كيف تعثر على غايتك من الحياة؟

هل لديك شعور بالغاية؟ كان علماء النفس يدرسون كيف ظهرَت الأهداف طويلة الأمد وذات المغزى خلال حياتنا منذ عقود، فالأهداف التي تولِّد الشعور بالغاية هي تلك التي لديها القدرة على التأثير في حياة الآخرين، مثل إنشاء منظمة أو دراسة حالة مَرَضية أو تعليم الأطفال القراءة.



في الحقيقة، يبدو أنَّ الشعور بالغاية قد نشأ لدى البشر حتى نتمكن من القيام بأمور عظيمة معاً، وهذا هو السبب وراء ارتباطه بتحسين الصحة الجسدية والنفسية، وبالمعنى التطوري، الغاية قابلة للتكيُّف، وتساعد على استمرار كل من الناس والكائنات الأخرى.

يبدو أنَّ معظم الأشخاص يفترضون أنَّ الغاية تنبع من قدراتك الفريدة وتميُّزك عن الآخرين، لكنَّ هذا الأمر هو فقط نصف الحقيقة، فالغاية تتطور نتيجة ارتباطاتنا بالآخرين، ولهذا السبب غالباً ما تكون أزمة الغاية دليلاً على العزلة، وبمجرد أن تجد طريقك، فمن المرجح أن تقابل أشخاصاً في الرحلة نفسها وضعهم مثل وضعك، ويحاولون الوصول إلى الوجهة نفسها، ونقدِّم لك فيما يلي 6 استراتيجيات للتغلب على العزلة واكتشاف غايتك من الحياة:

1. الانغماس في القراءة:

تربطنا القراءة بأفراد لم ولن نلتقي بهم أبداً، ويمتدون عبر الزمان والمكان، فهي تجربة مرتبطة بالشعور في المعنى والغاية، ووفقاً للدراسة - ملحوظة: "المعنى" و"الغاية" هما مفهومان علميان اجتماعيان مرتبطان ولكنَّهما مختلفان - فالمعنى هو مجموعة فرعية من الغاية، وهو فكرة أكبر بكثير؛ حيث تشمل في الكثير من الأحيان القيمة والفاعلية وتقدير الذات.

درسَت الفيلسوفة "ليسلي فرانسيس" (Leslie Francis)، عيِّنةً مكوَّنة تقريباً من 26000 مراهقاً من "إنجلترا" (England) و"ويلز" (Wales) من خلال بحث أجرَته عام 2010، ووجدَت أنَّ الأشخاص الذين يقرؤون الكتب في الكثير من الأحيان لديهم إحساس أكبر في الغاية، كما اكتشف الباحث "ريموند أ. مار" (Raymond A. Mar) وزملاؤه من خلال البحث والمراقبة وجود علاقة بين قراءة الشعر والقصص الخيالية والشعور بالغاية بين المراهقين.

يشير "مار" وزملاؤه: "قد تُمكِّن قراءة الروايات المراهقين من فهم الحياة الكاملة للشخصيات؛ ممَّا يوفر نظرةً دقيقة لحياة كاملة دون الحاجة إلى تجربة معظم حياتهم بصورة كاملة"، من المرجح أن يشعر المراهقون بالغاية في حياتهم الخاصة إذا لاحظوها في حياة الآخرين، ومن هذا المنطلق، الغاية هي فعل خيالي.

لقد دفعَت كلمات عالم الاجتماع "دو بويز" (W.E.B. Du Bois) زعيم حملة العدالة الاجتماعية "آرت ماكغي" (Art McGee)، إلى تبنِّي رؤيةً خاصة للهوية الأمريكية الإفريقية والتحرر، كما استلهم الصحفي "مايكل ستول" (Michael Stoll) من "فلسفة المسؤولية الاجتماعية للصحافة" التي تعلَّمها في "جامعة ستانفورد" (Stanford University)؛ حيث يقول ستول: "بصورة أساسية، ليس لدى المراسلين والمحررين القدرة فحسب، وإنَّما يجب عليهم الالتزام لتعزيز مجتمعاتهم من خلال العمل كحكَّام محايدين في القضايا التي تحتاج إلى حل".

نتيجةً لهذا الإلهام، واصل "مايكل" تأسيس منظمة "سان فرانسيسكو بابليك بريس" (The San Francisco Public Press)، وهي منظمة صحفية غير ربحية حائزة على جوائز عدَّة، لذلك إذا كنتَ تواجه أزمة غاية في حياتك، فانتقِل إلى متجر كتب أو مكتبة أو مؤسسة، وابحث عن الكتب التي تهمك، والتي قد تساعدك في التعرف إلى ما هو هام في حياتك.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح تساعدك على قراءة الكتب بفعالية

2. تحويل ألمك إلى مصدر لشفاء الآخرين:

بالنسبة إلى الجميع، فإنَّ اكتشاف غايتنا ليست مجرد تمرين ذهني، إنَّما نحن نحتاج أيضاً إلى الشعور بها، وهذا هو السبب في أنَّه قد تنشأ الغاية من الألم، سواء من ألمنا أم من آلام الآخرين.

نشأَت "كيزيا ويلينجهام" (Kezia Willingham) في حالة فقر مدقع في مدينة "كورفاليس" (Corvallis)، في ولاية "أوريغون" (Oregon)، في أسرة دمَّرَتها أعمال العنف المنزلي؛ حيث تتذكر قائلةً: "عندما نشأتُ فقيرةً، كنتُ أشعر بالإحراج، وعندها تأكدتُ من أنَّ وجودي كان خطأ، فلم يتدخل أحد في المدرسة أو يساعدني أو يقدِّم الدعم لأمي أو لي أو لأخي، ولقد كنتُ أركض في الشوارع، وأتغيَّب عن المدرسة، وأتناول أي شيء يمكنني الحصول عليه".

تقول "كيزيا": "التحقتُ بمدرسة ثانوية بديلة عندما بلغتُ من العمر 16 عاماً؛ ممَّا جعلني أشعر أنَّ لدي بدائل وطرائق للخروج من الفقر، وذهبت إلى الكلية وكنتُ منجذبةً بصورة خاصة إلى الطلاب الذين لديهم قضايا"، كما تقول: "أريد من الأطفال الذين نشؤوا مثلي أن يدركوا أنَّ أمامهم مستقبل مشرق، وأنَّهم أذكياء حتى لو لم يصلوا إلى المتطلبات الأكاديمية الحكومية، وأن يفهموا أنَّهم طيبون مثلهم مثل أي إنسان آخر وُلِدَ في ظروف أكثر حظاً؛ حيث توجد الكثير من الإشارات التي تخبرهم ذلك بصورة مختلفة".

قد يقودنا حزن شخص آخر أحياناً إلى غاياتنا، ويبدو أنَّ بعض الأفراد، مثل "كيزيا" يجدون الغاية في ألمهم، بينما يسحق الألم آخرين، كما سنرى لاحقاً، قد تكون بعض الحلول مرتبطةً بالعواطف والسلوكات التي نخلقها في أنفسنا.

3. تطوير مشاعر الإعجاب والتقدير والكرم:

بعض المشاعر والنشاطات التي تعزز الصحة والرفاهية، مثل مشاعر الإعجاب والامتنان والكرم، قد تولِّد أيضاً شعوراً بالغاية؛ حيث أجرى الأستاذ في علم النفس "داتشر كليتنر" (Dacher Keltner) من مركز "غريت غود ساينس" (Great Good Science) العديد من التجارب التي أظهرَت أنَّ الإحساس بالرهبة يساعدنا على الشعور بالارتباط بأمور أكبر منا، وهو ما يوفر الأساس العاطفي للشعور بالغاية.

بالتأكيد، لن يمنحك الشعور بالرهبة في حد ذاتها إحساساً بالغاية في الحياة؛ حيث لا يكفي أن تشعر أنَّك جزء صغير من شيء أكبر، وإنَّما يجب أن تكون متحمساً لإحداث فرق جيد في العالم، وهنا يأتي دور الامتنان والكرم؛ حيث تقول عالمة النفس "كيندال برونك" (Kendall Bronk): "قد يبدو أمراً مناقضاً تطوير الغاية من خلال خلق عقلية ممتنة".

وفقاً للدراسة التي أجراها علماء النفس "ويليام ديمون" (William Damon)، و"روبرت إيمونز" (Robert Emmons) وآخرون، فإنَّ الأطفال والأشخاص الذين يمكنهم وضع قائمة بالنعم التي يعيشون فيها، يميلون كثيراً إلى السعي إلى المساهمة في العالم بطريقة تتجاوز قدراتهم، وسبب هذا الأمر على الأرجح، هو حقيقة أنَّه إذا استطعنا أن نرى كيف يجعل الآخرون عالمنا مكاناً أفضل، فسوف نكون أكثر ميلاً إلى تقديم شيء ما مرةً أخرى.

لقد وصلنا إلى مشاعر الإيثار، وفي هذا الوقت، لا يوجد شك في أنَّ مساعدة الآخرين أمر مرتبط بحياة هادفة وذات معنى؛ حيث اكتشف "داريل فان تونجيرين" (Daryl Van Tongeren) وزملاؤه في أحد الأبحاث أنَّ الأشخاص الذين يشاركون في أعمال أكثر إيثاراً، مثل التطوع أو التبرع بالمال، لديهم شعور أفضل بالغاية في حياتهم.

ومن المثير للدهشة أنَّ الامتنان والتبرع يعملان جنباً إلى جنب لتوفير المعنى والغاية، وفي تجربة لاحقة، عيَّن الباحثون أفراداً معيَّنين بصورة عشوائية لكتابة رسائل امتنان، وقد أبلغ هؤلاء الأشخاص بعد ذلك عن شعور أكبر بالغاية، كما اكتشفَت الدكتورة في علم الأعصاب "كريستينا كارنز" (Christina Karns) وزملاؤها، أنَّ الكرم والشكر مرتبطان من الناحية العصبية؛ حيث يعمل كلاهما على تنشيط مسارات المكافأة نفسها في الدماغ.

4. الانتباه لما يحبه الآخرون فيك:

قد يساعدك التعبير عن الامتنان على اكتشاف الغاية من حياتك، ومع ذلك قد تجد الغاية في الأمور التي يمدحك بها الآخرون؛ حيث كان "شون تايلور" (Shawn Taylor)، مثل "كيزيا" و"يلينجهام"، يعاني من صعوبة في نشأته، وقد كان منجذباً للتعامل مع الأطفال الذين يعانون من صعوبات سلوكية خطيرة، على عكس "كيزيا"، كان يشعر أحياناً كما لو أنَّ مهنته كانت ستصل إلى طريق مسدود، يقول: "اعتقدتُ أنَّني كنتُ سيئاً في المهنة التي اخترتُها"، ولكن بعد خمس سنوات، تقرَّبَت منه امرأة كان يعمل معها.

يذكر شون: "لقد روَت كيف ساعدتُ على تغيير حياتها، وطلبَت مني أن أرافقها في الممر عندما تتزوج"، فلَم يأخذ "شون" الأمر في الحسبان طوال ذلك الوقت، ولكن فيما بعد تأكد أنَّه في المسار الصحيح، ولم تكن هناك تفاصيل، لكنَّ هدفه كان العمل مع الشباب، فكثيراً ما ذكر الفنانون والمؤلفون والموسيقيون كيف أدى تلقِّي المديح من الآخرين إلى دفع عملهم إلى الأمام.

كان لدى "داني بورليسون" (Dani Burlison) إحساس قوي بالغاية وعملَت كاتبةً وناشطةً في مجال العدالة الاجتماعية في "سانتا روزا" (Santa Rosa)، "كاليفورنيا" (California) لسنواتٍ عدَّة، وعندما دمَّرَت الحرائق حيَّها، علمَت "داني" أنَّ قدراتها مطلوبة بطريقة جديدة، تقول: "لقد اكتشفتُ أنَّ قدراتي على التواصل والاستجابة للطوارئ كانت مفيدةً بصورة لا تُصدَّق لمدينتي وأولادي ورجال الإطفاء".

على الرغم من عدم إجراء أيَّة دراسة للتحقق من الطريقة التي قد يدفع بها الشعور بالتقدير إلى الشعور بالغاية، إلا أنَّنا نعلم أنَّ الامتنان يعزز العلاقات، والتي غالباً ما تكون مصدر غايتنا، كما تكشف العديد من هذه الأمثلة.

إقرأ أيضاً: كيف يعزز التعبير عن الامتنان المشاعر الإيجابية؟

5. البحث عن مجتمع وتشكيله:

كما توضح "داني"، قد نكتشف غالباً إحساسنا بالغاية في الأشخاص من حولنا؛ حيث ينصح معظم الناس أنَّ إيجاد الغاية في الأسرة هو أمر هام، وقد اكتشف "آرت ماكجي" (Art McGee) الغاية "العمل من أجل العدالة الاجتماعية والعرقية" من خلال "الحب والاحترام لوالده الكادح" بالإضافة إلى قراءته، يقول: "لقد كان هو وغيره من الأشخاص المجتهدين يستحقون أفضل من ذلك بكثير".

تشعر "جودي سوجرمان بروزان" (Jodi Sugerman-Brozan)، الناشطة في مجال العدالة البيئية والاجتماعية، بأنَّها ملزمة بجعل العالم مكاناً أفضل ممَّا هو عليه"، وتضيف: "كونكِ أماً، يعزز تلك الغاية؛ حيث سيكون هذا العالم لهم ولأبنائهم، فهو يؤثر بالتأكيد في الطريقة التي أكون بها أماً؛ أي الرغبة في تربية أطفال مناهضين للعنصرية ومناصرين لحقوق المرأة وثوريين ويرغبون في المواجهة والقيادة".

ألقِ نظرةً على نفسك إذا كنتَ تواجه مشكلات في تذكُّر غايتك، فما هو الأمر الذي تشترك فيه مع الآخرين؟ وما الذي يحاولون فعله بالضبط؟ وما هو تأثيرهم في العالم؟ وهل هذا التأثير مفيد؟ وهل يمكنك الانضمام إليهم في إحداث هذا الفرق؟ وماذا يحتاجون؟ وهل يمكنك منحهم ما يريدون؟ إذا كانت الإجابات عن هذه الأسئلة لا تحمسك، فقد تحتاج إلى البحث عن مجتمع جديد، وهدف جديد.

6. مشاركة قصتك:

قد تساعدك القراءة على تحديد غايتك، لكنَّ الكتابة أيضاً يمكن أن تساعدك، فغالباً ما يؤدي الفضول في حياة المرء إلى الشعور بالغاية، فما هي التحديات التي واجهتَها؟ وما هي الصفات التي ساعدَتك على التغلب عليها؟ وكيف ساعدك الآخرون؟ وكيف ساعدتَ قدراتك في جعل حياة الآخرين أفضل؟

تقول الصحفية "إميلي أصفهاني سميث" (Emily Esfahani Smith)، مؤلفة كتاب "قوة المعنى" (The Power of Meaning)، الذي نُشِرَ في عام 2017: "نحن جميعاً نمتلك القدرة على كتابة قصة من حياتنا الخاصة، فهي توفر لنا وضوحاً في حياتنا، وتساعدنا على فهم أنفسنا، وتوفِّر لنا إطار عمل يتجاوز الحياة اليومية وتساعدنا بصورة أساسية على فهم تجاربنا".

ووفقاً لبحث أُجرِيَ عام 2008، فإنَّ الأشخاص الذين يدركون أهمية حياتهم والغاية منها قد يتفهمون قصة التطور والتقدم التي تغلَّبوا فيها على العقبات، بعبارة أخرى، قد تساعدنا كتابة بعض القصص على تحديد مواهبنا وكيف أنَّ الاستفادة من تلك المواهب قد تحدث فرقاً في العالم؛ ممَّا يزيد من شعورنا بالكفاءة الذاتية.

المصدر




مقالات مرتبطة