كيف تنظم إيقاع حياتك؟

قال صديقي برينت (Brent): "هيا بنا"، رافعاً يده اليسرى عن مقبض الدراجة ومشيراً بسبابته، بما معناه أنَّه قد تبقى لنا ميل واحد فقط. لقد ركبنا دراجاتنا ذلك اليوم لـ 109 أميال كاملة؛ كانت تلك أطول رحلة على الدراجات قمنا بها كلانا في يوم واحد، وذلك بعد أن قدنا لـ 130 ميلاً في الأيام الثلاثة التي سبقتها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب الأمريكي مات كروسمان (Matt Crossman)، الذي يكتب عن مواضيع تخص الرياضة والسفر والمغامرة والتطوير المهني.

بدأت رحلتنا في غرب ولاية ميزوري الأمريكية على طريق حديقة كاتي (Katy Trail)، وهو عبارة عن طريق موازٍ لسكة حديدية قديمة أصبحت درباً من الحصى اقتادنا عبر هذه الولاية.

وصلنا إلى مشارف مدينة سانت تشارلز (St. Charles) التي تحدُّ ضواحي مدينة سانت لويس (St. Louis) من جهة الغرب؛ فلمعت أعيننا بالحماسة -راغبين في أن ننهي رحلتنا- كما يلمع الحصى على طول الطريق، لكن كان الألم يمزق أطرافنا وكل جزء في أجسادنا، وتمنينا لو كان بإمكاننا التوقف عن ركوب الدراجات في هذا الوقت.

نظر إليَّ يودل (Yodel) وهو يضع يسراه على المقود قائلاً: "ما الذي ننتظره؟"؛ فأجبت وملئي الغرور "دعنا نتسابق حتى النهاية".

قلت هذا لأنَّني أعرف أنَّ يودل (Yodel) لا يرفض تحدياً أبداً، فوضع قدميه على دواستيِّ الدراجة وقادها مبتعداً؛ وعندما جاء دوري لألحقه، لم أستطع مجاراة سرعته؛ فلم أكن أهلاً لهذا التحدي؛ فبعد مجهود أربعة أيام، تأكدت أنَّه لم يعد بمقدوري التسابق، ومع ذلك استطعت الإسراع بعض الشيء أكثر من قبل، فلم تنفد طاقتي كلياً، بل تبقى منها النزر اليسير.

وصلنا خط النهاية قُرب ضفاف نهر ميزوري بعد 30 ثانية من وصول يودل (Yodel)؛ فضربنا كفينا ببعضهما بعضاً تحيةً، وقلت لنفسي أنَّ هذا الميل الأخير قد لخَّص كل ما أعرف عن تنظيم إيقاع عملي كرائد أعمال مستقل.

لقد تعلمت درساً قاسياً لا يزال يؤثر فيَّ حتى اليوم، مفاده أنَّ حياة رائد الأعمال المستقل ليست مثل السباق عبر مدينة سانت تشارلز (St. Charles) فحسب، بل رحلة على طول ولاية ميزوري؛ وهذا مثال مجازي على أنَّ سباق الحياة طويل، وأنَّه علينا أن نعامله على هذا الأساس.

أنا متأكد أنَّ الكثيرين يحسبون أنَّهم لن يصلوا إلى خط النهاية أبداً، ولهذا السبب علينا تنظيم إيقاع حياتنا ذهنياً وجسدياً وعاطفياً، وإلا سنُنهِك أنفسنا بكل تأكيد.

شاهد بالفديو: كيف تنظّم حياتك بالشكل الصحيح

لقد خضت صراعاً مع هذا الأمر في بدايات عملي الحر، فلم أستطع تنظيم إيقاعي الخاص بسبب سيطرة القلق على تفكيري؛ فاعتقدت أنَّ عليَّ بذل كامل جهدي في العمل، وبأسرع ما أستطيع كي أكون قادراً على إعالة أسرتي؛ مما أدى إلى إصابتي بالتوتر والضيق واليأس.

اعتقدتُ سابقاً أنَّ عليَّ الخضوع إلى كل شيء وقبول كل العروض؛ حتى لو تطلب ذلك مني أن أُثقل كاهلي بعمل لا يناسبني، أو أن أتحمَّل سوء أخلاق الزبائن مهما حصل.

ذات يوم - بعد 15 شهراً من العمل الحر - كنت أتناول الغداء مع مُرشدي الخاص، فذكر لي أنَّه قد طرد زبوناً ذاك الصباح؛ لقد كدت أختنق بطعامي من وقع المفاجأة، مستغرباً كيف فعل ذلك؛ فأجابني صراحةً أنَّ الزبون كان مدعاةً للمشكلات أكثر منه مصدراً للربح، لذا تخلَّصَ منه دون تردد.

وقد شاءت الصدفة وقتها أنَّني كنت أنا الآخر أعاني من عميل "جعلني أندم على الساعة التي قبلت بها العمل معه"؛ لكن لم يخطر في بالي قطُّ أنَّ باستطاعتي قطع علاقة عمل بشخص أكسب منه المال؛ وبصراحة، احتجت إلى وقت طويل لكي أستجمع قواي وأفعل ذلك، ما زلت حتى اليوم أتردد في التخلي عن الزبائن.

إقرأ أيضاً: سر كسب الزَّبائن وتوسيع نطاق عملك

من المحتمل أو المرجح أن يحرمك التمسك بزبون سيء يستنفد جُل وقتك؛ من إيجاد زبون جيد يتطلب وقتاً وطاقة أقل؛ لذا إن بقيتَ تتخذُ قرارات الخاطئة كهذه، ستضبط إعداداتك على السير على إيقاع خاطئ.

تقول كارولين كاسترولين (Caroline Castrillon)، مؤسسة شركة إسكيب آرتيست (Escape Artist) التي تدرب من خلالها روادَ الأعمال:

"يكون العمل الخاطئ أسوأ إن تراكم، لذا لا تخشَ التخلص من شيء يسبب لك الإزعاج؛ فلا شيء أسوأ من قبول عرض زبون جديد لن يكون راضياً عن عملك في نهاية المطاف".

من ناحية أخرى، إنَّ معرفة ما أنت قادر على فعله جزء هام من الحفاظ على إيقاع حياتك. هناك مثل منتشر بين العامة وتراه في كل مكان حتى على أكواب القهوة وهو: "إن كنت تريد الوصول بسرعة فاذهب بمفردك، أما إن كنت تريد قطع مسافة طويلة فاذهب بصحبة الآخرين"؛ لكن نصيحتي لك أن ترميه مع كوب القهوة في القمامة؛ ذلك لأنَّه محضُ هراء؛ فأنا أقود دراجتي أسرع عندما أكون برفقة الآخرين، وأبذل مزيداً من الجهد عندما أكون بصحبة من أراه يبذل الجهد أيضاً، وإن أردتُ تطبيق هذا على العمل؛ فسأحتاج إلى مُرشدين لمساعدتي على تسريع إيقاعي أكثر مما كنت أستطيع تسريعه وحدي.

شاهد بالفديو: كيف تتعلَّم فن اتخاذ القرارات الصحيحة

تكمن الحيلة ومعرفة تطبيقها في إيجاد إيقاع يدفعني إلى بذل مجهود أكبر دون أن أرهق نفسي في العمل.

لقد قطعت مسافة 50 ميلاً مع مجموعة من الأصدقاء في أثناء التدريب على رحلتي إلى طريق حديقة كاتي (Katy Trail)؛ لقد كانت أول 25 ميلاً سهلة، لكن لم تكن ثاني 25 سهلةً كسابقتها؛ ذلك لأنَّ المجموعة زادت من سرعتها، وعندها سرَّعت إيقاعي، لكنَّني لم أجاريهم إلا لبضعة أميال، واضطروا إلى أن يتوقفوا لانتظاري تحت جسر، وعندما وصلت، كان مزاجي قد ضعف بسبب الإرهاق، فضغطت على الفرامل بشدة، وانزلقت عبر الحصى، ولم أستطع فكَّ المربط الأيمن من دواستي وكدت أتعرض إلى حادث تصادم.

المقصود من مثالي السابق أنَّك إن أردت الشعور بلذة الفوز؛ فقد تُحمِّل نفسك فوق استطاعتها كي تجاري أصدقاءك الذين سبقوك؛ لكنَّك عندما تزيد من سرعة إيقاعك دون حساب، ستفقد التوازن وتسقط أرضاً وتصاب بآلام جسدية ونفسية؛ ومع ذلك ستتعلم درساً قيماً حول السرعة التي يمكنك السير فيها، والأهم من ذلك، مقدار السرعة التي لا تستطيع السير فيها.

لقد طبقت ذلك فعلياً في رحلتي على طريق حديقة كاتي (Katy Trail)؛ حيث تقدم عليَّ كل أصدقائي، وبدأنا جولةً تدريبية حول المنطقة بأكملها، وفيها جرى في داخلي حوار حول ما إذا كنت سألحق بهم؛ فوجدت نفسي أمام صراع بين الاستراتيجية والتكتيكات.

تضمنت استراتيجيتي إنهاء رحلة 240 ميلاً؛ عبر القيادة بسرعة كبيرة حتى لو هدَّ جسدي التعبُ وكلفني ذلك خسارة السباق، لكنَّني خشيت أن تودي بي هذه التكتيكات إلى السقوط، فتركت صديقيَّ يسبقانني، لكنَّني لم أسقط هذه المرة عندما لحقتهما إلى خط النهاية.

إقرأ أيضاً: 4 نصائح للتخلّص من ضغط العمل و الإرهاق اليومي

أظهرت استراتيجيتي وتكتيكاتي فاعليتها في اليوم الأخير الذي قطعنا فيه أنا ويودل (Yodel) مسافة 110 من الأميال، كان يودل (Yodel) بمثابة منتوري في معرفة متى يجب عليَّ تبديل السرعة؛ مما دفعني إلى الذهاب أسرع مما كنت سأفعل بدونه، لكن ليس إلى درجة الإنهاك.

عندما قطعنا الميل الخامس والسبعين أو ما يقارب ذلك، خطر ببالي ذلك المثل الشعبي: "إن كنت تريد الوصول بسرعة فاذهب بمفردك، أما إن كنت تريد قطع مسافة أكبر فاذهب برفقة أحدهم!" وجعلني أتساءل عن مدى صحته؛ ذلك لأنَّني أبطأت سرعةَ صديقي!

وعندما وصلت نهاية الرحلة، كان العرقُ قد بلل ملابسي، فوقفت في مَهبِّ الهواء العليل الذي ينفح جسدي، وعانقت صديقي الذي كان عليه العودة إلى زوجته وأطفاله، وأنا كنت بانتظار زوجتي على بُعد بضعة شوارع، لكنَّني لم أقوَ على ركوب الدراجة ففضلت المشي بمحاذاتها.

 

المصدر




مقالات مرتبطة