كيف يؤثر شهر رمضان على النفسية بشكل إيجابي؟

قال تعالى في كتابه الكريم: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] فالصيام هو الركن الرابع من أركان الإسلام الذي لا يكتمل الإسلام إلا به.



والذي فرضه الله تعالى علينا في شهر رمضان المبارك شهر التوبة والمغفرة والتراحم بين الناس، فهو المدرسة التي تربي الصائم على الأخلاق الفاضلة والحميدة التي تقربه من الله تعالى وتبعده عن الشيطان، وهو رحلة روحية جميلة تستمر لمدة 30 يوماً في كل عام نسمو بها على جميع الأصعدة والاتجاهات، وتجلب لنا الراحة والصحة الجسدية والنفسية، ولكنَّ الفوائد النفسية والروحية لهذا الشهر المبارك أهم وأعمق من الفوائد الصحية التي يشعر بها الصائم في هذا الشهر.

ما هي علاقة شهر رمضان المبارك بالراحة النفسية؟

يرتبط هذا الشهر الفضيل براحة نفسية وتوازن واستقرار داخلي يشعر به كل مسلم صائم من بداية الشهر تعود إلى أسباب كثيرة، وإليك أبرز الأسباب وراك ذلك:

1. اجتماع الأسرة في رمضان:

يتميز هذا الشهر بالمشاركة بين أفراد الأسرة بتناول الطعام في نفس الوقت، واجتماعهم في الصلاة وممارسة العبادات جميعها؛ وذلك له أثر كبير في نفس الإنسان، وبشكل خاص إن لم يكن ذلك متوفراً في بقية العام نتيجة لظروف عمل أفراد الأسرة والتزاماتهم المختلفة التي تجعل مشاركتهم للطعام أو الصلاة صعبة قليلاً، كما أنَّ المشاركة تكسر الحواجز التي يضعها الإنسان الذي يميل إلى العزلة، ومن ثمَّ يعالج هذا الشهر الفضيل الوحدة، ويزيد من قدرة الفرد على الاندماج والانخراط في المجتمع.

2. ممارسة العبادات تعطي طاقة روحانية عالية:

فشهر رمضان المبارك يحثنا على التركيز على علاقتنا الروحانية بالله تعالى فقط من خلال المواظبة على ممارسة العبادات؛ كالصلاة، وقراءة القرآن الكريم، وقيام الليل، وكل ذلك يعزز جواً من الراحة التي قد نفقدها في أيامنا العادية في حال كنا مشغولين بالعمل الكثير.

3. التخلص من المشاعر السلبية:

قد تتراكم المشاعر النفسية السلبية داخل الإنسان بسبب ضغوطات الحياة والعمل التي تختلف من إنسان إلى آخر، لكن باختلاف المشاعر السلبية، فإنَّ هذا الشهر الفضيل يساعد الإنسان على تخلصه منها، فعند التقرب من الله تعالى يزداد الشعور بالأمل وبأنَّ القادم أجمل، كما يمنح المؤمن الأمل بالثواب، وكل ما ذكرناه يخلِّص الإنسان من التوتر والحزن وغيرها من المشاعر السلبية.

4. التخلص من السلوكات الضارة:

يقدم لنا الشهر الفضيل فرصة لإعادة ضبط النفس والتفكير في جميع عاداتنا وتقييمها، كما يمنحنا قوة روحية لترك كل العادات السيئة؛ كالتدخين أو الكحول أو المخدرات أو الاستخدام المفرط للإنترنت.

توجد عدة دراسات تؤكد أهمية الصيام في علاج الإدمان باختلاف أنواعه، بالإضافة إلى ذلك، فهو يساعدنا على تجنب الأفعال السلبية؛ كالجدال أو القتال أو النميمة أو جرح الآخرين بالتحدث غير اللائق.

شاهد بالفديو: 6 إرشادات هامة لتحسين حالتك النفسية في شهر رمضان

5. الأعمال الخيرية تحسن الحالة النفسية للإنسان:

فالعبادة لا تعني فقط الصوم عن الطعام والشراب؛ إنَّما الأعمال الخيرية جزء منها، مثل مساعدة الناس المحتاجين والتفكير في الأشخاص الموجودين حولنا ومساعدتهم على حل مشكلاتهم، وقد أوضحت الدراسات أنَّ القيام بالأعمال الخيرية والعطاء يعمل على تحسين هرمون الإندروفين في الجسم؛ وهو الهرمون المسؤول عن شعور السعادة، كما أنَّها تزيد من احترام الإنسان لذاته، ومن ثمَّ تخفف أيضاً من المشاعر السلبية.

6. تقوية الإرادة:

فعندما يمضي النهار ويصل الصائم إلى وقت الإفطار يشعر بالرضى عن ذاته؛ وذلك لأنَّه تجاوز يومه كابحاً كل الرغبات ومتمكناً من ضبط نفسه أمام مختلف الإغراءات التي قد تواجهه، فتزداد بذلك ثقته بنفسه، ويمنحه هذا الشهر التصميم والعزيمة القوية ليواجه مختلف الصعوبات والضغوطات في حياته، فكما نجح في الصيام سوف ينجح بتجاوز المصاعب.

إقرأ أيضاً: 7 أسباب تجعل قوة الإرادة ضرورية لاتخاذ القرارات

7. تنمية قدرة الإنسان على الصبر:

من خلال صبر الإنسان على الجوع والعطش لوقت طويل، يتعلم الإنسان في حياته الصبر والبعد عن التهور والسرعة، ليصبح بفضل هذا الشهر الكريم أكثر حكمة، وهو ما نحتاجه في حياتنا في مختلف النواحي لتجنب المشكلات قدر الإمكان.

8. زيادة التركيز وتقوية الذاكرة:

أثبتت الدراسات أنَّ الصيام يسبب زيادة في تدفق الدم المحمَّل بالأوكسجين إلى المخ؛ وهذا يتسبب في زيادة الانتباه والتركيز، ومن ثمَّ تقوية ذاكرة الإنسان، فيزداد الشعور بالرضى عن النفس.

9. تهدئة الأعصاب والتخلص من المزاج المتقلب:

تزيد زيادة تدفق الدم المحمل بالأوكسجين من فرصة إفراز هرمون الدوبامين؛ وهو الهرمون المسؤول عن شعور الإنسان بالاسترخاء والسعادة، كما أنَّه يقلل من إفراز هرمون الكورتيزول المسبب لتقلب المزاج وزيادة الشعور بالقلق والتوتر.

10. فضل صلة الرحم في رمضان:

أكد الله تعالى على صلة الرحم في كل وقت وجعلها من أعظم الواجبات، وتتم في شهر رمضان المبارك من خلال حفظ الود والإحسان إلى الأقارب، والابتعاد عن القطيعة وحل الخلافات كي يحصل الإنسان على الثواب من الله تعالى.

ثواب صلة الرحم هو زيادة في العمر، وتوسيع في الرزق، وقبول للأعمال، ونجاة من العقوبة، وكل ذلك سوف ينعكس إيجاباً على نفسية الإنسان في شهر رمضان المبارك.

11. كسر الغرور والتكبر في داخل الإنسان:

يُشعِر الصيام الإنسان بالحرمان الذي يجعله يفكر في معاناة الآخرين ويتعاطف معهم، ويرفع إحساسه بالمسؤولية تجاههم، ومن ثمَّ يخلصه من الطمع والأنانية والبخل والتكبر والغرور، ويزرع في نفسه التواضع والتعاطف والتسامح والكرم، وهذا كله ينعكس إيجاباً على نفسية المسلم.

12. تغيير نظرة الإنسان إلى الحياة:

من خلال كل ما ذكرناه آنفاً، تتغير طريقة نظرة الإنسان إلى الحياة نحو الأفضل، وتتغير طريقة تدبيره للأمور، ومن ثمَّ يصبح أكثر قدرة على حل المشكلات التي يتعرض لها، ويصبح سلوكه أفضل؛ أي يصبح أكثر توازناً لتصبح حياته بالنتيجة أفضل.

13. شهر رمضان المبارك يجعل الفقراء أكثر سعادة:

ففي هذا الشهر يزداد شعور الأغنياء بالفقراء، فتزداد الصدقات والمساعدات المقدَّمة للفقراء؛ وهذا يجعلهم يشعرون بأنَّهم ليسوا وحدهم؛ بل يوجد مَن يتعاطف معهم ويساعدهم على تخطي مصاعب حياتهم.

من المظاهر التي انتشرت في أماكن عدة وجود مطاعم تقدِّم وجبات الإفطار للفقراء أو المشردين أو عابري السبيل، ووجود جمعيات خيرية أيضاً تقوم بذلك، بالإضافة إلى أعمال خيرية أخرى؛ مثل شراء ملابس العيد للأطفال المحتاجين أو اليتامى، وغيرها العديد من مظاهر الخير التي تكثر في هذا الشهر الفضيل.

إقرأ أيضاً: 8 من أهم أعمال الخير في رمضان

14. يعالج الصيام مرضى الاكتئاب:

فمن خلال الأبحاث العديدة تبين أنَّ الصيام يساعد على تخفيف أعراض الاكتئاب، ومن ثمَّ زيادة فاعلية العلاج بشكل ملحوظ؛ وذلك لأنَّ مريض الاكتئاب يعاني من نقص ثلاثة ناقلات عصبية وهي الدوبامين والسيروتونين والنورأدرينالين، وهذا الأمر يؤدي إلى عيب في الاتصال الدماغي ونقل الرسالة.

لأنَّ الصيام يساعد على تنشيط الخلايا العصبية في الدماغ وحمايتها، ويعزز الترابط بين الخلايا الجديدة، ويساهم في إنتاج بعض البروتينات الهامة التي تساهم في حماية الخلايا الدماغية والتي يعاني مرضى الاكتئاب من نقص في نسبتها فيتم تعويضها من خلال تناول الأدوية المضادة للاكتئاب، نلاحظ زيادة فاعلية العلاج وقلة ظهور أعراض الاكتئاب.

فالصيام له دور كبير في معالجته، لكن يجب عدم إهمال الأدوية، وقد تم إجراء دراسة يابانية على 380 مريضاً يعانون من الأمراض النفسية كالانهيار العصبي أو الاكتئاب؛ فتمَّ تطبيق الصيام عليهم لمدة 110 أيام؛ ونتيجة لذلك تخلَّصوا من هذه الأعراض بنسبة 87%.

شاهد بالفديو: 6 طرق تساعدك في التغلب ذاتياً على الاكتئاب

الفوائد الجسدية التي تنعكس إيجاباً على صحة المسلم النفسية:

ذلك بسبب ارتباط الصحة الجسدية بالنفسية ارتباطاً وثيقاً، فلا يمكن الشعور بالراحة والسعادة إن لم يكن الجسد بخير، وللصيام فوائد جسدية عظيمة منها ما يأتي:

1. يقلل الصيام من نسبة الكوليسترول في الجسم:

فيؤدي ذلك إلى تحسين صحة القلب والأوعية الدموية، ومن ثمَّ التقليل من الإصابة بأمراض القلب كالسكتات أو النوبات القلبية التي تشكل خطراً على حياة الإنسان.

2. يساعد الصيام على إزالة السموم من الجسم:

فنتيجة لامتناع الصائم عن تناول الطعام والشراب لفترة طويلة يبدأ الجسم بتناول السموم المتراكمة فيه، كما أنَّه يعطي الفرصة للمعدة كي ترتاح وتتقلص نوعاً ما، ومن ثمَّ يساعد الصيام على تخفيف الوزن إن تم الانتباه قليلاً إلى نوعية الغذاء الذي يتم تناوله.

3. يساعد الصيام على تحسين الصحة العقلية للإنسان:

فيزيد من مستوى عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ، ومن ثمَّ يجعل الجسم ينتج المزيد من خلايا الدماغ فتتحسن وظائف الدماغ نتيجة ذلك.

4. يساعد الصيام على تخفيض مستوى السكر في الدم:

كما يساعد على تقليل مقاومة الجسم للأنسولين، ومن ثمَّ يجعله أكثر حساسية للأنسولين، وهذا ينعكس إيجاباً على مرضى السكري، ومع ذلك، يجب عليهم استشارة الطبيب المتخصص قبل الصيام.

5. علاج الأمراض المزمنة:

فقد أثبتت معظم الدراسات الطبية أنَّ الصيام له القدرة على علاج أمراض الكبد والقولون المزمنة، كما أنَّه يقي من الإصابة بمرض السرطان ومرض باركنسون وألزهايمر.

إقرأ أيضاً: 6 أمراض خطيرة يُسبّبها السكري للإنسان

سبب المشاعر السلبية التي قد يشعر بها بعض الناس في بداية شهر رمضان:

يشعر بعض الناس خلال الأيام الأولى من شهر رمضان المبارك بمشاعر سلبية؛ كالتوتر أو الغضب أو المزاج السيئ أو غيرها، ويعود السبب في ذلك إلى تغير نمط الحياة والروتين اليومي المعتاد عليه منذ عام تقريباً بشكل مفاجئ سواء من ناحية موعد الوجبات أم موعد النوم أم ساعات النوم يومياً أم موعد ممارسة التمرينات الرياضية، ويزداد الوضع سوءاً في حال كنت من المدخنين أو ممن يحتاجون إلى المنبهات صباحاً ليستطيعوا الاستيقاظ واستعادة النشاط، فسوف تشعر بغضب وتوتر مستمر من أبسط التفاصيل، لكن ما هي إلا فترة مؤقتة لا تتجاوز أياماً عدة حتى يعتاد جسمك على النمط الجديد.

عندها سوف تدخل بمرحلة من الهدوء والسكينة والراحة، وستبدأ بالاندماج في الأجواء الرمضانية بكل سعادة وطمأنينة ناتجة عن قربنا من الله تعالى وابتعادنا عن كل ما نهانا عنه، وإن لم تستطع التخلص من هذه المشاعر السلبية بسهولة، يمكنك ممارسة المشي يومياً والتأمل ومحاولة إشغال نفسك كي لا تشعر بالملل، وطبعاً الاهتمام بنوعية الغذاء له دور كبير في تحسين الحالة المزاجية العامية؛ كأن تكثر من الخضراوات الورقية والمكسرات والحبوب والتمر؛ وذلك لأنَّ لها فوائد نفسية هامة.

في الختام:

شهر رمضان المبارك هو الشهر الذي لا يمكن أن نخرج منه كما دخلنا إليه أبداً مهما كنا محمَّلين بالأعباء وباختلاف همومنا ومشكلاتنا، وهذا ما ميزه به الله تعالى عن بقية الأشهر، ففيه التوبة وفيه المغفرة، وفيه يرزقنا الله تعالى من حيث لا نحتسب، ويحقق لنا أمنياتنا المرجوة، ويطهِّر أنفسنا من كل المعاصي؛ فلذلك علينا استغلاله بالصيام وقراءة القرآن والصلاة وفعل الخير بكافة أشكاله وسوف نشعر في النهاية بمشاعر السعادة والسكينة والراحة النفسية التي لا يمكن لنا أن نشعر بها في شهر آخر.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8




مقالات مرتبطة