كيف تستفيد من عقلية البيئة المدرسية لتحرز تغييرات كبيرة في حياتك؟

كانت والدتي تغسل كرات التنس القديمة؛ إذ كنتُ في نهاية كل صيف أزور نادي التنس المحلي الخاص ببلدتنا، وأسأل المدربة إذا كانت لديها أي كرات رديئة لأتولَّى أمرها بدلاً منها؛ ثم أُحضر حقيبة الكرات إلى والدتي، لتعاني بعدها من الصوت المدوي الذي يُحدثه غسل عشرات من كرات التنس في غسالة منزلية، ثم أُعطيها لوالدي ليحفر ثقوباً في كل منها.



ملاحظة: هذه المقالة مأخوذة عن المدونة لورين لولي هيد (Lauren Lawley Head)، والتي تحدِّثنا فيها عن تجربتها في الاستفادة من عقلية البيئة المدرسية.

لقد كانت والدتي معلِّمةً تدرِّس المرحلة الإبتدائية لمدة 29 عاماً؛ حيث قضت معظم ذلك الوقت في التعليم في رياض الأطفال؛ لذا، فقد كان مشروع كرات التنس مجرد طقسٍ آخر من الطقوس التي تمارسها عائلةٌ تمتهن الأم فيها التعليم في رياض الأطفال، تماماً كتعلُّم تشغيل آلة تجليد الكتب، أو كيفية صنع حلوى على شكل منزل من عشرين إبريق حليب.

وبعد أن ينتهي والدي من حفر الثقوب، تتناسب كرات التنس مع أرجل الكراسي ذات المقاس الموحَّد الخاصة بالمدارس الإبتدائية بشكل مثالي، ويختفي الضجيج المزعج الذي تُصدره في كل مرة يتحرك فيها كل طفل؛ فحينما تكون مسؤولاً عن تحويل مجموعة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و 6 سنوات - في أول تجربة تعليمية لهم - إلى طلاب، فإنَّ الأمور الصغيرة هي ما تهم.

وكل عام، كانت أُمي تعود إلى المدرسة قبل أسابيع قليلة من بدء العام الدراسي، مثل كل المعلمين في جميع أنحاء البلاد، وكانت تقضي ساعات في غرفتها الحارة، وهي تجهِّز جميع الأمور لاستقبال الدفعة التالية من التلاميذ الصغار الذين تحملق نظرات أعينهم في براءة، استعداداً لبدء مشوارهم التعليمي؛ حيث كانت تصنع شارات بأسمائهم، وتُنشِئ جداول يومية، وورشات لممارسة الأنشطة، وركن للقراءة، كما كانت تزيِّن الباب ولوحات الإعلانات برسائل ترحيب وتشجيع؛ وبالطبع، كانت تثبِّت كرات التنس على أرجل الكراسي.

تمثِّل بداية العام الدراسي الجديد بداية مرحلة جديدة، وتغييرات جذرية، تماماً كما يمثِّل رأس السنة الجديدة، وإن لم يكن أكثر من ذلك؛ حيث تمتلئ المتاجر باللوازم، التي تساعدك في تخطيط، وتنظيم حياتك، كما ثمة دفعة جديدة من الدوريات الرياضية، وفصول اللياقة البدنية التي يمكنك تجربتها، إضافةً إلى المناسبات الاجتماعية التي تنظَّم باستمرار.

وحتى لو لم تكن في المدرسة، أو ليس لديك أطفال في سن المدرسة في المنزل، فمن المحتمل أن تشعر بهذا التغيير الموسمي أيضاً؛ إذ يتم إغلاق المسابح، وتطول الليالي، وتقلُّ حفلات الشواء، وينتقل إيقاع الحياة من وضعية الإجازات إلى إيقاع منتظم ومتسارع أكثر، إذ يعود كل شخص إلى عمله ودراسته؛ وخصوصاً تلاميذ رياض الأطفال، الذين يسيرون إلى مدارسهم للمرة الأولى، حاملين حقائبهم المليئة بحاجياتهم بوجوه مشرقة، استعداداً لاستقبال مرحلة جديدة من حياتهم كطلاب؛ حيث سيتعلَّمون خلال الأيام القليلة الأولى فقط اتباع جدول يومي، وتحمُّل مسؤولية أنفسهم، والعمل الجماعي، وخلال الأشهر التسعة المقبلة، من المحتمل أن يُحرزوا تقدماً بارزاً في مواضيع متعددة؛ كالرياضيات، والقراءة، والكتابة، والعلوم، والدراسات الاجتماعية، والكثير غيرها، وبحلول نهاية العام الدراسي، ستتغير شخصيتهم بشكل ملحوظ، وإن كنت تشكُّ بذلك، تحقَّق من الصور الكثيرة التي ينشرها الآباء لأبنائهم على وسائل التواصل الاجتماعي خلال أول وآخر يوم في المدرسة.

إقرأ أيضاً: تهيئة الطفل لدخول الروضة والمدرسة - مقال شامل

تطرأ تغييرات مماثلة على البالغين الذين يتابعون تعليمهم النظامي؛ فصحيح أنَّ صور اليوم الأول واليوم الأخير من العام الدراسي لطلاب الجامعات لا تُشبه صور التلاميذ الصغار بنظراتهم البريئة وابتساماتهم التي تعلو وجوههم، ولكنَّ مسار التغيير الذي يشهدونه واضح للغاية، وبمجرد أن نُنهي مراحل تعليمنا النظامي، نادراً ما نشهد مستوىً مماثلاً من التقدم خلال هذا الوقت الضيق.

إذاً، ما الذي يهيِّئنا لنكون طلاب علم، ونكوِّن تصورات جديدة لأنفسنا، ونحوِّل تلك التصورات إلى حقيقة داخل جدران الصفوف المدرسية؟

يقول المعلِّمون إنَّ سر نجاحهم يكمن في إدارة الفصول الدراسية؛ إذ تتمثَّل الفكرة في أنَّك إذا وفَّرت البنية المناسبة للبيئة التعليمية، ثم اتَّبعتَها بحذافيرها، ستتمكن من تحقيق نتائج ملحوظة على نطاق واسع.

تُعدُّ البنية المتَّسقة فعالةً للغاية؛ ففي أحد الأعوام التي كانت فيها والدتي تعمل كمدرِّسة، انتقل طالب جديد، وانضم إلى صف إحدى زميلاتها في وقت متأخر جداً من العام الدراسي، وكان لدى الطفل الصغير سجل انضباط طويل بالنسبة لتلميذ في روضة الأطفال، بما في ذلك فصلُه ثماني مرات من مدرسته السابقة، وشهرته في إطلاق الشتائم على كل من يراه، وما زالت معلِّمته تتذكر كم كانت متوترةً بشأن التأثير الذي يمكن أن يُحدِثَه على طلاب الصف، ولكنَّها رحبت به بابتسامة، وأطلعته بلطف على جميع القواعد والإجراءات، والتدابير التي من المُتوقَّع أن يلتزم الطلاب بها في صفِّها.

وفي يومه الثاني، عارَض إحدى تعليماتها قائلاً: "ماذا ستفعلين إن لم أنفِّذ ما تطلبينه؟" فأوضحتْ له أنَّها تحاول مساعدته، وتؤمن أنَّه قادر على إنجاز عمله، وأثنت على كل تصرف إيجابي كان يقوم به، لقد مرَّتْ ببضعة أسابيع مرهقة، ولكنَّه أصبح واحداً من أفضل التلاميذ في ذلك العام.

على الرغم من أنَّ أيام دراستك قد أصبحت من ذكريات الماضي، إلا أنَّه لا ينبغي أن تكون مهارة إدارة الفصول الدراسية جزءاً من ماضيك أيضاً؛ فإذا كنت ترغب في أن تُحدِث تغييرات كبيرة ودائمة في حياتك، فحاول تحديد أهدافك كما لو كنت ستعود إلى المدرسة لتحقيقها، من خلال اتباع الخطوات الثلاث التالية:

1. تخطيط منهجك الدراسي:

ما الذي ترغب في تحقيقه في نهاية العام الدراسي؟ وما الذي عليك فعله لتحقيقه؟ وما الذي عليك قراءته أو دراسته؟ وما هي المهارات التي عليك ممارستها؟

2. إنشاء خُططك الدراسية:

يقسِّم المعلمون مناهجهم إلى خطط دراسية يومية مفصَّلة تحدِّد ما سيقومون به خلال اليوم؛ والتي تتضمن سلسلةً من الأنشطة المصمَّمة لتحقيق الأهداف اليومية؛ حيث يعزِّز كل يوم اليومَ الذي يسبقه، حتى يُتوَّج في نهاية الأمر في تحقيق النتيجة المرجوة.

يُناسب إطار العمل هذا أهداف اللياقة البدنية؛ فإذا أجريتَ بحثاً عن "خطط التدريب لسباقات الماراثون"، مثلاً، ستجد العديد من خيارات المناهج المقسَّمة إلى خطط يومية خاصة بالتدريبات البدنية، والتغذية، وغيرها، وقد تتطلب الأهداف الأخرى منك قدراً أكبر من الإبداع للتخطيط لها.

3. تحديد بيئتك:

تترافق البيئة المدرسية مع مجموعة كبيرة من القواعد؛ وإذا أردت أن تُضيف مزايا الحياة الدراسية إلى ما تبقَّى من مشوار عمرك، عليك أن تضع بعض القواعد الجديدة، وتلتزم بها؛ إذ تتلاءم العديد من قواعد المدرسة بشكل مثالي مع عالم الكبار؛ على سبيل المثال، تخصِّص المدارس أوقاتاً محددةً لبدء وانتهاء اليوم الدراسي، إلى جانب اتباع جدول زمني صارم خلال اليوم، بالإضافة إلى أنَّهم عادةً ما يضعون حدوداً تنظِّم استخدام الأجهزة الإلكترونية، والمشتتات المحتملة الأخرى، ويصرُّون على اتباع برنامج صارم من الواجبات المنزلية والدراسة المستقلة، لتعزيز فهم المواد الدراسية.

 تتطلب القواعد  المتَّبَعة في مدارس أخرى بعضاً من التكيف؛ فمثلاً: قد يضطر التلاميذ إلى الاستغناء عن استخدام الأقلام الملونة، أو الآلات الحاسبة للرسوم البيانية، ولكن من المحتمل أن تستفيد من وجود جميع مستلزماتك الجاهزة في بداية يومك.

إقرأ أيضاً: وضع خطة عمل ليوم الغد يزيد إنتاجيتك ويساعدك على الاسترخاء

ولكن بالطبع، تسلب الصرامة الشديدة المتعة مما تفعله؛ حيث أعارت المدارس انتباهها لهذا الأمر خلال السنوات الأخيرة، ولحسن حظ تلاميذنا اليوم؛ على سبيل المثال، حينما دخل ابني الصغير إلى صفه في بداية العام الدراسي، وجد أنَّه قد تم وضع كراسي تخييم بدلاً من المقاعد والكراسي التقليدية، وفي اليوم التالي، وجد وسادةً أرضيةً عملاقة، ثم كرسياً على شكل نابض في يوم آخر.

لقد منحته هذه المقاعد المرنة هو وزملاؤه تحكماً أكبر في بيئة التعلم الخاصة بهم، والذي يُعدُّ أساس التفاعل مع المواد الدراسية، كما تُشير بعض الدراسات.

الخلاصة:

يمكن أن يحقق المعلمون المعجزات خلال عام دراسي واحد، من خلال الجمع بين مناهج تعليمية فعالة، وإتقان إدارة الفصول الدراسية؛ حيث سيتمكن تلاميذ رياض الأطفال، الذين لم يكن بإمكانهم كتابة أسمائهم، من تأليف قصصهم المستوفية لكافة عناصر القصة من بداية، وحبكة، ونهاية.

كما سيتمكن طلاب المدارس الإعدادية الجدد، الذين بالكاد استطاعوا أن يفتحوا خزائنهم، من إنجاز مهام متعددة الأجزاء عبر "فصول غوغل التعليمية" (Google Classroom)، والمصحوبة بعرض الشرائح، وسيغادر طلاب المرحلة الثانوية آخر محطة لينتقلوا بعدها إلى مرحلة النضج والبلوغ؛ حيث يتوجهون إلى العالم، وبأيديهم حرية اختيار وظائف، أو استكمال الدراسات العليا.

ما الذي يمكن أن تنجزه في حياتك خلال العام المقبل؟ ربما لا يمكنك تخصيص ثماني ساعات يومياً لتحقيق مساعيك، كما لو كنت طالباً متفرغاً لدراسته فقط، ولكن لا يزال بإمكانك استخدام هذا الوقت من العام لاعتناق موسم التغيير؛ لذا، حدِّد هدفك، ثم ضع خطةً ضمن إطار عقلية البيئة المدرسية، لتحقيق ذلك الهدف؛ حتى لو كان عليك البدء بالتخلص من كرسيك المزعج.

 

المصدر




مقالات مرتبطة