كيف تميز الفارق بين اللوم والمسؤولية؟

هل تعتقد أنَّ كل شيء كان سيسير على ما يُرام دائماً في عالم مثالي؟ قد يبدو هذا الكلام رائعاً للغاية في بداية الأمر، وخصوصاً إذا كان مختلفاً عن ظروفك الراهنة اختلاف الثريا عن الثرى؛ فغالباً ما يتحقق كل ما نبتغيه في خيالنا، وتسير جميع أمورنا كما خططنا لها تماماً؛ ولكن تكمن المشكلة في أنَّ اليقين قد يشعرُنا بالملل؛ لذا ترانا نعبث بتوازن الأمور، ونجرِّب أشياء جديدة.



ولكن قد تخرج الأمور عن السيطرة أحياناً بحدوث خطأ ما؛ لذا إنَّ ما تفعله بعد ذلك هو ما يُحدِث فارقاً كبيراً؛ فهل ردة فعلك المعتادة هي البحث عن الشخص الذي أفسد الأمر؟

قد يبدو هذا التصرف عملياً؛ ففي نهاية الأمر، لن تتمكن من حل المشكلة حتى تعرف من ارتكب الخطأ؛ أم لعلك تبحثُ عن الأمر الذي سار بشكل خاطئ؟ إذ لا تقتصر المشكلة على الأناس فحسب، بل تتضمن أموراً وعمليات معينة أيضاً؛ والتي قد يكون أحدها سبب المشكلة، ومن كان المسؤول عن المشكلة على أي حال؛ فربما كان الخلل في القيادة، أو التوجيه، أو التدريب؛ إذ ينبغي أن يتحمل أحد المسؤولية في نهاية المطاف.

ولكن قبل أن نطرح مثل هذه الأسئلة، علينا أن نتحقق من شيء واحد وهو: ما هدفنا من هذه التساؤلات؟ وهل نبحث عن شخص لنلقي اللوم عليه؟ أم نبحث عن أمر نحتاج إلى حله؟ أم نبحث عن قائد لنندِّد به؟

هذه هي الدوافع الشائعة التي تحرِّكنا؛ إذ يُعدُّ تصيُّد أخطاء الآخرين الهواية المفضلة في العالم السياسي والمهني والاجتماعي؛ فقنوات الأخبار مليئة بالمتحدِّثين الذين يلقون اللوم على الجميع، ويحتشدون لاستبدال المذنبين وطردهم من مواقعهم، ولسوء الحظ، ينتقل أولئك الذين حلُّوا محلهم إلى دائرة الاستهداف، وتستمر الحكاية.

يمتلك قلة قليلة من الناس القوة الكافية لتقبُّل اللوم وتحمل المسؤولية عندما تسوء الأمور، ويتمكن نسبة قليلة من أولئك الأشخاص الأقوياء من التماسك لمواجهة محنتهم التالية؛ ولكنَّ أمثال هؤلاء الأشخاص موجودون في الحياة، ويمكننا أن نسير على خطاهم؛ فما هو الفرق بينهم وبين أولئك الذين يهربون من خلال إلقاء اللوم على غيرهم؟

وقبل أن ندخل في التفاصيل، علينا أن نوضِّح بعض المفاهيم؛ فما هو اللوم، وما هو الخطأ، وما هي المسؤولية؟

  • يعني تحمل المسؤولية أن تخضع للمساءلة؛ وأن تلتزم أخلاقياً بنتائج أفعالك؛ فتُحاسب عليها إن خيراً كانت، وإن شراً.
  • ويعني أن تكون على خطأ أن تكون مسؤولاً عن إخفاقاتك، أو الأسوأ من ذلك، أن تكون مسؤولاً عن ارتكاب فعل غير مشروع.
  • وأما اللوم، فلا يقتصر على مجرد إلقاء المسؤولية على عاتق الآخرين فحسب؛ بل على نسب الأخطاء إليهم أيضاً.
إقرأ أيضاً: 6 نصائح مهمة لتنسى همومك ومشاكلك في الحياة

كيف تتعامل مع المسؤولية؟

ثمة سبل ناجحة للتعامل مع تحمل المسؤولية، وأخرى غير ناجحة؛ فلنبدأ بتلك التي لا تنجح:

عندما ينصب تركيزنا على اللوم، فإنَّ جلَّ ما نفكر فيه هو العثور على شخص نلقي ذلك اللوم عليه، وهي طريقة تفكير انتقادية وحاقدة تُشتِّت تركيزنا عن الأمر الذي لم يسِر على ما يرام، وكيفية منع تكرار حدوثه مجدداً.

غالباً ما نستخدم اللوم لنحوِّل الأنظار بعيداً عن أنفسنا؛ فلا أحد يرغب بأخذ اللوم على عاتقه، أو يتحمَّل أي خطأ بنفسه؛ ولكنَّ لعبة إلقاء اللوم هذه تدلُّ على غياب فهم جوهر المسؤولية من الأساس؛ إذ لا يمكن تحميل شخص ما المسؤولية بعد وقوع خطأ ما؛ وعندما تبدأ بإدراك ذلك، ستتوقف عن إلقاء اللوم على الآخرين، وستركِّز على دورك، سواء من خلال اتخاذ إجراء ما، أم من خلال عدم القيام به.

يفقد بعض الناس لحظة الصفاء هذه على الفور من خلال ارتكاب خطأ فادح آخر، وهو إلقاء اللوم على أنفسهم بعد الابتعاد عن لوم الآخرين، ويتحول الأمر إلى حالة من تأنيب الضمير، والحكم على الذات، وكراهية النفس، وشتَّان بين إلقاء اللوم على نفسك وبين تحمُّل المسؤولية؛ بل حتى أنَّه قد يكون طريقة لتجنب تحمُّلها.

يتمحور اللوم حول تصيُّد الأخطاء؛ والذي يُعدُّ سلوكاً انتقادياً في صميمه؛ فتحميل نفسك الذنب لن يغير، أو يُصلِح، أو يحسِّن أي شيء.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح تساعدك على الاستفادة من أخطائك

وعلى الجانب الآخر؛ ينطوي تحمُّل المسؤولية على هدف أسمى؛ إذ يتعلق الأمر برمته بالمساءلة؛ فالأمر بمنزلة مهمة عليك إنجازها وليست حكماً قاطعاً؛ فحين نُكلَّف بمهمة ما، فإنَّنا نحرص على إدارتها وحمايتها وتحقيق النجاح فيها؛ لذا، حينما ينتقل الكثير من الناس في بعض الظروف من حالة إلقاء اللوم على الآخرين إلى اللوم الذاتي، يُغيِّبون رؤية الهدف الأسمى للتركيز على المهمة؛ فكل ما حدث يقدِّم إليك الآن معلومات جديدة ومفيدة، بدلاً من صرف انتباهك عن أهدافك، كما يفعل لوم ذاتك.

ثمة التباس آخر في المعنى الذي تحمله عبارة "تحميل المسؤولية"، والتي ينبغي أن نكون حذرين من استخدامها؛ صحيحٌ أنَّها تتضمن كلمة "مسؤولية"، ولكن لا تنخدع بالأمر؛ فالكلمة الهامة هنا هي "تحميل"، والتي تُعدُّ مجرد بديل لعبارة "تصيُّد الأخطاء"؛ لذا تذكَّر دائماً أنَّ المسؤولية ترتبط بالحاضر، أو الماضي، ولا يمكنك تحميلها لأي أحد بعد وقوع الحادثة؛ لذا، استخدم عبارة "تقبُّل المسؤولية" بدلاً منها، ومن الأفضل أن تتقبل المسؤولية مسبقاً؛ إذ من المؤلم أن تفعل ذلك بعد وقوع خطأ ما، ولكن ضع في حسبانك أنَّ "تقبُّلك" هذا لم يخلق مسؤوليتك عن الأمر، بل كانت المسؤولية على عاتقك في الأساس.

إذا كانت المسؤولية تبدو وكأنَّها مسألة خطيرة، فهي كذلك بالفعل، وليست مسألةً هزليةً كإلقاء اللوم، وتصيُّد الأخطاء؛ لذا، تحمَّل المسؤولية بعقل منفتح، وابتعد عن إلقاء اللوم؛ إذ ستهدأ الأمور بذلك، وتتَّضِح أمامك؛ فتحمُّل المسؤولية خيرٌ من تحمُّل اللوم.

 

المصدر




مقالات مرتبطة