كيف تحول الأفكار السلبية إلى أفعال إيجابية؟

هل سبق أن رأيت شخصاً يستطيع التغلب على العقبات وإظهار قوة عقلية هائلة؛ فأُعجِبت به، وفكرت في سرِّك: "لابد وأنَّ دماغه مختلف عنَّي؟".



نعم، قد يبدو الأمر وكأنَّكما جئتما من عالمين مختلفين، لكنَّ الأمر ليس كذلك؛ فهو بشر مثلك، وعلى الرغم من أنَّ لديه خرائط وعادات عصبية مختلفة، إلَّا أنَّ اعتقادك بأنَّه وُلِد بعقل وسمات أفضل هو عذر أقبح من ذنب؛ إذ يعني ذلك أنَّه يمكنك فيما بعد إلقاء اللوم على افتقادك للدافع والثقة والنجاح على أي شيء غير حقيقي.

يجب أن تعلم أنَّ السؤال حول كيفية تحويل الأفكار السلبية إلى عمل إيجابي هو في الواقع سؤال خادع؛ وذلك لأنَّ التفكير السلبي لن يتحول بشكل سحري إلى أفعال إيجابية، ولكن يمكن إعادة توجيهه؛ فالسر هو إدراك حقيقة أنَّ التجاهل واللامبالاة لن يساعداك في التغلب على الأفكار السلبية.

من أين تأتي أفكارك السلبية؟

دعنا نبدأ الحديث عن "الفيل الذي في الغرفة" -الفيل في الغرفة: مصطلح يعني وجود مشكلة رئيسة أو مسألة مثيرة للجدل من الواضح أنَّها موجودة ولكن جرى تجنبها كموضوع للمناقشة- أو بشكل أكثر ملاءمة: الشمبانزي في الغرفة؛ كدلالةٍ على أنَّ أحدهم ربما يعيش بداخلك.

نعم، جميعنا نقوم بهذا؛ وكلَّما عجلنا جميعاً بمعرفة هذا الأمر، كان أفضل لنا؛ فإذا كنت تشعر بالارتباك العاطفي، فمن المحتمل أن يكون الشمبانزي بداخلك يتجول بحرية داخل التجاويف العميقة لعقلك الباطن، ويتحكم بالموقف، ويستفز الغضب والمحفزات بداخلك.

يتحول الناس إلى وحوش هائجة في مراكز التسوق من أجل الحصول على سلعة ما، ويصرخون على الأشخاص الذين يحاولون مساعدتهم؛ ومن المؤكد أنَّك شهدت ما يبدو عليه الشمبانزي عندما يتحول إلى شرير؛ ولكن في النهاية، درَّب الأشخاص الذين تتطلع إليهم وتُعجَب بهم لقوتهم العقلية، الشمبانزي الذي يسكنهم للعمل لصالحهم، مثل قائد فرقة عسكرية يقود جنوده.

إنَّها مهارة هامة للتعلم، لكنَّهم بدؤوا من مكانك الحالي، مع إدراك أنَّ لديهم هذا الشمبانزي بداخلهم.

تتمثل الخطوة التالية في معرفة أنَّ الشمبازي خاصتك يرغب في مساعدتك بالفعل، ولكنَّه يخطئ أحياناً في بعض الأمور.

إقرأ أيضاً: 7 أسباب وراء الأفكار السلبية

ما هو الشمبانزي؟ ولماذا نمتلكه؟

إنَّه لمن الواضح أنَّ الشمبانزي خاصتك ليس قرداً حقيقياً، ولكنَّه طريقة لعرض جزء من عقلك الباطن، والذي هو الجزء الذي يوجه حياتك؛ أي: الجزء الأساسي والعاطفي منك.

لقد ابتكر البروفيسور "ستيف بيترز" (Steve Peters) مفهوم الشمبانزي في "مفارقة الشمبانزي" (Chimp Paradox)، وهو كتاب يوضح بالتفصيل كيف يمكن أن يكون الشمبانزي أفضل صديق أو أعظم عدو لنا؛ لكونه جزءاً من عقلنا الباطن.

إنَّها مفارقة؛ لأنَّها مفتاح السعادة والرضا، ولكنَّها أيضاً السبب الذي يجعل العديد منَّا يعاني على صعيد قوته العقلية ورفاهيته.

لقد كان الشمبانزي معك منذ ولادتك، وقبل التطور المنطقي لعقلك، وقد أخبرك أن تبكي عندما تحتاج إلى الحليب، وأن تدخل في نوبة غضب لجذب انتباه والديك، وأن تضحك عندما يكون هناك شيء مضحك؛ وقد خزَّن ذكرياتك العاطفية وساعدك على تكوين معتقدات حول الحياة حتى تتمكن من معرفة ما عليك القيام به من أجل البقاء.

يبدو الأمر لطيفاً، أليس كذلك؟ حسناً، لا تتسرع في الحكم؛ فالشمبانزي خاصتك هو سبب شتمك أحدهم يقطع عليك الطريق في أثناء القيادة، إنَّه الشخص الذي يثور بداخلك عندما ترى ظلماً أو تسمع شيئاً يسيء إليك، وهو أيضاً الذي يتدخل أولاً ويذكرك بكل الأوقات التي فشلت فيها ومدى الألم الذي شعرت به حتى تتجنَّب أي نوع من الألم.

هذا منفصل عن دماغك المنطقي والعقلاني، ويعمل في نظام مختلف تماماً، كما لو كنت تملك دماغين تقريباً: "أحدهما تلقائي فعلياً ويفكر فينا من دون أي تدخل منَّا، ويستند إلى العاطفة؛ أمَّا الآخر فهو تحت سيطرتنا، ويسمح لنا بالتفكير كما نريد. المشكلة هي أنَّ هذان العقلان لا يفكران بالطريقة نفسها، ولا يتفقان عادة على تفسير ما يحدث" -البروفيسور ستيف بيترز (Prof. Steve Peter)

يفكر الشمبانزي أسرع منَّا بـ 200 مرة:

الأمر البالغ الأهمية هو أنَّ طريقة تفكير الشمبانزي قد تصل إلى مئتي ضعف سرعة وقوة الدماغ البشري المنطقي.

إنَّ القلق والتوتر والذعر والأفكار السلبية هي نفسها الشمبانزي خاصتك؛ ولأنَّه كان هناك قبل فترة طويلة من تطور عقلك الواعي، يمكنه تثبيت معتقدات معينة في نظامك العقلي قبل أن يقول لك عقلك المنطقي: "انتظر لحظة، لا أعتقد أنَّ علينا افتراض أنَّ الجميع يعتقد أنَّك بلا قيمة لمجرد أنَّك لم تكن جيداً في المدرسة".

عندما يستشعر الشمبانزي أنَّ شيئاً ما على وشك الحدوث قد يسبب لك الألم، يتخلص على الفور من جميع أنواع الأشياء لتذكيرك لماذا لا ينبغي عليك القيام بذلك؛ لكن كيف يفعل هذا؟

إنَّه يدفعك إلى الشعور بالقلق، وقد يشير إلى تدفق الأفكار السلبية كلَّما اعتقد أنَّك بحاجة إليها.

شاهد بالفيديو: قوانين العقل الباطن

ماذا تفعل مع الشمبانزي والأفكار السلبية:

الآن، بتَّ تعرف من أين تأتي أفكارك السلبية؛ لذا إليك أربع تقنيات يمكنك استخدامها لإدارة الشمبانزي وأي أنماط تفكير سلبية تعلق بها:

1. كن على علم بالمعتقدات اللاعقلانية التي يحملها الشمبانزي خاصتك:

من خلال النظر في طفولتك لمعرفة سبب شعورك بأنَّك بلا قيمة، ولماذا تكره التحدث أمام الجمهور، أو لماذا لا يمكنك تكوين صداقات، أو لماذا لا تشعر بأنَّك تستحق السعادة؛ يكون هذا هو الوقت الذي ستبدأ فيه رؤية مدى عدم الجدوى واللاعقلانية التي ينطوي عليها الأمر.

إنَّ الدخول إلى اللاوعي وتحديد الذكريات أمر مفيد للغاية لفهم أين اكتسبت المعتقد لتغيره.

2. ابدأ ملاحظة أفكارك عندما تظهر:

تدرب على الهدوء وملاحظة أفكارك من خلال التأمل، وشاهد ما يحدث عند التفكير المنطقي في فكرة سلبية أو شعور بالقلق أو نوبة ذعر.

في اللحظة التي تشكك فيها في معتقد أو فكرة، فإنَّك تسحب منها القوة، وتدرك أنَّك لست مضطراً إلى الموافقة عليها، وتُظهِر لأفكارك من هو المتحكم.

يمكنك فقط أن تقرر وتقول: "إنَّني أرغب فعلاً في الشعور بالرضا عن العلاقات الاجتماعية، وما شعرت به عندما كان عمري اثنتا عشر عاماً لا يناسبني الآن؛ لذا إليك ما سيحدث..."

إقرأ أيضاً: ملخص كتاب "8 دقائق تأمل" لــ فيكتور ديفيتش

3. أخبر أفكارك كيف تريد أن تكون:

افعل كل ما هو جيد، واعرض الصور التي تحفزك، واستخدم كلمات مثيرة، وكرر ذلك بوضوح وكثرة؛ وستستمتع كثيراً بذلك.

4. حافظ على الاتساق:

سيستغرق هذا بعض الوقت لإجراء تغييرات، لكن اعلم أنَّ بضعة أسابيع قد تحدث تغييرات عصبية حقيقية.

إذا شعرت بالذعر أو التوتر أو القلق، فتنفَّس بعمق، وأوقف استجابة "الكر والفر" لديك. إنَّ غسل الوجه بالماء البارد والغرغرة والغناء والتنفس العميق، كلُّها طرائق لإيقاف التأثيرات الفسيولوجية الفورية والوصول إلى حالة أكثر هدوءاً.

إقرأ أيضاً: كيف تتخلص من الأفكار السلبية إلى الأبد؟

في الختام:

سيؤدي استخدام كل هذه التقنيات بمرور الوقت إلى تغيير دماغك والدوائر العصبية، وتغير هذه الخطوات حياتك.

امنح نفسك الوقت اللازم، وطوِّر فهمك للشمبانزي بداخلك، وستدرك أنَّك لست بحاجة إلى التغلب عليه؛ ولكن تحتاج فقط إلى إعادة توجيه الأفكار السلبية والسماح لها بالتلاشي إذا لم تخدمك.

 

المصدر




مقالات مرتبطة