كيف تقيس تقدمك بالعودة إلى الوراء؟

غالباً ما نقيس التقدم من خلال النظر إلى المستقبل؛ إذ نحدد الأهداف، ونخطط لمعالم التقدم التي سنحرزها، ونحاول بذلك التنبؤ بالمستقبل إلى حد ما؛ وعادةً ما نتَّبع ذلك في العمل والصحة والحياة عموماً، فمثلاً:



  • هل يمكننا زيادة أرباحنا الربعية السنوية بنسبة 20%؟
  • هل يمكنني خسارة 10 كيلوغرامات في الأشهر الثلاثة القادمة؟
  • هل سأتزوج في سن الثلاثين؟

تتعلق كلُّ هذه الحسابات بالمستقبل؛ ونحن نتطلع إليه، ونحاول أن نخمن متى سنصل إلى مكان ما؛ ولكن هناك طريقة معاكسة أعتقد أنَّها أكثر فائدة، وهي: قياس التقدم بالنظر إلى الماضي بدلاً من المستقبل. إليكَ ما أعنيه:

1. قياس التقدم بالنظر إلى الوراء، بدلاً من قياسه بالنظر إلى الأمام:

أنا أجلس أمام جهازي الحاسوب كلَّ أسبوع، وأملأ جدول بيانات صغيراً لتتبع المقاييس الأساسية في عملي وتجارتي ومشتركي بريدي الإلكتروني والإيرادات والنفقات، وما إلى ذلك؛ وأعتقد أنِّي أتقنت العملية بشكل جيد حتى الآن؛ لذلك فهي تستغرق مني 15 دقيقةً فقط.

خلال تلك الدقائق الخمسة عشر، أحصل على تغذية راجعة واضحة جداً فيما إذا كنت أحرز تقدماً في المجالات التي تهمني أم لا، وأعرف الاتجاهات الذي تتحرك فيها الأمور؛ وإذا كانت الحسابات تتحرك بشكل خاطئ في مجال ما، فيمكنني تصحيح مسارها في الأسبوع التالي. أي باختصار: إنَّي أقيس تقدمي بالرجوع إلى الوراء، وأستخدم هذا القياس العكسي كوسيلة لتوجيه إجراءاتي للأسبوع المقبل.

كما أستخدم استراتيجية مماثلة في نادي الألعاب الرياضية، حيث أرفع الأثقال كلَّ يوم اثنين وأربعاء وجمعة؛ وعندما أذهب إلى صالة الألعاب، أفتح دفتر ملاحظاتي وألقي نظرة على الأوزان التي رفعتها في التمرين الأخير أو آخر تمرينين، وأخطط بعد ذلك لممارسة التمرينات الرياضية بزيادة المجموعات أو التكرارات أو الأوزان بالقياس عمَّا كانت عليه في الأسبوع السابق، وأسعى بالطبع إلى زيادة طفيفة؛ فأنا مهتم بإحراز تقدم ولو بنسبة 1%. وكما هو الحال في أعمالي، كذلك الوضع في نادي الألعاب الرياضية؛ حيث أقيس التقدم بالرجوع إلى الوراء، وأستخدم هذا القياس في تحديد خطوتي القادمة، وأسعى إلى التحسن باستمرار؛ ولكن أعتمد في اختياراتي على ما حدث مسبقاً، وليس على ما أتمنى حدوثه في المستقبل.

2. قيود العادات:

"إنَّ قيود العادات ضعيفة جداً لتشعر بها في البداية، لكنَّها تصبح قوية جداً بحيث يصعب التخلي عنها"- صمويل جونسون (Samuel Johnson). عندما يتعلق الأمر ببناء عادة جيدة والتخلي عن العادات السيئة، فإنَّ أعظم صراعاتنا هو الحفاظ على الوعي بما نقوم به بالفعل؛ فكلَّما أصبح سلوكنا أكثر تلقائية، قلَّت احتمالية ملاحظته.

يساعدنا فهم هذا على معرفة العواقب المترتبة على العادات السيئة المتسللة إلى حياتنا؛ ففي الوقت الذي تكون فيه انعكاسات أفعالنا هذه واضحة، نكون قد أصبحنا بالفعل مدمنين على نمط سلوك جديد.

لكن ومع ذلك، يلفت قياس التقدم بالرجوع إلى الوراء الانتباه إلى هذه الأنماط غير المرئية من خلال إدراكك لما تقوم به بالفعل، بحيث يجبرك على الانتباه إلى أفعالك الأخيرة، وعندها لن تعيش في عالم خيالي من الأحلام والآمال؛ إذ عليك إلقاء نظرة على التغذية الراجعة المسجلة لما حدث مؤخراً في حياتك، ومن ثمَّ بناء قراراتك وتحسيناتك وفقاً لتلك البيانات.

الخبر السار أنَّه يمكنك بناء قراراتك على أساس ما تقوم به بالفعل، وليس على ما تتوقع فعله في المستقبل.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات مهمة تساعدك على المُضي قُدماً في الحياة

3. أهمية التغذية الراجعة قصيرة الأمد:

"إنَّ أفضل طريقة لتغيير السلوك طويل الأمد هي من خلال استخدام التغذية الراجعة قصيرة الأمد". سيث غودين (Seth Godin).

هناك تنبيه واحد عن استخدام هذه الاستراتيجية، وهو أنَّه عندما تقيس تقدمك بالرجوع إلى الوراء، يجب أن تأتي ببياناتك من الماضي القريب؛ فمثلاً: لو أنَّني استخدمت بيانات من عامين لقياس التقدم المحقق واتخاذ القرارات اللازمة، لكانت خياراتي غير قابلة للتطبيق؛ وينطبق الشيء ذاته على فكرة رفع الأثقال أو أيِّ تحسين آخر؛ فأنا لا أريد أن أسند أفعالي إلى ما أنجزته منذ وقت طويل، وإنَّما إلى ما حققته مؤخراً. بمعنىً آخر: أريد تغذية راجعة قصيرة الأمد وليست طويلة؛ فكلَّما كانت أقصر، كانت أفضل.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تساعدك على التخطيط لحياتك بشكل جيد

4. قياس السعادة:

هناك فائدة إضافية أخرى لهذه الاستراتيجية؛ فعندما تقيس تقدمك بالرجوع إلى الوراء، ستستمتع بالتقدم الذي تحرزه الآن، بدلاً من أن تتشوق لحياة مختلفة في المستقبل. لست مضطراً إلى انتظار السعادة حتى تتمكن من الوصول إلى مرحلة أو هدف معين في المستقبل، ولن تكون السعادة مجرد خط نهاية عليك السعي إلى الوصول إليه؛ إذ إنَّ التركيز على طريقة التحسين الفوري لماضيك أكثر إرضاءً من مقارنة وضعك الحالي بالوضع الذي تأمل أن تكون عليه يوماً ما.

5. تكمن الفكرة في الممارسة العملية:

تتطلب كلُّ التحسينات التي نرغب في إجرائها في حياتنا نوعاً من التغيير في السلوك؛ فإذا كنت تريد نتائج مختلفة، عليك القيام بشيء مختلف.

السؤال الذي تصعب الإجابة عليه: ما الشيء الذي يجب أن نفعله بشكل مختلف للحصول على النتائج التي نريدها؟

نحن نستجيب غالباً من خلال التركيز على نتيجة ما وتحديد هدف لأنفسنا؛ فتحديد الأهداف أمر جيد، وامتلاكنا شعوراً بالتوجه نحو ما نريد تحقيقه أمر بالغ الأهمية؛ لكن عندما يتعلق الأمر بالتحسينات التي يمكننا إجراؤها حالياً، فقياس التقدم بالرجوع إلى الوراء هو الحل الأمثل. لذا، دع نتائجك الأخيرة تقود اجراءاتك المستقبلية.

  • فقدان الوزن: قس السعرات الحرارية التي تتناولها. هل تناولت 3500 سعرة حرارية الأسبوع الماضي؟ ركز على 3400 كمتوسط سعرات حرارية يومياً لهذا الأسبوع.
  • تدريب القوة: إذا قمت بتمرين السكوات (القرفصاء) لخمس مجموعات مع خمسة تكرارات، ورفعت وزناً قدره 70 كغ الأسبوع الماضي؛ فجرب رفع 75 كغ هذا الأسبوع.
  • العلاقات: كم عدد الأشخاص الجدد الذين قابلتهم الأسبوع الماضي؟ صفر؟ ركز إذاً على تقديم نفسك لشخص جديد هذا الأسبوع.
  • الأعمال التجارية: هل حصلت على عميلين فقط الأسبوع الماضي بينما معدلك هو خمسة أشخاص؟ يبدو أنَّه يجب عليك التركيز على إجراء مزيد من مكالمات المبيعات هذا الأسبوع.

قس التقدم بالرجوع إلى الوراء، ثمَّ تحسن قليلاً، واسأل نفسك: ماذا فعلت الأسبوع الماضي؟ وكيف يمكنك أن تحسن نفسك قليلاً هذا الأسبوع؟

 

المصدر




مقالات مرتبطة