كيف تصبح واثق من نفسك؟

تعدُّ الثقة بالنفس سمةً نادرةً، ولعلَّ أهمَّ ما يميِّزها كونها ذات قيمةٍ عاليةٍ وصعبة المنال؛ فحالما نحاول أن نكتسب تلك الصفة يبوء مسعانا بالفشل؛ وعندما نبالغ في إظهارها يتضح أنَّنا ندَّعي امتلاكها. وأن تنصح أحداً ما بأن يتحلَّى بها، لا يعدو عن كونك تطلب منه أن يصبح ذو شخصيّةٍ قويّة.



نعم، إنَّه أمرٌ رائع، لكن كيف تستطيع تحقيقه؟

وللجواب عن ذلك السؤال؛ يتطلَّب الأمر منك أن تتَّبع نهجاً مختلفاً، إذ يجب أن تتَّجه إلى شيءٍ راسخٍ وشموليٍّ وواقعيٍّ أكثر. عليك أولاً أن تدرك ماهيَّة الثقة، بعد ذلك ستصبح قادراً على تنميتها، وعلى أن تعيدها أدراجها كلَّما اضمحلَّت.

والأهمُّ من ذلك كلِّه، عليك ألَّا تتعامل معها كميِّزةٍ ثابتةٍ تكتسبها فحسب، بل كعمليَّةٍ حيويةٍ قابلةٍ للتطوير دوماً.

إذاً دعنا نبدأ بسبر أغوار عالم الثقة.

ما تعريف الثقة بالنفس على وجه الدقة؟

لربَّما ليس لديك فكرةٌ واضحةٌ عن مفهوم الثِّقة، لكنَّك قد تدركها من خلال بعض المواقف والتَّجارب في الحياة، وتشعر بها وبأهميَّة أن تتحلَّى بهذه الصفة؛ ولذلك يعدُّ أمراً صعباً أن تحصرها بتعريفٍ محدَّدٍ لها، فهي تجربةٌ شخصيةٌ لكلٍّ منَّا.

كما أنَّك ستدركها عندما لا تشعر بوجودها. فمثلاً: بحضور شخصٍ متزعزع الثقة -أو حتَّى يدَّعي امتلاكها- فإنَّك لا تلحظ انعدام ثقته فحسب، بل محاولاته المتذبذبة للتَّعويض عن ذلك النَّقص لديه.

ولعلَّ أشدَّ ما يستدعي الانتباه أنَّه عندما نكون برفقة شخصٍ من ذلك النوع، نشعر بضعف الثقة نوعاً ما، فنحاول بشتَّى الطرائق أن نبقى على تواصل، ونفكِّر في كلماتنا وتصرُّفاتنا ملياً؛ لكنَّنا ومع ذلك نشعر بعدم الارتياح وبالغموض والتنافر.

لكنَّ هذا الأمر يُضمِر في ثناياه جانباً إيجابياً.

إنَّ الثقة وقلَّة الثِّقة صفتان معديتان، فعندما تكون معتدَّاً بنفسك، ستحفِّز الآخرين على أن يحذوا حذوك. وفي الواقع إن صادفت شخصين يتمتَّع كلٌّ منهما بواحدةٍ من هذه الصفات، فلا ريب أنَّك ستدرك مدى التأثير والشعور الذي يتركه كلٌّ منهما لديك.

لكن كما نعلم: إنَّ الثقة بالنفس من المحتمل أن تُصطنَع وتُختلَق، وأن تكون مجرَّد قناعٍ يُخفِي غيابها. فغالباً ما نرى سياسيِّين محرجين ويعانون من الإرباك قبل خطاباتٍ لهم مثلاً، والحال نفسه بالنِّسبة إلى المدراء؛ لكن مع هذا كلِّه يؤكِّد لنا الخبراء أنَّ هذه الميِّزة يمكن اكتسابها وإتقانها إن عمِلت على التكلُّم أوالتصرُّف أو حتَّى التفكير بطريقةٍ مغايرةٍ ومتجدِّدة.

بيد أنَّ الثّقة قد تخذلك أحياناً متستِّرةً بعباءة القوَّة، وسرعان ما تنتثر وتتطاير في أولى مواجهاتك للصعوبات والفشل والانتقادات، وكأنَّها لم تكن؛ ليتضح أنَّها شعورٌ سريعُ الزوال أو إيمانٌ بنفسك لا وجود له، أو فترة راحةٍ في رحلتك بين الثقة واللا ثقة لا أكثر.

إذاً، ما هي الثقة الحقيقية؟ هي وبكلِّ بساطةٍ شعورٌ يعتريك بالاعتداد بالنفس، ويرتكز على عدَّة تجارب واقعيَّةٍ وحيَّةٍ تعكس قدراتك وإمكاناتك الفعلية ومنظوراتك، كما أنَّها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة أنَّه بمقدورك أن تحقِّق مبتغاك، وأن تصبح حرَّ الشعور كما تريد أن تكون. وتعني أيضاً أنَّك مكتملٌ بذاتك وبروحك وجوهرك، وقادرٌ على الخوض في غمار الحياة بكلِّ ما أوتيت من قوَّة.

كلُّ ما جرى ذكره خصالٌ نأمل أن نمتلكها، ويعدُّ الاعتداد بالذات جزءاً لا يتجزَّأ من النَّفس البشرية، وبها تشعر بأنَّك هادفٌ وطَموحٌ ومنجزٌ وملهمٌ. ومن دون الثّقة، تغدو كسفينةٍ من غير دفةٍ غارقاً في بحرٍ من الخوف والقلق، وإلى الآن لا بدَّ أنَّك أصبحت تعلم مدى أهميَّة الثقة.

لمَ تعدّ الثقة بالنفس أمراً بالغ الأهمية؟

إنَّه سؤالٌ جديرٌ بالذكر، وبينما أنَّ الثقة أمرٌ جليٌّ بالنسبة إلى الذين يفتقدونها ويسعون إلى اكتسابها، تبقى في غاية الأهميَّة لأربعة أسبابٍ رئيسة:

1. يساهم الاعتداد بالنفس في تعزيز كلٍّ من النجاح والشخصية:

بخلاف ما يؤكِّده بعض خبراء مساعدة وتطوير الذَّات، إنَّ الثقة لا تحلُّ مكان الشخصية وعمق الإنسان الذاتي، ولا يجب أن تكون غايةً بحدِّ ذاتها، فهي ليست ببديلٍ عن العمل التقليدي الدَّؤوب.

حتَّى أكثر الناس ثقةً بأنفسهم يفخرون بشيءٍ ما مثل: عملهم وهويَّتهم، وإنَّ الثقة المجرَّدة من المضمون ستندثر عاجلاً أم آجلاً.

على عكس ذلك، يجب اعتبارها جزءاً لا يتجزَّأ من شخصية وعمل الفرد.

إنَّها حجر الأساس في كلِّ ما تقوم به في حياتك؛ من عملك، إلى علاقاتك بالآخرين، إلى آرائك وقراراتك.

فالإيمان بالنفس كالوقود بالنسبة إلى النار، ونحن دائماً بحاجةٍ إليها كي تعطينا دفعةً إلى الأمام؛ ولكن بدون الإيمان بالنفس، لن تترك هذه النيران أثراً سوى الخراب.

إنَّ العديد من الأشخاص المنجزين في حياتهم لا يؤمنون بالثقة كركيزةٍ لازدهار حياتهم، إذ يعتقدون بأنّه إن كان عملهم مثمراً، ومهاراتهم وقدراتهم متينة، وشخصيَّاتهم محبَّبة، وتلقى القبول لدى الآخرين - فهم بغنى عن الثقة بالنفس. بمعنى آخر: إنَّ نقاط قوَّتهم وإنجازاتهم تتكلَّم عنهم؛ وهذا صحيح، لا شكَّ في ذلك، لكن يبقى السؤال: ما مدى صحته؟

ولعلَّ تلك الأسئلة هي ما يبثُّ الذعر في نفوسهم، فقد تعوَّدوا طيلة حياتهم أن يعظِّموا من قدر مهاراتهم وإنجازاتهم قبل كلٍّ شيءٍ. هذا لا يعني أنَّهم يفتقرون إلى الثّقة، لكن نوع الثقة التي يمتلكونها مختلفٌ ومحصورٌ بنطاق اختصاصهم وعملهم مثل: البرمجة، والكتابة، والتحليل الإحصائي، وتنمية الأعمال التجارية، واجتماعات فريق العمل.

في الواقع هم يتمتَّعون بهذه الصفة بمقدارٍ محدَّد، وهذا النوع من الاعتداد بالنَّفس مميَّزٌ، وبالغ الأهميَّة، ويُدرَك مع الوقت والمثابرة والخبرة. لكنَّهم بعيداً عن نطاق عملهم واختصاصاتهم، يتوهون؛ فهم لا يتحلَّون بالثقة المطلقة التي تعكس كلَّ ما يقومون به داخل وخارج عملهم؛ فمثلاً: قد تعينهم في تقديم أفضل الخدمات والمنتجات على صعيد العمل، وفي التَّعامل والتَّفاعل مع زملائهم ومحيطهم، وفي إثراء حياتهم المهنيَّة بأفضل صورة، وما إلى ذلك.

إنَّ الافتقار إلى الثقة المطلقة، تجعلهم قابعين في المجالات التي تُشعِرهم بالقوَّة والرَّاحة، وبهذا لا يسعهم التَّحرر من فقاعات الثقة التي تحكمهم، كما أنَّهم يصبُّون جُلَّ تركيزهم على المهام المنوطة والواجبات والأدوار التي يشعرون بأنّهم أكثر كفاءة فيها، مما يضمن لهم عدم التعامل مع أيِّ حالاتٍ تكشف نقطة ضعفهم والنَّقص لديهم.

شئت أم أبيت، فإنَّ جودة عملك لوحدها لا تثمر، لكن عندما ترتبط بثقةٍ عارمةٍ بالنَّفس تتَّجه إلى أفقٍ أوسع، وتبدأ بالانخراط مع المحيط بطريقةٍ فعَّالة.

إقرأ أيضاً: كيف تعرف نقاط القوّة والضعف في شخصيتك؟

2. إنَّ الاعتزاز بالنَّفس أمرٌ ضروري لتؤثِّر في الآخرين وتكون شخصيةً قيادية:

كما ترى، إنَّ نجاح حياتك المهنيَّة يتوقَّف على ماهيَّة وكيفيَّة عملك؛ وإنَّ ماهيَّة العمل تعني المهارة الفنيَّة، أمَّا كيفيَّة العمل فتتعلَّق بالثقة بالنفس ومدى تأثيرها وانعكاسها على ما تقوم به.

يُعدُّ كلٌ من مدى فعاليَّتك وطبيعتك القياديَّة من أهمِّ جوانب آليَّة العمل. انعكاس ذلك على إنتاج عملك، والسيطرة التي تفرضها في مكان المنظَّمة، وتأثيرك في زملائك من حولك - يتطلَّب نوعاً من الاعتداد العميق بالنفس. وإنَّ الثقة المستندة إلى الخبرات هي أبرز ما يميِّز المختصِّين عن غيرهم من المدراء والموظَّفين والقادة والحرفيِّين والفنَّانين.

3. إنَّ الإيمان بالنَّفس ليس نمط حياةٍ فحسب، إنَّما جوهرٌ ومضمون:

إنَّ الثقة وكُنه (جوهر) الإنسان مرتبطان ببعضهما ارتباطاً وثيقاً، لكنَّ قلَّة الاعتداد بالنَّفس بالنسبة إلى شخصٍ مثاليِّ وكِفْء أمرٌ شائك؛ لأنَّ التَّفاوت بين جودة عملك ومستوى ثقتك بنفسك يجعل مشكلتك والثَّقة لديك يتفاقمان.

نعم، قد يسير عملك قدُماً، لكن تباعاً سوف ينتهي الأمر بتسليط الضَّوء على نقطة الضعف لديك؛ وفي الوقت ذاته، ستكون ثقتك بنفسك -والتي من المتوقَّع أن تُبرِز مدى فعَّاليَّة عملك- محطَّ أنظار زملائك وشركائك، فإن لم يجدوا لها أثراً، فستُخيِّب آمالهم بالتَّأكيد.

عندما يلتمسون هذه الفجوة، ستُراودهم الشكوك غالباً فيما إذا كان العمل ناجحاً منذ البداية؛ ويجعل هذا بدوره حكمك على جهودك وإنجازاتك متزعزعاً.

إنَّ قلَّة الثِّقة قد تبعث في نفسك الشكَّ والخوف واللَّبس، ممَّا ينعكس سلباً على خياراتك؛ وإنَّ اعتدادك القوي بذاتك والمرتبط بأدائك للعمل سيبدأ بالتَّلاشي شيئاً فشيئاً؛ وسيتأثَّر إيمانك الحقيقي بها حتماً، ويختفي تدريجياً.

لذا، هذان النّوعان من الثقة بالنفس وثيقا الصلة، وهذه حقيقةٌ لا يمكن إنكارها مهما رغبنا في ذلك، ولا يمكنك النجاح البتَّة بعيداً عنهما، فهما أساسٌ تستفيد منه في تنمية عملك.

4. إنَّ الثقة بالنفس تحمينا:

في عالمٍ غارقٍ بالتنافس والمشاكل، يعدُّ الإيمان بالنفس سلاحاً نافذاً لنواجه به كلَّ المصاعب والتّحديات، وبالمقابل فإنَّ غيابه ما هو إلَّا موطنٌ من مواطن الضعف لدينا؛ وبذلك تصبح حقيقتنا على مرأى من الجميع.

وبينما نحاول التَّعمق في رحلة بحثنا عن الثقة، نجدها تتجلَّى في العديد من السبل، والأمثلة على ذلك: لغة الجسد، ونبرة الصَّوت، والإشارات اللفظيَّة، وأبسط القرارات وأصغرها. وبصرف النَّظر عن جهودنا الحثيثة في العثور عليها، فلا يسعنا إخفاء حقيقة ضعفنا التي تظهر لا إرادياً.

إنَّ هذه الثّقة تظهر للعيان كقلادةٍ حول أعناقنا، وهذه القلادة مسؤولةٌ عن تصرُّفات الآخرين معنا

لسوء الحظ، قد تصادف شريحةً من النَّاس يستغلون نقاط ضعفك؛ فمثلاً: يأخذ سائق تاكسي منك مالاً إضافياً لقاء خدمته، ويطلب بائع تأمينٍ منك أجراً عاليَّاً، ويُضيّع صديقٌ نرجسيٌّ عليك وقتك ويُلهيك. وفي حالاتٍ أخرى ربَّما تُقحمُنا هشاشتنا في مأزقٍ أخطر، كأن يُلزِمنا مُقرِضٌ بأقساطٍ عالية، أو أن يهدِّد فردٌ من أفراد عائلتنا سعادتنا ويبدِّدها، وقد يستثمر مدير عملٍ مستغلٌّ طاقاتنا وينهكنا. وقس على ذلك.

بغية تحسين كلٍّ من أدائك في العمل وشخصيَّتك، لا ريب أنَّ الثّقة بالنَّفس هي ملاذك الآمن جسدياً وعاطفياً؛ ولذلك فإنَّ الاهتمام بها والتَّركيز على تنميتها جُلُّ ما يَهم، وبذلك نحن لا نتكلُّم عن المظاهر الخارجية، بل عن جوهرنا، ومن نحن، وكيف نقدِّم أنفسنا إلى العالم، وبما يقابلنا ذاك الأخير.

والآن بعدما أشدنا بأهميَّة الثقة بالنفس في حياتنا، دعنا نبحر في اكتشاف المبادئ والطرائق العمليَّة التي تساعدنا في تحقيقها.

كيف تصبح أكثر اعتداداً بنفسك؟

كما تكلَّمنا مسبقاً، فإنَّ الاعتداد بالنفس سمةٌ لا يمكن حصرها بتعريفٍ محدَّدٍ، لاعتبارها تجربةً حيَّةً وليست صفةً ثابتة، وهي مفهومٌ مستعصٍ على التَّلقين.

بناءً على خبرتنا، لعلَّ أفضل طريقةٍ لتمتين هذه الصفة: عدم تجزيئها وعزلها عن العوامل التي تساهم في تشكيلها، مثل: التصرفات، والسمات الشخصية والعقلية والتفكير. وبذلك يمكنك تجميع كلِّ ما ذُكِر لتخلق ثقةً بالنَّفس مطلقةً ومستدامةً وواقعيَّةً.

1. التواصل غير اللفظي:

كما تحدَّثنا من قبل، فإنَّ الثّقة بالنَّفس تظهر بوضوحٍ من خلال تعابير الجسد، بعيداً عن أسلوب كلامك. حيث أنَّ منظورك لنفسك يُبنَى على طريقة وقوفك، مشيتك، وحركات يديك، وتعابير وجهك.

وباعتبار تلك التّعابير غير لفظيَّة -لا تتعلَّق بالمركز المسؤول عن اللغة في دماغك- ينتبه إليها الآخرون لا شعوريَّاً وبلمح البصر؛ ولحظة دخولك إلى مكانٍ ما يلتقطون صورةً بيِّنةً عن مدى ثقتك الحقيقيَّة بنفسك.

إن دخلت ذلك المكان منتصب القامة، وأكتافك مشدودة، وذقنك مرفوعة، وتنظر إليهم بكلِّ ثقةٍ وتركيز؛ فسيدركون مدى ثقتك بذاتك فوراً. ولكن، إن رأوك على عكس ذلك: أكتافك منحنية، ومقطبَ الحاجبين، وعيناك حائرتان أو محدِّقتان في الأرض؛ فستظهر ثقتك المتزعزعة -هذا إن أدركوا وجودك في الواقع- وسيحكمون عليك وعلى شخصيّّتك في جزءٍ من الثَّانية، تماماً كما تفعل عندما تراهم.

ولهذا تعدُّ لغة الجَّسد من أهمِّ الانطباعات الأوَّلية التي تترك أثراً لدى الآخرين، وإنَّ هذه الانطباعات يكوِّنها الناس عندما يرونك للوهلة الأولى، وليس من خلال تفاعلكم أو حديثكم سويَّاً.

من المحتمل أن تبدو تلك اللغة ثانويةً -وهي مسؤولةٌ عن تبلور ثقتك أمام الناس- لكن في الواقع إنَّها جوهريَّة.

إنَّ الإيمان بالنفس ولغة الجسد يكمِّلان بعضهما، إذ تصقل الثقة لغة الجسد، وللأخيرة بالغ الأثر في تمتين الاعتداد بالذات. فمثلاً: عندما تربِّي عادة الثقة لديك، ينعكس ذلك إيجاباً على حركات جسدك وتصرُّفاتك؛ وكلَّما أصبحت أكثر اعتداداً بنفسك، تسهم في جعلها صفةً تلازمك أينما حللت.

أبق لغة جسدك إيجابيَّة، وابذل جهداً واعياً لتجعل منها عادةً لديك تساعدك تلقائياً في تواصلك غير اللّفظي مع الآخرين، واستفد ممَّا تلحظه لدى النَّاس من حركاتٍ نابعةٍ من ثقتهم القويَّة بأنفسهم.

إقرأ أيضاً: 20 من أكثر دلائل لغة الجسد شيوعاً

2. الانتباه إلى نبرة صوتك:

تلي نبرة صوتك لغة جسدك أهميَّة، فهي تعدُّ من أقوى ما تمتلك لتعبِّر عن ثقتك بنفسك، ولا تتضمَّن جودة الصوت فحسب، بل نغمته ووضوحه وبنية جُمَلِكَ النَّحوية ومستوى صوتك والنُّطق السليم - يعكس كلُّ ذلك ويعبِّر عن أعمق أفكارك؛ لذا فلنتحدَّث عن بعض التِّقنيات الأساسيَّة لتدعيم ثقتك بذاتك أكثر:

2. 1. تكلَّم بعباراتٍ صريحة ومباشرة، ولا تلجأ إلى طرح الأسئلة:

لعلَّك تعلم أهميَّة نغمة صوتك -أو ما يُسمَّى ارتفاع الصَّوت والميل إلى إنهاء ما تقول بنبرةٍ عالية، وكأنَّك تطرح سؤالاً ما- أو أنَّه يخفى عليك كم لتلك النَّبرة من تأثيرٍ ملموسٍ وواقعيٍّ في ثقتك بنفسك. كما تُفيد العديد من الأبحاث الحديثة أنَّ نغمة الصوت المرتفعة تقلِّل من فرص إنصات وفهم الآخرين لما تقول، كمَّا يحدُّ من إمكانيَّة ترقيتك في العمل، ناهيك عن أنَّه يؤثِّر سلباً في شخصيَّتك، ممَّا يجعل النَّاس يشكِّكون بقوَّتها. لسوء الحظ، الغالبيَّة العظمى منَّا يتَّبع هذا الأسلوب في كلامه ظنّاً أنَّه يدلُّ على دماثتنا، أو أنَّ حديثنا قد يكون أكثر وضوحاً للطَّرف المتلقِّي.

ولكي تخفِّف من وطأة تلك المشكلة في صوتك، ما عليك إلَّا اللُّجوء إلى خيالك. تعامل مع الجُّمل التي تقولها كأنَّها تلَّةٌ أو هضبةٌ ترتفع من الأرض، ومن ثمَّ تبلغ ذروتها إلى أن تعود إلى المنحدر، وبينما تندمج بكلامك بنبرةٍ مرتفعة ضع صورة التلة في مخيلتك، وتصوَّر أنَّك تقف أعلاها، تاركاً من تُخَاطب في لحظةٍ حرجةٍ وريبٍ من أمره، وخلال حديثك تذكَّر أنَّك على قمة التلة، ولا تنسى أنَّ عليك العودة إلى المنحدر. هذا ما يجعل كلامك أكثر وضوحاً وقبولاً لمتلقِّيه، ممَّا يعكس بدوره اعتدادك القويَّ بنفسك، ويُنمِّي تلك الثقة بقدر ما تتحدّث.

2. 2. اللفظ والنطق السَّليمان:

الطريقة التي نتحسَّس بها كلامنا قبل الإفصاح عنه هي دليلٌ على الثقة بالنفس. وليتسنَّى لك تنميتها إبان حديثك، عليك التَّركيز على نطقك، والعمل على إيضاحه بقدر الإمكان. عندما تقوم بذلك يشعر من تخاطبهم بعظيم تلك الثقة وعمقها، وبذلك أيضاً تكون قد درَّبت جسدك على التَّكيف مع أسلوبك الجديد في الكلام، لتصبح أكثر ثقةً كلَّما هممت بالحديث.

2. 3. ابق بعيداً كلَّ البعد عن كلمات الحشو:

كلمات الحشو لها أثرٌ لا متناهٍ في اعتدادك بنفسك، عليك تفادي استخدامها، وأخذ الأمر على محمل الجد، فقد تجعل هذه الألفاظ من كلامك أكثر ودّاً إن قيلَت بموضعها المناسب. ومن جهةٍ أخرى، لا شكَّ في أنَّها تقوِّض من سلطتك وقوَّتك.

في الكثير من الأحيان، نستخدم كلام الحشو لتفادي تخييم الصمت على أيِّ حوار. فمثلاً قد نقول: "إذاً، نعم، أقصد ما رأيك بالجديد، آه، المشروع الجديد؟"، غالباً ما نلجأ إلى تلك الطريقة في أثناء كلامنا؛ لأنَّه ينتابنا القلق دوماً من تسليم زمام الحديث للطَّرف الآخر باعتقادنا أنَّنا سنفقد السيطرة على النقاش، أو سنكون مسؤولين عن أيِّ ثغرةٍ في حديثنا من غير قصد. لكنَّ الثقة بالنفس تتضمَّن ثقتنا بحضورنا وكلامنا لنتغلَّب على أيِّ موقفٍ، وتعني أيضاً بأنَّنا نثق بقدرات الآخر على الخوض في الحديث.

عندما نتجنَّب هذ الحشو، نضع بذلك حدَّاً للكلام المجرَّد من الثِّقة، ويتَّضح لمن نتكلَّم معه أنَّنا نؤمن به وبقدراته.

في البيئة المهنيَّة، حشو الكلام له تداعياتٌ كثيرةٌ بالنسبة إلى فريق العمل ومفاوضات الراتب وحلِّ المشاكل والخلافات.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح ذهبية لإتقان فن الحوار

3. اكتشاف مواطن الضعف لديك:

مهما حاول الخبراء إثبات أنَّ الثّقة بالنفس يمكن أن تتأثَّر بعوامل محدَّدة؛ فهذا النَّوع المضمحلِّ والزَّائف من الثِّقة، والمبنيُّ على لغة جسدٍ ونبرات صوتٍ وسيناريوهاتٍ اجتماعيَّةٍ مكتسبةٍ وما إلى ذلك - لن يبني اعتداداً حقيقياً وراسخاً بالنَّفس؛ لأنَّه متزعزعٌ في الأصل.

إنَّ المصداقيّة في جوهرها تعني أن تكون كما أنت، وليس نسخةً مزيَّفةً عن نفسك، وأن تكون صادقاً وشفَّافاً ولست خجولاً من تجاربك التي مررت بها، وألَّا يكون للزيف أو الادِّعاء مكانٌ في حياتك، فضلاً عن ذلك أن تواجه كلَّ مأزقٍ تتعرَّض إليه -إيجابياً كان أم سلبياً- وألَّا تتوارى بالهروب، وألَّا تجد في التَّظاهر والتَّملق بمشاعرك أو اعتقاداتك أو تجاربك - ملاذاً لك مهما استدعى الأمر.

في الواقع نُطلِق على هذه السِّمة صفة الواقعيَّة، وعندما نقابل شخصاً صادقاً وواقعياً نشعر بمدى تفرُّده وتميُّزه عن سواه. يرجع السَّبب بكلِّ تأكيدٍ إلى أنَّنا نلتمس فيه الثِّقة بالنَّفس المطلقة، ونشعر وكأنَّنا نرى أنفسنا أكثر ما نأمل أن نكون عليه.

إنَّ الصدق والشفافيَّة يُبدِّلان التَّذبذب والشُّعور بضعف الثِّقة بثقةٍ متأصِّلة، وبينما تتضمَّن الثقة الزائفة الضعف والقلق والرِّيبة يأتي الصِّدق ليأخذ بيد تجاربنا الفاشلة ويحوِّلها إلى خبراتٍ إيجابيَّةٍ نستفاد منها.

رغم أنَّه تناقضٌ ذريع، لكن تكمن في طيَّاته المِنَح.

حتى نعلم هذه الحقائق عن أنفسنا يتطلَّب الأمر أكثر من مجرَّد واقعيةٍ وشفافيَّة، كاكتشاف الثَّغرات ونقاط الضعف لدينا وفي شخصيَّاتنا؛ لذا علينا أن نكون صريحين مع ذاتنا وواضحين أمامها وأمام كلِّ الناس.

عندما يلتقي كلٌّ من المصداقيَّة ونقاط الضَّعف، ونتقبَّل بكلِّ رحابة صدرٍ تجاربنا الحقيقية الفاشلة والنَّاجحة، تنشأ لدينا ثقةٌ ملموسةٌ ومطلقةٌ بأنفسنا. لكن ما السبب؟

السَّبب وبإيجاز، أنَّ الصدق والتَّقبل هما اللّبنة الأساسيّة للثّقة القويّة بالنّفس. بمعنى آخر، لا نغدو واثقي الخطى إلّا بقبول كل هفواتنا وثغراتنا وعدم الخوف من الإفصاح عنها في المقام الأوّل.

إنَّ امتلاكنا ثقةً قويَّةَ بالنَّفس لا يستوجب أن نشعر حتماً بتلك الثِّقة، ولا داع لأن نتكلَّف ونزيِّف شعورنا بها. كلُّ ما نحتاجه هو أن نتفاعل بإيجابيَّةٍ مع تجاربنا ونستفِيد منها بالشَّكل المناسب، بغضِّ النَّظر عمَّا تكشفه عن ثقتنا إن كانت ضعيفة. فنقاط ضعفك ليست عيباً، إنَّما قوَّةٌ راسخة.

وبينما تأخذ حياتك مجراها، افتح صدرك دائماً لتقبُّل نقاط ضعفك، واحذر الوقوع في مصيدة المبالغة في إظهارها، مثل: مشاركة تفاصيل حياتك والإفصاح عن خصوصيَّاتك وأمورك الشخصيَّة؛ لأنَّ هذا يعدُّ طريقاً آخر لتزييف ثقتك بنفسك.

لاحظ كم لهذا النَّمط من التَّفكير أثرٌ عليك، ومدى ارتباط الاعتداد بالنَّفس باكتشافك لمواطن ضعفك ومصالحة ذاتك بينما تطلق العنان لحمايتها.

عليك أن تعلم أنَّه لا يمكنك أن تكون واثقاً من نفسك إلَّا بالاستفادة من تجاربك النَّاجحة والفاشلة، وهذه نقلةٌ نوعيَّةٌ وجوهريَّةٌ أكثر من بعض التَّصرُّفات الزائفة والسَّطحية التي قد تمارسها، كما أنَّها حجر الأساس للنُّهوض بتلك الثِّقة، وبعلاقاتك مع الآخرين، ومفتاح النّجاح في رحلة بحثك عن الثقة المطلقة.

إقرأ أيضاً: انفوغرافيك: 10 طرق لاكتساب المزيد من الثقة بالنفس

4. التطبيق العملي لأفكارك الجديدة:

إلى الآن لربَّما قد أصبحت على اطِّلاعٍ تامٍّ على نهجنا في اكتساب الثقة. حيث أنَّ بعض مساعدي بناء الذَّات يعدون الثقة قانوناً ثابتاً وهدفاً بعينهِ، إمَّا تمتلكه أو لا. لكن في الواقع هي دورة حياةٍ لها انحسارٌ وامتداد، تتسارع وتتباطئ، وتُخفِق وتزدهر الأيام والمواقف والتحديات والأهداف التي نرسمها في حياتنا. عليك بِعَدِّ الثقة مساراً متجدِّداً وليس غايةً في حدِّ ذاتها، وبذلك يتعاظم تقديرك لذاتك.

ولكي تكون إنساناً مؤثِّراً هذا لا يعني أنَّه من المحتَّم أن تمتلك الثِّقة بأعلى درجاتها. لا تؤنِّب نفسك على كلِّ هفوةٍ وعثرة، ولا تشكِّّك بذاتك وقدراتك؛ لأنَّ ذلك يُعدُّ أمراً طبيعياً. وفي المقابل لا تجعلها قناعةً لديك بأنَّ الثقة بفعل قوَّةٍ سحرية ستظهر فجأةً وتُنقِذك في أيِّ موقفٍ تتعرَّض إليه.

ولا تنسَ أمراً في بالغ الأهميَّة: عليك أن تلقي وراء ظهرك فكرة أنَّه يوجد ثقةٌ محصَّنةٌ ضدَّ الانهيار في أيِّ لحظة. فإنَّ وجود هذا النَّوع من الثقة لا يعدو كونه خرافة، وإن حدث وصَدَفْتَهُ، فذلك لن يكون سوى قناعٍ مزيَّفٍ باطنه ضعفٌ وشكوك بالذات.

ضع في عين الاعتبار أنَّ نقاط ضعفك هي إثباتٌ لقدرتك في تخطِّي العقبات والنقد والتقدُّم من خلالهما، وهذا بعينه يعدُّ إيماناً عميقاً بالنفس.

قد يلعب اختلاق الثقة دوراً في اكتسابها مثل الخطوات المساعدة التي ذكرناها مسبقاً من التَّواصل غير اللفظي ونبرة الصوت لكن تبقى هذه الثقة متزعزعة، كما أنَّ هذا الأسلوب لن يولِّد إلَّا الثغرات.

يجدر بنا متابعة بعضٍ من الحالات الشَّائعة، وبذلك ندرك مساوئ الثِّقة المُبتدعة.

إنَّ اختلاق الاعتداد بالنَّفس يخلق نسخةً مزيَّفةً عنك -الواثق الذي ترغب أن تكون- فينتج عن ذلك مفارقةً بين شخصيتين: المعتدِّ بنفسه، والضَّعيف الثّقة. وبذلك تتفاقم مشكلتك، وتصبح الإنسان الحقيقي والواضح الذي يسعى إلى الحصول على الثّقة، والإنسان المُدَّعي الذي يتشبث بالتظاهر بها إلى أن يبلغها.

في المحصلة، فهذه الثِّقة المزيَّفة بيئةٌ خصبةٌ لتنمية ضعف النفس والمراوغة، واللتين من شأنهما أن تنقلبا عليك مخلِّفتين أثراً بليغاً في ثقتك بنفسك، وهذا باختصارٍ ما يدعى بأعراض المراوغة.

تباعاً، سيحدث أمرٌ من اثنين: إمَّا ستنهار تلك الثقة المزيفة مظهرةً كلَّ نقاط ضعفك؛ أو سيشتد أزرها، وتخدعك بوجودها، نائيةً بك عن وعيك بذاتك وإدراكك لها.

 

المصدر




مقالات مرتبطة