كيف تكون من الفائزين في شهر رمضان

شهر رمضان المبارك هو شهر عظيم المنزلة بالقياس إلى غيره من الشهور، فهو شهر الضيافة الإلهية الكريمة، شهر مليءٌ بفرص الخير والسعادة والغفران والعمل الصالح، فكيف نكون فيه ممّن رزقه الله مغفرته وجنّته ورضوانه؟



قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾.

ومن الخصائص الواضحة لهذا الشهر هو أنّ الله جَلَّ جَلالُه خصَّه بالذكر في القرآن الكريم، حيث لم تُذكر سائر الشهور بأسمائها في القرآن الكريم، وما يفترض أن يكون موضع إهتمامنا بصورة خاصة تجاه عظمة هذا الشهر ومكانته وما يحتويه من فرص الخير، هو أن يخاطب كل واحدٍ مناّ نفسه فيقول: ما هو نصيبي من هذا الشهر المبارك؟ و ما هو نصيبنا نحن المسلمون المؤمنون الصائمون من بركات هذا الشهر العظيم؟

كما وينبغي أن يتسائل كلٌ منّا و يقول: هل سأحظى بغفران الله ورضاه، وهل سأكون من الفائزين بالدرجات الرفيعة في نهاية هذا الشهر، أم أنّني سأكون من الخاسرين الذي لا نصيب لهم من بركات شهر رمضان، لأنّهم ضيعوا فرص الخير فجلبوا الحسرة والندم لأنفسهم، ومن الواضح أنّ الندم سوف لا يفيد، والحسرة لا تجدي بعد فوات الفرص!

فما علينا بالنسبة لهذا الشهر العظيم هو بذل ما بوسعنا والاجتهاد بصورة جادة لأن نكون ممّن يفوز بأكبر قدر ممكن من بركات شهر الرحمة والغفران.

إقرأ أيضاً: فضل شهر رمضان المبارك وأهم الأعمال والعبادات فيه

1. من هو الفائز في شهر رمضان؟

لكي يكون نصيبنا من شهر رمضان وبركاته وافراً، فلابدّ أن نعرف أولاً وبصورة واضحة ومحدّدة معنى الفوز الذي نتحدّث عنه، عندها سنعرف من هو الفائز حقاً.

ولو تأمّلنا في أدعية شهر رمضان المبارك لحصلنا على الإجابة الدقيقة، وكذلك لو تأمّلنا في أدعية عيد الفطر، إذاً فلو أردنا تحديد الفائز بكلمة واحدة أمكننا أن نقول أن المستفيد الحقيقي من بركات شهر رمضان هو الإنسان الحاصل على غفران الله عَزَّ وجَلَّ، القادر على تخليص نفسه من عذاب الله وسخطه، وهو الفائز بالجائزة الإلهية، كما وأنّ الخاسر الحقيقي هو المتقاعس عن الحصول على غفران الله تعالى.

2. تحديد نقطة الانطلاق والهدف:

إذا علمنا بأنّ نقطة الهدف في شهر رمضان المبارك هي الخلاص من النار، فإنّ نقطة الانطلاق سوف لا تكون إلّا الورع عن محارم الله التي نهى عنها، والورع هو التقوى، والوصول إلى درجة المتقين هو الغاية والحكمة من تشريع الصيام، حيث قال سبحانه و تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾.

وإذا كان الإنسان محافظاً على عدم الخروج من دائرة الورع و التقوى، وملتزماً بأوامر الله ونواهيه، عاملاً بما افترض الله عليه في شهر رمضان وفي غيرها من الأشهر، فإنّه سوف يفوز بغفران الله تعالى، وعندها يكون الإنسان فائزاً.

إقرأ أيضاً: الصوم وأثره في تهذيب النفوس وصحّة الأبدان

3. موانع الوصول إلى مرحلة الفوز:

هنا ينبغي الإشارة إلى أنّ هناك أموراً تُعيق وصول الإنسان إلى نقطة الهدف والحصول على غفران الله رغم بذل الجهد وتحمّل مرارة الجوع والعطش، فلابدّ من الانتباه لها وأخذ الحذر بشأنها، وهي أمور مهمة جداً تخص حالتنا المعاصرة كأمة إسلامية وكفرد مسلم، ونحن نشير إلى أهم هذه الأمور من خلال التنبيهات الآتية:

منذ أن تنبّه أعداء الإسلام إلى أنّ قوة المسلمين تكمن في تمسكهم بتعاليم الإسلام التي جاء بها القرآن الكريم وما جاء به النبي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم والتزامهم بهذه التعاليم القيمة المباركة التي لها أثرٌ إعجازي في تماسك الأمة الإسلامية ورُقيها مادياً ومعنوياً ممّا يُشكل سداً منيعاً أمام هجماتهم الحاقدة حتى بدأوا بكل ما بوسعهم في التخطيط لإبعاد المسلمين عن روح الدين الإسلامي من خلال إفراغ الدين من محتواه الحقيقي والمؤثّر، وعمدوا إلى المواسم الدينية والعبادية وسعوا بكل الوسائل في جعلها طقوساً دينية جامدة لا روح فيها.

ولم يسلم شهر رمضان بإعتباره من أهم المواسم الدينية من كيد الأعداء، فيا أيها المسلم الغيور ألا ترى البرامج الرمضانية المختلفة التي يبثها إعلامنا في دولنا الإسلامية والعربية، ما هو مستواها؟ وكم هي ساقطة وتافهة من حيث المحتوى والمضمون، لا تأثّر على مستمعها ومشاهدها إلّا سلباً، وهي في تردٍ دائم، فلا تكاد تجد مسلسلاً أو فلماً رمضانياً خالياً من الخلاعة والمجون والرقص والغناء والفحش، والأَمَرُّ من كل هذا هو وصفها بالمسلسلات الرمضانية أو البرامج الرمضانية، والتي هي أبعد شيء من شهر رمضان المبارك وأهدافه.

ومن جملة ما حدث لشهر رمضان المبارك وفريضة الصوم، هو سوق الصائمين بصورة غير مباشرة من خلال نفس هذه البرامج إلى إيجاد حالة الشره في الأكل والشرب من خلال التفنّن في إعداد الموائد الرمضانية بدلاً من تعويد النفس على قلّة المأكل والمشرب وتحسّس الجوع والعطش.

فإنّ التركيز على الأكل والشرب من قبل هذه المؤسسات الإعلامية إنّما هو من أجل عكس النتائج المتوخاة من هذا الشهر الكريم وإلهاء الصائمين عن روح الصيام وأهداف شهر الضيافة الإلهية.

إقرأ أيضاً: 10 عادات خاطئة يُمارسها الصائم في رمضان

وما أشرنا إليه ليس إلّا مثالاً واحداً ممّا حاكه أعداء الأمة الإسلامية ضد الشريعة الإسلامية والمسلمين، ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعض السلوكيات الخاطئة التي نجح هؤلاء الأعداء من ترسيخها في عادات شعوبنا المسلمة وخاصة شبابنا.

فكم ترى وأنت تمشي في ليالي شهر رمضان على أرصفة الشوارع وفي الطرقات والأزقة والخيم الرمضانية من حلقات اللعب واللهو والقمار وغيرها!
وكم ترى الناس في المقاهي والملاهي والبيوت والمراكز التجارية والحدائق وغيرها الناس الصائمون وهم يجترون النكات السخيفة والكلام الفارغ، أو وهم يستمعون إلى الأغاني، أو وهم يشاهدون في أكثر ساعات الليل الأفلام والمسلسلات الخليعة والساقطة أو التافهة التي تخدش الحياء وتدمِّر الأخلاق، والتي لا تزيد الإنسان في معلوماته ولا في علمه وإيمانه وخُلقه، ولا تجلب له سوى الآثام والذنوب والخسران والسقوط.

كل هذا بدلاً من العبادة الخالصة، والصلاة الخاشعة، والدعاء والابتهال والتوجّه إلى الله والإنابة إليه، والإهتمام بما أمرنا الله عَزَّ وجَلَّ، والتي من أهمها الاهتمام بأمور المسلمين وهمومهم.

4. شهر رمضان وهموم الأمة الإسلامية:

إنّ شهر رمضان شهر الاهتمام بهموم الأمة الإسلامية ومعالجتها، فكيف يتمكّن شبابنا المسلم وهو يسهر حتى الصباح وينام ساعات النهار، وقد ينام بعضهم حتى موعد الإفطار، أن يحمل هم إمته ويسعى في معالجة شيء من همومها!

وكيف تتمكّن بناتنا ونساؤنا من التفكير في هموم أمتها الإسلامية وهي تجول وتتنقل بين المحال التجارية ومراكز التسوّق معظم لياليها في شهر رمضان خاصة في العشر الأواخر استعداداً لعيد الفطر! نعم هذا ما أراده أعداء الإسلام وخطّطوا له فنجحوا في الوصول إليه، حيث صرفوا إهتمامنا عن أهداف شهر رمضان الذي هو شهر تربية النفس وتعويدها على الأخلاق الحميدة وتحمّل المسؤولية، وهو شهر مضاعفة العمل.

نسأل الله عَزَّ وجَلَّ أن يكون نصيبنا من هذا الشهر نصيباً وافراً مباركاً وأن يرزقنا الله مغفرته وجنّته ورضوانه.




مقالات مرتبطة