يعتقد الباحثون أنَّنا عندما نتعرض للصدمة، قد نطور أنماط تفكير ثنائية التفرع بوصفها استراتيجية للتكيف أو لمحاولة حماية أنفسنا من الأذى في المستقبل.

كيف يمكنك تغيير التفكير بالأبيض والأسود؟

يمكن للتفكير بالأبيض والأسود أن يجعل الأمور صعبةً عليك شخصياً ومهنياً، وقد تم ربطه بحالات الصحة العقلية التي يمكن علاجها، ولهذه الأسباب من الهام التحدث إلى معالج نفسي أو متخصص في الصحة العقلية إذا لاحظت أنَّ التفكير المتطرف يؤثر في صحتك أو علاقاتك أو مزاجك، وقد ترغب في العمل مع شخص تم تدريبه على العلاج السلوكي المعرفي؛ إذ ثبتت فاعليته في التعامل مع التفكير ثنائي التفرع، كما قد تجد أنَّه من المفيد أيضاً تجربة بعض هذه الطرائق:

1. فصل ما تفعله عن هويتك:

عندما نقارن أداءنا على مقياس واحد بقيمتنا الكلية سنصبح عرضةً للتفكير الأبيض والأسود.

إقرأ أيضاً: افهم قبل أن تحكم

2. تجربة تفنيد الخيارات:

إذا كان التفكير بالأبيض والأسود قد جعلك تعلق بين نتيجتين أو احتمالين فقط، فقم بكتابة العديد من الخيارات الأخرى التي يمكنك تخيلها، وإذا كنت تواجه مشكلةً في البدء، فحاول الخروج بثلاثة بدائل في البداية على الأقل.

3. التدرب على تذكر الواقع:

عندما تشعر بالشلل بسبب التفكير الأسود والأبيض، قل أو اكتب عباراتٍ واقعيةً وصغيرةً، مثل لدي طرائق عدة يمكنني من خلالها حل هذه المشكلة، وسأتخذ قراراً أفضل إذا استغرقت وقتاً للحصول على مزيد من المعلومات، وقد يكون كلانا على حق جزئياً.

4. اكتشاف ما يعتقده الآخرون:

يمكن أن يمنعك التفكير بالأبيض والأسود عن رؤية الأشياء من منظور شخص آخر، فعندما تكون في صراع مع شخص ما، اطرح بهدوء أسئلةً توضيحيةً حتى تتمكن من الوصول إلى فهم واضح لوجهة نظره.

إقرأ أيضاً: التفكير الاستقرائي: خصائصه وأمثلة عنه

في الختام:

التفكير بالأبيض والأسود هو ميل إلى التفكير في التطرف، في حين أنَّه أمر طبيعي من وقت لآخر، فإنَّ تطوير نمط من التفكير ثنائي التفرع يمكن أن يتداخل مع صحتك وعلاقاتك وحياتك المهنية، وإنَّه مرتبط بالقلق والاكتئاب، لذلك إذا وجدت نفسك مقيداً بالتفكير بالأبيض والأسود، فمن الهام التحدث إلى معالج؛ إذ يمكن أن يساعدك المعالج على تعلُّم بعض الاستراتيجيات لتغيير نمط التفكير هذا تدريجياً وعيش حياة أكثر صحةً وإشباعاً.




مقالات مرتبطة