كيف تفكر مثل عالم صواريخ؟

عندما تواجه مشكلة ما في حياتك، فإنَّك تقول لنفسك على سبيل التحفيز "هذا ليس علم صواريخ"؛ أي إنَّها ليست مستحيلة الحل، فكل شيء في هذه الحياة يمكن أن نتعلمه، ولا وجود لما لا يمكن لنا أن نصل إليه.



نقدم لكم في هذا المقال بعض الأفكار الهامة التي احتواها كتاب "كيف تفكر مثل عالم صواريخ" للكاتب "أوزان فارول" والذي يعرِّفنا من خلاله إلى طريقة التفكير الخاصة بعلماء الصواريخ؛ وذلك عبر تحديد أهدافهم بدقة، وطريقة تكيفهم مع الظروف الراهنة، وكيف يستطيعون أن يحولوا المجهول إلى طاقة شغف بدل القلق والخوف.

كيف يساعدك تحديد الهدف على النجاح في الوصول إلى هدفك؟

فكر بنتيجة وجدوى وفاعلية أي عمل تقوم به، فالحياة مليئة بالأشياء والأفكار والمجالات، وعددها هائل وربما لا محدود؛ وهذا يجعلنا في كثير من الحالات نتوه، وقد نصاب بالصداع بسبب كثرة ما يُعرض علينا من خيارات، وكثرة ما يمر أمامنا من منتجات وأشياء جديدة كل يوم؛ وهذا ما يجعل الدماغ متعباً أو لنقل متخماً بالأفكار والأساليب والآليات لدرجة لا يستطيع معها أن ينتقي منها المفيد، فقد استنزف الجزء الأكبر من طاقته في التعرف إلى الكثير من الأشياء أو الأفكار والمجالات، ولم يستطع مراجعتها وتنقيحها واختيار ما يلزم وما يفيد، ومن ثم التخلي عن الباقي.

لهذا الأمر، يجب علينا أن نحدد هدفاً واضحاً نسير عليه في أغلب الأوقات، وهو محور حياتنا الأساسي أو الوظيفة التي نحلم بها والتي تؤمن لنا متطلبات العيش من الطعام والشراب وصولاً إلى الاستمتاع الفكري وتحقيق الذات والنجاح والتميز وتحقيق الفائدة لأنفسنا والآخرين من حولنا، وهو ما يشبه عالم الصواريخ الذي يصمم الصاروخ على استهداف هدف محدد بعينه؛ فلا يمكن لصاروخ واحد أن يهاجم أهدافاً كل واحد منها في مكان.

كيف يمكن للتكيف مع الظروف الراهنة أن يقلب الطاولة لمصلحتنا؟

لا بد أنَّك سمعتَ بكثير من الأشخاص الذين ينتظرون الظروف المناسبة لبدء عملهم، أو ينتظرون التمويل من أجل بدء مشروعهم، وهذا غالباً لا يحصل؛ لأنَّ أهم قوانين عالم الصواريخ هي التكيف مع الظروف الراهنة من أجل تحقيق الهدف، وليس انتظار الظروف لكي تتغير أو انتظار قوة خفية تقلب لنا الظروف لمصلحتنا.

جميعنا سمعنا بالملياردير الشهير "إيلون ماسك" الذي أراد أن يصنع صاروخاً فضائياً، ولكنَّه لا يملك في الواقع ثمن صاروخ واحد، فلم يستمع لأحاديث الناس والمسلمات المنتشرة بينهم بأنَّ الدول الكبرى هي وحدها القادرة على تصنيع الصواريخ، ووضع "إيلون ماسك" هذه المسلمات وراء ظهره وبدأ يبحث عن طريقة أخرى، فوجد أنَّ تصنيعه للصاروخ بنفسه لن يكلفه سوى 2% من ثمن شرائه جاهزاً، واليوم "إيلون ماسك" هو صاحب واحدة من أكبر شركات الفضاء حول العالم المعروفة باسم "سبيس إيكس".

هنا نستنتج درساً هاماً وهو أن نفكر خارج ما يتم فرضه علينا من إطارات أو حدود أو قوالب، وإيجاد طرائق وأساليب جديدة ومبتكرة، دون أن نسمح لأحد بأن يقول لنا ما تفكر فيه هو ضرب من المستحيل، وإلا كيف كان لـ "إيلون ماسك" الذي هرب من مسقط رأسه في جنوب أفريقيا، فاراً من الخدمة الإلزامية في الجيش إلى كندا، وهناك بدأ مسيرته في دراسة فيزياء الطاقة، ومن بعدها أنشأ أول شركة له، التي كانت عبارة عن دليل للمواقع الإلكترونية.

المجهول وخوف الناس الدائم منه:

إنَّ معظم الناس لديهم خوف تجاه المجهول، فكما وجودك في غرفة مظلمة يجعل الخوف يتسرب إليك، كذلك هو المجهول، فجميعنا كذلك ما عدا فئة واحدة من الناس، وهي العلماء والمخترعون والمكتشفون وجميع العظماء عبر التاريخ، فهم لم يخافوا من المجهول؛ بل على العكس من ذلك، كان المجهول دافعاً لهم للبحث عن أزرار يضيئون بها ممراتهم، وقد كان المجهول في جميع حالاته وتجلياته دافعاً وحافزاً لهم، لكي يبحثوا عن الضوء.

هذا ما يحب علينا فعله مع أنفسنا؛ لأنَّ المشكلة ليست في وجود هذا المجهول؛ بل المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية رؤيتنا لهذا المجهول، وطريقة التعاطي معه، فإذا لم نكن قادرين على إزالة هذا المجهول من دربنا، فلماذا لا نتقبله ونغير طريقة حكمنا عليه؟

شاهد: 18 نصيحة سريعة تساعدك على تحقيق النجاح

كيف نستطيع أن نتغلب على خوفنا من المجهول؟

نستطيع في البداية أن ندخل أنفسنا في بعض التجارب الصغيرة، ولكنَّها تحمل نهايات مجهولة، وتكرار مثل هذه التجارب كلما سنحت الفرصة، يساعدنا على تقبل فكرة المجهول أولاً، وثانياً هو كسر الحاجز النفسي الذي يجعلنا نخاف من المجهول، وفق القانون السايكولوجي الذي ينص على أنَّ كثرة التعرض تلغي الاستجابة.

من ثم نستطيع أن نحاول تغيير طريقة تفكيرنا فيما يخص الأمور المجهولة، فلنقنع أنفسنا أنَّ المجهول هو الأداة والبيئة التي تساهم في إكسابنا مهارات جديدة لم نمتلكها من قبل، ويساعد بطريقة فعالة على صقل مهاراتنا السابقة، فالتجارب المجهولة هي التدريب العملي الأكثر فائدة لملكات الإنسان النفسية والعاطفية والفكرية.

إذا أجرينا حواراً بسيطاً مع أنفسنا، وافترضنا لو كانت الحياة عبارة عن مخطط مكشوف بشكل كامل وخالٍ من أي تعقيدات أو أمور مجهولة لا نعلم عنها شيئاً، فكم ستكون هذه الحياة مملة ولا يوجد فيها ما يثير الدهشة، وكيف يمكن أن نتطور لو كانت كل الظروف مناسبة ومواتية لنا في جميع الطرق التي نسلكها.

كيف نتعامل مع المجهول عندما نقع به لا محالة؟

عندما نقع في حالة من المجهول، فيجب أن نسيطر على هذا القلق أو الخوف الذي قد يتملكنا؛ وذلك من خلال مخاطبة ذاتنا بأنَّنا لسنا القلق ولسنا الخوف، فنحن حالة الوعي التي تراقب مشاعر الخوف والقلق، وهذا أمر يحتاج إلى التدريب والتأمل مرة بعد مرة.

ثم لنأخذ نفساً عميقاً ونريح أكتافنا من حالة التشنج التي نشعر بها، ونشعر بقوة هذا النفس في صدرنا وعضلات جسمنا، ولنفكر قليلاً في أنَّ هذا الخوف أو القلق الذي نشعر به لن يحل لنا المشكلة؛ بل سيزيد الطين بلة؛ لذا فلنركز حواسنا على ما هو مفيد، وهو جمع المعلومات المتوفرة أمامنا ومن ثم التحرك بناءً عليها، وليس بناءً على القلق من المجهول، فيجب علينا أن نميز الأوامر التي تدق باب دماغنا بدافع الخوف أو القلق عن تلك التي تأتينا بناءً على تحليل منطقي لمعلومات جمعناها من خلال حواسنا وإدراكنا.

كيف يمكن أن ننظر لمفهومي النجاح والفشل كما يفكر عالم الصواريخ؟

بعد الانتهاء للمرحلة أو المهمة التي كانت تتسم بالغموض ويسيطر المجهول على كافة تفاصيلها، نكون قد خرجنا من هذه المرحلة ونحن في حالة سرور بسبب تحقيقنا للهدف، أو قد نخرج في حالة من الإحباط أو الحزن بسبب عدم الوصول إلى الهدف المطلوب.

وكلا المسارين السابقين هو أمر طبيعي جداً، فكل تجربة تحتمل الفشل أو النجاح، وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان، وقد تكون التجربة معلومة ومكشوفة بشكل كامل، ولكنَّنا معرضون أيضاً للفشل فيها لسبب أو لآخر، لكن ما لا يُعَدُّ طبيعياً وما لا يُعَدُّ مقبولاً أن يشكل هذا الفشل في تحقيق الهدف خوفاً دائماً من المجهول يجعلنا في حالة تجنب دائمة له، ونفور من أي تجربة جديدة بحجة الخوف من المجهول.

إذا أردنا أن نغوص أكثر في حقيقة الأمر، فإنَّ مصطلح الفشل غير مناسب وغير صحيح، فالأمور لا تقاس بهذه الطريقة، فلا يصح أن نسمي أي تجربة في حياتنا على أنَّها تجربة فاشلة؛ لأنَّها حكماً أضافت لنا الكثير من المهارات والخبرات والمعلومات التي تفيدنا بشكل رهيب في تحسين أدائنا في المرات القادمة؛ لذا يجب على الإنسان أن يواجه مخاوفه وعيوبه وأخطاءه ويعمل على إصلاحها واحدة تلو الأخرى؛ لأنّ إحجامه عنها أو إنكاره لها ولو بينه وبين نفسه، لن يحل المشكلة؛ بل سيجعله يعيد نفس الأخطاء مراراً وتكراراً، وهذا ما يمكن لنا أن نسميه فشلاً.

إقرأ أيضاً: كيف تبدأ رحلة النجاح؟ 8 خطوات تضمن لك بداية رائعة

كيف يمكن لأوقات الفراغ أن توقظ في داخلنا حس الإبداع؟

الحياة ليست مجرد عمل دؤوب فقط، والنجاح لا يعني أنَّنا يجب أن نتحول إلى آلات تعمل دون توقف؛ بل على العكس من ذلك تماماً، فنحن بحاجة إلى الراحة من وقت إلى آخر، وهنا لا نقصد بالراحة الاستلقاء في السرير طوال اليوم، فأغلب الدراسات الحديثة تؤكد أهمية المشي في الطبيعة في تحفيز الخلايا الدماغية على الابتكار والإبداع، وخروج الأفكار التي يمكن أن تغير التاريخ يوماً ما.

على سبيل المثال، قررت الكاتبة المشهورة "جي كارولينغ" أن تستقل القطار ذات يوم، ولكنَّها انتظرت الكثير من الوقت في المحطة، ثم أخبرها الموظف أنَّ عطلاً ما قد حدث في القطار القادم، وسيحدث تأخير في الرحلة لبعض الوقت، فجلست الكاتبة على أحد المقاعد وأخذت تتأمل في الطبيعة المحيطة بها، وتستنشق ذلك الهواء بعمق وحب، وطال انتظارها أربع ساعات في محطة القطار، ولكنَّها قد خرجت بفكرة أفضل سلسلة أفلام في تاريخ السينما العالمية، وهي قصة "هاري بوتر" الشهيرة.

هكذا يعمل عالم الصواريخ، فهو يحاول استغلال الظروف المحيطة لمصلحته مهما كانت محبطة أو غير مساعدة، فإن كان غير قادر على تغييرها، فيجب عليه أن يغير طريقة نظرته إليها أو طريقة تعاطيه معها.

إقرأ أيضاً: مهارة حل المشكلات وخطواتها

في الختام:

إنَّ السبب الأهم في عدم قدرتنا على حل المشكلات التي تعترض طريقنا، هو ذلك الخوف الذي يسيطر علينا عندما نتعرض لها، وهذا الخوف أو القلق يعطل جميع العمليات العقلية المنطقية؛ لذا فإنَّ حجر الأساس في التعامل مع أي مشكلة أو عقبة هو السيطرة على مشاعرنا الداخلية أولاً.

المصدر




مقالات مرتبطة