كيف تدافع عن نفسك عندما يقتضي الأمر؟

إنَّ التفاعل مع الآخرين أمر حتمي، ورغم التباعد الاجتماعي الذي فُرض علينا جرَّاء انتشار جائحة فيروس كورونا، لا زلنا نعيش في ظل دوائر من العلاقات الشخصية والمهنية مع الآخرين الذين لا مفر من التعامل معهم.



مهما كانت الوسائل التي تستعملها؛ من مكالمات باستخدام تطبيق زوم (Zoom) إلى تعليم الأطفال في المنزل، وحتى التسوق وإبقاء العربة على مسافة ستة أقدام من الشخص الذي أمامك، ستتعرض حتماً إلى مواقف تضطر إلى التعامل فيها مع الآخرين.

ورغم أنَّك تبذل قصارى جهدك في مراعاة من حولك واستيعابهم، لكنَّك تشعر في بعض الأحيان بالرفض والتقليل من القيمة والإحباط من أشياء  قيلت أو حدثت، وذلك دون أن تقوم بالرد (رغم رغبتك الشديدة في ذلك).

فهل يبدو هذا مألوفاً لك؟

كن على يقين بأنَّك لست وحدك من يشعر بذلك، فقد نشرت جمعية (The Society for Personality and Social Psychology) بحثاً يشير إلى أنَّ الناس يواجهون وقتاً عصيباً في معرفة التصرف المبالغ فيه، ونقيض ذلك عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن أنفسهم.

فإذا كنت خجولاً بعض الشيء أو كنت شخصاً لطيفاً أو خلاف ذلك، فإنَّ تعلم كيفية الدفاع عن نفسك يتطلب 3 خطوات بسيطة ومضمونة النجاح؛ وهي:

1. التقييم الذاتي:

فكر في قرارة نفسك؛ هل أنت شخصٌ رقيق القلب أم فظٌّ في التعامل؟ وماذا ستفعل لو أنَّ شخصاً قد تجاوز الطابور أمامك؛ فهل ستبقى صامتاً أم تعبِّر عن انزعاجك؟

 لنفترض أنَّ مديرك زاد عبء العمل عليك، وبدلاً من تعويضك زاد انتقاده لأدائك، هل ستعمل بجد خوفاً على وظيفتك لأنَّه لا خيار آخر لديك، أم سترد بجرأة معبراً عن التأثير السلبي الذي يحدثه هذا الأمر في حياتك المهنية على الأمد الطويل؟

حتى داخل منزلك، عندما تلاحظ أنَّ شركاءك في السكن لا يملكون الوقت الكافي للقيام بالأعمال المنزلية، ويأتي التعليق من أحدهم بأنَّه مشغول جداً مع تلميحه بأنَّك متفرغ، فهل ستحافظ على هدوء أعصابك حينها، أم ترمي أغراضه خارج المنزل وتغيِّر قفل الباب؟

إنَّ اتباع هاتين الطريقتين ليس أفضل ما تقوم به عندما ترغب في الدفاع عن نفسك، غير أنَّ فهم ميولك الطبيعية هو الخطوة الأولى لإدراك موقفك الحالي والاتجاه الذي قد تختاره لتصبح بحالٍ أفضل.

بغض النظر عن وضعك الحالي، لا يزال بإمكانك أن تتغير، وذلك لأنَّ الأمر كله يتعلق بإيجاد صوتك الداخلي، وإدراك أنَّ الدفاع عن النفس لا يأتي بمقاس واحد يناسب الجميع. ليس من الضروري الفوز بكل شيء أو خسارة كل شيء؛ بل حري بك أن توازن موقفك وتتبنى الطريقة التي تناسبك.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات تمكنك من تحديد مواطن القوة والضعف لديك

2. وضع الحدود:

كيف تبدو آلية الدفاع عن نفسك من وجهة نظرك؟

في الحقيقة، ستجد من خلال القليل من البحث فقط أنَّ الأمر أسهل مما تعتقد، وهي في الواقع تقنية تستخدم في الكوتشينغ الذي يتضمن العلاج بالكتابة.

إليك ما يتطلبه الأمر:

بعد أن تقيِّم نفسك وتدرك أنماط سلوكك، يحين وقت اختيار الحدود التي عليك وضعها، لذا حدد الأشياء الهامة والأشياء التي ليست كذلك، والأمور التي تعيقك، واستغنِ عما لا يفيدك. ما يجعل الأمر أكثر روعة أنَّه ليس هناك خطأ أو صواب في ذلك، لأنَّ الأمر منوط بك فقط، لذا اتبع حدسك.

فكر فيما إذا كان الشخص الذي تجاوزك في الطابور يستحق أن تهدر طاقتك ووقتك عليه، وفيما إذا كانت رغبتك في الدفاع عن ذاتك تتعزز بمعارضته.

في بعض الأحيان، عندما لا نعالج القضايا الحقيقية التي تشعرنا بالرفض والاستبعاد، نسمح لأي شيء مهما كان صغيراً أن ينال منا، فإذا كنَّا نحلل الأشياء غير القابلة للتفاوض ثم نضع خطة نتبناها بغية توضيحها للآخرين، فنحن حتماً سنعرف حدودنا - وكذلك الآخرون - وعندها يحين الوقت الفعلي للبدء بالدفاع عن أنفسنا.

على سبيل المثال: ما مدى أهمية حياتك المهنية عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن نفسك؟ وما شعورك وأنت تقوم بالمزيد من العمل بدون أجر إضافي أو حتى شكر؟ هل باعتقادك أنَّ تلك الحالة تستحق النظر فيها وإعادة تقييمها؟ وأين تصنف حياتك المنزلية من حيث الأهمية؟ وما الذي كنت تتقبله سابقاً ولم يعد مسموحاً بعد اليوم؟

يشمل ذلك أفراد العائلة ومن يهمك أمرهم، فربما أنت تعطي أكثر مما تأخذ عندما يتعلق الأمر بالعواطف؛ فما الذي تعده مبالغاً به؟ وما الذي ينبغي أن تحدده؟

إذا لم تعرف الإجابة عما سبق، فكيف تتوقع أن يعرفها الآخرون؟

إنَّ اغتنام الوقت لمعرفة هذه المسائل ولا سيما الأمور غير القابلة للتفاوض يضع معايير لتقييم الحالات التي تصادفك واختيار الردود والإجراءات المناسبة، كما يمنحك قوة الاختيار النابع من ذاتك، فهل ستختار أن تسمح بشيء ما، أم تختار عدم السماح به؟

وهكذا بعد معرفتك أنَّ الخيار بيدك ستتمكن من المضي قدماً وستشعر بالحرية؛ وكلما وضعت الحدود، زادت قدرتك على الدفاع عن نفسك والمضي قدماً نحو ما تريد ومن تحلم بأن تكون عليه في حياتك الشخصية والمهنية على حد سواء، لذا راجع ماضيك وحدد الأوقات التي كنت فيها حازماً بوضع الحدود وفرض عدم تجاوزها والأوقات التي تساهلت فيها دون مبرر.

وكأي شخص آخر، يمكن أن تتذكر الأوقات التي شعرت فيها بالرفض والاستهانة، وتلك اللحظات التي تمنيت فيها لو أنَّك دافعت عن نفسك. اكتب تلك الحالات وتذكرها جميعاً؛ ليس من باب التطرق إليها فحسب، ولكن لتتعلم منها.

يتعلق الدفاع عن نفسك بما لا تود السماح به، ولكنَّه مرتبط أيضاً بما تسمح به، لذا أعد النظر فيما يجعلك قوياً ومثابراً، ودوِّن ماذا حدث في هذه المواقف والسبب وراءها، وحالما تكتب القائمة الخاصة بك، اسأل نفسك: ما الذي تريده من هذه التجارب الماضية، وأكد على ما لن تسمح بحدوثه مجدداً، وما الذي لن تتقبله بعد الآن؛ وبهذه الطريقة لن تتعلم أن تدافع عن نفسك فحسب، وإنَّما ستتعلم كيف تضع نفسك على الطريق الصحيح وتضع قواعدك الخاصة وتعيش وفقها.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات لوضع حدود شخصية لنفسك

3. تطبيق الأفكار عملياً:

لقد حددت ما تسمح به حتى هذه المرحلة من خلال تقييمك الذاتي وتوضيح حدودك الخاصة، فكما قالت أوبرا وينفري: "نحن نعلِّم الناس كيف يعاملوننا".

لذا فإنَّ اختيارك ألا تدافع عن نفسك لأي سبب كان هو السبب الذي يجعلك لا تحصل على الاحترام الذي تريده وتستحقه، لكنَّ النبأ السار هو أنَّه في الإمكان تغيير هذا الموقف أيضاً، فما مضى قد مضى ولا يمكن تعديله، لكن يمكنك الاستفادة مما تعلمته لتتخلص من شعور الرفض حتى تتمكن من الانتقال من مرحلة التفكير إلى التطبيق العملي، فكل ما تحتاجه هو خطة من منظور جديد لاتخاذ خطوات جديدة بحيث تدافع عن نفسك عندما يتطلب الأمر.

إحدى الطرق المضمونة التي تعمل على تمكين الناس من الدفاع عن أنفسهم هي تقمص الأدوار؛ فإذا كان الدفاع عن ذاتك يبدو وكأنَّه صراع ترغب في تفاديه دوماً، تظاهر أنَّك شخص آخر، فمن الأسهل دائماً أن تلعب دور شخص آخر وتحيد نفسك عن الصراع الذي تخشاه، لذا اختر خلال جلساتك العملية تقمص دور البطل في أحد السيناريوهات التالية:

تصرَّف كما لو أنَّك تدافع عن نفسك في موقف عصيب عندما تكون قد أتقنت بالفعل الدفاع عن نفسك؛ أو كن صوت ذلك الطفل الصغير القابع داخلك والذي يحتاج إليك كي تقاتل من أجله.

عندما تتقمص دوراً كهذا بعيداً عن نفسك الحالية وعن القصص التي لا تنفك ترويها عنها، يمكنك أن تدافع بموضوعية عن هويتك الحقيقية، وقبل أن تدرك ذلك، تصبح الشخص الذي تحلم أن تكون عليه.

الأمر ليس معقداً البتة، استخدم مخيلتك، فعلى سبيل المثال: ابتكر شخصية خارقة تكون النسخة الجريئة من نفسك التي ترتدي رداء الأبطال وتعبِّر عن البطل داخلك؛ وعندما تحتاج للدفاع عن نفسك، غيِّر تفكيرك وتحدَّث وتصرف كما يفعل الأبطال الذين تقمصت أدوارهم مراراً، واعلم أنَّ هذه العملية ممتعة وذات فاعلية كبيرة.

الخلاصة:

لا يمنحك تعلم الدفاع عن نفسك التمكين والقوة التي تحتاجها فحسب، بل هو مغامرة مثيرة إذا اخترت هذا النهج. يعود كل هذا لك، وأفضل ما في الأمر هو أنَّك تمتلك القدرة لفعل ما تريد وتحقيق ما تحتاجه، لذا كُن ذلك البطل الخارق الذي تريد أن تكون عليه واختر خطواتك التالية بثقة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة