كيف تدعم الصحة الذهنية للموظفين بعد العودة للعمل من المكتب؟

لقد بدأت مشكلات الأمراض الذهنية تلقى اهتماماً بعد زيادتها في السنوات الأخيرة، ثم جاءت جائحة كورونا وخلقت المزيد من العقبات أمام الصحة الذهنية. والآن، مع بدء الشركات افتتاح أبوابها مرَّة أخرى، أصبح من الضروري الاهتمام بالصِّحَّة الذِهنيَّة لموظَّفيها وقادتها بقدر الاهتمام بصحتهم البدنية.



تُعدُّ إحدى أفضل الطرائق التي يضمن بها رواد الأعمال ومؤسسي الشركات الناشئة حدوث ذلك، هي قيادة هذا الأمر بأنفسهم؛ لذا نقدِّم لك في هذا المقال كيفية دعم الصحة الذهنية لكل عضو في فريقك من خلال وضع نماذج لممارسات الرعاية الذاتية الجيدة، وإظهار القيادة الحقيقية في هذا الموضوع:

1. معرفة أضرار تجاهل المشكلات الذهنية:

قد لا يُرى المرض النفسي مثل بعض الجروح الجسدية، ولكن لا يعني هذا أنَّه عبء شخصي يجب أن يتحمله المصاب به، ورغم أنَّه يجب على أي قائد شركة أو مسؤول تنفيذي يعاني من مشكلات ذهنية أم يتعامل مع الكثير من التداعيات، مثل الألم المزمن والقلق والأرق وانهيار العلاقات الشخصية وقلة الشهية؛ ممَّا يتطلب المزيد من الرعاية الذاتية، إلَّا أنَّ تكلفة المعاناة في صمت تضرُّ الجميع.

في الواقع، قدَّرت دراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية (WHO) لعام 2019، أنَّ الاكتئاب والقلق يكلِّفان الاقتصاد العالمي حوالي 1 تريليون دولار سنوياً نتيجة فقدان الإنتاجية. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التغيب عن العمل، وصعوبة إكمال المهام، وساعات العمل الضائعة من خلال الإشراف أو المساعدة الإضافية المطلوبة إلى زيادة الخسائر.

يتأثر الملايين من الأمريكيين بالأمراض الذهنية؛ فوفقاً للمعهد الوطني للصحة الذهنية (National Institute of Mental Health)، يعاني ما يقرب من 20% من البالغين في الولايات المتحدة من مرض ذهني سنوياً. ويعاني 4% من جميع البالغين في الولايات المتحدة من مرض ذهني خطير. وتتفاقم هذه الأرقام بسبب الأزمة الحالية وأوامر العزل المنزلي التي أبقت العديد من الناس في منازلهم لأسابيع متتالية.

هذا يعني أنَّ شخصاً ما في مؤسستك على الأرجح يعاني أو سيعاني من مشكلات ذهنية، وإذا لم يتعامل أي شخص في شركتك مع هذه المشكلة بجدية ورأفة، سيشعر هؤلاء الموظفون بالوحدة؛ لذا لا تجعل تحيَّتك لهم عند عودتهم إلى العمل هي الصمت، بل أظهِر التعاطف والقبول والمشاعر الطيِّبة التي تساعد بالفعل.

إقرأ أيضاً: كيف ستبدو مكاتب العمل بعد انتهاء جائحة كوفيد-19؟

2. إجراء استطلاع رأي:

تُعدُّ سياسات السلامة غير المناسبة، والقيادة الضعيفة، والتواصل السيء، والإدارة التفصيلية، وعدم احترام استقلالية الموظف، وظروف وساعات العمل غير المرنة، وإساءة إدارة المرؤوسين هي التحديات التي يواجهها مكان عملك، فيما يتعلق بتحقيق الصحة الذهنية للقوى العاملة والقيادة، والتي قد تؤدي جميعها إلى إلحاق ضرر كبير بأعضاء فريقك.

لذا يجب إجراء استطلاع رأي لجميع موظفيك لتحديد المجالات التي تتطلَّب التحسين، ويحب أن تخفي هوية الأشخاص الذين يُجرون الاستطلاعات لضمان الحصول على تغذية راجعة صادقة. وإذا كنت بحاجة إلى مساعدة في القيام بذلك، فيمكنك الاستعانة بمصادر خارجية لإنشاء الاستبيان وإدارته. كما قد يساعد إبعاد قيادة الشركة عن هذه العملية في طمأنة العاملين بأنَّ آرائهم ستبقى سرِّيَّة ولن تؤدي إلى أي رد فعل عكسي.

بعد ذلك، يمكنك معالجة عوامل الخطورة تلك وتقليلها من خلال وضع استراتيجية مدروسة. كما يجب أن تهتم بوضع راحة الأشخاص دائماً في المقام الأول، قبل إجراءات خفض التكلفة؛ لأنَّه بهذه الطريقة، سيساعد الموظفون شركتك على زيادة إيراداتها وأرباحها.

3. اتباع سياسات تعزز الصحة الذهنية:

يُعدُّ منح الدعم الذي يحتاجه الموظفون مفتاحَ مساعدتهم على استعادة صحتهم الذهنية والحفاظ عليها بعد الأزمة دون فرض أي عقوبات. في الواقع، قد تُقدِّم الشركات استشارات ومزايا أخرى للصحة الذهنية، ولكنَّها تجعل من الصعب على العمال ممارسة هذه المزايا بالفعل. على سبيل المثال: إذا كان الموظف سيُعاقب على التغيُّب عن العمل من أجل حضور جلسات الاستشارة الأسبوعية التي لا تُعقَد إلا خلال ساعات العمل، فمن غير المرجح استمرار هذا الموظف في إعطاء الأولوية لصحته الذهنية من خلال حضور تلك الجلسات؛ لذا احرص على ألَّا تكون المزايا التي تمنحهم إياها شكليَّةً فحسب، وتأكد من أنَّ فريقك يمكنه الاستفادة من الموارد والدعم الذي تقدمه استفادة عملية.

بالإضافة إلى ذلك، من الهام للغاية تدريب المديرين والقادة على اكتشاف مشكلات الصحة الذهنية الخطيرة ومساعدة الموظفين للحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها دون إحراجهم، ويبدأ هذا العمل من القيادة العليا؛ لأنَّه عندما تمارس سلوكاً صحيَّاً مع السلامة الذهنية لموظفيك، سينتقل هذا إلى الإدارة الوسطى والمشرفين والقوى العاملة بأكملها؛ لذا دع الجميع يعرف أنَّ سياسة الشركة تتعامل الآن مع الصحة الذهنية لجميع الموظفين كأمر هام يجب التعامل معه باحترام.

4. اروِ قصتك:

عندما بدأ الشرطي السابق في شرطة نيويورك ورئيس منطقة بروكلين (Brooklyn) الحالي إريك آدامز (Eric Adams) يعاني من مشكلات ذهنية نتيجة التحديات التي يواجهها في عمله، بدأ في ممارسة التأمل كجزء من برنامج شامل للرعاية الذاتية وإدارة الصحة الذهنية، أصبح الآن يجد التوازن لسرد قصته في مواجهة معاناته الذهنية.

لقد كتب "بن ها" (Ben Huh)، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "تشيز برجر" (Cheezburger)، مقالاً عن صراعه مع التفكير في الانتحار بعد تجربة فاشلة في إنشاء شركته. كما كتب "شون بيرسيفال" (Sean Percival)، المؤسس المشارك لشركة ملابس الأطفال "ويتلبي" (Wittlebee)، علناً عن كيفية تأثير انتحار زميله على صحته الذهنية، وشجَّع رواد الأعمال الآخرين الذين يعانون من مشكلات ذهنية على التحدث وطلب المساعدة.

لقد اتَّخذ رواد الأعمال هؤلاء وغيرهم خطوة جريئة للمساعدة على القضاء على وصمة العار غير المبرَّرة المحيطة بالصحة الذهنية في عالم الأعمال وفي الحياة العامة أيضاً؛ إذ تساعدك السيطرة على قصتك من خلال إخبارها بنفسك للآخرين في بيئة بنَّاءة وآمنة على التعافي، ويساعد الآخرين أيضاً الذين قد يعانون في صمت.

 

المصدر




مقالات مرتبطة