كيف يؤثر تعدد المهام في الإنتاجية والصحة العقلية؟

قد يبدو تعدد المهام طريقة رائعة لإنجاز الكثير في وقت واحد، لكنَّ الأبحاث قد أظهرت أنَّ أدمغتنا لا تجيد التعامل مع مهام متعددة في الوقت نفسه كما نعتقد؛ وفي الواقع، يقترح بعض الباحثين أنَّ تعدد المهام يمكن أن يقلل إنتاجيتنا بنسبة تصل إلى 40%، فما الذي يجعل تعدد المهام قاتلاً للإنتاجية؟



قد يبدو لك أنَّك تنجز عدة مهام في وقت واحد، ولكنَّ ما تفعله حقاً هو تحويل انتباهك وتركيزك بسرعة من شيء إلى آخر، ويجعل هذا بدوره ضبط عوامل التشتيت أمراً صعباً، كما يمكن أن يشكل عائقاً ذهنياً يبطئ من تقدمك.

ما هو تعدد المهام؟

  • أداء مَهمَّتين أو أكثر في وقت واحد.
  • التبديل المتكرر بين مهمة وأخرى.
  • القيام بعدد من المهام بتتابع سريع.

هل يجعلك تعدد المهام أكثر إنتاجية؟

توقف للحظة وفكر في كل الأشياء التي تقوم بها الآن؛ فبينما تقرأ هذا المقال، ربَّما تقوم بعدة أشياء في وقت واحد، كأن تستمع إلى الموسيقى، وتراسل صديقاً، وتتحقق من بريدك الإلكتروني، أو تلعب إحدى ألعاب الكومبيوتر.

إذا كنت تقوم بكل هذه المهام دفعة واحدة، فيمكن وصفك بأنَّك تمارس تعدد المهام بكثافة؛ وربَّما قد تعتقد أنَّك تجيد تحقيق التوازن بين كل هذه المهام إلى حدٍ ما، إلَّا أنَّ الدراسات تقول أنَّك لست فعالاً كما تظن نفسك.

لقد أثبتت الأبحاث أنَّ الانتقال من مَهمَّة إلى أخرى يشكل خطراً على الإنتاجية، كما يواجه متعددو المهام صعوبة في ضبط عوامل التشتيت أكثر ممَّن يركزون على مَهمَّة واحدة فحسب، وقد يُضعِف القيام بالكثير من الأشياء في وقت واحد القدرة الإدراكية أيضاً.

لمعرفة تأثير تعدد المهام، أجرى بعض علماء النفس دراسات طلبوا فيها من المشاركين تبديل المهام، ثمَّ قاسوا الوقت الضائع بسبب عملية التبديل؛ فكان المشاركون في دراسة أجراها كلٌّ من روبرت روجرز (Robert Rogers) وستيفن مونسيل (Stephen Monsell) أبطأ عند التبديل بين المهام مقارنة بالوقت الذي كرروا فيه المَهمَّة ذاتها؛ وقد وجدت دراسة أخرى أجراها كلٌّ من جوشوا روبنشتاين (Joshua Rubinstein) وجيفري إيفنز (Jeffrey Evans) وديفيد ماير (David Meyer) أنَّ المشاركين أضاعوا الكثير من الوقت في أثناء تبديلهم بين مهام متعددة، كما أضاعوا وقتاً أكثر مع تزايد تعقيد المهام.

إقرأ أيضاً: المفاتيح الثلاثة لزيادة الإنتاجيَّة

أهمية الوظائف التنفيذية:

تُدار المهام المتعددة في الدماغ من خلال الوظائف التنفيذية؛ حيث تتحكم هذه الوظائف بالعمليات المعرفية وتديرها، وتحدد كذلك كيفية تنفيذ مهام معينة وتوقيتها وترتيب تنفيذها؛ ووفقاً لكلٍّ من ماير وإيفانز وروبنشتاين: تجري عملية التحكم التنفيذي بالدماغ على مرحلتين:

  1. الانتقال بين الأهداف: اتخاذ القرار بفعل شيء بدلاً من آخر.
  2. تنشيط الدور: التغيير من قواعد المَهمَّة السابقة إلى قواعد المَهمَّة الجديدة.

قد يستغرق الانتقال من مَهمَّة إلى أخرى بضع أعشار من الثانية فقط، إلَّا أنَّ تكرار التبديل بين المهام والانتقال من مَهمَّة إلى أخرى عدة مرات يستغرق مزيداً من الوقت.

قد لا توجد مشكلة كبيرة في طي الغسيل ومشاهدة التلفاز في الوقت نفسه، ولكنَّه يعدُّ أمراً هاماً جداً إذا كنت في موقف يتطلب الأمان أو الإنتاجية أو غيرهما من الأمور الأساسية؛ كالقيادة في حركة مرور مزدحمة، أو أداء مَهمَّة حساسة في العمل؛ حيث تكون الفترات القصيرة من الوقت بالغة الأهمية.

تطبيقات عملية لأبحاث تعدد المهام:

يقترح ماير أنَّ الإنتاجية قد تقل بنسبة تصل إلى 40% عند التبديل بين المهام، وذلك بسبب العوائق الذهنية التي تنشأ جراء القيام بذلك؛ والآن، وبعد أن فهمت التأثير الضار المحتمل لتعدد المهام، يمكنك الاستفادة من هذه المعرفة لزيادة إنتاجيتك وكفاءتك؛ وفي المرة القادمة التي تجد نفسك فيها تقوم بمهام متعددة معتقداً أنَّك ستكون أكثر إنتاجية، أجرِ تقييماً سريعاً لمختلف الأشياء التي تحاول تحقيقها، وتخلَّص من المشتتات، وحاول التركيز على مَهمَّة واحدة في كل مرة.

شاهد بالفيديو: 4 مواقع وتطبيقات رائعة تساعدك على زيادة الإنتاجية

هل يضر تعدد المهام دماغك فعلاً؟

قد تراسل صديقاً في أي لحظة، وتبدل بين النوافذ المتعددة على جهاز الكمبيوتر خاصتك، وتستمع إلى الأصوات المنبعثة من التلفزيون، وتتحدث على الهاتف، وكلُّ هذا دفعة واحدة؛ وحتى عندما تعيش لحظة هادئة لا يستدعي أي شيء فيها اهتمامك، تجد أنَّك غير قادر على منع نفسك من التشتت بين التطبيقات المختلفة أو مواقع التواصل الاجتماعي.

إنَّه لمن المؤكد أنَّ تعدد المهام ليس شيئاً جديداً، غير أنَّ هذا التدفق الهائل للمعلومات من مصادر مختلفة يمثل بعداً جديداً نسبياً بالنسبة إلى لغز تعدد المهام؛ وبينما نعلم أنَّ تعدد المهام ليس جيداً بالنسبة إلى الإنتاجية، فهل هو ضار حقاً بصحة الدماغ؟

لا يجيد الأشخاص الذين يقومون بتعدد المهام بكثافة ذلك كما يجب؛ ففي إحدى الدراسات، وجد كليفورد ناس (Clifford Nass) -الباحث في جامعة ستانفورد (Stanford University)- أنَّ الأشخاص الذين كانوا يُعَدُّون من ذوي المهام المتعددة الكثيفة كانوا في الواقع أسوأ في فرز المعلومات المتعلقة بالعمل من التفاصيل غير المتعلقة به؛ وهذا أمر يثير الدهشة، خصوصاً أنَّ متعددي المهام يُفترَض أن يكونوا أفضل في ذلك؛ ولم تكن هذه المشكلة الوحيدة التي واجهها متعددو المهام، فقد أظهروا صعوبة أكبر في التبديل من مَهمَّة إلى أخرى، وكانوا أقل تنظيماً عقلياً.

يعتقد ناس أنَّ أسوأ ما في هذه النتائج هي أنَّها حدثت عندما لم يكن متعددو المهام يقومون بمهام متعددة كما يفعلون عادة، فقد كشفت الدراسة أنَّه حتى عندما كان يقوم هؤلاء بمَهمَّة واحدة، كانت أدمغتهم أقل فعالية وكفاءة.

حسبما قال "ناس" (Nass) في مقابلة مع الإذاعة الوطنية العامة (NPR) في عام 2009: "لقد درسنا أشخاصاً متعددي المهام بشكل مزمن؛ وحتى عندما لم نطلب منهم القيام بأي شيء قريب من مستوى تعدد المهام الذي كانوا يقومون به عادةً، كانت عملياتهم المعرفية مضطربةً نسبياً؛ لذا فهم في الأساس أسوأ في معظم أنواع التفكير، حتى تلك التي لا تتطلب أداء مهام متعددة وتنطوي فقط على تفكير عميق نسبياً".

إقرأ أيضاً: أسطورة تعدد المهام: لماذا تؤدي أولويات أقل إلى عمل أفضل؟

المراهقون وتعدد المهام:

يشير الخبراء أيضاً إلى أنَّ تعدد المهام المزمن والكثيف يكون أكثر ضرراً بعقول المراهقين على وجه الخصوص؛ حيث يكوِّن الدماغ في هذا العمر تحديداً روابط عصبية هامة، وقد يكون لتشتيت الانتباه الذي يحدث بسبب تدفق المعلومات المختلفة -ولو بشكلٍ بسيط للغاية- تأثير سلبي خطير وطويل الأمد في كيفية تشكيل هذه الروابط.

التقليل من النتائج السلبية لتعدد المهام:

هل الضرر الناجم عن تعدد المهام دائم؟ أم قد يؤدي وضع حد لتعدد المهام إلى إزالة ذلك الضرر؟

يقول "ناس" (Nass) أنَّه في حين توجد حاجة إلى مزيد من الأبحاث، تشير الأدلة الحالية إلى أنَّ الأشخاص الذين يتوقفون عن القيام بمهام متعددة سيكونون قادرين على تحقيق أداء أفضل؛ ولتجنب التأثير الضار المحتمل لتعدد المهام، يجب عليك:

  • تحديد الأشياء التي تستطيع التوفيق فيما بينها بمهمتين فقط في أي وقت.
  • استخدام "قاعدة العشرين دقيقة"؛ فبدلاً من التبديل المستمر بين المهام، كرِّس انتباهك الكامل لمَهمَّة واحدة لمدة 20 دقيقة قبل الانتقال إلى مَهمَّة أخرى.

تعدد المهام ليس سيئاً دائماً:

تشير بعض الأبحاث إلى أنَّ الأشخاص الذين يشاركون في تعدد المهام الإعلامية -باستخدام أكثر من شكل واحد من الوسائط أو نوع من التكنولوجيا في وقت واحد- قد يكونون أفضل في دمج المعلومات المرئية والسمعية؛ حيث طُلِب في إحدى الدراسات من المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و28 عاماً إكمال الاستبيانات المتعلقة باستخدامهم للوسائط، وإكمال عدة مهام بحث مرئي بعضها مترافق مع صوت وبعضها الآخر دون صوت، وذلك للإشارة إلى وقت تغيير لون العنصر.

كان أداء المهام المتعددة الكثيفة أفضل في البحث عند تقديم الصوت، ممَّا يشير إلى أنَّ هؤلاء الأشخاص أكثر مهارة في دمج مصدري المعلومات الحسية معاً؛ وعلى العكس من ذلك، كان أداء الأشخاص الذين يقومون بتعدد مهام كثيف عادة أسوأ من أداء الأشخاص متعددي المهام المعتدلين عندما لم تكن النغمة موجودة.

لاحظ مؤلفو الدراسة أنَّه "رغم أنَّ النتائج الحالية لا تُظهِر أي تأثير سببي، إلَّا أنَّها تسلط الضوء على إمكانية مثيرة للاهتمام لتأثير تعدد المهام في الوسائط على بعض القدرات المعرفية، والتكامل متعدد الحواس على وجه الخصوص؛ وقد لا يكون تعدد المهام في الوسائط أمراً سيئاً دائماً".

كلمة أخيرة:

كن على دراية بالأوقات التي تقوم فيها بمهام متعددة، إذ هناك احتمال كبير أن تقوم بمهام متعددة دون أن تنتبه حتى إلى ذلك؛ وقد يساعدك القيام بمَهمَّة واحدة في كل مرة على أن تصبح أكثر إنتاجية، ويجعل مهامك أكثر متعة أيضاً.

المصدر




مقالات مرتبطة