كيف تكون شخصاً متفائلاً عندما تواجهك المصاعب؟

عندما تقسو علينا الحياة ونواجه الكثير من العوائق، يصبح من الصعب جداً أن نكون أشخاصاً متفائلين. وفي الوقت الذي نحاول فيه التعامل مع هذه الصعوبات، يتملَّكنا الخوف والإحباط وخيبة الأمل، وتغمرنا مشاعر الخمول والتردد، ويصبح التفاؤل هو آخر شيء قد نشعر به. "أعتقد أنَّه ينبغي عليَّ زيادة شعوري بالتفاؤل كي أُهيِّئَ نفسي للمعركة المقبلة". - الممثلة الأمريكية ريبيكا بلوم (Rebecca Bloom).



لماذا من الهام أن نكون متفائلين؟

إنَّ التفاؤل هو أحد أفضل الطرائق التي يمكِنك من خلالها التعامل مع الضربات القاسية في الحياة؛ فامتلاك نظرة متفائلة للحياة له فوائد صحية مذهلة.

تُظهِرُ لنا الأبحاث العلمية أنَّ حضورنا في مكان نشعر فيه بالخوف وخيبة الأمل، حيث لا نمتلك الطاقة ولا الأمل، ليس أمراً جيداً لعافيتنا العامة.

"يساعد التفاؤل الناس على التأقلم مع الأمراض والتعافي من العمليات الجراحية؛ والأمر المذهل هو تأثير النظرة الإيجابية في الصحة العامة وطول العمر؛ حيث تؤكد الأبحاث أنَّ النظرة المتفائلة في وقت مبكر من الحياة يمكِن أن تتنبَّأ بالتمتع بصحة جيدة ومعدل وفيات أقل بين الفترة الممتدة من 15 إلى 40 عاماً".

قدرتك على الاختيار هي المفتاح لعيش حياة متفائلة:

على الرغم من أنَّك قد لا تكون متفائلاً بالفطرة، إلا أنَّ استخدام قدرتك في اختيار الخيارات الإيجابية بحكمة يمكِن أن يساعدك على تطوير موقف متفائل سيُمَكِّنُك من مواجهة المصاعب التي تعترض طريقك في الحياة؛ فأنت الشخص الوحيد الذي يمكِنه التحكم فيما إذا كنتَ تريد أن تكون متفائلاً أم لا. يقول الدالاي لاما (Dalai Lama): "اختر أن تكون متفائلاً، وستشعر بالراحة".

يقول المؤلف نيل دونالد وولش (Neale Donald Walsch): "كن صادقاً مع نفسك فيما يتعلق بالسبب الذي يجعلك تختار القيام بأمر ما، ثمَّ افعله بكل سرور، واعلم أنَّه يمكنك دائماً أن تفعل ما تريد، وإنَّ قولك "ليس لدي خيار" هو عبارة عن كذبة؛ فالخيار بيدك، إلا أنَّك ببساطة لا تفضِّل البدائل المتاحة لك لأيِّ سببٍ من الأسباب؛ لذا تختار النتيجة التي تفضلها".

في الحقيقة إنَّه قول رائع؛ لأنَّه يشرح بوضوح كيف يمكِنك استخدام قدرة الاختيار للحصول على النتائج التي تريدها.

يمنحك التفاؤل المجال لاستكشاف أفكار وتجارب وإمكانات جديدة، كما يمنحك الفرصة لرؤية خيارات جديدة لتعيش حياتك بصورة أفضل، ويساعدك على النظر إلى المستقبل بأمل وإيجابية.

إقرأ أيضاً: 9 طرق لتزيد الإيجابية في حياتك

ما هو التفاؤل؟

يُعَرَّف التفاؤل وفقاً للكوتش والمؤلفة "إليزابيث سكوت إم إس" (Elizabeth Scott MS) بأنَّه: "عبارة عن موقف نفسي يتميز بالأمل والثقة في النجاح والمستقبل الإيجابي؛ فالمتفائلون هم الأشخاص الذين يتوقعون حدوث أمور جيدة، في حين يتوقع المتشائمون بدلاً من ذلك نتائج غير مُرضية".

ومع ذلك، أن تكون متفائلاً لا يعني بالضرورة أنَّه يمكِنك التعامل بنجاح مع تحديات الحياة، وامتلاك طريقة تفكير إيجابية مع نظرة متفائلة يعزز فرصك في مواجهة الصعاب والتحديات في الحياة.

ما هي طريقة التفكير الإيجابية؟

يُعرَّف التفاؤل بحسب قاموس أكسفورد (The Oxford) بأنَّه: "الأمل والثقة بشأن المستقبل أو نجاح أمرٍ ما"؛ بينما تُعرَّف الإيجابية على أنَّها: "ممارسة التفكير الإيجابي، أو الميل إلى أن تكون إيجابياً أو متفائلاً في المواقف التي تواجهك".

يحثُّك التفكير الإيجابي على البحث عن حلول، بينما يتمحور التفكير السلبي حول المشكلات والعقبات؛ كما أنَّ التفكير الإيجابي هو موقف عاطفي ونفسي يُرَكِّز على الخير ويتوقع نتائج مفيدة؛ حيث يتعلق الأمر بتوقع السعادة والصحة والنجاح. والتفكير الإيجابي بصورة أساسية، هو تدريب نفسك على تَبَنِّي عقلية الوفرة والشعور بالامتنان لنجاحاتك ونجاحات الآخرين.

يُعدُّ كلٌّ من التفاؤل والتفكير الإيجابي أمرين متلازمين؛ حيث لا يمكِنك أن تكون متفائلاً وأنت لا تمتلك طريقة تفكير إيجابية.

ولمواجهة المصاعب والحفاظ على نظرة متفائلة وإيجابية، تعتقد غابرييل أوتينجن (Gabriele Oettingen)، الباحثة في التحفيز في جامعة نيويورك (New York University) ومؤلفة كتاب "إعادة التفكير في التفكير الإيجابي" (Rethinking Positive Thinking)، بأنَّ الأمر لا يتعلق بالأفكار السعيدة فحسب؛ وإنَّما بالتخطيط وتَوَقُّع النتائج الإيجابية التي توصِلنا إلى نتائج تفيدنا.

تصف أوتينجن (Oettingen) التفاؤل بأنَّه عبارة عن توقعات إيجابية عن المستقبل استناداً إلى التجارب السابقة، وبينما تصف التفكير الإيجابي بأنَّه الأحلام التي نتوق إلى تحقيقها، ولا يُعدُّ أمراً سيئاً إذا طُبِّقَ بصورة صحيحة.

كما تعتقد أوتينجن (Oettingen) أنَّه إذا طبَّقنا التفاؤل (وهو سمة شخصية)، فإنَّنا نحصل من خلال التفكير الإيجابي (وهو خيار نتخذه) على ما تدعوه بـ "التباين العقلي" (وهو استراتيجية تنظيم ذاتي مطلوبة من أجل الالتزام بتحقيق الأهداف)، وهو أمر هام للتحفيز وإطلاق العمليات المعرفية غير الواعية الضرورية لتحقيق الأهداف.

3 استراتيجيات لتكون شخصاً متفائلاً:

سيساعدك تطبيق هذه الاستراتيجيات الثلاث على تحدي الصعاب التي تواجهها في الحياة، بحيث تبقى شخصاً متفائلاً وتتمتع بطريقة تفكير إيجابية.

1. استخدام نموذج ووب (WOOP):

جمعَت غابرييل أوتينجن (Gabriele Oettingen) أفكارها مع أفكار زميلها الأستاذ في علم النفس والباحث بيتر جولفيتزر (Peter Gollwitzer)، وتوصَّلوا إلى تمرين تحفيزي يسمى نموذج ووب (WOOP) (وهو نموذج مكون من أربع خطوات وهي الأمنية (Wish)، والنتائج (Outcome)، والعقبات (Obstacle)، والتخطيط (Plan).

يمكِنك العمل على تحقيق الهدف باستخدام هذا النموذج، من خلال تطبيق هذه الخطوات الأربع:

  1. تمنِّي أمر تود تحقيقه.
  2. تخيُّل نتائج جيدة.
  3. النظر في العقبات التي قد تعيق طريقك.
  4. التفكير بخطة للتغلب على تلك العقبات.

أظهرت نتائج الأبحاث التي أجرَتها أوتينجن (Oettingen) أنَّ استخدام نموذج ووب (WOOP) يُعدُّ أكثر نجاحاً من التفكير الإيجابي لوحده في مساعدة الناس على تحقيق أهدافهم المنشودة.

إنَّ معرفة طريقة تفعيل نظرتك الإيجابية والمتفائلة للحياة من أجل الحصول على النتائج التي تريدها، هي الحل لبناء مرونتك لإدارة الضربات القاسية والتحديات التي تضعها الحياة في طريقك؛ حيث يتطلب امتلاك نظرة إيجابية للحياة العمل واستخدام نموذج ووب (WOOP) لوضع أهدافك موضع التنفيذ حتى تتمكَّن من البدء بشعور جيد بشأن تحقيق الأهداف التي وضعتَها في الحياة.

شاهد بالفديو: كيف تستمر في مواجهة التحديات عندما تزداد الحياة صعوبة؟

2. تَبنِّي طريقة تفكير إيجابية ومُتفائلة:

يمكِن أن يساعدنا تَبنَِّي طريقة تفكير إيجابية على تجاوز الأوقات الصعبة. ومع ذلك، ما لم نكن حريصين، فيمكِن أن نميل إلى التركيز على الأفكار الإيجابية والتخلص من الأفكار السلبية كلياً، وقد تكون هذه طريقة مُرهقة وغير واقعية للتعامل مع صعوبات الحياة.

يُعدُّ الجمع بين طريقة التفكير الإيجابية والنظرة المتفائلة الواقعية للحياة سلاحك السِّري لتتجاوز العقبات والعثرات التي تواجهها في الحياة بنجاح.

نُقدِّم إليك فيما يلي 4 نصائح يمكِنك اتِّباعها، والتي ستساعدك في النمو والحفاظ على طريقة تفكير إيجابية ومتفائلة:

  1. شارِك التغذية الراجعة الإيجابية مرة واحدة يومياً مع ثلاثة أشخاص على الأقل، إما زميل في العمل، أو صديق، أو أي شخص تقابله؛ إنَّ جعل الأشخاص من حولك يشعرون بالإيجابية له آثار دائمة في حياتك.
  2. امدح نفسك كل صباح عندما تستيقظ وفي الليل قبل أن تذهب للنوم مباشرة، وفكِّر في كل الأمور الإيجابية التي حدثت معك خلال اليوم، واحتفِظ بدفتر يوميات، وسجِّل يومياً ما لا يقل عن ثلاثة أمور إيجابية فعلتَها اليوم أو تشعر بالامتنان تجاهها.
  3. تصوَّر مستقبلاً إيجابياً لنفسك؛ أحضِر دفتر يومياتك، وسجِّل ولمدة سبعة أيام كل الأمور العظيمة التي تريد أن تحدث معك غداً، والأسبوع المقبل، والشهر المقبل، والعام المقبل؛ فهذه هي الخطوة الأولى لتحقيق الأحلام الكبيرة بنظرة متفائلة للحياة.
  4. ضع في الحسبان تحدياً أو عقبةً كبيرة تواجهها في حياتك الآن، واكتب خمس نتائج إيجابية محتملة على الأقل مرتبطة بها، حيث يساعدك هذا التمرين على النظر إلى تحدياتك بعقلية متفائلة وإيجابية.

3. تقدير التفكير السلبي:

عندما تتعامل مع أوقات عصيبة وتشعر أنَّ المصاعب تعترض طريقك، فمن الصعب الحفاظ على نظرة متفائلة تجاه حياتك؛ حيث لا يمكِنك استبعاد أو إخفاء مشاعرك السلبية، فكل ما تقاومه سيستمر.

أفضل طريقة لتكون متفائلاً على الرغم من المصاعب التي تواجهك في الحياة، هي الاعتراف بحدوث أمور سيئة معك؛ فتجاهُل الواقع ليس أمراً مفيداً، والتحلي بالواقعية أمر هام بالنسبة إليك لتتعرف على أفضل طريقة يمكِنك استخدامها للتعامل مع المواقف الصعبة التي تواجهها. وتُعدُّ النظرة الصحية والواقعية لحياتك طريقةً رائعةً لتتقبَّل أنَّك تبذل قصارى جهدك عندما تقوم بأي عمل، وأنَّك ستكون بخير، بغضِّ النظر عن النتيجة.

عندما تفكر بطريقة سلبية، توقَّف للحظة، وقيِّم مدى واقعية أفكارك، ثمَّ أعِد صياغة أفكارك السلبية باستخدام عبارات أكثر واقعية، بحيث تساعدك في الحفاظ على نظرة متفائلة للمستقبل والخروج بحلول محتملة.

إقرأ أيضاً: 4 مشاكل يتسبّب بها التفكير السلبي

أفكار أخيرة:

كشخص متفائل، أنت تؤمن بالأمل والفرص وبمستقبل أكثر إشراقاً؛ حيث أنَّ اختيار أن تكون متفائلاً هو خيار يعود عليك بفوائد مدهشة. وأظهرت الأبحاث العلمية أنَّ النظرة المتفائلة والإيجابية للحياة تساعدك على عيش حياة أكثر صحةً وسعادةً، على الرغم من المصاعب التي تواجهك، وعندما تحاول أن تكون متفائلاً، لا سيَّما عندما تواجه بعض المصاعب، فإنَّ امتلاك طريقة تفكير إيجابية هو المكون السري لمساعدتك على تحقيق النجاح في الحياة.

يُعدُّ كلٌّ من التفاؤل والتفكير الإيجابي أمرين متلازمين؛ فالتفكير الإيجابي يحثُّك على البحث عن حلول، بينما يتمحور التفكير السلبي حول المشكلات والعقبات. وبالتأكيد كلَّما كنتَ أكثر تفاؤلاً في الحياة، كنتَ أكثر سعادةً.

سيساعدك تطبيق الاستراتيجيات الثلاث المذكورة أعلاه في البقاء متفائلاً في أثناء مواجهة التحديات والأوقات الصعبة في حياتك.

المصدر




مقالات مرتبطة