كيف ترفض طلبات الآخرين لتحقيق إنتاجية أكبر؟

إنَّ عدم القيام بأمر ما سيكون دائماً أسرع من القيام به، حيث يذكرنا هذا الكلام بمقولة ترتبط بتخصص برمجة الحواسيب، التي تقول: "أسرع طريقة للبرمجة، هي عدم كتابة أي كود برمجة".



ينطبق هذا المبدأ على مجالات أخرى من الحياة، على سبيل المثال، لا يوجد اجتماع ينعقد أسرع من عدم عقد أي اجتماع على الإطلاق، وهذا لا يعني أنَّه لا يجب عليك حضور اجتماع آخر أبداً، ولكنَّ الحقيقة هي أنَّنا نقبل فعل الكثير من الأمور التي لا نرغب بفعلها في الواقع، فهناك العديد من الاجتماعات التي لا يلزم عقدها، وكذلك الكثير من المهام التي لا تعود علينا بأي نفع.

دائماً ما يطلب منا الآخرون أن نفعل أموراً من أجلهم ونقبل بذلك بكل رحابة صدر، وبعد عدة أيام نشعر بالإرهاق من وجود الكثير من الأعمال في قائمة مهامنا، ونشعر بالإحباط من الالتزامات رغم أنَّنا نحن من وافقنا في بداية الأمر؛ لذا يجدر بنا أن نسأل أنفسنا عما إذا كانت هذه الأشياء ضرورية؛ حيث على الأرجح لن تكون كذلك، وستحقق إنتاجية أكبر من أي عمل يمكن أن يقوم به شخص أكثر كفاءة من خلال رفض هذه المهام.

ولكن إذا كانت فوائد الرفض واضحة جداً، فلماذا نقبل بفعل ما يطلبه الآخرون منا في  كثيرٍ من الأوقات؟

ما الذي يدفعنا إلى قبول طلبات الآخرين؟

لا نوافق على العديد من طلبات الآخرين لأنَّنا نريد القيام بها؛ بل لأنَّنا لا نريد أن يُنظر إلينا على أنَّنا وقحون أو متكبرون أو غير مساعدين؛ ففي كثير من الأحيان، عليك التفكير عند رفض طلبات الأشخاص القريبين منك كزميلك في العمل وزوجتك وعائلتك وأصدقائك؛ فقد يكون رفض ما يريدونه أمراً صعباً خاصة لأنَّنا نحبهم ونريد دعمهم، (ناهيك عن أنَّنا كثيراً ما نحتاج إلى مساعدتهم أيضاً).

يُعدُّ التعاون مع الآخرين عنصراً هاماً في الحياة؛ لذا قد يكون الحفاظ على علاقاتنا معهم أهم بكثير من تقديم التزامات على حساب وقتنا وطاقتنا.

لهذا السبب، عليك أن تكون لطيفاً في ردك، افعل كل ما يمكنك فعله وكن لطيفاً وصريحاً عندما تضطر إلى الرفض.

ولكن حتى بعد أن أخذنا في الحسبان هذه الاعتبارات الاجتماعية، لا يزال الكثير منا يفشل في إيجاد حل وسط بين قبول ورفض طلبات الآخرين، فنجد أنفسنا ملتزمين أكثر من اللازم بفعل أمور لا تحسِّن أو تدعم مَن حولنا دعماً هادفاً، وبالتأكيد لا تحسِّن حياتنا، ولعلَّ المشكلة تكمن في مفهومنا لكلمتي "نعم" و"لا".

إقرأ أيضاً: 4 طرق لاستعادة التركيز عندما تشعر بالتعب في العمل

الفرق بين كلمة نعم و كلمة لا:

تُستخدَم الكلمتين "نعم" و"لا" بالمقارنة مع بعضهما بعضاً في كثير من الأحيان بحيث يبدو أنَّهما يحملان الدرجة ذاتها من الأهمية في المحادثة، ولكن في الواقع، هما ليستا متناقضتين في المعنى فحسب؛ بل تختلفان تماماً في الالتزام للقيام بشيء ما؛ فعندما تقول لا، فأنت ترفض خياراً واحداً فحسب، أمَّا عندما تقول نعم، فأنت ترفض كل خيار آخر قد يكون متاحاً أمامك.

عبَّر الخبير الاقتصادي تيم هارفورد (Tim Harford) عن هذا الأمر بطريقة رائعة عندما قال: "في كل مرة نوافق فيها على إنجاز طلب أحدهم، نرفض في الوقت ذاته أي أمر آخر قد ننجزه بذلك الوقت"؛ فبمجرد أن تلتزم بشيء ما، تكون قد قررت بالفعل تكريس كامل وقتك للقيام به.

بمعنى آخر، يوفر لك الرفض الوقت في المستقبل، بينما تكلفك الموافقة ذلك الوقت؛ فكلمة "لا" هي بمثابة ائتمان زمني؛ وذلك لأنَّك تحتفظ بالقدرة على قضاء وقتك فيما بعد كيفما تشاء، بينما كلمة "نعم" هي بمثابة ديون زمنية عليك أن تسدد التزامك بها عاجلاً أم آجلاً، إذاً، الرفض قرار، بينما الموافقة فهي مسؤولية عليك الالتزام بها.

شاهد بالفديو: 7 نصائح فعالة تعلّمنا كيف نقول لا

الدور الذي يلعبه الرفض:

يُنظر أحياناً إلى الرفض على أنَّه شكل من أشكال الترف الذي لا يتمتع بحق استخدامه سوى مَن هم في السلطة، وهذا صحيح: إنَّ رفض الفرص يكون أسهل عندما يمكنك الاعتماد على الأمان الذي توفره لك القوة والمال والسلطة، ولكن من الصحيح أيضاً أنَّ الرفض ليس مجرد امتياز يحتكره الناجحون من الناس؛ بل هو أيضاً استراتيجية يمكن أن تساعدك على أن تصبح ناجحاً.

يُعدُّ الرفض مهارة هامة يجب تطويرها في أي مرحلة من مراحل حياتك المهنية؛ وذلك لأنَّها تحافظ على أهم عنصر في الحياة وهو الوقت؛ وكما قال المستثمر بيدرو سورينتينو (Pedro Sorrentino): "إذا لم تحرس وقتك، فسوف يسرقه الناس منك".

عليك أن ترفض أي شيء يلهيك عن تحقيق أهدافك، فإذا وسَّعت مفهومك لرفض طلبات الأخرين، فهذا هو في الواقع الطريق الوحيد لزيادة إنتاجيتك (لأنَّك ترفض في النهاية التعرُّض لأي مصادر مشتتة كي تكون منتجاً)".

لا أحد يجسد هذه الفكرة أفضل من مؤسس شركة "أبل" (Apple) ستيف جوبز (Steve Jobs) عندما قال: "يعتقد الناس أنَّ التركيز يعني الموافقة على فعل الشيء الذي عليك التركيز عليه، لكن هذا ليس ما يعنيه التركيز على الإطلاق؛ بل يعني رفض مئات الأفكار الجيدة التي قد تخطر في بالك، لذلك عليك اختيار أفكارك بدقة".

هناك توازن هام يجب تحقيقه، لا يعني قول لا أنَّك لن تفعل أبداً أي شيء ممتع أو إبداعي أو عفوي، هذا يعني فقط أن تقول نعم بتركيز، بمجرد أن تتخلص من المشتتات، سيكون في إمكانك أن توافق على أي فرصة يمكن أن تقودك نحو النجاح، وقد تضطر إلى تجربة أشياء كثيرة لاكتشاف ما يصلح وما تستمتع به، يمكن أن تكون فترة الاستكشاف هذه هامة خاصة في بداية المشروع أو الوظيفة أو المهنة.

تطوير قدرتك على الرفض:

مع مرور الوقت، بينما تستمر في التقدُّم والنجاح، عليك تغيير استراتيجيتك؛ حيث تزداد تكلفة الفرصة البديلة لوقتك كلما أصبحت أكثر نجاحاً، وليس عليك في البداية سوى التخلص من المشتتات والبحث عن الراحة، وبذلك تحسِّن مهاراتك وتفصل بين ما ينجح وما لا ينجح، ويجب عليك أن تحدَّ باستمرار من قبولك لإنجاز مهام الآخرين.

ما زال عليك رفض التعرُّض للمشتتات، ولكن عليك أيضاً أن تتعلم رفض الفرص التي كانت تُعدُّ استثماراً جيداً لوقتك، كي يتسنَّى لك توفيره لاستثماره في أمور أهم، إنَّها مشكلة جيدة، لكن قد يكون من الصعب إتقان هذه المهارة؛ بمعنى آخر، عليك تطوير قدرتك على "الرفض" بمرور الوقت.

لا يعني ذلك أنَّك لن توافق على أي أمر أبداً؛ بل يعني فقط أن تقول لا بشكل افتراضي وتوافق فقط عندما يكون الأمر منطقياً، على حد تعبير المستثمر "برينت بيشور" (Brent Beshore): "إنَّ الرفض أمر فعال للغاية؛ وذلك لأنَّه يحافظ على فرصة الموافقة في الوقت المناسب".

إذا كنت تستطيع أن تتعلم رفض التعرُّض لمشتتات سيئة، فستحصل في النهاية على الحق في رفض قبول الفرص الجيدة.

إقرأ أيضاً: الإنتاجية أم الكفاءة: أيُّهما أهم؟ ولماذا؟

كيف ترفض؟

قد يُبدي معظمنا موافقته على قبول طلبات الآخرين، بينما يستغرق وقتاً أطول في رفضها، وعليك أن تكتشف طبيعتك وما تميل أكثر إلى فعله بهذا الخصوص.

فإذا كنت تواجه مشكلة في قول لا، فقد تجد الاستراتيجية التي اقترحها تيم هارفورد (Tim Harford) مفيدة؛ حيث كتب: "إحدى الحيل هي أن تسأل نفسك: "إذا كان عليك القيام بذلك اليوم، فهل سأوافق على ذلك؟ إنَّها ليست قاعدة عامة سيئة؛ وذلك لأنَّ أي التزام مستقبلي، بغض النظر عن بعده، سيصبح في النهاية مشكلة وشيكة".

إذا كانت هناك فرصة مثيرة للاهتمام بما يكفي للتخلي عن كل ما تفعله الآن، فعليك أن تقول نعم، وإذا لم يكن الأمر كذلك، يجب عليك أن تفكر مرة أخرى.

يشبه ذلك فلسفة المؤلف الأمريكي ديريك سيفرز (Derek Sivers) التي ينصحنا فيها بألا نقبل أي طلب أو فكرة ما لم تكن ردة فعلنا اتجاهها: "نعم، يا للروعة!" وإلا فلا تستحق وقتنا أو اهتمامنا.

من المستحيل أن تتذكر طرح هذه الأسئلة على نفسك في كل مرة تواجه فيها قراراً، ولكن لا يزال من الجيد إعادة النظر من وقت لآخر، قد يكون الرفض أمراً صعباً، ولكنَّه غالباً ما يكون أسهل من فعل أمر لا يعود عليك بأي نفع، كما أشار الكاتب "مايك داريانو" (Mike Dariano): "من السهل تجنُّب الالتزامات بدلاً من الخروج منها، حيث إنَّ الرفض يخلِّصك من عناء تلك الالتزامات".

ما ينطبق على الصحة ينطبق على الإنتاجية (فدرهم وقاية خير من قنطار علاج).

إقرأ أيضاً: فيتامين (لا).. هكذا تحمي شخصيتك وترسم حدودها!

في الختام:

قد تهدر المزيد من الجهد في القيام بأشياء لا تهم أكثر مما تهدره في القيام بالأشياء بشكل غير فعال، وإذا كان الأمر كذلك، فإنَّ الرفض مهارة مفيدة أكثر من القيام بأمور لا تفيدك بفاعلية.

يقول "بيتر دراكر" (Peter Drucker)، الأب الروحي للإدارة الحديثة: "لا يوجد شيء عديم الفائدة كالقيام بشيء ما بكفاءة كبيرة في الوقت الذي ليس عليك القيام به على الإطلاق".

 

المصدر




مقالات مرتبطة